أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليندا كبرييل - حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!















المزيد.....


حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 13:05
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


هذا حوار بين مجموعة من الناس التقوا في بلد يملك عرش الإلاهة " شمس " . جاؤوا من مختلف بلاد العالم سَعْياً وراء التحقُّق من صحة نظرية شاعتْ على الألسن تقترِبُ من المعجزة :
كيف قُدِّرَ لِأيادٍ مخْلصة أن تُنزِل الجبال على الأرض لرؤية وجْه الشمس ؟!

الحاضرون في الحوار شخصيات وَثّابة، ولدتْ في أحضان المعرفة وترعرتْ في مختبرات العلم، لا تهْوَى إلا الشك وتهِيم بالتمرُّد على الثبات، قدَّمتْ في بلادها وما تزال عمراناً باهراً شامخاً مُشيَّداً بالعلم والفكر، تجْمع بإرادة جبارة شتات النور من كل جانب في العالم، لِتجعل الكون بأسره شمساً تنهمر ضياءً على المناطق المعتمة في الحياة.
وعلى الطرف الآخر تَصدَّى لهم خصوم أشِدّاء، وُلِدوا في أحضان الكهنوت، وترَعْرعوا في مختبرات التقديس، لا يهوون إلا التوافُق، ويَهيمون بالتماثل.

واختلف الطرفان : أهل العلم وأهل الدين ؛ وبدأ تيار البُعْد الأفقي الذي يربط الإنسان بأخيه يتصدَّع ويهتزّ، بل وينهار في جوانب منه .. وأخذ تيار البُعْد العمودي ينفصل عن مَنْبته نافِياً جذوره، ويرى في ظاهرة تَطاوُله نحو السماء تعبيراً حضارياً على الناظر أن يَنْحني أمامه إجلالاً.
اسْتَحْكَمَ العداء واستفحَلَ الهلاك في العالم . ومن شاشات الألعاب الإلكترونية انتقلتْ إلى مسرح الواقع الملموس مَشاهدُ القتل ؛ بالكلمة، بالصورة، بالمسدّس، بالكذب، بالتفجير، بالتهجير، بالبحر .. وفاضَ الحزن والدمع، وما زال الإنسان مُصِرّاً أن الأمر ليس عودةً إلى أصله الوحشي، وإنما تنبُّؤات لزمن قادم سينتقل بالإنسان إلى واقع جديد ينتشله من البؤس والشقاء.
في هذا المناخ القاتم غاب أهمّ عامِل لِارتقاء الحياة : البُعْد الإنساني.

الحوار لِطوله أطْرحه في حلقات، مُسجِّلةً بِلُغتي العربية ما استطعت رَصْده من تعليقات الحضور وانفعالاتهم، وما ترك أثره في نفسي.
حِوار المجموعة يتكرر في كل مكان من عالمنا، وبكل اللغات المعروفة، تقرؤونه في المواقع الإلكترونية، وتسمعونه في البرامج التلفزيونية.
وإلى أن تَرْتقي قيمة الإنسان فوق المصالح والغايات، سيظل هذا الجِدال مُحْتدِماً حول المشكلة المطروحة دون حلّ .. ولا أمل.

إلى حضراتكم ما جرى منذ فترة قريبة، مع الشكر والتقدير للقارئ الكريم.

