أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - الغَدُ آتٍ















المزيد.....


الغَدُ آتٍ


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6295 - 2019 / 7 / 19 - 02:17
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لا نأمل بسوى تقديم نصيحتين دائمتين ليحفظها أولادنا: الأولى أن يكون لهم جذورا والثانية أن يكون لهم أجنحة. هنري وارد بيتشر
لا توجد فرحة مثل فرحة مشاهدة الأطفال يكبرون، ورؤية نمو شخصياتهم والتساؤل عما سيكونون عليه عندما يكبرون، لكن ما دامت مسؤولية رعاية وتربية الأطفال ملقاة على عاتقنا، فلن يحق لنا نسيان واجباتنا عن الإيفاء بمطالب تربيتهم في الوقت الحاضر. فاسمهم اليوم. فكل ما يحتاجه الأطفال فيما يخص الإرشاد، والأمان، والمحبة، فهم بالحقيقة يحتاجونه الآن. لأنه سرعان ما يحين وقتهم بالطيران لوحدهم، عندئذ لن يمكننا منعهم من ذلك.
ويوضح الأديب والمفكر جبران خليل جبران هذه الحقيقة القوية بهذه القصيدة النثرية من كتاب النبي، ترجمة د. ثروت عكاشة، الفصل الذي بعنوان الأطفال. ويرمز الرامي فيها إلى الله والقوس إلى الوالدين والسهام إلى الأطفال، فيقول:
أنتم الأقواس، منها ينطلقُ أبناؤكم سهامًا حيَّة. والرّامي يرى الهدَفَ قائمًا على طريق اللانهاية، ويشدُّكم بقدرته حتى تنطلق سهامُه سريعة إلى أبعد مَدى. وليكن انحناؤكم في يد الرّامي عن رضاً وطِيبِ نَفْسٍ؛ لأنه كما يُحبُّ الرّامي السَّهم الطائر، كذلك يُحبُّ القوْسَ الثابتة. فكم يتوق كل سهم حيّ إلى السفر بصورة «سريعة إلى أبعد مَدى»! وكم يجب على كل والد ووالدة أن يبذل جهوده لكي يبقى قوسا ثابتا. فالأمر ليس هيّنا وسهلا عندما نقوم برعاية الأطفال حتى لو كانت رعاية طفل واحد، فتتضمن إرشاده خلال تلك السنوات التكوينية الأولى، ومساعدته في توجيه دفّته نحو الاتجاه الصحيح عند الإبحار خلال هيجان سنين المراهقة، ومن ثم توجيهه نحو مسؤوليات مرحلة الرشد. ويبدو أن هناك مخاطر في كل جانب من هذا الطريق. وفي محاولة الآباء للحفاظ على قوسهم ثابتا، فتراهم يزيغون زيادة عن اللزوم إما في هذا الاتجاه وإما في ذاك، حتى لو كان الوالدين من أكثر الآباء تفانيا.
وقد أخبرني اِيد Ed، وهو مرشد مدرسي في التوجيه التعليمي، بأن من بين الطلاب المراهقين الذين تَعامَل معهم، كان هناك من انزلقوا عن قيم والديهم أسرع وأبعد من أقرانهم الآخرين، وذلك لأنهم كانوا محميين أكثر من اللزوم ولم يحصلوا على فرصة للطيران (أي مغادرة البيت)، فيقول:
تظاهر أحد الشباب المراهقين واسمه نِك Nick بأنه كان يسمع كلام والديه طوال مدة المدرسة الثانوية: فقد كان طفلا نموذجيا – مهذبا وطيبا. غير أني أتمنى لو رأيتموه بمجرد إكمال دراسته الثانوية ومغادرته للبيت وانتقاله إلى شقته – فأخذ يشرب كثيرا، واستحوذ عليه الجنس، وأصبح غير قادر كليا على السيطرة على نفسه.
وهناك طالبة أخرى اسمها كارا Cara، أحسّت بأن والديها لم يهتما بها شخصيا كإنسانة، بل سوى بأسلوب جوابها عليهما كوالدين. وأبقت تمردها في طيّ الكتمان في معظم الأوقات، ولكنها مع ذلك كانت تشتعل غضبا آنذاك. وكانت مقتنعة بأنها لن تتطابق أبدا مع الشخصية المثالية التي يحلمون بها عن فتاة «لطيفة،» وكلما زادت صرامة تعاملهما معها، اشتد جوابها حدة عليهما. وهربت أخيرا من البيت لتعيش مع أقاربها في ولاية كاليفورنيا، وأخبرتهما بأنها لا تريد أي اتصال آخر معهما ثانية.
