أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية















المزيد.....


حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6295 - 2019 / 7 / 19 - 13:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حركة أحرار الشام الإسلامية: المآل الإخواني
في المجال الفكري والسياسي والتنظيمي الفاصل بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين حاولت حركة أحرار الشام أن تجد مكاناً لها. وسعت إلى أن تنهج لنفسها طريقاً متمايزاً بقدر ما تسمح هذه المسافة القلقة بين السلفية الجهادية والإخوانية. واستطاعت الحركة أن تثبت وجودها في سوريا وأن تنمو وتكتسب قوة وشعبية واسعة وذلك رغم حداثة عهدها ورغم (وربما بسبب) عدم اتكائها على تنظيمات مكرسة سلفاً، أكانت تنظيمات محلية أو خارجية، ورغم احتفاظها بالتمايز أيضاً عن الجيش الحر في الوقت الذي كان هذا الوليد العسكري السوري يحظى باهتمام ودعم إقليمي ودولي.
واللافت أن الحركة استطاعت أن تنهض من نكسة كبيرة ألمت بها، تمثلت في مقتل كامل الصف الأول والثاني من قياديي الحركة في حادثة رام حمدان، التي لا تزال غامضة إلى اليوم، وراح ضحيتها ما يزيد عن خمسين شخصاً من قياديي وكوادر الحركة في التاسع من الشهر التاسع 2014. وقد استطاعت الحركة امتصاص الصدمة واختيار قيادة بديلة ومواصلة نهجها وهذا ما مكنها من الحفاظ على الرأسمال الرمزي للقادة الراحلين واستثماره.
السؤال الذي يحرّك البحث هنا: هل هناك فراغ عجزت فروع التنظيمات الإسلامية المكرسة في الخارج أساساً (تنظيم القاعدة) أو المكرسة في الداخل والخارج معاً (جماعة الإخوان المسلمين) عن ملئه في الثورة السورية وتمكنت حركة أحرار الشام من شغله؟ أين فشل الإسلاميون السابقون فشلاً أتاح لتنظيم جديد أن يستثمر بنجاح الريح الإسلامية التي شملت الثورة السورية؟ أو بتعبير آخر: كيف ولماذا نجحت حركة أحرار الشام الإسلامية في النمو والانتشار والثبات وسط غابة التنظيمات والتشكيلات العسكرية التي شهدتها الثورة السورية؟
رعاية إقليمية؟
يمكن الاستدلال على إجابة للسؤال السابق بشأن بروز وانتشار حركة أحرار الشام، من ملاحظة العلاقة المميزة للحركة مع كل من تركيا وقطر، وهما البلدان اللتان تربطهما علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين. لماذا يعمل هذان البلدان على مساندة حركة مغايرة لحركة الإخوان المسلمين؟ لماذا لا يراهن البلدان على "جماعتهما" بدلاً من التعويل على حركة بديلة؟
في دراسة لمعهد كارنيغي عن الاخوان المسلمين تناولت تفاعل الجماعة مع الثورة حتى شهر أيار/مايو 2013، بعنوان "الصراع من أجل التكيف: جماعة الإخوان المسلمين في سورية الجديدة" ، يظهر مدى ركاكة التنظيم العجوز في الاستجابة لواقع متحرك كالواقع الذي فجرته الثورة السورية: "الجماعة تفتقر إلى اي قدرة على السيطرة على الأحداث على الأرض". أحد الشباب المتعاطفين مع الإخوان وينتمي إلى عائلة إخوانية يصف الجماعة بأنها "ناد للمتقاعدين". ويمكن اعتبار بروز "مجموعة العمل الوطني من أجل سوريا"، التي كان أحمد رمضان وعبيدة نحاس من أبرز عناصرها، بمثابة حركة احتجاج شبابية ضد تنظيم شائخ من حيث عمر قادته وابتعادهم المزمن عن الواقع السوري، ومن حيث ترددهم في الاستجابة لما يجري في سورية من جهة أخرى.