أغرَتْني زميلة بحضور جلسة صداقة لِتبادل المعرفة، ستضمُّ مجموعة من الأجانب من جنسيات مختلفة : عربية، أفريقية، وآسيوية شرقية، وأوروبية.
ذهبت على رجاء أن أقضي وقتاً طيباً بعيداً عن وطأة الهموم والمتاعب . دخلتُ الصالة متأخرة والجماعة مُشتبِكة في حديث في وقت واحد، فجلست دون أن يبالي أحد بِرَدّ تحِيتي . كان من الواضح أن الأمر جَلَل مع انْقِشاع المُجاملة والكِياسة في المخاطبة، وارتفاع شدّة الصوت والصخب.
قدَّمتْ الأقْرب لي دفتراً لتسجيل الملاحظات، سألتها وأنا أستلمه عن الأمر المُتنازَع عليه، فأجابتْ بأنه تبايُن وجهات النظر، حول عقبات الاندماج الثقافي التي تُواجِه الإنسان في بلاد الغربة، ويثور الجدال حول رياح التغيير الشديدة التي تشهدها أوروبا مع تدفُّق الهجرة.
تحمَّسْتُ للموضوع ؛ فأنا أستقي معلوماتي عن مآسي المهاجرين من التلفزيون ؛ مشاهد مُفجِعة، وواقع جهنمي يفوق التخيّل أوْصَلَني إلى بلبلة نفسية، انصرفتُ على إثرها عن المشاهدة أمام قسوة واقعٍ، لا أرى فيه إلا التذويب والتعذيب والموت ؛ هل يمكن أن يتحجَّر القلب ؟ ذروة اللامعقول ! إنهم يعقدون الصفقات التجارية مع الشياطين على حياة إنسان .. يُسمْسِرون على قلب طفل .. أين أنت يا ربّ !

كان هذا اللقاء فرصة، لأتعرَّف على آراء مَنْ لهم صلة مباشرة بالأزمة المُتفاقِمة في العالم.

تطْوير أم تحْوير الثقافة العلمانية ؟

كان الانفعال قد غلبَ على السيدة الفرنسية، فأصبح صوتها أشدّ حدّة وهي تقول :
ــ التاريخ سيُحَمِّل حكوماتنا المسؤولية الأخلاقية عن نتائج سلوكهم الأرْعن، باستقبال الأعداد الهائلة من اللاجئين دون تدقيق صارِم في هوياتهم وأصولهم . هؤلاء المهاجرون يَفْتعِلون الصِدامات، لِإجْبار المجتمع على قبول سلوكيات تتناقض مع القيم العلمانية .. ومع تصاعُد التهديدات ونشْرِ الرعب بتأثير عملياتهم الإرهابية، انْعدمَ الأمان وتَعاظمَتْ كراهية الأجانب . هذه التحدِّيات الجديدة لن تقود أوروبا إلى تمازُجٍ وتفاهُم مجتمعيّ، بل إلى تفكّكٍ وشِقاق مع الذين يريدون جَعْلَ الثقافة انتِقائية مزاجِيّة، أو الرافضين تماماً الثقافة العلمانية . أوروبا أصبحتْ بؤرة ارهابية، والوضْع لا يبشِّر بالخير.
ربّتَتْ السيدة الماليزيّة بكفِّها على كتف زميلتها الفرنسية بمودّة وقالت لها :
ــ أما أنا فأُبشِّر بِشكل جديد للعلاقات الإنسانية . التآلُف بين كتلتين بشريّتَيْن متناقِضتَيْن في أساليب الحياة يحتاج إلى وقت ؛ فالمهاجرون طارئون على المجتمعات الليبرالية التي تعيش على إيقاع قِيَم الحداثة، كالحُرِّية الفرديّة والفكرية والتعدّدية التي لم يَعْهدوها في بلادهم الأصلية المُستبِدَّة، والبَشَر فيها نِتاج ثقافة تقليدية خانقة لِحرية التعبير والتغيير . تطوير الثقافات لا بدّ أن يمرّ بمراحل هبوط وصعود كأيّ ظاهرة في الحياة.
ردّتْ الفرنسية على الفور بعصبية :
ــ وضِّحي بالدقة : تطْوير أم تحْوير الثقافة الأوروبية ؟ إنكم مراوِغون ؛ فإما أن نَنْصاع لثقافة حَلالكم وحَرَامكم فتزول أسباب العداوة والأحقاد، وإما الصراع إلى الأبد.

سكتْنا له فدخل بحماره !