نرى في كلتا الحالتين أعلاه، أن جهود الأهالي لمحاولة تربية ولديهم بنجاح باءت بالفشل الذريع لأن آباءهما حرموهما من فرصة ارتكاب الأخطاء. ففي حالة الشاب نِك، كان النمط تقليدي: فذلك الولد المهذب بعناية خضع لوالديه طوال المدة التي كان ينبغي له أن يطيعهما، لكن حالما سحبته الظروف من سيطرة والديه، لم يكن في وسعهم فعل أي شيء – ولم يكن في وسعه هو أيضا أن يفعل الكثير، وذلك لافتقاره إلى أساس قوي يقف عليه. أما في حالة الفتاة كارا فكانت المشكلة مألوفة أيضا: فعندما نسِيَ الوالدان أن طفلهما كان فردا قائما بحد ذاته، صارت تصرفات الوالدين تعكس ميول الأهل لتملُّك الطفل أكثر من الاهتمام الصادق به، وانتهى الأمر بهما بأن يحاربان الاحتجاجات المُبَرَّرة والمفهومة لبنتهما التي رفضت أن تكون مملوكة.
فما هو البديل؟ الجواب بكل بساطة هو: الحرية. ووفقا لما قاله جدي: «إنّ ما يعطي الطفل طبيعة واثقة بحالات الخطر هو الثقة بالرعاية الإلهية الساهرة الأكبر من طاقتنا البشرية وليس الإفراط في الحماية من جانب الأشخاص الكبار القلقين. ففي الحرية تكمن أفضل حماية للطفل.»
لا تعني الحرية رخصة ليفعل الولد كل ما يشاء. فقبل كل شيء ينبغي أن نستقي العبرة من الموضوع، فبطبيعة الحال نحن أحرار لنقود السيارة بعكس اتجاه المرور في الشارع، لكن ما الثمن الذي سندفعه؟ إنّ رغبة الشباب في الاستقلالية والاعتماد على الذات أمر طبيعي جدا، لكن مع ذلك يجب تعليم الأولاد على أن هنالك مسؤوليات مترتبة عليها دائما. ولو لم نعطِ المراهقين أية إرشادات فمعناه أننا نجرّ على أنفسنا المتاعب حتى لو كان الولد من أنضج المراهقين الشباب. وهذا الإهمال له أضرار كما تُبيّن لنا الحكاية التالية التي تحكيها إحدى الأصدقاء واسمها جين Jean:
لقد نشأتُ في أسرة متساهلة جدا. وكان هذا مقصودا من جانب والديّ. وذلك لأن والدتي عاشت قمعا أثناء نشأتها، فقرر والداي أن يربيا أولادهما تربية مختلفة.
وأراد والدي أن أعرف أنه «لا يوجد شيء يدعى حقيقة مطلقة،» وكان يمقت الناس الذين كانوا من أصحاب العقول الضيقة. وشرح لي مرة وجهة نظره بالطريقة التالية: إذا كان يجري بناء جسر جديد يربط منطقتي بروكلين ومانهاتن في ولاية نيويورك، فهو شيء رائع بالنسبة إلى الأشخاص الذين يسوقون عجلاتهم على الجسر ولكنه رهيب بالنسبة إلى أولئك الذين وجب عليهم التخلي عن منازل عائلاتهم لجعل بناء الجسر ممكنا. فكل شيء نسبي، جيد بالنسبة إلى بعض الناس، وسيء إلى البعض الآخر.
وكانت الطريقة المتبعة في حياتي هي أن أفعل كل ما يحلو لي. وقال والدي لي: «عندما تلمسين الموقد ستعرفين حرارته. لذلك سوف تتعلمين عن الحياة من خلال تجاربك.»
ولم يتوقعا مني المساعدة في أي شيء من الأعمال المنزلية الروتينية. وغالبا ما كانت والدتي تتشكى كثيرا من الفوضى الموجودة في غرفتي، لكنهما لم يفعلا أي شيء لتغيير الوضع. وأتذكر مرة عندما أعلنت مغادرتي للمنزل، فقال والدي: «حسنا، سأساعدك في حزم أمتعتك.»