الدول الإقليمية الساعية إلى استثمار الثورة السورية باتجاه إحداث تغيير إسلامي في سوريا، أدركت أن الإخوان المسلمين حصان خاسر، أو على الأقل لا حصان لا يسعه أن يكون الرهان الأول. وأن القدرة الخارجية للإخوان في المنفى لا يقابلها قدرة داخلية، بعد أن هزمت الجماعة داخل سورية في 1982، ولوحقت أمنياً وقانونياً (القانون 49 الذي يعاقب بالإعدام أي منتم إلى الجماعة). فضلاً عن أن الجماعة تحمل عقدة العمل المسلح منذ ثمانينات القرن الماضي ، في الوقت الذي كان الحل العسكري مع نظام الأسد هو الحل الوحيد بنظر كثيرين ومنهم مؤسيي أحرار الشام.
على هذا يصبح من المنطقي أن تعمل هذه الدول على تشكيل أو بالأحرى دعم تنظيم جديد. التنظيم الإسلامي الذي يمكن أن يخدم الغاية يجب أن يكون جديداً، أي متحرراً من أعباء الخلافات الداخلية المتراكمة وخطوط الانقسام التي تعتمل التنظيمات القديمة وتشل فاعليتها؛ ويجب أن يكون مرناً في صيغته التنظيمية فلا يحتاج العضو إلى أشهر كي يبت في أمره؛ كما يجب أن يكون ريفياً أكثر منه حضرياً نظراً إلى أن الزخم الثوري تركز في الريف حيث الحضور الأمني للنظام السوري أقل وحيث البيئة أكثر ملاءمة للعمل العسكري ضد النظام. كل هذه الشروط غائبة، في الواقع، عن تنظيم الإخوان المسلمين ولذلك جرى العمل على دعم تنظيم شبابي جديد. وكان من المهم أن يتحرر التنظيم الجديد، إلى ذلك، من تبعات القاعدة لما يمكن أن تجر الصلة مع القاعدة من أعباء وحمل وزر ماض سيئ الصيت في نظر المجتمع الدولي وفي نظر القسم الأكبر من الجمهور السوري.
ما سبق جعل أحرار الشام يسعون إلى توطيد أنفسهم بصيغة مستقلة يتمايزون بها عن الذهنية القاعدية أو الإخوانية. وكان في هذا ربح وخسارة للتنظيم الجديد. الربح يتجسد في المقبولية الشعبية العامة من جهة والدعم الإقليمي من جهة أخرى، والخسارة هي وقوع الحركة الدائم بين قوتي شد، الأولى هي الإسلامية الجهادية العالمية ممثلة في الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، والثانية متمثلة في قوى الثورة (مظلة الجيش الحر، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة). يمكن، والحال هذا، النظر إلى تاريخ الحركة على أنه المسار الذي رسمته أحرار الشام تحت تأثير محصلة قوى الشد هذه خلال سنوات الثورة. وسوف نستبق البحث بالقول إن الميل العام لمسار الحركة، من حسان عبود (منذ تاريخ إعلان الحركة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، حتى أيلول 2014) إلى هاشم الشيخ (أيلول 2014 – أيلول 2015) إلى مهند المصري (أيلول 2015 – حتى الآن) كان باتجاه الانفكاك، في النظرة العامة وفي السلوك واللغة، عن السلفية الجهادية والاقتراب ليس من قوى الثورة، كما تشير دراسة "أحرار الشام بعد عام طويل" لأحمد أبازيد، بل من الإخوانية بصفتها التعبير الإسلامي الأكثر استيعاباً لقوى الثورة. وقد وصل التحول الإخواني للأحرار حداً جعل المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا محمد حكمت وليد يقول بوجود "قواسم مشتركة بين الجماعة والحركة، ما يجعلها أرضاً خصبة لتعاون كبير، وفرصة لخلق التكامل بين السياسي والعسكري".
الابتعاد عن النهج القاعدي
تقول حركة أحرار الشام الإسلامية عن نفسها إنها "حركة إسلامية سورية أصيلة، انبثقت من الشعب السوري للدفاع عنه وعن مصالحه وهويته (...) وتعتمد الحركة في بنائها الأساسي والقيادي على ابناء الشعب السوري، وليس له علاقة تنظيمية بأي أطراف خارجية بما فيها تنظيم القاعدة". وبكلام أبو عبد الله الحموي، زعيم أحرار الشام الذي قضى في حادثة رام حمدان: "إن أحرار الشام ليست قاعدة ولا إخوان ولا حزب تحرير ولا حتى تتبع للجيش الحر".
