أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - حديث خير القرون ونظرية التطور















المزيد.....

حديث خير القرون ونظرية التطور


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6288 - 2019 / 7 / 12 - 23:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقوم نظرية التطور على فكرة مفادها أن البشرية والكائنات الحية جميعا تتطور عبر الزمن إما للأفضل أو للأسوأ حسب قاعدة الانتخاب الطبيعي، واختصارها أن البيئة المحلية تخلق ظروفا تنتخب فيها الأصلح على العيش والتأقلم معها، ومن هنا خلقت تحديا للإنسان أن يعمل ويجتهد ليُحسّن من قدراته على البقاء والتعايش مع الوضع الجديد أيا كان هو في المستقبل.

باكتشاف نظرية التطور وإثباتها علميا إضافة للعلم بالصيرورة الماركسية والجدل الديالكتيكي انتبه الإنسان المعاصر لحضارة قد تفنى إذا لم تُحسّن من قدراتها على البقاء في المستقبل، فكل علم وكل إنجاز بشري الآن معرض للانهيار في لحظة طيش من سياسي غبي أو مجتمع جاهل أو دولة مارقة، فظهر مصطلح العولمة لعلاج ذاتية المجتمعات في تناولها لمشاكلهم والإيمان أن الأرض الآن باتت قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال وشيوع عصر الصورة، بالتالي فعلى الجميع أن يعمل للبشر لا لنفسه..تقديم الصالح العام على الخاص فبدأوا في عقد مؤتمرات عالمية للمناخ والسلاح الذري والاحتباس الحراري كسلوك جماعي ضمن منظومة بشرية واحدة شعرت بالخطر.

هنا التطور أصبح مفيدا للإنسان بالعمل للمستقبل، لكن المسلمين يبدو أنهم لا يؤمنون بهذا التطور حتى لو آمن بعضهم به في المدارس على استحياء، بيد أن المنظومة التعليمية والثقافية للمسلمين لا زالت تؤمن (بخيرية القرون الأولى للسلف) مما يعني إيمانهم مباشرة (بالتدهور) وهو عكس مفهوم التطور لغويا وإن لم يمانعه في جزئياته كإيمان التطوريين أن بعضا من الحيوات تتدهور بالفعل لفقدانها القدرة على البقاء، وبرغم أننا سقنا ما ينسف تلك الخيرية للقرون الأولى للسلف شرعيا وتاريخيا لكن ما زال المصطلح رائجا بتمثيل عصر السلف بالقدوة والنموذج الصالح الخيالي الأفلاطوني الذي لا يجد مثيله، وبرغم أيضا ما شاب عصر هؤلاء السلف من تجاوزات أخلاقية ودينية فجة فرغت الدين من معناه باستباحة الشعوب الأخرى في كل شئ بما فيها الدماء والأعراض.

الإيمان بخيرية القرون الأولى للسلف يعني أن التاريخ بدأ معهم صالحا ولا زال يتدهور في أخلاقه ودينه حتى تقوم القيامة على أشرار الناس، برغم أيضا وجود روايات في علامات الساعة الكبرى تأمر بالزراعة والعمل لصالح الأجيال الجديدة، لاسيما وجود روايات أخرى تؤكد ذلك في أحداث المهدي المنتظر وعودة المسيح وكل هذه القصص التي تتناقض مع فكرة قيام الساعة على الأشرار ومنطق التدهور المُضمّن في مبدأ الخيرية الأولى بالمطلق.

كل مفاهيم التراثيين كعدالة الصحابة وعصمة الأئمة نتاج للقول بخيرية القرون الأولى للسلف، برغم تضمين التراث لروايات تطعن في هذه المفاهيم لكن تركوها وأقروا مبدأيّ العدالة والعصمة لأسباب مذهبية وسياسية، أبسط شئ فالعلم قد يقول بجواز خيرية الجيل الحالي لكثرة التحديات والأخطار التي يتعرض لها من السلاح الذري والاحتباس الحراري والدكتاتوريات وشيوع قيم المادة والعنف في ظل انحسار لدور الأخلاق ، وكذلك خيريته العلمية بوصول المعرفة لقمة هرمها بالتراكم وامتلاك الشباب أدواتا للبحث لم تتوفر لأعظم الأئمة منذ قرون.

إن إيمان المسلمين الحقيقي بالتطور سيقنعهم أنهم أفضل من جيل السلف في أشياء كثيرة، وأن معايير التفاضل ليست كلية أو شاملة ليتناولها المسلمون بهذا العموم، فكما أن جيل السلف الأول كان أفضل لقربه من عصر الرسول فجيل الخلف أفضل بالتراكم المعرفي وخبرة التجارب التي بفقدانها تحمّل المسلمون منذ 1400 عام أوزار وخطايا الفتنة الكبرى وثلاثة حروب أهلية دارت أول 100 عام بعد وفاة الرسول، التطور يعني تناول تاريخ المسلمين كحقيقة ماضوية وليس حقيقة علمية مؤثرة في حاضرنا ومستقبلنا، لاسيما أن رؤية الماضي في باطن الإنسان تكون للعبرة والعظة أما تقديسها لتبلغ مبلغا علميا ودلاليا لنكبة أحدثت تدهورا في عقلية المسلم لا يزال يعاني منها إلى الآن.

أؤمن كذلك أن المسلمين في أزمة حضارية لا تترك حتى المستنيرين منهم، فبعض ممن يطلقون على أنفسهم مستنيرين يستعملون أدوات الأصوليين في الكراهية وازدراء الآخر لمجرد فكره أو هويته أو شكله، انفصام مريع في الشخصية مؤداه الطبيعي حروبا شعواء بين الجميع وتدمير لكل الرموز وإسقاط كل قدوة أثبتت نفسها في أي جانب، حتى مجدي يعقوب ذلك الرجل المسالم الهادئ عديم المشاكل تربصوا به لم يكن الأمر حكرا على دعاة التنوير أو السلفية أو التشدد ممن يفترض خوضهم تلك الصراعات بشكل طبيعي، لكن الكراهية بلغت مبلغا لا تترك فيه حتى المعتزِل.

ومن فرط الكراهية والتدهور وتأثر بعض المستنيرين بالأصوليين أصبح نقد التراث السني تصحيحا للشيعي في نظرهم والعكس صحيح، برغم أن المدقق في تراث كلا المذهبين يرى أن أجدادهم تعمدوا اختلاق الأكاذيب لنصرة مذاهبهم، فمثلما لم يذكر الشيعة في القرآن سوى بالذم في قوله تعالى "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون" [الروم : 32] قال أيضا "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية" [البينة : 7] وقد اتفق مفسرو السنة كالطبري وابن حجر والألوسى وغيرهم أن المقصود بخير البرية هم (عليّ ابن أبي طالب وشيعته) راجع كتب الصواعق المحرقة وتفاسير الطبري وروح المعاني، وأخبار مدح النبي لعليّ وشيعته في التراث السني كثيرة ويستدل بها على تصحيح مذهب الشيعة بالعموم.

هنا المستنير يقف على مسافة واحدة من المذاهب ويقاوم الضغوط حفظا على عقله من الانحراف الفكري المصاحب لوجهة نظر الأصوليين، فمعنى قول ابن حجر والطبري بحمل مفهوم خير البرية على شيعة عليّ لا يعني قصدهم تصحيحا لمذهب الشيعة، هنا نفي لقصدية هؤلاء بتصحيح ونفي لحقيقة أنهم مُسيّرون لروايات من سبقوهم.. وهي روايات كاذبة مصنوعة من أثر الحروب والمعارك في فترة خير القرون، لاسيما أن الطبري وابن حجر كانوا من أهل الحديث لا يفكرون ولا يُعملون عقولهم في النصوص، بالتالي لم يملكوا الحد الأدنى من الشك في ما وروثوه عن الأسلاف.

وهنا الفارق الذي يجب أخذه في قصة التطور وعلاقته بخير القرون، فالحقيقة أن تقليد الطبري وابن حجر لم يكن ليحدث لولا قولهم – الباطني – بتدهور الزمان المصاحب للقول بخيرية قرون السلف، هنا أصبح تفسير خير البرية بشيعة عليّ قول مقدس صادر من السلف الأعظم لا يجب رده حتى لو تعارض ظاهره مع أساسات مذهب السنة، والنتيجة التي نراها الآن أن أي مناظرة بين شيعي وسني لا نتيجة حاسمة لها لتعدد الأقول المتضاربة والمتناقضة في كتب التراث الإسلامي بالمجمل، فكما أن للشيعي أقوالا تدعمه فالسني كذلك..وحين يعجز أحدهم عن إقامة الحجة على خصمه يعلو صوته ويبدأ في وصلة الردح والتكفير.

أتخيل هنا الطبري وابن حجر معتقدين بصحة التطور كما وصلت إليه الحضارة المعاصرة، وقتها سيفسروا مفهوم "خير البرية" بشكل طبيعي أنهم كل من آمن بالله وعمل صالحا حتى لو لم يكن مسلما بالأساس، سيحدث ذلك طفرة في التفسير وما كنا ورثنا هذا السفه الذي ورثناه من كتب الأقدمين للحد الذي أصبح فيه التراث حجة للقتل والظلم أكثر من كونه حجة للرحمة والعدل، وأتذكر هنا في هذا المقام مقولة رئيس مصر الأسبق د محمد مرسي – رحمه الله – حين أنكر – في لقاء قديم قبل رئاسته - حق المسيحي والمرأة في ولاية مصر باعتبار أن الفقهاء (أجمعوا) على إنكار ذلك، وبالتالي فحسب قول الدكتور علينا أن نترك الدستور والدولة الحديثة وحقوق الإنسان ثم نحتكم لفتاوى الأئمة..!

الإخوان صنعوا المشكلة ثم تبرأوا منها ولولا صعودهم للحُكم ثم سقوطهم السريع لظلت مقولة مرسي في تحريم ولاية القبطي والنساء رائجة ومتعمدة وبالتالي فمصر هي دولة أئمة دينية وليست دولة عصرية على النهج الحديث، وكما ضربنا المثل على الطبري وابن حجر فهو ينطبق أيضا على د مرسي بفرضية بسيطة تقول " لو كان مرسي مؤمنا بالتطور الحقيقي كما تؤمن به الحضارة ما اعتمد أقوال السابقين ورآها مقولة تاريخية لأحد الأئمة ليست إلزامية وخاصة بعصور هؤلاء الفقهاء فحسب" وبالتالي فمرسي كالطبري وابن حجر يرون زمان المسلمين في تدهور يفقدهم القدرة على الإبداع والتحدي ثم ينقلون شعورهم السلبي هذا للأمة فتموت وهي تحيا حياة شكلية.

الإيمان بالتطور يعني حياه للإنسان أما الإيمان بالتدهور فيعني الموت والانتظار لأقرب ميعاد للدفن، ولولا تقديس الأموات ما حدث ذلك..نعم فللأموات قدسية عند سائر البشر من آسيا لأفريقيا لأوروبا يتذكرون فيها الميت بالخير ويحرصون على تكريمه مهما بلغت درجة الخلاف معه، لكن مؤخرا ومع صعود الأيدلوجيات كُسِرَ ذلك تقريبا بتقبيح شخصيات وأسماء مجرمة كهتلر ونابليون وموسوليني وترومان وصدام حسين وغيرهم، وباعتبار أن شأن هؤلاء عاما تم تخصيص هذا القبح للمشاهير ممن ساءت سيرتهم في حياتهم، لكن على ما يبدو أن هذا التقبيح البشري للمجرمين لم ينتقل للمسلمين بعد بدلالة تقديسهم لمجرمين كصلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع وسبكتكين الغزنوي وغيرهم.

فلولا غياب المعلومة وترسخ عقيدة خير القرون ما ظل هؤلاء أبطال في مخيلة المسلمين، ولتم النظر إليهم - وكل قادة الفتوحات – برؤية سلبية لا تختلف عن تقبيح الحضارة المعاصرة لهتلر وصدام حسين واعتبار نماذجهم سقطة بشرية في ضمير الإنسان، وفي النقد حين يفتح الباب لمناقشة القضايا الشائكة تتفتح الأبواب لنكتشف حقائق كنا غافلين عنها بفعل فاعل، وما خوف المسلمين الآن بالتعرض للقضايا الشائكة ومناقشتها بوضوح إلا علامة على إيمانهم النفسي بالتدهور، أو قوة حجة الخصوم لو رفعوا سلاح التدهور بيد أن العامة مؤمنين نفسيا بتدهورهم وعجزهم عن الإنجاز أو حتى المقارنة البسيطة مع أقل قائد أو زعيم..أو اعتبار أفكارهم العظيمة والبناءة منافسة لفكرة متخلفة قالها شيخ متخلف قبل مئات السنين، لكن بتدهورهم رأوا التخلف والضعف حضارة بينما القوة والعلم جهل



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الإسلام بعث للعالم أجمع أم للعرب فقط؟
- ليبيا الموحدة ليست مصلحة مصرية
- التصعيد الإعلامي والديني لن يحل مشكلة اليمن
- الشروط العشرة للتأثير والحوار
- حكم ضرب الزوجة في الإسلام
- معضلة الأخلاق والسلوك في العقائد
- هل يعتذر المسلمون عن تاريخهم ؟
- ديكارت في مواجهة الإخوان
- ضغط عالي..والسينما الهادفة
- معنى الإلحاد في القرآن
- مصر وإيران..اللقاء الصعب
- فضيلة الشك
- جريمة نيوزيلندا..ثقب في الوعي الإنساني
- أصول العرب..ومكر التاريخ
- المتحولون عن التنوير (4)
- المتحولون عن التنوير (3)
- المتحولون عن التنوير (2)
- المتحولون عن التنوير (1)
- نقض مذهب طاعة الحاكم
- الدين بين الطبيعة والتحدي


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركا لجنود ‌‏العدو وآلياته العسكر ...
- مسيرة بالمسجد الأقصى دعما للمقاومة ونصرة لغزة
- مصر.. مجمع -البحوث الإسلامية- يشير إلى معاملات في أوقات الأز ...
- القدس.. طوائف مسيحية تحيي -الجمعة العظيمة- بحزن
- إسرائيل.. اليهود المتدينون يعارضون ضغوط إلحاقهم بالجيش
- إلغاء مشاركة البابا فرانسيس في موكب درب الصليب لأسباب تتعلق ...
- شاهد: مسيرة للمسيحيين في شوارع القدس إحياء ليوم الجمعة العظي ...
- لبنان.. تجسيد صلب المسيح في الجمعة العظيمة
- شاهد: 125 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة الثالثة من رمضان في ...
- 150 ألف مصلٍّ يؤدون العشاء والتراويح في المسجد الأقصى المبار ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - حديث خير القرون ونظرية التطور