لا أنكر بعض الأشياء الرائعة في طفولتي؛ إلا أن المشكلة أن بيتنا لم يقدِّر تقديرا كبيرا مفهوم البراءة الطفولية. فلو شئت البقاء خارج البيت لساعة متأخرة أو لم أود المجيء إلى البيت بتاتا في الليل، فلم تكن هناك أية مشكلة من جانب والديّ. . . . وبحلول سن الرشد لم يكن هناك شيء قد صادفني في طريقي ولم أجربه.
في الوقت الذي قد يعتبر العديد من المراهقين أن مثل هذا الوضع المتساهل هو البيت المثالي، إلا أن جين تخالفهم الرأي. فالغياب الكامل لحدود السلوك الذي من المفروض أن يرسمه الوالدان لأولادهما لم يؤدِّ إلا إلى استفحال مشاعر انعدام الأمان لدى جين وجعلها مكتئبة. وتبدو عليها الآن علامات الارتياب والخجل المفرط. فها هي تقول:
لم أعرف الفرح الحقيقي. إذ كنتُ فارغة في داخلي، ومستميتة لشيء أتمسك به. وباعتباري الآن أمّا لأولاد مراهقين، فتراني ألاقي صعوبة كبيرة في مساعدتهم. ولا أريد الفراغ نفسه الذي عشته أنا أن يكون لهم. وغالبا ما أرى مدى حاجتهم إلى توجيهات واضحة، إلا أنني ببساطة غير قادرة على تقديمها لهم في كثير من الأحيان. فأنا بحد ذاتي ما أزال أبحث عن هذا العنصر الجوهري أو الأرض الصلدة لأقف عليها، فكأنني ألبث على رمال متحركة بشكل دائم.
من الواضح أن التربية غالبا ما تكون عملية موازنة، ومن السهل أن يخطئ المرء في جانب التساهل كما في جانب التسلُّط. وإليكم اقتباس آخر من جدي، فقد قال:
لقد تربى بعض الأولاد على أسلوب حرّ سائب بشكل غير معقول، وهم – وفقا لمعاييري – وقِحون وأشقياء إلى أبعد حدّ. غير أنني أرى أن الحرية الزائدة أفضل من خوف الاِستعباد الذي يجعل من الوالدين آخر من يلجأ إليهما الولد في حاجته. . . . هنيئا للأولاد الذين لديهم أمّ يقدرون أن يفتحوا لها قلوبهم ويعبِّروا عما في نفسهم ومتأكدين دائما من أنها ستبدي تفهما لهم، وهنيئا أيضا للذين لديهم أبّ يطمئنون بقوته وبولائه لهم، بحيث يسترشدونه ويطلبون نصائحه طوال عمرهم. ويتمنى الكثير من الناس أن يكونوا مثل هؤلاء الآباء والأمهات لأولادهم، وهذا غير ممكن إلا عندما يكون لديهم ما يكفي من المحبة والحكمة.
لا أدري ما كنت سأفعله بدون الثقة التي تعامل بها والداي معي ومع إخوتي، رغم الإحباط أو خيبة الأمل التي سببناها لهما في كثير من الأحيان. وبدلا من أن يتباعدان نفسيا مِنّا بسبب تلك الأحداث، أو ينجرحان منها شخصيا، كان والداي يستغلانها كفرص لتعميق علاقتنا. واعتاد أبي أن يقول لنا أمرا لن أنساه أبدا: «أُفضِّلُ أن أحيا بالثقة حتى لو كنت معرضا للغدر والخيانة على أن أحيا يوما واحدا في عدم الثقة.»
فليس هناك ما يقرّب الوالد والطفل تقريبا كبيرا سوى ولاء كهذا. وعندما أتذكر المعلمين الذين كان لهم الفضل الكبير في تشكيل حياتي، فأرى النموذج نفسه. فكان لإدراكهم بما كان يسعى في داخلي – حتى لو لم أستطع التعبير عنه – ولفهمهم للنمو الجاري في حياتي، الفضل في جعلي التفت إليهم بكامل الثقة والاقتناع. فكنت سأفعل كل شيء لأجلهم.