على أن النمو السريع الذي تميزت به الحركة والإنجازات العسكرية التي حققتها خلال فترة قياسية تثير السؤال، وتبرر قول القائلين بأن حركة أحرار الشام هي واجهة "معتدلة" لتنظيم القاعدة، أو هي أحد جماعات تنظيم القاعدة غير الرسمية، مستندين إلى أنها تأسست بمباركة مندوب الظواهري إلى سوريا أبي خالد السوري الذي اغتيل في تفجير انتحاري في ريف حلب في شباط من عام 2014 على يد انتحاريين من داعش حسبما هو شائع. كما يستندون إلى أن الظواهري سبق أن وضع، في تسجيل صوتي له، قائد أحرار الشام، حسان عبود (ابو عبد الله الحموي) في المرتبة نفسها مع أبي محمد الجولاني وأبي بكر البغدادي . والحق أنه لا يخلو الأمر من مستندات لهذا القول، فالحركة كانت في علاقة مميزة وتحالفات متكررة مع جبهة النصرة كما هو معلوم ، والحركة تعاملت مع داعش في إدارة معبر تل أبيض على الحدود مع تركيا. وبحسب رواية قائد كتائب فاروق الرقة محمد الضاهر "أبو عزام"، استولت داعش على المعبر من كتائب الفاروق بالقوة وسلمته إلى أحرار الشام بشكل جزئي ليصبح الطرفان مسؤولين عن المعبر .
لكن بعيداً عن التحليلات الظنية التي تذهب عكس ما تصرح به الحركة عن نفسها، فقد تميزت حركة أحرار الشام عن تنظيم القاعدة عسكرياً بأنها تعتمد على العنصر السوري أساساً، وزاد اعتمادها على هذا العنصر مع الوقت (ولهذا، بلا شك، بعده السياسي والفكري). ومن الواضح أن الحركة استفادت في البداية من الخبرة العسكرية المتراكمة من الجهاد في العراق وافغانستان لدى بعض من انخرط فيها وكان بينهم أجانب ، فقامت بعمليات عسكرية كبيرة كانت لافتة وشدت لها الأنظار وفتحت لها منابع التمويل. وتميزت الحركة بالاعتماد الكبير على العبوات الناسفة ذات الفعالية، وهي الطريقة التي جرى نقلها من خبرة الجهاد في العراق، وزودت الحركة تشكيلات عسكرية أخرى بها كما يرد في فيلم الجزيرة الآنف الذكر. ويلفت النظر من الناحية العسكرية أن الحركة لا تعتمد العمليات الانتحارية (أو على الأقل لا تجاهر بها)، وهي تسمي هذه العمليات انتحارية وليس استشهادية، ما ينطوي على بعد شرعي مختلف عن شرع تنظيم القاعدة.
داومت حركة أحرار الشام الإسلامية على حفظ مسافة سياسية لها عن تنظيم القاعدة، فهي تؤكد على سوريتها وتبتعد عن النهج الأممي الإسلامي في رهن سورية إلى سياق جهاد عالمي، فتنظر إلى سورية كوطن وتعتبر من مهامها "إنشاء جيش وطني" (وليس إسلامي)، ولا تعتمد المظهر الأفغاني في اللباس، ولا تضع شعارات الحركة في الجوامع، وتحترم مظهر وعادات ونمط عيش الأهالي، وهم في هذا أقرب إلى الإخوان المسلمين. فضلاً عن أن غالبية "أحرار الشام" يمتلكون اعتباراً ملحوظاً تجاه روح العصر في مظهرهم وممارساتهم.
ثمة في الفكر القاعدي إدارة ظهر واضحة للعالم، بكل معاييره وتوافقاته وسياساته. إما أن يكون العالم على صورتنا أو نحاربه حتى يصبح كذلك. هذه الثنائية التي تقسم العالم إلى "فسطاطين" تضع التنظيمات القاعدية في مواجهة العالم ككل، فلا توجد مسافة للمفاضلة بين الدول بدرجة السوء، تماماً كما لا يوجد منزلة بين الكفر والإيمان. وفي حين يشكل هذا الاعتبار القصووي إغراء للقلوب المعذبة التي تشدها الإطلاقيات، وهذا أحد جوانب جاذبية التنظيمات القاعدية للجيل الشاب، فإن هذا الاختزال الشديد يحكم على التنظيمات القاعدية بالعزلة التامة والفشل الأكيد في النهاية.
