صالح أبو طويلة
الحوار المتمدن-العدد: 6293 - 2019 / 7 / 17 - 13:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
2 . الوظائف النفسية والعاطفية للأناشيد الجهادية
إنّ المنتجات والممارسات الثقافيّة هي أدوات إقناع عاطفيّ، وأنّ دورها هو تعزيز الإقناع الإدراكيّ الذي تقوم به العقيدة، فالثقافة الجهاديّة يمكنها أن تساهم في تشكيل معتقدات النشطاء وأذواقهم، وهذا ما سيؤثر في نهاية المطاف في تحديد قرار انضمامهم أو بقائهم أو تأديتهم مهام معيّنة لصالح المجموعة، والقاسم المشترك بين أشياء مثل الموسيقى والمواد المصوّرة وسرد القصص أو البكاء، هو إثارتها أو ارتباطها بالعاطفة [32].
إن الرؤية الجهادية في إطار سعيها لاستقطاب وتجنيد مستهدفيها، تدرك أهمية الحواس - من حيث تكثيفها أو تخفيض مستوى نشاطها - في السيطرة على المستهدف، ورغم أن الموروث الفقهي السلفي يعمل على تنميط استخدام حاسة السمع، وتحديد نشاطها ضمن الإطار المعرفي الإيديولوجي لذلك الموروث، بحيث يتم تحريم الموسيقى وحرمان الإنسان من التفاعل السمعي مع جماليات الحياة؛ إلا أن التنظيمات الجهادية وخصوصا تنظيم داعش؛ قدمت رؤية براغماتية للالتفاف على تلك التحريمات، فهي تدرك بأن الخطاب الصوتي فيما لو تم توظيفه لدعم الإيديولوجيا الجهادية؛ سيحقق نتائج مهمة لصالح تلك التنظيمات من حيث رفع مستوى الاستقطاب والتجنيد، وتعزيز حضور الخطاب الجهادي، فالخطاب الصوتي وخصوصا الأناشيد تعمل بعمق في بناء وتشكيل الذات الجهادية وتعميق شعورها بالخطاب الجهادي.
يتم التخفيف من قسوة العنف وتجلياتها لدى المجندين من خلال الأناشيد، أن الصور المروعة العنيفة المزعجة غالبًا ما تكون مخففة بواسطة الأناشيد والقصائد، الأناشيد تحرض الجمهور على "الاستيقاظ" والانضمام للتنظيم [33].
إن الأناشيد الجهادية شكل من أشكال الحرب النفسية، فهي تستخدم "الكلمة المعبرة"، و"اللحن المثير للعواطف"، و"الحركة المؤثرة"، وهي تهدف إلى رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وإثارة حماسهم للقتال، وتحريضهم على التضحية بأنفسهم من أجل "قضيتهم العادلة" وفق اعتقادهم، كما أنه "لا يوجد معركة في التاريخ؛ إلا واستخدمت فيها الأغاني والأناشيد الوطنية الحماسية، لتشجيع الجنود على القتال"، أنه "لا يوجد جيش إلا لديه فريق للحرب النفسية، من أجل العمل على التأثير في معنويات عدوه، كأداة لتحقيق نصر سريع، وتقصير مدة المعركة [34].
إن التأثيرات العاطفية للصوت يمكن أن يكون لها تأثير أكبر من معاني الكلمات نفسها، ومن المحتمل أن يكون التأثير السمعي للشعر المنشود والهتاف أكبر من تأثير الخطبة [35]. إن جاذبية الأغاني تخدم غرضًا استراتيجيًا؛ فيما يتعلق بألحان النشيد اللافتة للنظر؛ يمكن أن يتشربها العقل بشكل لا شعوري. إن جاذبية النشيد ستسهم في تعزيز وصول الرسائل وتلقينها[36].
تعطي الأناشيد الجهادية روحا معنوية وزخما بأن الفرد على حق، بل وأنه الحق كله، وبأنه التاريخ كله، وأن كل ما يفعله الفرد بسبب امتلاكه للشرعية المطلقة والحق في السيادة والحكم، وتلك العملية هي (سيكو-فكرية)؛ تختمر وتتحول إلى سلوك طبيعي داخل تلك التنظيمات والجماعات الدينية[37].
يذكر أدونيس بأن الأداء الصوتي البارز ينقل روح القصيدة أكثر من الكلمات نفسها، وهو جانب يستفيد منه تنظيم "داعش". غناء قصيدة من الشعر يمكن أن ينقل معنى أعمق من قراءة منطوقة، عندما يُسمع الكلام على شكل أغنية، لا يتم نطق الكلمات المنفردة فحسب؛ بل يكون التأثير ككل لنقل المعنى والعاطفة، الكلمة التي تعني المعنى الأساس لم تعد جهاز دلالي معزول؛ إنه مرتبط بصوت، وبالتالي يأخذ معنى آخر[38].