ومن الممكن جدا مساعدة الأطفال على تخطي أغلب الصعاب التي تواجههم بأسلوب أو بآخر وقلما يصعب عمل ذلك – فلو لم تكن المساعدة من خلال الاستماع إليهم ومحاولة فهم سبب صمتهم أو تمردهم أو ضيقهم، فلتكن على الأقل من خلال التسليم بالأذى الذي أصابهم وإبداء التفهُّم لهم. أما أسلوب وضع قواعد وممنوعات فنادرا ما يكون مجديا في مساعدة الأطفال في هذا المجال، حتى أن المحادثات الطويلة، والأسئلة الاستقصائية، ومحاولات جعل الطفل يتجاوب ويتكلم، لا تساعد هي الأخرى. إلا أن أسلوب الاحترام مناسب دائما، لأنه يوحي باحترام مقابل في أغلب الأحيان. وتتذكر صديقتنا البريطانية باربرة Barbara فتقول:
عندما كنت مرّة متضايقة ومشوشة وفي حيرة من أمري، فإذا بوالدي يأخذ إجازة من عمله ويأخذني في مشوار طويل في الغابة، وتناولنا بعدها غداء متأخرا في إحدى الفنادق الريفية. ولم يحاول أبي أن يجبرني على الإفصاح عن سبب تضايقي، كما لم يحاول بالتأكيد أن يعطيني أي نوع من النصائح. فلم نفعل شيئا سوى أننا قضينا اليوم معا. غير أني لن أنسى ذلك اليوم أبدا. لأنه جعلني فعلا أحسّ داخليا بأنني عزيزة ومقدّرة واِعتراني ارتياح نفسي عارم.
ومررتُ في فترة لاحقة بفترة من الاكتئاب الشديد، فقام والدي بشراء تذكرتين لحضور مسرحية في إحدى مسارح لندن. ولم يصطحب أحدا سواي. . . . وعندما أتذكر تلك السنوات، فأنا متأكدة من أنه لم يكن يعرف قط كيف ولماذا كنت أتألم كثيرا نفسيا. كما أني متأكدة بأنه لم يعرف لحد الآن كم كانت هاتان المبادرتان تعنيان بالنسبة إليّ.
تُعتبر مثل هذه المحبة التي نقدمها للأطفال وللمراهقين بصورة عامة أعظم أمان نفسي يمكنننا تقديمه لهم. وكما تشير ذكريات باربرة، فلا تحتاج المحبة إلى صياغتها بالكلمات. إلا أن الكلام في بعض الأحيان مفيد جدا في بناء شخصية الولد. وأفضل المعلمين هم الذين يحفزون في داخل الأطفال دافعا ليجعلوهم يفكرون ويبحثون ويطرحون الأسئلة، مثل «لماذا؟» و «ها أنا هنا، ماذا تريدني أن أفعل؟» أما ظاهرة التماثلية وسير الجميع على ذات النمط التي نراها سائدة في مجتمعاتنا المعاصرة فلم تكن دوافعها سابقا بهذه القوة مطلقا. فنرى الآن أن الجميع يرتدون الملابس نفسها، ويتناولون الطعام في سلسلة المطاعم نفسها، ويقرؤون المجلات نفسها، ويشاهدون العروض نفسها، ويتحدثون عن فضائح المشاهير نفسها، وعن الكوارث نفسها، وعن الأحداث السياسية نفسها. لذلك أصبحنا نشعر بأننا أسياد أنفسنا لكننا بالحقيقة أصبحنا عبيدا بالرغم من أن المجتمع يقول لنا إننا لدينا خيارات كثيرة، فهل من الممكن أن يكون لنا تفكيرنا الذاتي بعد الآن؟ ويحذر الفيلسوف والتربوي الألماني فريدريش فورستر Friedrich Foerster من مغبة الأمر، فيقول: لو لم يكن لنا مُثُل عليا لتحصيننا ولنقتدي بها، لوقعنا بكل سهولة فريسة لغرائزنا الاجتماعية؛ أي بمعنى، فريسة لمخاوفنا من الناس، ولطموحاتنا الذاتية، ولرغبتنا الاجتماعية في طلب رضا الناس، ولجميع غرائز الجماعة والميول الأخرى التي تدفعنا إلى التصرف أو التفكير مثل الأغلبية، حيث تسمى هذه الظاهرة بثقافة القطيع، فتضعف شخصيتنا، ونقول حالنا حال الناس. فقد تفشّت حياة المجاميع والتكتلات، وحركة مرور الناس، والجمعيات التعاونية، وقوة الرأي العام، في حين تناقصت منظمات الحياة الروحية الشخصية، وتم قمع الفرد كإنسان له رأيه ومواقفه الخاصة رغم شعارات الفردانية (ذات الطابع الأناني والانعزالي) التي تدّعي بها البلاد.