ابتعد تنظيم أحرار الشام في سوريا عن النهج القاعدي، وهذا الابتعاد حرمه من الجاذبية المذكورة، وتركه تحت ضغط المزاودة الإسلامية المستمرة، ولكنه أعطاه امتيازاً أهم يتعلق بقبوله التشارك مع المختلفين عنه، ما جعله يحوز مقبولية أكبر لدى دول العالم وفي المجتمع الدولي، وهذا ما شهدناه في نجاته من التصنيف ضمن التنظيمات الإرهابية، وفي دعوته إلى مؤتمر المعارضة السورية في الرياض (كانون الأول/ديسمبر 2015)، وقبوله كشريك في مفاوضات التسوية في جنيف. ولا يخفى على المتابع أن بيان انسحاب الحركة من مؤتمر الرياض "بسبب ضعف تمثيل الفصائل المجاهدة، ووجود شخصيات لا يخفى انتماؤها للنظام السوري" ، ثم عدول الحركة عن الانسحاب وتوقيعها البيان الختامي، جاء تحت تأثير قوتي الشد المذكورتين آنفاً على حركة أحرار الشام التي واظبت على محاولة إمساك العصا من المنتصف.
فضلاً عما سبق، حافظت حركة "أحرار الشام" على مسافة تنظيمية وفكرية عن الجيش الحر، فهي لم تلتزم علم الاستقلال الذي بدأ ظهوره في المظاهرات المناهضة للنظام بدءاً من تشرين الثاني 2011، تماماً كما لم تلتزم علم القاعدة. ورغم أن أحرار الشام قبلوا أن تنسب العمليات العسكرية التي كانوا يقومون بها إلى الجيش الحر في نشرات أخبار قناة الجزيرة، إلا أنهم في الواقع كانوا أقرب إلى القاعدة خلال معظم جولات الصراع. وقد اتخذت الحركة موقف المتفرج من عمليات التصفية التي تعرضت لها كتائب تنسب نفسها إلى الجيش الحر على يد جبهة النصرة التي كانت تتجاوز التسويات والمصالحات التي ضمنتها أحرار الشام. جرى ذلك في هجمة التصفية التي قادتها النصرة ضد جبهة ثوار سوريا، حيث وقف أحرار الشام على الحياد، وفي الهجمة المماثلة التي شنتها النصرة على حركة حزم ولم تتوقف، رغم اتفاق الهدنة الذي رعته حركة أحرار الشام وعجزت عن الزام النصرة باحترامه، حتى أعلنت "حزم" حل نفسها في الأول من آذار/مارس 2015.
مسعى مضطرب للحفاظ على التمايز
كانت كتائب أحرار الشام من أوائل التشكيلات التي حملت السلاح (في أيار 2011) بحسب زعيمها حسان عبود الملقب بأبي عبد الله الحموي ، ولكن دون إعلان نفسها أو استخدام السلاح حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2011. وهذا يفسر توفر الحركة (اندماج أربع جماعات هي جماعة الطليعة الإسلامية، وحركة الفجر الإسلامية، وكتائب افيمان المقاتلة، وكتائب أحرار الشام) على حوالي 25 ألف مقاتل عند إعلان بيان التأسيس . وينسجم هذا القول أيضاً مع قناعة عبر عنها أحد مؤسسي الحركة الملقب أبو يزن الشامي (محمد الشامي)، وهي إن النظام السوري لا يمكن أن يرحل إلا بالعنف، وإن التريث عن استعمال السلاح في فترة المظاهرات السلمية كان الغرض منه أن يقتنع الناس بأنفسهم أن السبيل السلمي مع هذا النظام لا أفق له للنجاح .
وفي حين كانت التشكيلات العسكرية التي راحت تتشكل بعد حوالي ستة أشهر من انطلاق الثورة السورية تنضوي ولو بالتسمية تحت مسمى الجيش الحر، فإن أحرار الشام كان التشكيل الأول الذي سبق في تشكله نشوء ظاهرة الجيش الحر، ورفض الانضواء تحت هذا المسمى، مع قبول أن تنسب العمليات العسكرية التي كان يقوم بها إلى الجيش الحر إعلامياً، كما سبق أن أشرنا.
