أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - باقر العراقي - الحاج محي العباس ملاك من السماء















المزيد.....

الحاج محي العباس ملاك من السماء


باقر العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 6279 - 2019 / 7 / 3 - 12:01
المحور: سيرة ذاتية
    


الحاج محي العباس ملاك من السماء.

باقر العراقي
حينما نسمع قصة احسان، تقشعر ابداننا وتتحرك عواطفنا، وينبعث منها شعاع مصدره شغاف القلب، فينير ما حوله من ظلام حالك، تلك هي انسانيتنا التي نبحث عنها.
بعض الناس ينفق على الفقراء ما يجمعه من تبرعات الناس، وآخر يؤسس منظمة إنسانية تهتم بشؤون فئة من الناس، وغيرهم لديه أساليب اخرى في الاحسان، وكل هؤلاء محسنون، لكنهم لم يصلوا إلى ما وصل اليه الحاج محي العباس رحمه الله مع الفقراء والمحتاجين.

الأنبياء والاوصياء والصالحون محسنون بطبعهم، يعطون ولا يأخذون، وتلك سيرتهم سيرة المعصومين، دأبوا عليها وأدبهم ربهم بها، لكن أن نرى ذلك في أنسان يفصله التاريخ عنهم اكثر من ثلاثة عشر قرنا فهذا بحاجة إلى توفيق رباني، قلما نجده في أنسان يعيش زمن أفكار ميكافيلي الذي ينادي بالغاية التي تبرر الوسيلة، وزمن رأس مال ماركس وشيوعيته التي جاهدت لمدة قرن كامل، ولم تستطع الوصول لغايتها الاشتراكية.

الحاج محي العباس رجل ظهر في مدينة "الكرادي" الرفاعي حاليا في ثلاثينات القرن الماضي يملك ثمانية عشر مفتاحا أي محلا وخانا، وفي خزنته عشرات الآلاف من الدنانير أو ما كان ولا يزال يسمى "بالمالية الحمرة" يملك الحي القديم للمدينة بما فيها الحمام الذي أسسه بنفسه، والمطحنة الصغيرة ومن ثم الكبيرة وعدة محلات لبيع القماش والأغذية والمواد المنزلية بالإضافة إلى خان التمر.

يذكر الحاج عبد ياسين بأن الحاج محي رحمه الله كان يضع ارغفة الخبز بين ذراعيه، ويأمر أحد عماله بحمل "قوصرة" التمر معه، فيدور على عمال البناء في المدينة ويوزع لكل واحد منهم رغيفا من الخبز وفي داخله "زهدول" من التمر، وكان يشتري كل صباح ما يتوفر في السوق من الروبة والقيمر والجبن ويأمر النساء بتوزيعه على بيوت الفقراء والمحتاجين.

حفيده ينقل عن عمه المرحوم حسن بأن الحاج محي حج عدة مرات، وكلما جاء من الحج تتوافد عليه نسوة المدينة، ممن لم ترزق بأطفال، فتقوم المرأة بأخذ حزام الحاج محي، ولفه على بطنها، فتحمل بعد فترة ليست طويلة وهي مجربة لعدة نساء، مما يدل على المكانة الاجتماعية والروحية التي يتمتع بها الرجل في ذلك الزمان.

في أحد أيام القحط والجوع، او كما سميت سنة "لوعة" وهي على الارجح سنة ١٩٣٨، جاءت إمرأة تحمل على رأسها كيسا من "الشبيشة" لتطحنه "والشبيشة" عدة انواع من الحبوب المخلوطة، وهي غذاء الفقراء انذاك، فجاءت للحاج محي وقالت له لم استطع طحن "الشبيشة" فلم يصلني الدور لتزاحم الناس على المطحنة واطفالي جياع، وكان الحاج رحمه الله يجلس أمام احد محلاته، فقال لعماله حملوها هذا الكيس المطحون، والتفت لها وقال ضعي كيسك "الشبيشة"هناك وتعالي غدا، ستجدينه مطحونا، حتى أن أحد الشعراء قال شعرا بهذه الحادثة، "اكلي من دخن محي..ولو جاج الوفا نحي.
اي تنحي ولا تفي بالدين، لأنه الحاج محي أبو الفقراء.

ايضا على إثر هذه الحادثة يذكر السيد محمد الصافي بأنه أمر كبير عماله بالذهاب إلى بغداد وجلب مطحنة كبيرة تكفي المدينة واريافها، وفعلا تم جلبها ونصبها في مكان حسينية ملا فطوم رحمها الله حاليا، وطحنت لمدة شهر كامل مجانا لأبناء المدينة.
.
كان الحاج محي يطبخ يوميا طول ايام شهر رمضان المبارك، ويوزع على المحتاجين وعابري السبيل، كما أنه يقوم بتفقد منازل الفقراء بنفسه، ويوزع عليهم ما انعم الله عليه من الرزق الحلال.