فلو كنا ملتزمين حقا بتنشئة الأولاد كأفراد لهم شخصيتهم المستقلة – وبتربية شباب وشابات لديهم القوة لتحدي الرأي العام – لاحتجنا إلى أن نؤمن بهذا إيمانا قويا. فكلما نحثّ الأولاد على أن يطرحوا أسئلتهم واستفساراتهم أكثر وأكثر أصبحوا في الطليعة. وفي وسعنا ضم صوتنا إلى صوتهم والاشتراك معهم في البحث بكامل الغيرة عن كيفية تغيير أحوال المجتمع وتحسينها، ونسأل معهم: «لماذا؟ ولماذا الأحوال على هذه الشاكلة، وكيف سنغيرها؟»
ويمكننا مساعدة الأطفال على إيجاد قضية لهم لتكريس طاقتهم لها. وعندما نقدم لهم فرصة معينة للخدمة والجود وبذل الذات، والتعلُّم من الآخرين والتفكير بحاجات الآخرين، فسوف يدركون بأن لديهم في الواقع شيء يساهمون به. وعلى حد تعبير الطبيب النمساوي فيكتور فرانكل Victor Frankl، فإنّ الأطفال سوف يصبحون على وعي بأن السؤال الذي ينبغي طرحه ليس: «ما الغرض من وجود حياتي؟» وإنما: «ماذا تطلب الحياة مني؟»5 فالعالم بحاجة ماسة إلى التغيير الذي بإمكانهم صنعه.
هناك مفارقات في التربية: فمن جهة نربي أولادنا على المبادئ القويمة، لكن من جهة أخرى نعطيهم الحرية؛ ومن جهة نسعى إلى حمايتهم، لكن من جهة أخرى نقوم بتشجيعهم على التضحية بالنفس؛ ومن جهة نعمل على إرشادهم، لكننا من جهة أخرى نهيّئهم ليسبحوا عكس التيار وعدم مسايرة التوجهات المغلوطة السائدة – فكل هذه المفارقات اجتمعت في القصة التالية:
عندما بلغ أوفه هولمر Uwe Holmer الرابعة عشرة من عمره عام 1943م، كان هذا الشاب الوطني عضوا نشِطا في منظمة شباب هتلر المحلية (منظمة شبه عسكرية تابعة للحزب النازي). وفي أحد الأيام وجدت أمه في غرفته نسخة من مجلة «الفيلق الأسود The Black Corps» وهي مجلة قوات SS (وحدة شبه عسكرية مستقلة تضطلع بمهام بوليسية ضمن الحزب النازي). وعندما عاد أوفه إلى المنزل، أخذت أمه ما يكفي من الوقت للحديث معه، وتوسلت إليه بعدم الانضمام إلى تلك القوات. إلا أنه أجاب: «أماه، إنهم من أشرس الجنود. إنهم يقاتلون إلى آخر نفس.»
«نعم» أجابت الأم: «لكنهم يطلقون النار على اليهود وعلى السجناء السياسيين أيضا. فهل هذه هي المنظمة التي تريد أن تعيش وتموت من أجلها؟» ولم ينسَ أوفه سؤالها هذا مطلقا، أو التعابير التي كانت على وجهها.
وبعد مرور عام، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا يائسة من اجل إبعاد الهزيمة عنها، بدأ الجيش بقبول الشبان الذين يبلغون خمسة عشر عاما من العمر لأداء الخدمة العسكرية. وتطوع جميع الأولاد في الفرع المحلي لمنظمة شباب هتلر الذي كان أوفه ينتمي إليها والبالغ عددهم مئة إلى قوات SS. أما أوفه فرفض ذلك. فاستدعاه قائد المجموعة وأمره بالانضمام؛ وكانت استمارته كاملة ولم ينقصها سوى التوقيع. إلا أن أوفه رفض التوقيع رغم ذلك. ولهذا تم إذلاله أمام جميع أفراد المنظمة المحلية، وتم إلغاء جميع الامتيازات التي حصل عليها، ورغم ذلك أصر أوفه على موقفه، كما قال لاحقا: «أنا ممنون جدا لأمي. . . . فإنّ شجاعتها في مواجهتي كان لها الفضل في تعزيز قناعاتي لأعيش وفقا لما أراه صحيحا.»
وبعد انتهاء الحرب تزوج أوفه في ألمانيا الشرقية، وأصبح قسيسا، وأسس مجتمعا مسيحيا لرعاية المصابين بالصرع والإعاقة العقلية من البالغين. وبمرور السنوات تعرضت عائلة أوفه هولمر إلى مضايقات مستمرة بسبب خدماتهم الرعوية، وخاصة في ظل حكومة إريك هونيكر Erich Honecker الشيوعية. وبعد سقوط جدار برلين عام 1989م، وبعد فرار هونيكر من منصبه، لأنه كان واحدا من أبغض الرجال في أوروبا، كان أوفه وزوجته هما اللذان فتحا بابهما لهذا الطاغية العليل المحتاج إلى العلاج – رغم التهديدات بالقتل والاحتجاجات الصاخبة المستمرة أمام منزلهما.
إنّ أكثر الأمور إثارة للدهشة في نظري في قصة أوفه هو أن أحداثها قد وقعت بالفعل. نعم لقد كان لديه الشجاعة لكي يتحدى السلطة، في الزمان والمكان الذي كان فيه العصيان يكلف الإنسان حياته في الغالب. وبعد عدة سنوات، وبالرغم من أنه قد تمّ إساءة فهمه وسُخِر منه، إلا أنه واجه الرأي العام في الدفاع عن رجل مهزوم لم يجد مكانا يلجأ إليه. غير أن الأعمال التي قام بها أوفه تحكي لنا الكثير عن دور التربية والقوة التي تهبها إلى الأولاد بالقدر نفسه التي ترينا مواقفه البطولية.
إنّ أقوى نظرية تربوية تكون غير مجدية لو افتقرت إلى المحبة، بحسب أكثر الفلسفات التربوية المُبرهَنة. وفي هذا الموضوع يستهجن التربوي جينوس كورجاك Janusz Korczak المناهج النظرية قائلا:
لا يمكن لأي كتاب أو أي طبيب أن يكون بديلا عن التأمُّل الشخصي الحسّاس والملاحظات الدقيقة التي يكتشفها الإنسان بنفسه. فالكتب التي تحتوي على صيغ جاهزة أضعفت رؤيتنا واستبصارنا للأمور وشَلَّت تفكيرنا. فقد فقدنا الثقة بالنفس وترانا نفشل في ملاحظة الأمور وتقييمها بأنفسنا لأننا نعتمد في حياتنا على تجارب الآخرين وبحوثهم وآرائهم. فيجب على الآباء أن لا يحصلوا على الدروس والعبر من الكتب، بل من خبراتهم الذاتية.
يجب أن يتردد صدى هذه الفكرة البسيطة في أذهان جميع الآباء والأمهات والمعلمين. فبالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة على وضع مناهج مدرسية كثيرة التفاصيل إلا أنها لن تفيد ذاك الطفل الذي يشعر بأنه ضائع أو منسي أو مكروه. فبالعكس، فبمقدور أصغر عمل للمحبة وبمقدور مشاعر الثقة التي نقدمها للطفل أن تحمله عبر أكثر طرق الحياة صعوبة.
هناك الآلاف، في الولايات المتحدة لوحدها، وربما الملايين من الأطفال الذين لا يتلقون الحنان الذي يستحقه كل طفل؛ الذين ينامون جياعا ووحيدين ويشعرون بالبرد؛ الذين لا يعرفون الكثير عن محبة الوالدين الحقيقية على الرغم من أنهم يسكنون مع الآباء والأمهات الذين أنجبوهم. وبالإضافة إلى ذلك العدد، فهناك أولئك الأطفال المحرومين من المحبة بسبب الدوامة الفظيعة للفقر والجريمة التي تجعل من مصير الأب أو الأم أو كليهما وراء القضبان.
