أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال الشيخ - النشأة الثانية















المزيد.....

النشأة الثانية


منال الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 1546 - 2006 / 5 / 10 - 07:23
المحور: الادب والفن
    


كلهم توقعوا إنها ستتدحرج بعد قليل .. لكنها لم تفعل ، أيقنت وجوب تدحرجها أمام الجمهور .. لكنها لم تفعل ! طوال عشر سنوات تمارس هذه المهنة المتعبة وفجأة أدركت إنها لم تتدحرج في حياتها قط !!
يحتفل المسرح بعامه الألف ، منذ نزوح أول نيزك من بئر الرياح واختطاف حضور أول للغياب ، منذ أن حيكت أول مؤامرة في التاريخ ضد مهاجري شطآن الضمأ المنعش بأخباره عن ملاحم نقشت أكاذيبها بحوافر الغيوم والملغمة بآيات عصر الانفلاق الجوي عبر خليج يتيم رسمت ملامحه الأولى بتيمم الشيوخ أمام باب الحياة …
كان محض افتراء عندما عرفوا النيزك بأنه جحيم مسافر عبر الأزمنة ، لم تتلبس النار النيزك يوماً ، لكنه اقتفى آثار كذبة صيغت بعناية فائقة . وصار يجيد التدحرج على أطراف السماء المغبرة بذكريات لمخلوقات كسيحة تملأ جوف الموت المقتحم بأنفاس غليظة وتدفع مقابل ذلك أجور تذكرة المرور إلى نهاية الأب الوفير .كانت النيازك تطير
كانت النيازك تطير بأجنحة من وطاويط متفسخة ، كل نيزك يحمل علامة بداية لعرض جديد أمام جمهور رجاله من الأحجار ونساؤه كريمات الاستقرار الأبدي أمام الأبواب المقفلة . عانوا كثيراً من غموض نشأتهم الأولى … ومن السر الذي لم يكشفه التاريخ لنا لسوء في تقدير الغرفة المنارة بالأكاذيب في زاوية حادة تنخر فضاء النسيج الهلامي القاطن مثل وحش النهر في قعر مناخ التعذيب . ولنيزكي وهبت هذه الانطلاقة …
فكره مشوش ، لم يلحظ إنه ولد للتو ، فهذه الآلام لا تشبه آلام الولادة الأولى التي يذكرها وهكذا ولد مبتور البداية . ظن الجميع إنه لن يعيش وتوخى الحذر في امتداده لئلا يفسد عليهم متعة الترقب هذه . في عرين لحظاته المتثائبة ثمة قيلولة ليلة تنمو من أعقاب الذنوب المكهربة بالوسيلة الحية التي بدأت تنبعث من صنبور اليقظة المغرم بمياه أقاليم النعاس المجاورة ، والتي من أجلها سفكت كل هذه النيران . عرابته تعلم " إنه لن يفلح في شئ " ولهذا لقنته لعبة التكور كسبيل للانحراف على المستقيمات في حالات الطوارئ .
ونيزكي هذا لا يبحث عن الخلود كطليقي (كلكامش) ولكنهم اختاروه طوطماً لتميزه بنوع مجساته التي تجمل أوشاماً من كل نوع :
أوشام لعمليات إعادة توليد الحضارات اللقيطة والمبرمجة ولاقتناص فرص الانتشار السريع لفيروسات العقل النموذجية . " مهمته صعبة ، لكنه أجتاز الاختبار بدرجة امتياز . كان في حوزته كل شئ وكانت لديه النار والماء والدم والحجارة . كل هذه الأمور التي تجعل منه سلطاناً قوياً يبسط سيطرته على شرقي يسارهِ المبتور.
ولكن صدمته الكبرى كانت أمام المرآة .
أكتشف لأول مرة إنه يمتلك مجسةً لم يعمّدها الكهنة بماء الحياة ولم تشِمُها الأم القلقة ابداً . تراوده الأحلام والخواطر ، هو يذكر إنهم عبثوا به يوماً ولكن كيف ومتى ؟ هذا ما استعصى على ذاكرته . المسافات المخملية التي تفصله عن الزمن دائماً تتركه في منتصف الطريق ، الاكتمال ليس غايته والرتوش لن تخفي حقيقة كونه نيزكاً منذ اللوح المحفوظ والمدينة الغافية على كتف الحواريين . من البئر رأيته يهبط ، لم تكن ثمة نار تتبعه ، بل وخزات لألم فطري تشقق عنه جسدهُ المتحجر .. رأيته يهبط ويتمدد ويُركَل على مؤخرتهِ اثر كل هفوة يرتكبها في تعلمه دروس التكور . يسرق لحظات يتيمة ليبحث عن نتوئه المفقود وهو يعلم بوجوده في مكان ما ، في جسده وها هو يبلغ عامه الألف ولم يعطس عطسته الأولى التي كان من المفترض أن يكون وشمه المكمل لنيل براءة في التأله… ونيزكي هو بداية الجسد، جسد الأرض الممزقة . حين تتدهور صحته يلجأ كهنة المعبد لحفر مخارج للموت في رؤوسه المدببة .
ليل مدينة في السماء الوحيدة تفوح منها رائحة خوف معلق يتهجى الأحرف الأولى من شريعة التجسد … بريق بلون الدم يتدفق في عروق أحلامه جارفاً معه الأم الوسادة النازفة حباً ولفرط الوحدة ، تعودت أن تكتب عنه وتعود هو أن يتفيأ تحت أكاذيبها الرطبة أو الملتصقة بجسده الذي تلوث بالمجد والخلود ، لكنه ولم ينسى في أقسى ظروف الذوبان أمه التي تغافلت عن وشم مجسته الضائعة ، فعلت هذا لتعقيم الآراء من أي شك بنزواته ورغباته الفاضحة ، ومع هذا بقيت هي إلى جانبه تداعب الطحالب الساخنة والفائرة على جسده منذ قرون وتمتص البراغيث البيضاء المندلقة من آلام تدحرج للهفة إصبعه الموهوب بالحب . فضل هذه المرة أن ينسج عراءً واسعاً يواري أخطاءه ويلقن الطبيعة دروس التفسخ كي يحررها وعندما يكشف سراً يتعرض لنفسه أمام جميع المرايا ويعترف بخطيئة أنفاسه التي تسلك طريق الرجوع إلى الكتلة المحتمية بصرخات عشاق السماء. حاولت إدخاله .
في ذلك الدهليز … تلمسها بلهبه المنتصب ، رائحته تنعش ذاكرة الألم فيه .. نفس ذلك العتمة التي عاشها . ولكن فاتته فكرة ما سيفعل كما فاتته من قبل فكرة ما كان يفعل الملتحي ، تلقفته أيادي كثيرة وفرضت عليها قص شريط المودة بينه وبين نيزك صغير كان يرقد إلى جانبه وينير ظلمته بغبار الموت المرقط دمه . بكى كثيراً عندما رموه في جردل معدني وهو يسمع توهجه الغارق في أعماق الخطيئة وحذروه من معاودة البكاء لئلا ينطفئ فتكون عقوبته أن يمنح قدمين يمشي بهما في الشوارع والأزقة ، يكتب الأشعار ويرسل رسائل بالبريد مثل أي طفيلي زائد يتحتم استئصالهُ على الفور ، أرعبته الفكرة ولم يعاود البكاء بعد ذلك . وظل يتساءل ، ألم ينسوا شيئاً يمنحوه بعد امتلاكي كل هذا المجد ؟ وظلوا يتهربون من تساؤلاته مخالفة أن يكون مرتبطاً بعبادة جسده الذي بدأت تأخذ الطحالب فوقه أشكالاً غريبة وتمارس وظائف أغرب .. تضاءل شحوبه الصارخ الذي كان ينفث من خلاله ،
أرواحا ملونة يوزعها على المجسات ويجلس لساعات طويلة يراقبها تتلون وتمتص الأرواح لتتلاشى وتختفي ولا يبقى غير ندب صغيرة تسد فتحات البركان كان يقذف منها بقايا الأكاذيب التي صهروها فوق ظهره طوال تبدد السنين أحست بالتوقف من ناحيته ألم تعد قادرة على إدخال في الدهليز مرة ثانية وها هو يفقد قدرته على الحكم والتوهج ، لم يطلب الكثير لم يطلب سوى أن ترقد إلى جانبه مثل ذلك النيزك الصغير الذي أغرقوه يتلمس دفأها ويعانق رائحتها كانت تنعش ذاكرته بعد عتمة عاشها وكان طلبه الأخير أن يعمدوا مجسته التي صار يدركها أثناء بزوغ الشمس حيث تعانق السماء مواهب العريقة في الطيران . وبينما هو غارق في عبق جدرانها المخملية قّصوا شريط المودة بينه وبينها ، هي التي أضاءت بريقه الصارخ بوهج أنفاسها موسيقية الملمس وبكى كثيراً عندما رموها طازجة إلى جوع النجوم . لم يحاولوا تحذيره كان قد انطفأ فلم يكن أمامهم إلا أن يمنحوه قدمين . تركوه ، مشفقين على حاله ، يمشي في الشوارع والأزقة ، يكتب الأشعار ويرسل رسائله بالبريد ....



#منال_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرار من حرير
- سواقي الرسن
- قراءة شعرية في من يسكب الهواء في رئة القمر
- ورقة من هواجس جمانة الانطاكية
- قصاصة وقاصة على طبق انسحاب


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال الشيخ - النشأة الثانية