وتبَلْبلتْ الألْسنة . إلا أن صوت السيدة الألمانية غطّى على الجميع وهي تخاطِب السيدة الصومالية باسْتياء :
ــ المَثَل الذي أسْمَعْتِنا إيّاه في اجتماعنا الأسبوع الماضي : " سكتْنا له فدخل بحماره "، عندنا مَثَل ألماني شبيه به يقول : " عندما يعطى المرء إصبعه الصغير للشيطان فسيأخذ الشيطان اليد كلها " . نحن لسْنا مُجْبَرين على إعالة مهاجرين كَسالى وخامِلين، لا يتمتَّعون بروح المسؤولية تجاه المجتمع الذي احْتَضنَهم وحَماهم من الاضطهاد ..
ثم أخذتْ تعدُّ على أصابعها :
ــ يرفضون تعلُّم لغتنا، ينتقدون برامج التعليم، يسْتَقْبِحون مظاهر حريتنا، يخشون على بناتهم الاختلاط بنا كي لا يتعلمْنَ الانحراف والفجور، يدْعون علينا بالسوء في صلواتهم علَناً، يفْرضون علينا مفاهيم بليدة للعلاقات الإنسانية، كل هذا وأكثر منه وصبَرْنا، قدّرْنا أنّ برامج التوعية والنشاطات الاجتماعية الهادِفة إلى تحْسين وضْعهم، كفيلةٌ مع الزمن بِتهيئة السبيل لإدماج الأجانب في البيئة الجديدة، لكن المشكلة أن معظمهم وخصوصاً النساء لا يشارك فيها ! يرونها في أحسن الأحوال ثرثرة فارغة، وفي أسْوَئها تَهَتُّكاً يتعارض مع نسَقهم الأخلاقي ! يعيشون في تكتُّلات مُنغلِقة ومنعزِلة عن المجتمع بحجّة الخصوصية الثقافية، وهذا سيُراكِم العاهات الحامِلة لِعناصر التطرف.
وفجأة التفتتْ إلى السيدة اليابانية التي كانت تحاول تَغْيير دفّة الحوار لِتهدئة الجو، وقالت لها بامْتِعاض :
ــ اِهْدَئي ! و كُفّي عن المقاطعة .. المعذرة، رؤيتكِ طفوليّة مُسالِمة جداً إلى درجة السذاجة !
وثار اشتباك لفظي بينهما، حازت الألمانية أخيراً قصَب السبْق وزعقتْ في وجه اليابانية :
ــ ألَا تسمعون بالحوادث الإجراميّة في أوروبا التي يقوم بها وافِدون ومُقيمون ومَوْلودون في أوروبا من أصول شرق أوسطية، كاغتصاب بناتنا، وسرقة المحالّ التجارية، وبَيْع المخدِّرات، واستخدام السكاكين في الطعن ؟ إنهم يعضّون اليد التي امتدّتْ لهم بالخير وهم يتمتّعون بالقوانين الداعِمة لحقوق الإنسان .. ما الذي حَمَلَهم على قطْع البحار والأهوال للعيش مع الرُذلاء العنصريين ؟ فَلْيَبْقوا في صحرائهم مع عَبْداتهم وجمالهم ونفطهم ...
قاطعتْها الإسبانية ساخِرةً :
ــ ومنْ سيفتح روما ويعود إلى قصر الحمراء إذا ظلّوا في الصحراء ؟!
تابعتْ الألمانية :
ــ أوروبا الحمقاء ما زالت تستقبل الجهاديين باسم حقوق الإنسان، رغم ما يجري أمام عينيها من تصاعُد التطرِّف، الرافِض كل ما لا يتلاءَم مع شيفرته الأخلاقية ! ومع أنهم يتلقّون رواتب اجتماعية شهرية من ضرائبنا، إلا أن قنّاصي الفرص يحصلون بالخداع على إعانات مالية جانبية ! هؤلاء العَطالة، العالة على المجتمع، ينْشغِلون بتكديس المال ولو بالحرام، لا الضمير يردعهم ولا أمْر الله يمنعهم، وهذا أكبر دليل على نِفاقهم ولامُبالاتهم بالدين إلا بِقدر ما يخدم أغراضهم !

