أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن الغبيني - القبو















المزيد.....

القبو


حسن الغبيني

الحوار المتمدن-العدد: 6283 - 2019 / 7 / 7 - 19:11
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة ..
مثل حيوان هائج يندفع بكل الاتجاهات، يجمع الأوساخ المتطايرة التي دفعتها الريح ، مخلفة ترابا وغبار علبة كارتون وأكياسا نايلونية ملونة ، أغلفة لحلويات، صور قديمة ، اوراق وقاني زجاجية فارغة ، يسب ويشتم ، وثمّة زبد طافح من فمه، يمسحه بدشداشته القصيرة المقلمة وقامته القصيرة ، شكل دميم وانف متضخم كبير يلتهم نصف وجه ، حتى يخال لك أن وجهه عبارة عن انف تبرز على صفحته عيون صغيره ترصد الأشياء بشهوة ،يصرخ، ويحتج بكلام غير مفهوم، يضرب على وجهه ويتألم ، يصرخ ويشتم ويسب.. بينما الأطفال والصبية وبعض الرجال الذين يتعمدون اثارته ، يطلقون عليه هااا ابو العجائز ، انها الكلمة التي تبعث فيه الأثارة وتخرجه من طوره ( شيليمه.. شيليمه) والبعض الذي يريد أن يشاكسه، يرمي الأوساخ التي جمعها ويلقيها في كل الاتجاهات، تتطاير الأوساخ في كل مكان يزداد هيجانه، يبدأ يضرب على جبينه بباطن كفيه ضربات سريعة رتيبة، يتعالى صراخه ، يدور حول نفسه مثل ثور هائج ، يضل يسب ويولول كلما أشار احدهم إلى مصدر الأوساخ ، سرعان ما يختفي كل ذلك الهيجان حين تلوح له بقطعة نقدية يرفعها احدهم عاليا يداعبها بأصابعه ويشير له بها ، يرمي كل شئ بيده ويتوجه صوب اليد التي تمسك قطعة العملة ، يهجم عليها تنتابه شهوة الامتلاك ليمسك بها يضل يقفز قفزات فيها توسل وإصرار يدور حول الكف التي ترفع العملة النقدية ليقبض عليها يطاردها بتوسل , يتلاشى غضبه ، ينسى كل شي، يتحول إلى طفل وديع تمتلكه الرغبة مثل حمى ، لا يعرف ماذا يفعل يضل يدور حول القطعة النقدية حتى أذا عجز على الإمساك بها راح يتوسل من جديد بصاحبها لدرجة البكاء والخضوع، يتمتم بكلمات يضل يكررها بتوسل ..
ـــ عفيه عفيه الله يخلك 000عفيه 00
ومثل صقر يهجم على العملة المعدنية وبنشوة المنتصر.. تتوهج عيناه الصغيرة.. يلهث أمام قطعة العملة وحين يمسكها تنتابه لذّة الانتصار، يقبض عليها بفرح طفولي يختفي منه القلق ويذهب الهيجان ، ينسى كل شيء ويعود مثل طفل وديع تسكنه الدهشة , يظل يحدق بقطعة النقود متناسيا الاوساخ وكل ما حوله ليضعها في جيبه ، لكن سرعان ما يعود ليجمع الاوساخ من الشارع ويتمتم بكلمات يرصد الاوساخ ويجمعها ، انه ابو العجائز المجنون، الكل يعرفه لا احد يمنعه، كل المحال الموجودة في القبو تعرفه، انه يتنقل من مكان الى اخر ليجمع الاوساخ كل صباح، يفترش رصيف شارع الامام فهو ساكن في عكد المفتي، المجنون بهاجس النظافة منذ أن صدر قرار بتعين المجانين وذو العاهات ليسدوا شواغل المقاتلين في جبهات القتال في حرب السنوات الثمانينية ،حينها وجد ابو العجائز نفسه عامل خدمه في البلدية ، وليكون سخرية العاملين هناك , لعدم القدرة على ضبط سلوكه ، وعجز البلدية عن تروضه، حين يصيبه الهيجان ،او عندما يرى ايّ احد يرمي الاوساخ، يظل يدردم ويركض في كل الاتجاهات معلنا رفضه واحتجاجه لما حدث ، ذاهبا الى المشرف ليشتكي اليه ، ومع مرور الوقت، فكر المشرف في البلدية الذي عجز عن ضبط سلوك هؤلاء المجانين، على اعتبار ان أمر تعيين هؤلاء جاء رئاسياً، عمل على تنفيذ خطة تخلصه من مسؤولية هؤلاء ، فقد وزعهم على مناطق سكناهم ليمارسوا عملهم ، كل واحد منهم مسؤول عن منطقته, ومع مرور الوقت اصبحوا هؤلاء فائضين عن الحاجة , عند نهاية الحرب التي دامت ثماني سنوات ودخول العراق حربا جديدة هي حرب الكويت ، ومع اشداد قبضة الحصار عملت البلدية على اهمالهم، ثم الاستغناء عن خدماتهم ، لكن الشي الملفت للنظر ، تشبث ابو العجائز الذي تسلط عليه هاجس النظافة فكأنه مسؤول عن الأوساخ في كل المدينة ، فهو دائم الحركة يجمع الاوساخ من رصيف المدينة ،التي وجد نفسه محشورا بين سكانها ، منذ ان نقلت خدماته هناك، ليبدا يوم رتيب اعتاد علية القاطنين في القبو، وهم يعاكسون ابو العجائز الذي حمل هذا اللقب بجدارة فهو جليس جميل ونديم لسواق (النص ريم) التي تنفذ دخانها في سماء مدينة تزداد تلوثا في كل شيء ،منذ ان اختفت مصلحة الركاب اختفت ايضا تلك المظلات التي كان الناس ينتظرون فيها مجيء سيارات الباص (المصلحات)، مدينة حل عليها أله التلوث0 وهيمنت على ارصفتها الجنابر، مدينة تعج بالقاذورات ، بيوت متهدمة من بقايا حروب وتهجير، ازقة ضيقة تشبه الموت ، وجوه مذعورة وكالحة، كأنها تعيش لحظة وباء كارثي، سرعان ما بدا ينخر فيها الحصار والجوع.. بدأت الناس تستفيق من هول الصدمة ، التي خلفتها هزيمة حرب الخليج او ما تسمى بحرب الكويت وانتفاضة الجنوب والشمال ،التي دفعت الحكومة الى التنكيل بالناس ، ما اضطر الكثير للهرب من جحيمهم ، هاموا في مدن الله الكبرى ، وقسم كبير من الناس اخذهم الجيش، ولا احد يعرف مصيرهم، كثير من البيوت تم تجرفها خلت من ساكنيها، لا احد يدري ما حل بقاطنها، قبل ان يصدر القرار الوزاري الذي شمل تعيين ابو العجائز، في مكرمة القائد والتي تم الغاء قانون العمال وتحويلهم الى موظفين في الدولة, كان ذلك في ثمانينات القرن المنصرم 0
سائقو الكراجات اعتادوا ان يأخذوه معهم فهو نديم وجليس يجلب السعادة لهم، ويطرد السام من حياتهم التي تبعثرت في حياة الحروب، فظل ابو العجائز يتنقل بين سائق واخر، الشي الذي منحه هذا الّلقب عندما يبصر العجائز وهن يلاطفنه ، حيث يرتخي ثم يسيل لعابه ويتغير شكله ويصبه نوع من الذهول، يلتصق بإحدى العجائز الّلواتي يعاملنه بحس امومي، يلاطفنه ، لكن أبو العجائز يذهب إلى أكثر من ذلك طامعا في المزيد، يقترب أكثر ليبدأ بمد يده ليلامس أجساد العجائز البريئات ..ثم ليتمادى أكثر حتى يصل إلى مرحلة ضجره لتصرخ بوجهه المرأة العجوز وتنفره..
ـ شوف ابن الزفرة اشدي أتسوى .. أنوب علينا المخابيل000
ثم تبدأ بالسب واللّهن.. بينما هو ينفش جسده مثل ديك ليصرخ بوجهها..
-هاي إشبيج علينا ها مو00 ملينا .. ها00
فهو لا يملك سوى تلك الجمل الرتيبة كلما مر به موقف يتعرض فيه للنهر والطرد ليصرخ ـــ علينه .. ها.. مو ملينه ام الع 00بربوك
ينسحب لزاوية يظل (يدردم مع نفسه شاردا في عالمه ) لينكمش على نفسه ويبقى يدمدم بكلمات غير مفهومة، رافضاً ما قامت به العجوز ، حتى ينفجر السائق والركاب بالضحك عليه ، يدب فيه الاضطراب ليهجم عليهم، يردعه الآخرون حين يمدون ايدهم في جيوبهم للعمل على تروضه وامتصاص ثورته، تبقى عيونه شاخصة قلقة حتى تمسك يده بأحدهم يمد إليه قطعة نقود ، يتحول إلى طفل وديع يتوسل به حتى يحصل عليها، يتفحصها بفرح ولهفه يشعر بزهو الانتصار ، وبفرح طفولي يحشر القطعة النقدية ويدسها في جيبه، لقد ألقى القبض عليها ، ولا يمكن أن تعود , أنها تدخل في جيبه المصنوع من متاهات، على شكل جيوب متعدد ليقفل عليها, حيث تسكن العملة في قبو جيوبه , الذي عمد الى خياطة جيوب اضافية موزعة على شكل كهوف عميقة تحت دشداشته المصنوعة من خرافه، فهي تحوي في داخلها كل شيء قطع نقود قديمة واخرى جديدة وفي الوقت نفسه يحمل في داخله كومة من الحجار..سلاحه وعتاده اليومي ليضرب به الصبية الذين يستفزونه ،هناك جيوب يخرج منها صور جملية لممثلين وممثلات ، يتفحصها في خلوته مبحرا فيها عالمه وشهواته ..



#حسن_الغبيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نص
- الخروج من القفص
- الدعلج
- النواحة


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن الغبيني - القبو