إنّ صفة الحِطام التي غالبا ما صارت ملاصقة للحياة الأسرية يمكن أن تأخذ الناس إلى اليأس والشعور بالعجز ويقولون إنّ كل شيء مقدّر علينا، لكن لماذا ندع هذا التشاؤم بأن يكون له الكلمة الأخيرة والقرار النهائي؟ فتكتب دوروثي داي Dorothy Day بهذا الشأن قائلة:
إنّ شعور الإنسان بعدم جدواه واحد من أعظم الشرور ليومنا الحاضر. . . . ويقول الناس: «ماذا في وسع شخص واحد أن يفعل؟ وما فائدة جهودنا الصغيرة؟» فأنهم بهذا لا يستطيعون رؤية أن البناء لا يقوم إلا على وضع حجرة حجرة، والسير خطوة خطوة؛ فلا يمكننا أن نكون مسؤولين سوى عن عمل واحد للحظة الحاضرة.
إنّ هذا الكلام يرسم صورة في مخيلتي. فأتخيل غرفة مظلمة مليئة بالناس، ويحمل كل واحد منهم شمعة غير مشعولة. ومن ثم يدخل شخص ومعه شمعة مضيئة ويبدأ بإشعال الشموع القريبة منه. ثم يلتفت كل شخص إلى الآخر، فيتقاسمون النور. وفي غضون لحظات تصبح الغرفة كلها متوهجة.
إنّ هذه الصورة تعكس في نظري ما يفعله المعلمون عام بعد عام، من دون ضجة كبيرة أو طبطبة على الظهر. فيشعلون شموعا لا تلبث طويلا حتى تتوارى عن أنظارهم. وسوف يتساءل المعلم الجيد عن مصير النور الذي في كل شمعة، أو يصلي لأجل أن تبقى مشرقة أينما كانت. فينبغي أن نثق بأن هذه الأنوار ستستمر بالانتقال إلى خارج نطاق الأولاد، وبأنه عندما تنطفئ إحدى الشموع، فسوف يمدّ شخص آخر نوره لإيقادها ثانية. وقد يشاهد الوالدين بضعة شموع تتوارى عن الأنظار. أما المعلمون فينتقلون من أنوار سنة إلى الاستعداد لتحضير لهيبهم للسنة المقبلة. وهذا يتطلّب مُدّخَرات هائلة من الطاقة والمحبة.
وأنا شخصيا أتقدم في السن؛ وحياتي تقترب من نهايتها، لكن لا تزال لدي رغبة كبيرة لتسخير ما تبقى لي من قوة لمساعدة أي شخص تصله يدي، لاسيما الأولاد. وبسبب عملي في المدارس لأكثر من أربعين عاما، وتقديم المشورة للعديد من الأسر التي تصارع الكثير من الصعوبات، وكذلك تقديم المشورة للمحاربين القدامى والسجناء، فقد رأيت الكثير من المعاناة البشرية والمآسي. وفي أغلب الأحيان تبدأ جذور هذه المعاناة في مرحلة الطفولة.
ورغم ذلك، فقد شهدتُ في بعضٍ من أسوأ الحالات، أن الناس المحطمين يتحسّنون وينهضون من وضعهم البائس لإصلاح الماضي، ويطلبون الصفح عن الآلام التي سببوها للآخرين، ومن ثم سامحوهم بدورهم عن الأذى الذي لحق بهم. إلا أن أقوى صراع روحي لهم على الأكثر هو مسامحة أنفسهم. وعلى مر السنين، فمن المدهش رؤية العدد الكبير من الناس الشجعان الذين تغلبوا على ظواهر سلبية في حياتهم مثل العنف أو سوء المعاملة أو الإدمان على الكحول ومن ثم إعطاء أطفالهم ما لم يعطوه إياهم سابقا!
ومقابل كل قصة تنتهي بنهاية سعيدة، هناك قصة غيرها مفجوعة. فهي كما لو أن أذرعنا ليست قوية بما فيه الكفاية لسحب هؤلاء الناس إلى بر الأمان، حتى لو حاولنا بكل ما لدينا من قوة لكن بلا جدوى. ومن المؤكد أن هؤلاء الناس كان بالإمكان رفعهم إلى أرض آمنة بسهولة أكبر لو كان هناك من يساعدهم على ذلك في مرحلة طفولتهم.
فلو كان قسما صغيرا منا على استعداد لتكريس طاقته ووقته لمساعدة طفل واحد معرّض للخطر فسوف ينقذ على الأرجح الكثير منهم. فتشبه العملية أي عمل من أعمال المحبة، فلن تذهب سدى أبدا، حتى لو كانت من أصغر أعمال المحبة، وأقلها أهمية. وقد تكون صغيرة بمفردها، أما جنبا إلى جنب مع الأخريات فقد يكون لها القدرة على تغيير العالم.