ولم تسكت .. والرؤوس تهتزّ مُؤَمِّنة على كلامها . لكن السيدة اليمنيّة المُنقَّبة تدخَّلتْ مُعْترِضةُ :
ــ لسْنا عالة على مجتمعكم، تهْميشُ شبابنا يدفعهم إلى العزلة والانْكِفاء .. نحن نريد المشاركة، لكننا نُعاني من محدودِيّة الوظائف وعدم تحقُّقِ المساواة في سوق العمل، ماذا يفعل مُهاجِر قادِم من بيئة فقيرة تُعاني من تدهْوُر مستويات التعليم وضعْف التنمية، يجِدُ الفارق شاسعاً بينه وبين زميله الغربي ؟
وساندتْها زميلتها الصوماليّة قائلة :
ــ ولا تنسوا أن هدف الغرب نهْبُ ثروات بلادنا الطبيعية واحتكارها، والرخاء الأوروبيّ يقابله فقْرنا وشقاؤنا في مجتمعات الشرق والجنوب بِسبب جشع شركاتكم الرأسمالية الكبرى، وأريدكم أن تتذكّروا كيف أن مُستشرِقيكم وصحافتكم وفنَّانيكم اللئام يشوِّهون صورة المسلمين، ويهدفون إلى الإجْهاز على عقيدتنا الإنسانية الراسخة خشية انتشارها في مجتمعاتكم الملحِدة.

تصدّى لها الصقر الألمانيّ الآخر وأجاب ببرود وجفاء :
ــ فَلْيَبْقَ الله في رعايتكم .. اِطْمئِنّي سيدتي، نحن المُلحِدين لسْنا في حاجةٍ إلى إنسانيّة أديانكم، إننا نتذكّر جيداً كيف كانت حالتنا تعيسة مُحزِنة يُرثَى لها عندما كان الله يعتني بنا، ثم كيف انقلَبَ ظلامنا إلى نور، وجَهْلنا إلى معرفة عندما صَرَفْنا هذا الإله من حياتنا ! نحن يا سيدة في غِنى عن عطايا السماء، البضاعة القديمة التي في عصر الفضاء ما زالت تفتن قلوبكم الطيبة.
تهيّأتْ اليمنيّة للردّ فرفع الألماني كفّه راجِياً متابَعة كلامه، وقال :
ــ أجيبي بصدق : بِاسْمِ مَنْ يتمّ قطْع الأيادي والرجم وتشريع الاستمتاع بالرضيعة ؟ وبِحُكْم مَنْ يَضرِب الرجل نساءه ويختنهُنّ ويأكل حقوقهن ويقتلهن حِفْظاً للشرف ؟ منْ جعلَ الإنسان سلعة تُستأجَر لِفترات قصيرة كما تُستَأجَر السيارات، ليكون محرَماً أو متعةً ؟ .. نحن ؟؟!
ثم التفتَ إلى السيدة الصومالية وتابع بغِلْظةٍ :
ــ هل أذكِّركِ باتفاقية 1962 التي فرضتْ إلغاء قانون الرق والنخاسة الآثِم في السعودية، ومَنْع تجارة العبيد والسرايا ؟ أين كانت إنسانية الدين عندما كانت مؤسسة مزدهِرة مُتجذِّرة اجتماعياً، وكان أجدادكِ عبيداً لهم حتى عصر قريب ؟ لم يَجْرؤ الشعب على قبول الاتفاقية والقوانين الغربية المتحضِّرة خشية مخالفة ما أجازه الشرْع، أليس كذلك ؟
ثم .. لماذا نسيتِ فساد حكّامكم وتَواطُؤهم الخسيس في خدمة الناهِب الغربي ؟ نحن منْ ينهب ثرواتكم و يُفْقِركم .. ها ؟!
تمَلَّى الألماني السيدة المَخْفِّيّة الوجه بنظرة قصيرة ثم صاح :
ــ كل هؤلاء الفاسدين ساقِطون من الإنسانية، وليس لديكم قانون مدني عادل يُجَرِّمهم . وأما قوانينكم الدينية التي تحاسِبهم فمنطقها تبريريّ ذرائعيّ، تَتَستَّر على الأخطاء لِتأمين مصالح المنتفِعين، وباسم شريعة الله تبيح هَضْم حقوق الضعفاء.

وقف السيد الإنكليزي وقال للصومالية بلهجة وحركات مسرحية :
ــ نحن لا نتعامل بالمثاليات والفضائل !
أنتِ أيضاً لا تنسي أن نشأة بلادكم كانت بِفضل الغربي الذي تَصِفِينه بالشرير، ولولاه لَكُنتم إلى اليوم قبائل متناثرة على بئر ماء تتقاتلون، ولولاه لَمَا رأيتم اليوم نقطة بترول واحدة، ولما ركبتم طائرة تحملكم إلى بلاد الأحلام والحرية والكرامة ..
تلعنون الغرب في مساجدكم وإعلامكم بالكلام الجاهز والمكرَّر، وأنتم لا تلتفتون إلى أن فَقْركم وشقاءكم ليس بسبب الغرب الجشع فقط، وإنما لِاسْتِرْطابكم أيضاً وأيضاً وأيضاً حياة غريزية لا مسؤولية فيها تعيش على وعود السماء، وتُغَذّيها محاولات شيوخكم تزييف الحقائق.
اعترضتْ الألمانية مجْرَى الحوار وقالت :
ــ الاقتصاد المُسَيَّر بِجشع وتنافُس الأثرياء يؤدّي إلى مصائب، هذا صحيح .. لكنه منطق العصر وإيقاعه، وحُكّامكم العملاء ليسوا أكثر من حائط يستند إليه الغرب، ويلعبون دوراً مريباً في ترسيخ الجهْل والتخلف.
من جهة أخرى، أوروبا توفِّر للمهاجرين إمكانيات لتطوير قدراتهم الذاتية لتخصُّصات تتناسب ومتطلبات سوق العمل، والدليل أن المُغترِبين الناجِحين يتولّون مناصب رفيعة في مختلف مجالات الحياة، ويُشاد بجهودهم الكبيرة في وسائل الإعلام .. لكن الأغرار منكم لا يكترِثون لجهود الدولة، هَمّهم التناسل والاحْتِيال والدعاية لشعارات دولة الخلافة .. ثم، هل المطلوب من الدولة معاملة الوافِد الخائب كما تُعامِل أبناءها الذين تعبتْ عليهم، وهيّأتْهم كوادر متخصِّصة قادرة على المنافسة والابتكار في عصر التفوّق العلمي ؟

تدخَّلَ صوتٌ مَبْحوح :
ــ اللغة . عليكم أولاً بتعلّم اللغة، التي هي أداة التفاعُل مع المحيط.
ردَّتْ أُمُّ الخمار الأزرق بِنَزَق :
ــ كلام فارغ، نحن نتكلم لغة بلد المهجر أفضل من أهل البلد أنفسهم.
ــ إذا كنتِ تقصدين صباح الخير وكيف حال الطقس وبِكَمْ سعر كيلو البصل، فهذه ليست لغة.
اصْطنعَتْ ذات الخمار الأزرق الدهشة، ثم بلهجة تَهَكُّم وصوت مَمْطوط أقرب إلى الفحيح ردّتْ :
ــ حقاً ؟! .. يا الله ~ كيف فاتتْني هذه المعلومة القيّمة ! نوِّرينا.
لم تهتمّ المبحوحة لِلَّهجة الساخرة، فأجابتْها :
ــ لغة المعرفة ؛ اللغة التي تتجاوز مستوى الاصطلاحات اللازمة للتواصل الاجتماعي، إلى مستوى تصبح فيه اللغة وسيلة لإنتاج المعرفة.
لوَّحتْ ذات الخمار بيدها في الهواء وأشاحت بوجهها، فإذا بعينيها تلتقيان بعَيْنيّ، فبادرتْني بقولها وكأنها تعرفني من قبل :
ــ جعلوا اللغة هي العائق وسبب المشاكل !
ألْقيْتُ بنفسي في مَجرى الحوار الساخن فقلتُ :
ــ السيدة تقصد أن اللغة كوسيلة للتعبير والتواصل على أهمِّيتها لا تكفي، ما لمْ تصبح وظيفة يكتشف الإنسان بواسطتها حقائق جديدة، يتفاعل معها العقل وتقود إلى إنتاج فهْم جديد للواقع، ومن ثمّ إلى تغيير الذات.
شاركني الحضور بدعْم رأيي.
قالت سيدة :
ــ اللغة التي تسافر إلى الأكوان البعيدة . نقْلة نوعيّة هائلة للإنسان عندما يُطوِّر ال كمْ إلى كيف.
وقالت ثانية :
ــ يظل الإنسان قاصِراً ما دام عقله عاجزاً عن الشكّ وطرْح الأسئلة.
وقال سيّد :
ــ بماذا يتميَّز جسد الإنسان المُبْهِر عن البقرة أو القرد إلا بالعقل ؟

الاقتداء لا الانقياد.

وعلَّقتْ الفرنسية :
ــ ليس من العيب أن تتحلّوا بشجاعة الاعتراف بنقاط ضعفكم، التي صوَّروها لكم على أنها نقاط قوة . يجب أن يتواضَع الإنسان في إدراك أنه ليس بإمكانه أن يُحيط بكل تعقيدات الحياة، والحلول لا تأتي من السماء .. إنما الحلول تأتي من أرض الواقع، من الإنسان الأدْرَى بمصالحه، ومن الأخْذِ بأسباب العلم والاقتداء بالمتقدّمين علينا، وهذا لا يَنْدرِج تحت لفظة ( الانقياد ) كما يُهيِّئ لكم الخُبَثاء.
ظهر الضيق على وجه السيدة الأفغانيّة، أخذتْ نَفَساً، ورفعتْ كفَّيْها في الهواء مُنْذِرَةً بانتقال الاحْتجاج إلى مستوى أعلى، وتساءلت :
ــ ماذا ماذا ؟ الاقتداء ليس الانقياد ؟! إن لم تكنْ هاتان اللفظتان تعنيان التبعيّة لعلمانيتكم المُلحدة، فماذا تكونان ؟ لا ~ حتماً أنتِ تَهْذِرين . منهجنا المقدَّس يعتني بتحرير الإنسان من عبودية البشر، ونحن نستعْلي على قيم مجتمعكم المتردّي في أوحال المادّية يا سيدة، ولا ننقاد إلا لأحكام شريعتنا، ولا نقتدي إلا بعلمائنا، وإيماننا لا يتزعزع بأن الإسلام هو الحلّ.

ساد صمتٌ ثقيل قطعتْه السيدة الأندونيسية وقالت :
ــ أعلمُ جيداً أن الفلاسفة وعلماء الطبيعة الذين مهَّدوا لِعصر التنوير، لا يمكن أن تذهب جهودهم هدراً، إلا أن هذا لا يعطي الغربيّين الحقّ في قيادة العالم، أو في الاعتقاد أنهم الصُنّاع الوحيدون للتاريخ، يُسَجِّلون مخالفات الشعوب الأخرى وهم أوّل من يخْرق حقوق الإنسان ! يظنون أنهم بعلمانيتهم ضمير البشرية وحُماة الإنسانية، وهم على رأس من يطعن الضمير ويُجرِّح الإنسانية، ويساعد الطغاة في العالم على إبادة البشر، ويدعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح!
وبالمناسبة، يَطيب لي أن تسمعوا رأيي عن الشبيبة الإسلامية الأوروبية، المُنْتمِية إلى منظمات إجرامية أشْعلتْ العالم بالإرهاب باسم الدين.