وقد شارك الأشخاص الذين سيصبحون فيما بعد قادة تشكيلات عسكرية في حركة أحرار الشام الإسلامية، في المظاهرات في المرحلة التي غلبت عليها السلمية من الثورة. وحين عادت المظاهرات بعد صمود الهدنة في سوريا (منذ 27 شباط/فبراير 2016)، تمايز موقف أحرار الشام عن موقف جبهة النصرة بوضوح. ففي حين عملت النصرة على تفريق مظاهرة في معرة النعمان في إدلب ومنعت رفع علم الثورة، أيدت أحرار الشام المظاهرات ورفع علم الثورة، ما أثار خلافاً مع جبهة النصرة. واعتبرت أحرار الشام أن لا تعارض بين راية التوحيد وراية الثورة وأن "من أهان العلم الذي اختاره شعبنا المسلم فقد عرض نفسه للإهانة" .
بين موجة المظاهرات السلمية في بداية الثورة السورية وموجة المظاهرات الثانية اليوم، شهدت حركة أحرار الشام تبدلاً فكرياً سياسياً قاد من المطالبة "بأن يكون الدين الإسلامي السني دين الدولة والمصدر الوحيد للتشريع"، كما جاء في ميثاق الجبهة الإسلامية التي شكلت في أواخر 2013 وتولت حركة أحرار الشام قيادة المكتب السياسي فيها، إلى "نحن نؤمن أن سورية تحتاج إلى مشروع وطني جامع لا يمكن أن تتحكم به أو تنجزه جهة أو جماعة واحدة، ولا يجب أن يرتبط الحل بإيديولوجيا واحدة"، كما جاء في مقالة مدير مكتب العلاقات الخارجية للحركة لبيب النحاس في مقالة له في الواشنطن بوست في 10 تموز/يوليو 2015.
الحق أن الكثير من قيادات أحرار الشام امتازت بالقابلية للتطور ونقد الذات، وهذا ما جعل الخط العام لمسار الأحرار خط تطوري، من منظور الثورة السورية، يبتعد أكثر عن السلفية الجهادية، حتى عن النسخة المحلية منها، ليتجه إلى فهم إسلامي أكثر اعتدالاً، وقد نقول أكثر وطنية. من اللافت مثلاً أن يعتذر أبو يزن الشامي عن سلفيته مخاطباً أهل الشام: "نعتذر لكم لأننا أدخلناكم في معارك دنكوشوتية أنتم في غنى عنها، وأعتذر عن تمايزي عنكم وانغلاقي الفكري، بحجة أنني من السلفية الجهادي" . ويقول: "أنا كنت سلفياً جهادياً، وحبست على هذه التهمة، واليوم أستغفر الله وأتوب إليه".
ولئن كان "اعتدال" الأحرار من الأسباب التي قربتهم إلى الجمهور الثائر، فإن من طبيعة الجهاد الإسلامي أن باب الغلو فيه مفتوح على الدوام، وهذا ما يشكل مجال جذب ليس من السهل أن يصمد فيه المعتدلون، ولاسيما إذا قيض للغلو أن يمتلك القدرات المادية. الأمر الذي حدث مع أحرارالشام أمام الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة. ففي الرقة هزم الأحرار على يد داعش لأن مقاتلي الأحرار، بسبب اعتدالهم وضعف استلابهم الايديولوجي للحركة التي ينتمون إليها، رفضوا قتال من يرفعون راية الإسلام . وفي الحسكة والرقة ودير الزور بايع الكثير من مقاتلي أحرار الشام داعش، إلى جانب الكثير من مقاتلي النصرة أيضاً. ففي الجهاد تكثر المزاودات وتزداد القوة المعنوية للتنظيم كلما زاد في الغلو.
بعد أن وقعت حركة أحرارالشام ميثاق الشرف الثوري الذي يضمن احترام حقوق الإنسان في إطار دولة العدل والقانون والحريات، فضلاً عن التمسك بالنسيج السوري الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية، مع ترك المرجعية لتحديد نمط الحكم بعد سقوط النظام، للشعب السوري ، اتهمت جبهة النصرة الموقعين بأنهم غلّبوا "روح الوطنية وروح المواطنة والانتماء إلى التراب والوطن على الأخوة الإيمانية"، مما اضطر حسان عبود للرد بتغريدة على تويتر: "إن قيام دولة إسلامية عادلة راشدة هو هدف استراتيجي غائي عندنا. ومن زعم أننا فتنا في ديننا وبعنا ذممنا بعرض من الدنيا فهذه دعدشة نعرفها من أخرق" .
