أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد برازي - الثنويَّة محمّد الشهرستاني















المزيد.....

الثنويَّة محمّد الشهرستاني


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6294 - 2019 / 7 / 18 - 02:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محمّد الشهرستاني
ولد في شهرستان من أعمال خراسان. وهو من أتباع مذهب الأشعريّ. واستقرّ بعد رحلات إلى نيسابور ومكة وغيرهما، في مسقط رأسه حيث توفيّ سنة 548/1153). اشتهر بكتابه الملل والنحل وفيه استعرض المذاهب الدينيّة والفلسفيّة، فبدا نزيهًا، بعيدًا عن كل تميّز(1).
قدّمنا هنا كلامه عن الثنوية (أو: الثانوية) حيث الشرّ والخير يتصادمان إلى أن ينتصر الخير. في إطار الثنوية هذه ذكر المانوية، والمزدكية، والديصانية، والمرقيونية، والكينونيّة والصياميّة، والتناسخيّة(2).
... (الثنويَّة) هؤلاء أصحاب الاثنين الأزليَّين يزعمون أنَّ النور والظلمة أزليّان قديمان بخلاف المجوس فإنَّهم قالوا بحدوث الظلام بتساويهما في القدم واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح.
1- المانويَّة
أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان شابور ابن ازدشير وقتله بهرام ابن هرمز ابن شابور وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينًا بين المجوسيَّة والنصرانيَّة وكان يقول بنبوءة المسيح عليه السلام ولا يقول بنبوَّة (نبوءة) موسى عليه السلام. حكى محمَّد ابن هارون المعروف بأبي عيسى الورّاق، وكان في الأصل مجوسيٌّا، عارفًا بمذاهب القوم، أنَّ الحكيم ماني زعم أنَّ العالم مصنوع مركَّب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وأنَّهما أزليّان لم يزالا ولن يزالا، وأنكروا وجود شيء لا من أصل قديم. وزعم أنَّهما لم يزالا قوَّتين حسّاسَين سميعَين بصيرَين. وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادَّان، وفي الحيَّز متحاذيان تحاذي الشخص والظلّ. وإنَّما يتبيَّن جواهرهما وأفعالهما في هذا الجدول:
النور
الجوهر: جوهرْ حسن فاضل كريم صافٍ نقيّ طيِّب الريح حسن المنظر
النفس: نفسه خيِّرة كريمة حكيمة نافعة عالمة.
الفعل: فعله الخير والصلاح والنفع والسرور والترتيب والنظام والاتِّفاق
الحيِّز: جهة فوق وأكثرهم على أنَّه مرتفع من ناحية الشمال وزعم بعضهم أنَّه يجنِّب الظلمة.
أجناسه: خمسة. أربعة منها أبدان، والخامس روحها. فالأبدان هي النار والنور والريح والماء، وروحها النسيم وهي تتحرَّك في هذه الأبدان.
الصفات: حيَّة طاهرة خيِّرة زكيَّة وقال بعضهم كرن النور لم يزل على مثال هذا العالم، له أرض وجوّ. وأرض النور لم تزل لطيفة على غير صورة هذه الأرض بل هي على صورة جرم الشمس، وشعاعها كشعاع الشمس، ورائحتها طيِّبة أطيب رائحة، وألوانها ألوان قوس قزح. وقال بعضهم ولا شيء إلاَّ الجسم والأجسام على ثلاثة أنواع: أرض النور وهي خمسة، وهناك جسم آخر ألطف منه وهو الجو وهو نفس النور، وجسم أفخم وهو ألطف منه وهو النسيم وهو روح النور. قال: ولم يزل يولد ملائكة وآلهة وأولياء ليس على سبيل المناكحة، بل كما تتولَّد الحكمة من الحكيم، والنطق الطيب من الناطق. وملك ذلك العالم هو روحه، ويجمع عالمُه الخير والحمد والنور.
الظلمة
الجوهر: جوهرها قبيح ناقص لئيم كدر خبيث منتن الريح قبيح المنظر.
النفس: نفسها شرّيرة لئيمة سفيهة ضارة جاهلة
الفعل: فعلها الشرّ والفساد والضرّ والغم والتشويش والتبتير والاختلاف.
الحيّز: جهة تحت وأكثرهم على أنَّها منحطَّة من ناحية الجنوب وزعم بعضهم أنَّها تجنّب النور.
أجناسها: خمسة. أربعة منها أبدان، والخامس روحها. فالأبدان هي الحريق والظلمة والسموم والضباب، وروحها الدخان وهي تدعى الهمامة وهي تتحرَّك في هذه الأبدان.
الصفات: خبيثة شرّيرة بخسة دنسة. وقال بعضهم: كون الظلمة لم يزل على مثال هذا العالم لها أرض وجو، فأرض الظلمة لم تزل كثيفة على غير صورة هذه الأرض بل هي أكثف وأصلب. ورائحتها كريهة أنتن الروائح، وألوانها لون السواد. قال بعضهم: ولا شيء إلاَّ الجسم والأجسام على ثلاثة أنواع أرض الظلمة وشيء آخر أظلم منه والسموم. قال: ولم تزل تولد الظلمة شياطين أراكنة وعفاريت لا على سبيل المناكحة بل كما تتولَّد الحشرات من العفونات القذرة. وقال: وملكُ ذلك العالم هو روحه يجمع عالمُه الشرّ والذميمة والظلمة.
ثمَّ اختلفت المانويَّة في المزاج وسببه والخلاص وسببه. وقال بعضهم: إنَّ النور والظلام امتزجا بالخبط والاتِّفاق لا بالقصد والاختيار. وقال أكثرهم: إنَّ سبب المزاج أنَّ أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل، فنظرت إلى الروح فرأت النور، فبعث الأبدانَ على ممازجة النور فأجابتها لإسراعها إلى الشرّ. فلمّا رأى ذلك ملك النور وجَّه إليها ملكًا (ملاكًا) من ملائكته في خمسة أجزاء من أجناسها الخمسة، فاختلطت الخمسة النوريَّة بالخمسة الظلاميَّة فخالط الدخان النسيم. وإنَّما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم، والهلاك والآفات من الدخان وخالط الحريق النار، والنور الظلمة، والسموم الريح، والضباب الماء. فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور، وما فيه من مضرَّة وفساد وشرّ فمن أجناس الظلمة. فلمّا رأى ملك (ملاك) النور هذا الامتزاج، أمر ملاكًا من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهية (الهيئة) لتخلِّص أجناس النور من أجناس الظلمة.
وإنّما سارت الشمس والقمر وسائر النجوم لاستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة. فالشمس تستصفي النور الذي امتزج بشياطين الحرِّ، والقمر يستصفي النور الذي امتزج بشياطين البرد، والنسيم الذي في الأرض لا يزال يرتفع، لأنَّ من شأنها الارتفاع إلى عالمها. وكذلك جميع أجزاء النور أبدًا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدًا في النزول والتسفُّل حتّى تتخلَّص الأجزاء من الأجزاء ويبطل الامتزاج وتنحلُّ التراكيب ويصل كلٌّ إلى كلِّه وعالمه، وذلك هو القيامة والمعاد.
وقال: وممّا يعين في التخليص والتمييز ورفع أجزاء النور، التسبيح والتقديس والكلام الطيِّب وأعمال البرّ، فترتفع بذلك الأجزاء النوريَّة في أعمال عمود الصبح إلى فلك القمر، فلا يزال القمر يقبل ذلك من أوَّل الشهر إلى النصف فيمتلئ فيصير بدرًا، ثمَّ يؤدّي إلى الشمس إلى آخر الشهر، فتدفع الشمس إلى نور فوقها فيسري في ذلك العالم إلى أن يصل إلى النور الأعلى الخالص، ولا يزال يفعل ذلك حتّى لا يبقى من أجزاء النور شيء في هذا العالم الأقدر يسير منعقد لا تقدر الشمس والقمر على استصفائه. فعند ذلك يرتفع الملك (الملاك) الذي يحمل الأرض ويدع الملك الذي يجتذب السموات فيسقط الأعلى على الأسفل، ثمَّ تُوقد نار حتّى يضطرم الأعلى والأسفل ولا يزال يضطرم حتّى يتحلَّل ما فيها من النور، ويكون مدَّة الاضطرام ألفًا وأربعمائة وثمانٍ وستّين سنة.
وذكر الحكيم ماني في باب الألف من الجبلة وفي أوَّل الشابرفان، أنَّ ملك عالم النور في كلِّ أرضه لا يخلو منه شيء وأنَّه ظاهر باطن وأنَّه لا نهاية له إلاَّ من حيث تناهي أرضه إلى أرض عدوِّه. وقال أيضًا: إنَّ ملك عالم النور في سرَّة أرضه، وذكر أنَّ المزاج القديم هو امتزاج الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، والمزاج المحدث الخير والشرّ. وقد فرض ماني على أصحابه العُشر في الأموال، والصلوات الأربع في اليوم والليلة، والدعاء إلى الحقّ، وترك الكذب والقتل والسرقة والزنا والبخل والسحر وعبادة الأوثان، وأن يأتي على ذي روح ما يكره أن يأتي إليه بمثله.
واعتقاده في الشرائع والأنبياء أنَّ أوَّل من بعث الله بالعلم والحكمة آدم أبو البشر، ثمَّ شيتًا بعده ثمَّ نوحًا بعده، ثمَّ إبراهيم بعده، عليهم الصلاة والسلام. ثمَّ بعث بالبودة إلى أرض الهند، وزرادشت إلى أرض فارس، والمسيح كلمة الله وروحه إلى أرض الروم والمغرب، وفولس بعد المسيح إليهم. ثمَّ يأتي خاتم النبيّين إلى أرض العرب. وزعم أبو سعيد المانويّ، رئيسٌ من رؤسائهم، أنَّ الذي مضى من المزاج إلى الوقت الذي هو فيه وهو سنة إحدى وسبعين ومايتين من الهجرة، أحد عشر ألفًا وسبعماية سنة، وأنَّ الذي بقي إلى وقت الخلاص ثلثمائة سنة وعلى مذهبه مدَّة المزاج اثني عشر ألف سنة، فيكون قد بقي من المدَّة خمسون سنة، من زماننا هذا وهو إحـدى وعشـرون وخمسـماية هجريَّة. فنحن في آخر المزاج وبدو (بدء) الخلاص. فإلى الخلاص الكلّيّ وانحلال التراكيب خمسون سنة والله أعلم.
2- المزدكيَّة
هو مزدك الذي ظهر في أيّام قباد والد أنو شروان ودعا قباد إلى مذهبه فأجابه. واطَّلع أنو شروان على خزيه وافترائه، فطلبه فوجده فقتله. حكى الورّاق أنَّ قول المزدكيَّة كقول كثير من المانويَّة في الكونين والأصلين، إلاَّ أنَّ مزدك كان يقول إنَّ النور يفعل بالقصد والاختيار، والظلمة تفعل على الخبط والاتِّفاق. والنور عالم حسّاس، والظلام جاهل أعمى. وأنَّ المزاج كان على الاتِّفاق والخبط، لا بالقصد والاختيار وكذلك الخلاص، إنَّما يقع بالاتِّفاق دون الاختيار. وكان مزدك ينهي الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال ولمّا كان أكثر ذلك إنَّما يقع بسبب النساء والأموال، فأحلَّ النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ. وحكى أنَّه أمر بقتل الأنفس ليخلِّصها من الشرّ ومزاج الظلمة.
ومذهبه في الأصول والأركان أنَّها ثلاثة: الماء والنار والأرض. ولمّا اختلطت، حدث عنها مدبِّر الخير ومدبِّر الشرّ. فما كان من صفوها مدبِّر الخير، وما كان من كدرها فهو مدبِّر الشرّ وروى عنه أنَّ معبوده قاعد على كرسيّه في العالم الأعلى على هيئة قعود خسرو في العالم الأسفل وبين يديه، أربع قوى: قوَّة التمييز والفهم والحفظ والسرور كما بين يدي خسرو أربعة أشخاص موبدان: موبد والهربد الأكبر والأصبهيد والرا مشكر، وتلك الأربع يدبِّرون أمر العالمين بسبعة من وزرائهم: سالار وبيشكار وبالون وبروان وكاردان ودستور وكودك. وهذه السبعة تدور في إثني عشر روحانين: حواننده دهنده ستاننده برنده خورنده دونده خيزنده كشنده زننده كننده آينده شونده باينده. وكلّ إنسان اجتمعت له هذه القوى الأربع والسبعة والإثني عشر، صار ربّانيٌّا في العالم السفلي وارتفع عنه التكليف
وقال: وإن خسرو بالعالم الأعلى إنَّما يدبِّر بالحروف التي مجموعها الاسم الأعظم، ومن تصوَّرَ من ذلك الحروف شيئًا انفتح له السرّ الأكبر، ومن حُرم ذلك بقي في عمى الجهل والنسيان والبلادة والغمّ في مقابلة القوى الأربع الروحانيَّة وهم: فرق الكرذكيّة وأبو مسلّميَّة والماهينة والأسبيدجامكيّة. والكرذكيّة بنواحي الأهواز وفارس وشهرزور، والآخر بنواحي سعد سمرقند والشاشّ وإيلاق.
3- الديصانيَّة
أصحاب ديصان أثبتوا أصلين، نورًا وظلامًا. كالنور يفعل الخير قصدًا واختيارًا، والظلام يفعل الشرّ طبعًا واضطرارًا. فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور، وما كان من شرّ وضرّ ونتن وقبح فمن الظلام.
وزعموا أنَّ النور حيّ عالم قادر حسّاس درّاك، ومنه يكون الحركة والحياة. والظلام ميت جاهل عاجز جماد جوّاد لا فعل ولا تمييز.
وزعموا أنَّ الشرَّ يقع منه طباعًا وحزقًا.
وزعموا أنَّ النور جنسٌ واحد وكذلك الظلام جنس واحد. وأنَّ إدراك النور متَّفق وأنَّ سمعه وبصره وسائر حواسّه، شيء واحد. فسمعُه هو بصره، وبصره هو حواسّه، وإنَّما قيل: سميع بصير، لاختلاف التركيب، لا لأنَّهما في نفسهما شيئان مختلفان. وزعموا أنَّ اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو المجسّة. وإنَّما وجده لونًا، لأنَّ الظلمة خالطته ضربًا من المخالطة، ووجده طعمًا لأنَّها خالطته بخلاف ذلك الضرب. وكذلك تقول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومجسّتها.
وزعموا أنَّ النور بياض كلُّه ولم يزل يلقي الظلمة بأسفل صفحته منه، وأنَّ الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحته منها.
واختلفوا في المزاج والخلاص. فزعم بعضهم أنَّ النور داخل الظلمة والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ. فنادى بها وأحبَّ أن يرفقها ويلينها ثمَّ يتخلَّص منها، وليس ذلك لاختلاف جنسهما، ولكن كما أنَّ المنشار جنسه حديد وصفحته ليِّنة وأسنانه خشنة، فاللين في النور والخشونة في الظلمة وهما جنس واحد، فتلطَّف النور بلينه حتّى يدخل تلك الفرج فما أمكنه إلاَّ بتلك الخشونة، فلا يُتصوَّر الوصول إلى كمالٍ ووجود إلاَّ بلين وخشونة.
وقال بعضهم: بل الظلام لما احتال حتّى تشبَّث بالنور من أسفل صفحته فيجتهد النور حتّى يتخلَّص منه ويدفعه عن نفسه فاعتمد عليه، فلجَّج فيه وذلك بمنزلة الإنسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج، فيزداد لجوجًا فيه، فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلُّص منه والتفرُّد بعالمه.
وقال بعضهم: إنَّ النور إنَّما دخل الظلام اختيارًا ليصلحه ويستخرج منه أجزاء صالحة لعالمه. فلمّا دخل تشبَّث به زمانًا فصار يفعل الجود والقبيح اضطرارًا لا اختيارًا، ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه إلاَّ الخير المحض الحسن والبحت، وفرق بين الفعل الضروريّ والفعل الاختياريّ.
4- المرقيونيَّة
أثبتوا قديمين أصلين متضادّين، أحدهما النور والآخر الظلمة، وأثبتوا أصلاً ثالثًا هو المعدَّل الجامع وهو سبب المزاج، فإنَّ المتنافرين المتضادَّين لا يمتزجان إلاَّ بجامع.
وقالوا: الجامع دون النور في الرتبة، وفوق الظلمة. وحصل من الاجتماع والامتزاج، هذا العالمُ. ومنهم من يقول: الامتزاج إنَّما حصل بين الظلمة والمعدَّل إذ هو قريب منها فامتزج به ليتطيَّب به ويلتذّ بملاذه فبعث النورُ إلى العالم الممتزج روحًا مسيحيَّة وهو روح الله، وابنَه تحنُّنًا على المعدَّل السليم الواقع في شبكة الظلام الرحيم حتّى يخلِّصه من حبائل الشياطين. فمن اتبعه فلا يلامس النساء ولم يقرب الزهومات (= لحم منتن)، أفلت ونجا، ومن خالفه خسر وهلك.
قالوا: وإنَّما أثبتنا المعدَّل لأنَّ النور الذي هو الله تعالى لا يجوز عليه مخالفة الشيطان وأيضًا فإنَّ الضدَّين يتنافران طبعًا ويتمانعان ذاتًا ونفسًا، فكيف يجوز اجتماعهما وامتزاجهما. فلا بدَّ من معدَّل يكون منزلته دون النور وفوق الظلام فيقع المزاج معه، وهذا على خلاف ما قاله المانويَّة، وإن كان ديصان أقدم، وإنَّما أخذ ماني منه مذهبه وخالفه في المعدَّل، وهو أيضًا خلاف ما قال زرادشت: فإنَّه يثبت التضادّ بين النور والظلمة، ويثبت المعدَّل كالحاكم على الخصمين الجامع بين المتضادَّين. لا يجوز أن يكون طبعه وجوهره من أحد الضدَّين وهو الله عزّ وجلّ الذي لا ضدَّ له ولا ندّ.