سكتَتْ الأندونيسية لحظات لِتنْفرِد باهتمام الجميع، ولمّا ساد الصمْت وتوجّهت الأنظار إلى السيدة، قالت بامتعاض :
ــ هذه المنظمات الإجرامِيّة لا تمثِّلنا ولا يُعتَدُّ بمواقفها الدينية، ونحن المهاجرين ضحايا لها، وضحايا المخططات الدولية التي تحتضنها وتشجِّع تواجُدها لخدمة منافعها الاقتصادية والسياسية، ينالنا من أذى الإرهابيين أضعاف ما ينالكم، تكفينا عنصريّتكم وكراهيتكم لنا بسبب أفعالهم المُخْزِية، ولكن الكل يعرف أن الغربيين فاقوا هؤلاء المجرمين فظاعةً وشناعة بأعمال ضد الإنسانية ؛ مِن استعباد الهنود الحمر والزنوج، إلى الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والهولوكست الهتلري والستاليني الشيوعي والماوي الصيني والكاميكازيه الياباني والقنابل الذرية والنابالم الأميركية، وأرى ...
قاطعها الصقر الألماني :
ــ قبل أن تَرَي شيئاً لا تنسي الإبادة الجماعية في تركيا العثمانية، وكذلك في بلدكم تيمور الشرقية مِن قِبَلِ السلطات التقيَّة المؤمنة الورعة، وجريمة إعدام الشيوعيين في الستينات.
جاءت الملاحظة مُفاجِئة للسيدة، فغَشِيَها الذهول للحظات كمنْ رأى أمامه سيارة تفرْمِل وتُحدِث صوتاً مزعجاً، لكنها تجاوزتْ السيارة الكاسِحة وتابعتْ :
ــ هذه الجرائم يتضاءل أمامها ما يفعله اليوم باسم الله أفّاقون مُنحرِفون اختلَّتْ عقلياتهم، واهْترأتْ نفوسهم، وتحجَّرت قلوبهم، راحوا يفسدون في الأرض والدين منهم بريء.
انبرَتْ للمعارَضة السيدة الإيرانية فسألتْ :
ــ هل الدين بريء عندما يكبِّر المجرمون ويتْلون آيات الله، قبل تفجير أنفسهم في المواكب الحسينيّة والمراقد المقدّسة، أو عند قطع الرؤوس أو سَبْي النساء ؟
وأضافتْ السيدة النيجيرية بصوتها الأجشّ :
ــ الصمت المريب على أسباب الإرهاب يوازي الإرهاب عينه !