ومن هنا نلحظ بأن الجانب الدعائي للتنظيمات الجهادية؛ إلى جانب استخدامه العديد من أدوات الترويج والاستقطاب، إلا أنه يركز على استخدام الأدوات العاطفية التي تلامس مشاعر الشباب، والموسيقى تحتل مساحة كبيرة من اهتمامات فئات الشباب سواء الشباب العربي أو الأوروبي، فأمكن إذن توظيف التكنولوجيا في نشر الفن الجهادي القائم على لغة العاطفة والرمز والمتخيل وبلغات متعددة، من خلال ذلك تتحقق أهداف التنظيمات الجهادية.
لاحظ الباحث الألماني (توماس باور) أن العاطفة - وليست الأفكار- هي التي تصنع إرهابيًا، وذكر بأن هذا الشغف لا يولد فقط هجمات قاتلة ولكن أيضًا شعرا ومقالات، مما يعطي نظرة عميقة من الداخل إلى عقل المتشددين، يستطيع النشيد أن يلعب هذا الدور؛ و يمكن للنشيد الجيد أن ينتشر على نطاق واسع بحيث يمكنه الوصول إلى جمهور لا يمكنك الوصول إليه من خلال محاضرة أو كتاب؛ الاناشيد هي مصدر إلهام خاصة للشباب، الذين هم أساس الجهاد في كل عصر وزمان؛ النشيد عنصر هام في خلق "ثقافة الجهاد" [39].
يذكر بهنام سعيد أن الأناشيد لا يمكن أن تمتلك تأثيرا على الشخص بدون توفر عقلية جذرية، ولا يمكنها لوحدها أن تجعل من شخص ما راديكاليا، إلا من خلال الاقتران بعوامل أخرى بحيث تؤثر على المستوى العقلاني والعاطفي، ويشير إلى أنه يمكننا أن نرى بوضوح أن نية المنتجين هي تجذير الناس، وجعلهم يمضون حياتهم في المعركة [40].
على مدار التاريخ؛ لا يبدو أن الكلمات تؤثر علينا بنفس الطريقة التي تؤثر بها الأغنية، منذ أكثر من 1600 عام، كتب القديس (أغسطينوس من هيبو) المسيحي في الاعترافات ": أدرك أنه عندما يتم غنائها، فإن هذه الكلمات المقدسة تثير في ذهني مزيدًا من الحماسة وتلهب لي شعلة تقوى أكثر شدة مما لو لم تغنى" . يبدو أن مثل هذا "الاعتراف" يفسر سبب قيام مجموعات مثل داعش بإحداث الكثير من الضجيج، وهذا هو السبب في استخدام الرؤوس الحليقة العنصرية الأمريكية والتشدد في مجال حقوق الحيوان وحتى السياسة الأمريكية المعاصرة في استخدام الموسيقى بطرق متشابهة للغاية [41] .
الهوامش :-
32. هيغهامر (2018)، ص 11-12 مرجع سابق
33. Naroditskaya, Inna.(2015). The religious chants the Islamic State is using to woo recruits. https://www.washingtonpost.com. See link: https://www.washingtonpost.com/posteverything/wp/2015/01/14/the-religious-chants-the-islamic-state-is-using-to-woo-recruits/?nore-dir-ect=on&utm_term=.51761b2bb00e
34. محمد، صالح (2016). أناشيد تنظيم الدولة.. مؤسسات دعائية ولغات عدة (ملف). تقرير منشور على موقع عربي 21 بتاريخ 27 كانون الأول 2016، استرجع في 1 أيار 2019 من الرابط: https://arabi21.com/story/973356/%D8%A3%D9%86%D8%A7%D8%B4%D9%8A%D8%AF-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%84%D9%81
35. Kandell. (2015) page 254 مرجع سابق
36. CBC Radio · Posted: Nov 26,( 2015). What ISIS songs reveal about the group s evolution. Report, see link: https://www.cbc.ca/radio/day6/episode-261-aleppo-healthcare-crisis-isis-propaganda-songs-melting-glaciers-politics-of-comedy-and-more-1.3338712/what-isis-songs-reveal-about-the-group-s-evolution-1.3338848
37. نظمي، فارس كمال.(2016). سيكولوجيا التطرف الديني وأسباب انجذاب الشباب نحو المنظمات المتطرفة. حلقة تلفزيونية على اليوتيوب نشرت بتاريخ 16/2/2016 ، استرجع في 24 نيسان 2019 من الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=Wm_zmuVaY20
38. Jonathan J. Lee.(2015).The ISIS Aesthetic and the Imagined Islamic Statem, A comparative study between the anāshīd of the Islamic State of Iraq and Syria and the poetry of the Taliban. Page 28, See link: https://www.academia.edu/17850853/The_ISIS_Aesthetic_and_the_Imagined_Islamic_State_A_comparative_study_between_the_an%C4%81sh%C4%ABd_of_the_Islamic_State_of_Iraq_and_Syria_and_the_poetry_of_the_Taliban.
39. Benham,(2012), page 2
40. Seymat,Thomas.(2014). How nasheeds became the soundtrack of jihad. http://www.euronews.com. See link: https://www.euronews.com/2014/10/08/nasheeds-the-soundtrack-of-jihad
41. Jonathan.(2016). Pieslak,مرجع سابق
#صالح_أبو_طويلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