وحكى محمَّد بن شبيب عن الديصانيَّة أنَّهم زعموا أنَّ المعدَّل هو الإنسان الحسّاس الدرّاك، إذ هو ليس بنور محض ولا ظلام محض. وحكى عنهم، أنَّهم يرون المناكحة وكلَّ ما فيه منفعة لبدنه وروحه حرامًا، ويحترزون عن ذبح الحيوان لما فيه من الألم. وحكى عن قوم من الثنويَّة أنَّ النور والظلمة لم يزالا حيَّين، إلاَّ أنَّ النور حسّاسٌ عالمٌ، والظلام جاهل أعمى، والنور يتحرَّك حركة مستوية، والظلام يتحرَّك حركة عجرفيَّة خرقًا معوجَّة. فبينا كذلك إذ هجم بعض همامات الظلام على حاشية من حواشي النور، فابتلع النور منه قطعة على الجهل لا على القصد والعلم، وذلك كالطفل الذي لا يفصل بين الثمرة والجمرة، وكان ذلك سبب المزاج. ثمَّ إنَّ النور الأعظم دبَّر في الخلاص فبنى هذا العالم ليستخلص ما امتزج به من النور، ولم يمكنه استخلاصه إلاَّ بهذا التدبير.
5- الكينونة والصياميَّة
وأصحاب التناسخ منهم. حكى جماعةٌ من المتكلِّمين أنَّ الكينونة زعموا أنَّ الأصول ثلاثة: النار والأرض والماء. وإنَّما حدثت الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين الذين أثبتهما الثنويَّة. وقالوا: والنار بطبعها خيِّرة نورانيَّة، والماء ضدّها في الطبع، فما رأيت من خير في هذا العالم. فمن النار وما كان من شرّ فمن الماء والأرض متوسِّطة، وهؤلاء يتعصَّبون من النار شديدًا من حيث أنَّها علويَّة نورانيَّة لطيفة لا وجود إلاَّ بها ولا بقاء إلاّ بإمدادها. والماء يخالفها في الطبع فيخالفها في الفعل والأرض متوسِّطة بينهما فيتركَّب العالم من هذه الأصول
6- الصياميَّة
منهم من أمسكوا عن طيِّبات الرزق وتجرَّدوا لعبادة الله وتوجَّهوا في عباداتهم إلى النيِّران تعظيمًا لها، وأمسكوا أيضًا عن النكاح والذبائح
7- التناسخيَّة
منهم قالوا بتناسخ الأرواح في الأجساد والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى من الراحة والتعب والدعة والنصب، فمرتَّب على ما أسلفه قبل وهو في بدن آخر جزاء على ذلك. والإنسان أبدًا في أحد أمرين: إمّا في فعل وإمّا في جزاء، وهو ما فيه فإمّا مكافأة على عمل قدَّمه وإمّا عمل ينتظر المكافأة عليه. والجنّة والنار في هذه الأبدان. وأعلى عليّين درجة النبوّة وأسفل السافلين درجة الحيَّة. فلا وجود أعلى من درجة الرسالة ولا وجود أسفل من درجة الحيَّة. ومنهم من يقول المدرَّج إلاَّ على درجة الملائكة والأسفل درجة الشيطانيَّة، ويخالفون بهذا المذهب سائر الثنويَّة. فإنَّهم يعنون بأيّام الخلاص رجوع جزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد، وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم.



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرقيونيّة في عالم الهرطقة الاسلامي
- رساله الى مسيحي البالتوك المنافقين: المحبة عمل وخدمة
- مذاهب المنانيَّة
- الصراع بين المجدددين والمحافظين صراع السلطه في الكنسيه القبط ...
- اِكتشاف التوقير
- من هو: يزنيك ده كولب في «الله» أو «البدع»
- محمَّد بن اسحق و مذاهب المنانيَّة
- الكنسيه الاولى و الخلافات فيها
- النقاوة
- كنائس في الهرطقة و غنوصية النقولاويين
- الإشادة بالأطفال المُتْعِبين
- الإشادة بالأطفال المُتْعِبين الجزء 2
- الإشادة بالأطفال المُتْعِبين الجزء 3
- الإرشاد التنموي الجزء 2
- الإرشاد التنموي
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 7
- اوطاخي و هرطفته
- بالأفعال وليس بالأقوال
- بالأفعال وليس بالأقوال الجزء 2
- عبادة العذراء عند الكاثوليك و الأرثوذكس


المزيد.....




- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد برازي - الثنويَّة محمّد الشهرستاني