استأذنتْ السيدة الصينية المُهاجِرة إلى بلجيكا في توجيه الكلام إلى الزميلة الأندونيسية، وقالت :
ــ علينا أن نحْترِس في وصْف الأمثلة، فنُسَمّي الجرائم بأسمائها الحقيقية ؛ الجرائم المُشار إليها في أمثلتكِ لا دوافع دينية لها، فلا تَخْلِطي بين جرائم إرهابية ترفع بالأساس شعاراً دينياً كالجهاد، بأحداثٍ حصلتْ بعد الكشوف الجغرافية الغربية، تحوّلتْ إلى استعمار بحْثاً عن تحقيق أطماع سياسية واقتصادية . ومنذ اسْتِنفارهم للكشوفات لم يرفع الرحّالة المُغامِرون شعارات إنجيليّة على سفنهم، ولم نقرأ أن عنفهم مع الشعوب الأصلية له سنَد في الكتاب المقدس . وأما الإبادة الجماعيّة والعنصرية والنازية، فقد أدانَ المجتمع الدولي تلك الجرائم البشعة وأنْزلَ العقوبات بالمسؤولين عنها، وما زال يجهد بكل مؤسساته للاعتراف بحقوق المنبوذين اجتماعياً.
تلك الجرائم هي تاريخ تنافُسِ القوى الاستعمارية، لترسيخ مَوْطِئ قدم في مناطق ذات أهمية استراتيجية، تهدف إلى بسْط النفوذ على طرق التجارة والتحكُّم في القرارات السياسية الدولية وتوجيهها لصالح المنتصِر . وينطبقُ هذا الوصْف على تاريخ التوسُّع الإسلامي أيضاً، الذي مدَّ سلطانه بالقوة على شعوب حضارية مُسالِمة، ليس بِغَرضِ اكتشافات جغرافِيّة، ولا لِتحقيق إنجازات علمية، وإنما بهدف التحكُّم في المراكز الحسّاسة اقتصادياً وسياسياً بحجّة نشْر الدين !
ــ متى ستنتهي محاضرتكِ يا أستاذة ؟ سمعنا هذا الرأي من قبل، هاتي الجديد.
ــ لا تَهْزَئي بي من فضلك .. اسْمعيني بهدوء كما استمعْنا إليكِ.
العقل المتطرّف يؤسّس للإرهاب عندما يؤكّد إلى اليوم على التزامه بِتنفيذ أحكام الدين، التي تَقْتضي أن تؤْمِنوا بشريعة الجهاد ضدّ المخالفين لِعقيدتكم ؛ فإذا كان الجهاد نتاج عصرٍ مَضَى، ووليد ظروف تاريخية تطلّبتْ مُقاتلة الخصوم لتوسيع نفوذ سياسيّ، وخدمة طموح اقتصادي لدولةٍ فتِيّة، فإنه لم يعد مقبولاً في عصر التضامُن، والمنظمات الشرعية الدولية التي تشارك فيها بلادكم الإسلامية أيضاً.

أَحِبُّوا أَعداءكم، أَحْسِنوا إلى مُبْغِضيكم.

فجأة انتترتْ قامة ممشوقة، وضربت يدها على الطاولة أمامها وصاحت :
ــ اسمحوا لي من فضلكم .. التركيز على سلبيات الماضي وحواركم بهذه الطريقة يثير الحساسيات، يجب أن نركِّز النقاش حول سبل مساعدة بشَرٍ لاقوا الويلات والفجائع حتى وصلوا إلى بلادنا لِنحْميهم.
مَنْ أراد منكم أن يُصلح من شأن غيره، عليه أن يصلح من شأن نفسه أولًا . تَخَلَّصوا من الأنانية والفوقِيّة والتكبُّر، كونوا متواضعين ومتسامِحين كما علّمنا السيد المسيح.

سمعتُ سيدة تقول هامسةً :
ــ أظنّ أن الشابة أخت كاهن الكنيسة.

يتبع



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة أسطورية في حياتي: تسونامي اليابان 2011
- الأديان من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله !!
- لا حياة لمَنْ تنادي، وأنت تنفخ في رماد
- اتّحادٌ فوَحْدة فمُتوحِّد في واحِد وَحيد
- جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !
- الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
- اعترفوا يرحمكم الله أن أخلاقنا بلا أخلاق! 3
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟ 2
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟
- كأني موسى الناجي من ظلم فرعون !
- ورحلتْ مينامي في التسونامي
- زوروني .. حرام تنسوني بالمرة..
- طار صواب المتديّنين، وظلّتْ ( هاراجوكو ) متألقة !
- النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها.
- الضمير الذي لا ينام : الأحلام.
- لِيحْتفِظْ بوذا بجنّته لنفسه !
- الإقصاء، أشدّ الأحاسيس قسوة
- رُماة النِبال إذا تنكّروا في صورة النبلاء !
- الرتابة إعدام للحياة عن سابق إصرار !
- الفتى الذهبي - جان نصار -


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون
- في مسعى لمعالجة أزمة الهجرة عبر المتوسط / إدريس ولد القابلة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليندا كبرييل - حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!