الدائرة الإسلامية المغلقة
ما أشرنا إليه من تحول في مسار حركة أحرار الشام ظل، ومن المؤكد أنه سيبقى، ضمن حدود الدائرة الإسلامية وما تتيحه. تحت تأثير التحولات التي شهدها مسار الحراك السوري نفسه، سواء تحولاته الداخلية أو تحولات المشهد الدولي من حوله، ابتعدت الحركة عن السلفية الجهادية الإسلامية العالمية لصالح صيغة إسلامية أكثر قابلية لاستيعاب روح العصر. ولكنها كحركة إسلامية تبقى رهينة محبسها الخاص، فحسان عبود،زعيم الحركة والذي ينظر إليه على أنه قطب الاعتدال فيها، وتذهب تحليلات إلى أنه كان العقبة في وجه سيطرة جبهة النصرة على ريف إدلب، وهناك من شكك في أن تكون النصرة وراء مقتله مع زملائه، يؤكد "على ضرورة التعايش بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت مشاربهم وعقائدهم ويترتب على ذلك حقوق وواجبات متبادلة وتجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركاً بين الجميع"، ولا مساس بشيء من هذا إلا وفق "أحكام الشريعة الإسلامية"، وهذا ينتهي بالفعل إلى تكريس ذمية مواطنية وسياسية .
ففي مسعى الحركة لتقديم نفسها بصورة مقبولة للغرب ، يكتب لبيب نحاس في الواشنطن بوست الأميريكية في 10 تموز/يوليو 2015: "نعتبر أنفسنا جماعة إسلامية سنية نقاتل من أجل تحقيق العدالة للشعب السوري"، هذا الجمع بين ما لا يُجمع هو ما يميز "الإسلام المعتدل". الجمع بين فئوية الحركة "سنية" وبين "تحقيق العدالة للشعب".
وفي مقال آخر لنحاس في التلغراف البريطانية في 21 تموز/يوليو 2015، يكتب ضمن المسعى التقاربي مع الغرب: "نحتاج بديلاً سنياً في سوريا يحل محل النظام وداعش". تلك هي المعضلة الإسلامية التي نسميها "الدائرة المغلقة"، ذلك أن الإسلامية لا تنفتح على الوطنية أو لا تتواءم معها، فلا يمكن لأحرار الشام أن يتحول إلى تنظيم وطني، تماماً كما لم يتمكن حزب الله في لبنان أن يتحول إلى حزب وطني رغم كل إنجازاته "الوطنية".
خاتمة
انطلقت المقالة من البحث عما أتاح لأحرار الشام أن تكون ذات وزن مادي ومعنوي في سياق الثورة السورية، وأن تتجاوز نكباتها وتستعيد توازنها. ودافع المقال عن فرضية تقول إن تموضع الحركة في منطقة تقع خارج القاعدة وخارج الإخوان وخارج الجيش الحر، هو ما منحها فرصة أن تصبح رهاناً واعداً لداعمين إقليميين شكلوا سنداً مادياً ومعنوياً لها، وأقالوها من عثراتها. فيما كان الأحرار قادرين على استثمار الموقع ذاك وصيانة علاقاتهم التحالفية منه.
ورصدت المقالة تحرك الأحرار، تحت تأثير معطيات داخلية ودولية، على خط يبتعد بهم عن السلفية الجهادية، ويقترب بهم من الإخوانية. ثم انتهت المقالة إلى رصد التطور الإخواني الأخير الذي تجلى في انفتاح الحركة على الغرب، مع ملاحظة وقوع الحركات الإسلامية جملة في إسار دائرة مغلقة، لا يمكن الخروج من قيدها إلا بالخروج منها إلى دائرة وطنية لا تحنط هوية المجتمع في صورة محددة سلفاً تسمى "الإسلام"، هو في الواقع إسلام أصحاب القوة والسيطرة القادرين على قمع الألوان اللانهائية من "الإسلامات" الأخرى.
آذار 2016



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة عن الحالة السورية في 2014
- أبو طالب وأم اسماعيل
- حوار لصالح مركز حرمون للدراسات المعاصرة
- العلمانية من منظور الأقليات الدينية
- العلويون السوريون بين الانفتاح والانعزال
- مديح المفاجأة
- السودان، خطوة إلى الأمام ومخاطر متربصة
- الهزيمة المؤسسة للهزائم
- نفوس مفخخة
- الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً
- اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة
- حوار، عن الذات وعن الثورة
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية