أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم مطر - أشكرك يا صديقي المسلم، لقد صالحتني مع المسيح!















المزيد.....

أشكرك يا صديقي المسلم، لقد صالحتني مع المسيح!


سليم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 6288 - 2019 / 7 / 12 - 10:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد عشت هذه الحكاية منذ سنوات عديدة عندما كان ابني(باسم) في المدرسة الابتدائية. كنا نسكن في حارة(Servette) الشعبية في وسط (جنيف) السويسرية. وكنت يوميا اصطحبه الى المدرسة بسبب خطورة الشوارع. هناك تعرفت على (شارل) وهو اب لتلميذة في صف ابني. (شارل) رجل سويسري اشقر، طويل مثلي، وضخم، فيبدو كأنه محارب فيكنغ، لكنه عندما يتحدث يتكشف عن طيبة ورقّة. منذ اول لقاء صرح لي بأنه ينتمي الى واحدة من تلك الطوائف الانجيلية الامريكية العديدة التي تجتاح اوربا والعالم، بعد ان هجر كنيسته الكاثوليكية. مع اللقاءات راح يطلعني على مطبوعاتهم محاولا بصورة مؤدبة كسبي. وانا كعادتي كان موقفي هو الفضول المعرفي وطرحي عليه الاسئلة الكثيرة. وكنت الاحظ ثمة عرج في قدمه اليسرى. وعندما سألته إندهشت من شرحه للسبب:
ـ انه الشيطان يا صديقي.. الشيطان يبث سمومه..
ـ كيف؟!!
ـ انت تعلم ان المسيح يكره العقاب، لكنه في طائفتنا يكلف الشيطان ليعاقب المخطئين من امثالي... نعم انا استحق ذلك لاكفر عن خطاياي..
لم اسأله عن ماهية خطاياه، لكني ابديت له استغرابي بأن طائفته لا تستطيع ان تساعده على التخلص من الشيطان، فاجابني:
ـ بالعكس، ان طائفتنا تشجع الشيطان على معاقبتنا، كي نتطهر في دنيانا من خطايانا، ونستحق دخول الجنة بعد الموت..
هكذا استمرت علاقتنا لطيفة في حوارات صداقية وكنت ابدي له اعتراضاتي بشكل خفيف دون الحاح. وقد تزاورنا عائليا وتعرفنا، انا وزوجتي (ماركريت ـ أم باسم) وهي سويسرية، على زوجته(مادلين) وهي برتغالية.
مع الايام والاسابيع كان مرض (شارل) يتفاقم وانتقل أيضا الى رجله اليمنى . واستمرهو بتقديم الشكر للمسيح على تكليفه للشيطان بتطهيره بهذا العقاب!
* * *
ذات يوم بعد ان اوصلت ابني الى مدرسته، اخذت طريقي صعودا في الحديقة العامة الكبيرة. كنت متعبا في حالة غضب وهيجان بسبب بعض المتاعب في عملي. إذا بي اشاهد (شارل) هذه المرة بالكاد يستطيع السير متكئأ على عكازة وهو يسحب رجليه شبه المشلولتين! اتجهت اليه مندهشا، وقبل ان أسأله قال بصوت ضعيف ووجه منكسر:
ـ كما ترى يا سليم، انا استحق.. انا استحق.. المسيح يريد تطهيري من ذنوبي..
وإذا بي وكما يحصل لي في كثير من الاحيان عندما أكون متعبا وغاضبا، فقدت صوابي وانفجرت وارتميت عليه ومسكته من كتفيه بقوة ورحت اهزّه بعنف وانا اصرخ بجنون:
ـ اللعنة عليك وعلى طائفتك الشيطانية.. كن رجلا وارفض الخنوع لهؤلاء الدجالين. المسيح نبي المحبة.. المسيح نبي الغفران، فكيف تعقل انه يتحالف مع الشيطان.. كفى كفى لهذا الخنوع والمذلّه. فوق مالك يستلبون منك صحتك وكرامتك.. كن رجلا وتمرد ضد الشيطان وطائفة الشيطان.. تحرر واحبب نفسك لتستعيد صحتك.. هل فهمت!!
طبعا المسكين قد تفاجأ بردة فعلي هذه، واتخذ وجهه ملامح طفل مرتعب وهو يطلق حشرجات مخنوقة.
نفضت عنه يديّ وتركته، لأكمل مسيرتي وانا مستمر اصرخ بالشتائم ضد هذا العالم الذي يسيطر عليه الدجالون والمستغلون ويخنع له الضعفاء المساكين..
وكعادتي ايضا، بعد اقل من نصف ساعة هدأت وشعرت بالاسف والاثم لانه قسوت عليه. فعدت الى الحديقة ابحث عنه كي اعتذر منه وآخذ بخاطره، لكني لم اجده. لم اتجرأ الذهاب الى بيته خجلا منه ومن زوجته التي توقعت ان تكون غاضبة مني. في اليوم التالي كذلك لم التقيه. بعد يومين اخبرني (باسم) بان (ابنة شارل) قد تركت المدرسة وان المعلمة اخبرتهم ان عائلتها قد انتقلت الى مكان بعيد.
استغربت حصول هذا التغيير، ولكن لم يخطر ببالي ان له علاقة بالسلوك الذي بدر مني. مع الايام تناسيت الامر، ولكني بين حين وآخر كنت اتذكر (شارل) وأتسائل اين حل به الزمان، وهل فقد رجليه، او ربما قد قتله الشيطان ليطهره من خطاياه؟!
* * *
بعد مرور عام تقريبا، كنت اسير قرب المحطة، عندما سمعت صوتا اليفا يناديني بلهفة:
ـ سليم .. صديقي سليم..
وقبل ان اعرف من، اذا بشخص يرتمي عليّ محتضنا مقبلا.
أخيرا ها هو صديقي (شارل) امامي بقدمين صلبتين وهو يشع صحة وبهجة!؟
عندما جلسنا في المقهي حدثني بقصته العجيبة:
ـ لقد انقذت حياتي يا صديقي. لن انسى ابدا تلك الساعة التي واجهتني بالحقيقة التي كنت باشد الحاجة لان اسمعها، خصوصا من إنسان مثلك قلبه صادق وروحه تنطق بوجع الظلم. مباشرة عدت الى بيتي مفجوعا محطما، فوجدت زوجتي ورحت ابكي وانا اسرد عليها ما حصل، واكرر عليها كلماتك مرات ومرات لانها قد انحفرت عميقا في كياني.
كنت كالعادة اتوقع من (مادلين) ان تواسيني، لكنها هذه المرة قد صبّت الزيت على النار، إذ فوجئت بها هي الاخرى تعلن ثورتها عليّ وتهددني قائلة:
ـ اسمع عزيزي (شارل)، ان صديقك (سليم) نطق بالكلام الصحيح، الذي كنت اكتمه في صدري ولا اتجرأ ان اصرح به احتراما لمشاعرك. ألآن اسمعني:
اما أن نهجر سويسرا ونغادر معا الى البرتغال، او اهجرك انا وآخذ ابنتي واعود الى بلادي. ليس امامك غير هذا الحل، كي تتخلص من طائفتك الشيطانية هذه، وتنقذ نفسك وعائلتنا.
وفعلا خلال يومين، جمعنا اغراضنا ورحلنا سوية الى قريتها في جبال البرتغال. هناك قامت زوجتي بجمع اقاربها واهل القرية في الكنيسة وبحضور الكاهن وسردت عليهم بالتفصيل حكايتي مع الشيطان. بعد المداولات اتفقوا جميعهم مع الكاهن على احاطتي بكل الرعاية اجل تنظيفي من كل ما علق في روحي وبدني من عقيدة الشيطان، من خلال التراتيل والصلوات وبعض الطقوس والمياه المقدسة.
لقد لائمتني الحياة هناك بعيدا عن جنيف وصخب الحضارة وضغوطات الطائفة. ارتحت لطيبة الناس وللهواء العليل، ومشاركتهم في فلاحة مزارع العنب والفواكه. وفعلا بالتدريج أخذت آلام الرجلين تخف، وخلال بضعة اشهر اختفت تماما واستعدت صحتي واكثر من قبل. وها أنا كما تراني امامك، عدت شابا وأكثر..
قبل ان نفترق اخبرني بانه في زيارة قصيرة لبلاده سويسرا، لانه قد قرر هجرها تماما والاستقرار في قرية زوجته. اعطاني عنوانهم ودعانا انا وعائلتي لزيارتهم متى ما نشاء. وكانت آخر عبارة له وهو يحتضنني مودعا:
ـ اشكرك يا صديقي المسلم، لقد صالحتني مع المسيح..



#سليم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (شبه القارة العربية)، لم يخلقها الفتح العربي الاسلامي، بل ال ...
- تحذير الى انصار ايران في العراق!
- من اجل تجمع عالمي اسلامي مسيحي، لتجريم الافلام الاباحية!
- التاريخ التاريخ، علينا بالتاريخ، فدونه تبقى الثقافة سطحية بل ...
- وزير خارجية ايران يهين التاريخ العراقي، بالاعتماد على التورا ...
- (نيروز) عيد الربيع العراقي!
- الحداثيون و(عصاب العنصرية الذاتية) ضد تاريخنا العربي الاسلام ...
- الميديون، وإكذوبة الحضارة الايرانية (الكردية؟!)!
- الحضارات المهيمنة، مقدّساتها ومدنّساتها المهيمنة!
- الحضارة الغربية، ملاك وشيطان: (عقدة تفوقهم) و(عقدة نقصنا)!
- ايها العراقيون خلاصكم الوحيد الوحيد الوحيد في: (إحياء الهوية ...
- س (مريم العذراء)! سيدة الامومة والخصوبة، وعلاقتها ب: (عشتار ...
- ما معني(الهوية).. وماهو سوء الفهم السائد حولها؟
- تخيلوا لو كان العالم بالمقلوب: الحضارة في العالم العربي، وال ...
- اخوتي مسيحيّ الشرق، اخاطبكم بكل محبة وحرص، ليس دفاعا عن الاس ...
- الله ، الدين، الشريعة، الحج، نبي، حواء، آدم، المسيح ،عيسى، م ...
- الجوائز الثقافية الخليجية السعودية والسيطرة على مثقفي العالم ...
- العراق.. الى المحتجين واصحاب الضمائر الباحثين عن حل: هذا اقت ...
- الاصول الدينية العراقية المصرية للأديان السماوية: اليهودية و ...
- الاصول الدينية العراقية المصرية للأديان السماوية: اليهودية و ...


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم مطر - أشكرك يا صديقي المسلم، لقد صالحتني مع المسيح!