يذكر الاخ عبد الكريم السوز بأن الحاج محي لا يهتم كثيرا لمنظره وملبسه، ويلبس كما يلبس الفقراء، وكان غني النفس كريما محسنا، جوادا حد الاسراف في العطاء، يقال بأنه في أحد المرات جاءه أحد ابناء المدينة وهو رجل صاحب عائلة كبيرة ومحتاج، وقال له امام الناس :حاج محي لي دين عليك مقداره عشرة دنانير، فصاحت عليه الناس ونهرته وقالوا له بصوت واحد لا يطلب الحاج محي إلا الله، كيف تجرؤ على هذا الكلام، إلا أن الحاج محي قال لهم بهدوء نعم الرجل يطلبني عشرة دنانير، فأستغرب الناس بما فيهم الرجل الشقي.

وما أن جن الليل حتى جاء صاحبنا إلى الحاج محي والدموع تنهمر من عينيه، ليطلب السماح منه على موقفه المخزي، فقال له الحاج محي رحمه الله لا عليك وهذه عشرة دنانير، اذهب انت و عيالك اسكن في بستاني المقابل لنا في الجهة الأخرى من الغراف، عيال الفقراء لهم حق في أموال الاغنياء.

انظر عزيزي القارئ الكريم لهذه الأخلاق الكريمة والنفس الكبيرة، كيف يتعامل مع الفقراء وأصحاب الحوائج، لنتعلم نحن وكل المؤسسات الإنسانية من هذا النبل العظيم والخلق الكريم.

ما زاد الرجل كرما وإنسانية هو تعامله الإنساني مع الحيوانات، وما يرويه أحد أبناء المدينة ممن عاصره في تلك الفترة، يقول رأيت الحاج محي ليلا يحمل في يده طستاً كبيراً ويجمع به بقايا القصابين، في منطقة الحسينية الكبيرة حاليا، إلا ان ملأه على آخره، ووضع لفافة من القماش على شكل عقال على رأسه، وقال لي ساعدني بحمله على رأسي، فحملته معه والذهول أخذ مأخذه مني، بينما اخذت القاذورات تتقاطر على رأسه وشيبته الكريمة، فلم أستطع أن أنبس ببنت شفه، أخذ يمشي خببا كأنه حصان جامح، فركضت وراءه لأستعلم امره، والشكوك بجنون الرجل اخذت تحوم حولي، إلى أن قطع الشوارع والازقة الضيقة ووصل إلى منطقة الرشودية، قرب اعدادية الصناعة حاليا، وعندما وصل العراء أحاطت به مجموعة من الكلاب من كل جانب، وهي تنوء تحت قدميه فرمى حمله إليها، وأخذ ينظر إليها نظرة الراعي لأغنامه، وهو يمسح على رأسه من وطئة الحمل الثقيل.

ليس ذلك بكثير على هذا الإنسان العظيم، فقد كان يفرغ محل القماش تماما ايام الأعياد لبيقي رفوفه فارغة تماما، ويوزعه على الفقراء والمحتاجين، ويفتح خان التمر أمام المارة ليأخذ اي أحد ما يحتاجه لسد رمقه ايام العوز والجوع، وكان لديه ثلاثة خبازات بالقرب من مطحنته، يخبزن للفقراء والمساكين وعابري السبيل، والجميل في الأمر أن الناس في ذلك الوقت تأخذ مقدار ما تحتاجه ليومها، ولا تسرف في الأخذ.

أخيرا فإن الكلمات تبقى عاجزة عن البوح بأسرار هذا الرجل، فكل واحد منا يتمنى أن يعود به الزمن إلى أكثر من سبعين عاما ليرى جميل أفعاله العظيمة، وكرمه النبيل، إلا أن سيرته ستبقى محط أنظار كل انسان يبحث عن إنسانيته، يبحث بين البشر بقايا أدمية الإنسان التي حطمتها براثن القرن الحادي والعشرين، ليبقى الحاج محي ملاكا من السماء نزل على الارض على هيئة بشر، وليبقى ارثه الكبير منارا يهتدي به كل أبناء الرفاعي، وفخرا لأرض العراق التي انجبت الاف العظماء.



#باقر_العراقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد المهدي بين المعارضة والمعارضة
- ويستمر التكالب على المناصب.
- بطانة الحكام ليست حلا.
- قطار عادل عبد المهدي الى اين؟
- الدولة تَقُط مواطنيها.!
- هل نشعر بالأمان؟
- ثورة أبناء الرفاعي
- بكاء إلى الابد
- المشروع الوطني سيف قاطع لا براق.
- استثمار تسعيرة الكهرباء في العراق، الحقيقة الكاملة
- ما هو الحج الأعظم في العالم؟
- عملية كركوك صولة الأسد، وزرع الورود على حدود الدم.
- المناهج الدراسية طبعات متجددة واخطاء مستمرة
- السقوط القادم لدول الخليج...!
- بين بؤس الطائفية وصراع المحاور، أين مشروع الوطن؟
- الحكمة بين إرث الماضي وأهداف الغد
- كيف نتخلص من مفخخات بغداد؟
- ما لم يتبناه حوار بغداد
- من يعارض التسوية، ولماذا كل هذا الاهتمام بها؟
- خبر عن ترامب..!


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - باقر العراقي - الحاج محي العباس ملاك من السماء