ومهما كان تعريف الطفولة، فهناك شيء واحد له دور ثابت فيها: فالطفولة هي المكان الذي تتجمع فيه الذكريات الأولى للحياة التي لا يمكن محوها – وهي الإطار الذي لا يمكن تغييره الذي يضم كافة التجارب التي تصاحبنا عبر الحياة. وعليه، فإنّ مهمة تنشئة أولادنا في نهاية المطاف هي ليست مسألة لعب دور الأبوة بشكل مؤثر وناجح فحسب، ولا هي حتى أن يكون لك مجرد مجموعة من الأفكار أو النظريات أو المثل التربوية العليا. فأهم شيء في التربية هو تقديم المحبة للأولاد، التي لها القدرة على إيقاظ المحبة نفسها في المستقبل لخدمة الآخرين. كما يذكِّرنا بذلك الروائي الروسي الشهير دوستويفسكي سدى أبدا، حتى لو كانت من أصغر أعمال المحبة، وأقلها أهمية. وقد تكون صغيرة بمفردها، أما جنبا إلى جنب مع الأخريات فقد يكون لها القدرة على تغيير العالم.

ومهما كان تعريف الطفولة، فهناك شيء واحد له دور ثابت فيها: فالطفولة هي المكان الذي تتجمع فيه الذكريات الأولى للحياة التي لا يمكن محوها – وهي الإطار الذي لا يمكن تغييره الذي يضم كافة التجارب التي تصاحبنا عبر الحياة. وعليه، فإنّ مهمة تنشئة أولادنا في نهاية المطاف هي ليست مسألة لعب دور الأبوة بشكل مؤثر وناجح فحسب، ولا هي حتى أن يكون لك مجرد مجموعة من الأفكار أو النظريات أو المثل التربوية العليا. فأهم شيء في التربية هو تقديم المحبة للأولاد، التي لها القدرة على إيقاظ المحبة نفسها في المستقبل لخدمة الآخرين. كما يذكِّرنا بذلك الروائي الروسي الشهير دوستويفسكي Dostoyevsky في الصفحات الأخيرة من رواية «الإخوة كارامازوف»9 فيقول فيها:
يجب أن تعرف أنه لا يوجد شيء أسمى وأقوى وأنفع من الذكريات الطيبة التي تفيد الحياة في المستقبل، لاسيما ذكريات الطفولة والأسرة. ويتحدث الناس كثيرا عن أهمية التربية، لكن بعض من الذكريات الطيبة والمقدسة المحفوظة منذ الطفولة قد تكون هي التربية الأفضل. فلو بقيتْ في قلب الإنسان مجرد ذكرى طيبة واحدة، لاستطاعت تلك الذكرى أن تحفظه من الشرّ. . . . أما لو كان الإنسان يحمل معه العديد من هذه الذكريات في الحياة فسوف يبقى آمنا لبقية أيام عمره.



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هم نيكوليتان؟ لغز فك الشفرة الجزء 1
- من هم نيكوليتان؟ لغز فك الشفرة الجزء 2
- من هم نيكوليتان؟ لغز فك الشفرة
- من هم نيكوليتان؟ لغز فك الشفرة الجزء 3
- الثنويَّة محمّد الشهرستاني
- المرقيونيّة في عالم الهرطقة الاسلامي
- رساله الى مسيحي البالتوك المنافقين: المحبة عمل وخدمة
- مذاهب المنانيَّة
- الصراع بين المجدددين والمحافظين صراع السلطه في الكنسيه القبط ...
- اِكتشاف التوقير
- من هو: يزنيك ده كولب في «الله» أو «البدع»
- محمَّد بن اسحق و مذاهب المنانيَّة
- الكنسيه الاولى و الخلافات فيها
- النقاوة
- كنائس في الهرطقة و غنوصية النقولاويين
- الإشادة بالأطفال المُتْعِبين
- الإشادة بالأطفال المُتْعِبين الجزء 2
- الإشادة بالأطفال المُتْعِبين الجزء 3
- الإرشاد التنموي الجزء 2
- الإرشاد التنموي


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - الغَدُ آتٍ