أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير بالعربي - أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (1)















المزيد.....

أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (1)


أمير بالعربي

الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 02:40
المحور: الادب والفن
    


اسمي أمين واسم أختي الصغيرة أمينة , سمانا بابا جمال قبل أن نولد وقبل وفاته بسنوات طويلة ... ماما اسمها أميرة , كانت أرستقراطية من عائلة شريفة قبل أن تتنازل عن ارثها ... بابا اسمه منير من الريف لكنه عاش طوال حياته في المدينة ... ماما إيناس شريكة بابا منذ وفاة بابا جمال , كانت خطيبة بابا جمال لكنهما لم يتزوجا ...

كنا نقول أن ماما ليست مرأة حديدية لكن نيكالية , أما بابا فلم يكن حديديا هو الآخر لكن كروميا , ومن وحدتهما نشأ زوج نيكال-كرومي كان يسحق كل من يقف أمامه ... لا أحد يستطيع الخروج رابحا من مواجهة مع أحدهما أو معهما , هكذا كانت العادة وهكذا تربينا وكبرنا .
كان الجيران يقولون عنا أننا كاليهود ؛ التفوق , العزلة وعدم الثقة بالآخرين . ولم يخطئوا , لكنهم لم يعلموا أننا كنا أكثر من ذلك بكثير ...
في هذا الكثير , توجد ماما إيناس ....
لم نترب على أننا أعلى قيمة من غيرنا , لكن تربينا على أننا نعيش وسط غابة تقطنها الحيوانات البرية , حيوانات تستطيع افتراسنا في أي لحظة إذا لم نحتط منها ... نعم , كذا كانت تقول ماما وكذا كان يقول بابا لي ولأمينة , لا يجب علينا كره تلك الحيوانات المفترسة لكن علينا توخي الحذر منها وبذلك فقط نستطيع الحياة معها .... وعندما كنا نسأل عن لماذا لا نغادر إلى مكان آخر لا توجد فيه حيوانات متوحشة , كان الجواب أننا لا يجب أن نغادر أرضنا لأن من يغادر أرضه ويتركها للحيوانات المفترسة ضعيف جبان لا يستحق الحياة في أرض أخرى ... كان فهم ذلك سهلا بالنسبة لنا , الأصعب كان كيف يجب علينا أن نحب تلك الحيوانات المفترسة ولا يجب بأي حال من الأحوال أن نحب غيرها أكثر منها ... بعد المراهقة فهمت كيف يمكن ذلك وأظن نفس الشيء حصل مع أمينة .
كنا نلعب مع غيرنا من الصغار , ندرس معهم , نأكل معهم , نتكلم معهم ... لكننا لم نكن نقول كل شيء عنا ... الصغار لم يكونوا فقط جيراننا ورفاق الدراسة بل أيضا كل أطفال عائلات ماما وبابا , جميعهم كانوا الحيوانات المفترسة التي تعلمنا كيف نحذر منها .
ماما طبيبة نساء وبابا رجل أعمال , زرعا فينا ثقافة التفوق منذ نعومة أظفارنا , تربينا في ثقافة القوة التي بها فقط استطعنا تجاوز الخوف من الوحوش الضارية ...
كانت ماما تقول أن من حقنا الافتخار بأمنا , لأنها متميزة وناجحة , لأنها لم تظلم أحدا وتمارس أرقى وأنبل المهن . كلمتنا ماما كثيرا عن الأطباء وشرحت لنا كيف يتاجرون بحياة الناس من أجل المال , كيف يموت الناس ويعيشون بعاهات بسبب أخطاء طبية ولا يحاسب أحد , كيف لا يرأفون بالفقير وكيف لا يوجد عند عدد كبير منهم حتى الحد الأدنى من الكفاءة المهنية وبرغم ذلك يكونون مشهورين ويتدافع الناس على عياداتهم ...
قالت ماما أنها وبرغم غنى عائلتها , لم تعول على أحد منها , وأن نجاحها صنعته بمعية بابا فقط أي معه بابا جمال بالطبع . شرحت لنا كيف أراد لها أبواها أن تدرس الأدب وأن تمضي حياتها حبيسة قصرٍ تكتب القصص والروايات , وكيف فعلوا المستحيل لينفّروها من دراسة الطب بتسليط بعض الأساتذة عليها في سنتها الأولى .. لم يحترموا اختيارها ولم يتركوها وشأنها حتى , بل أرادوا لها أن ترسب ظنا منهما أنها ستتراجع لكنها نجحت وكانت من المتفوقين .
كانت ماما ترجع كل الفضل لبابا وتحكي لنا كيف تعرّفا يوم أنقذاها من الانتحار , كم كانت تسرنا تلك القصة وكم كنا نسعد لسماع نسخة ماما للقصة ثم نسخة بابا وكل يعيد كل الفضل للآخر ويقول أنه أنقذ حياته من هلاك محقق . نسخة ماما إيناس كانت مكملة وتفرحنا كثيرا أيضا ...
كان يوم لقائهما قرابة نهاية سنتها الجامعية الأولى , كانت ماما تقود بسرعة جنونية ولم تتفطن لنفاذ الوقود حتى توقفت بها السيارة قريبا من محطة بنزين ... قبل توقفها , كان هدفها من دخول الطريق السيارة الإسراع أكثر ما يمكن ثم الخروج عن الطريق أو الوصول إلى نقطة معينة ثم العودة إلى الوراء ضد اتجاه السير ...
بعد توقفها بقت طويلا في السيارة , تبكي , خائفة , مضطربة أُغلقت أمامها كل السبل . ثم نزلت ومشت حتى محطة البنزين وطلبت من أحد العمال توفير الوقود , لاحظ ذلك العامل اضطرابها فسألها هل كل شيء على ما يرام فصرخت في وجهه أن لا شأن له بحالها وأن عليه أن يؤدي عمله ويخرس , لم يرقه موقفها فرفض أن يوفر لها البنزين , فصفعته فدفعها حتى سقطت على الأرض ...
حدث كل ذلك بجانب بابا و بابا جمال الذي نزل من سيارته واتجه نحوهما , وقوفه في صف ماما لم يعجبها فصرخت في وجهه هو أيضا وقالت له أن لا دخل له وطالبته بالرحيل ... فعاد لسيارته , وبعد ملء البنزين ذهبا إلى مقهى تلك المحطة ...
قال لنا بابا أنه لام بابا جمال على ما صنع وقال له أنه استحق ما حدث له , ظهرت له ماما ابنة أغنياء سكرانة -وكان قد رأى نوع سيارتها قبل دخولهما المحطة- لا تستحق إلا الدخول في حائط لينقص عدد من هم شبهها في البلاد ! لكنه لم ينتهِ ...
بقيا قرابة الربع ساعة في المقهى , وعند خروجهما لاحظ بابا جمال أن ماما لم تغادر , وكانت تجلس بجانب حمامات النساء جلسة غريبة فعاود الاقتراب منها رغم نهر بابا له .
لم يتغير سلوكها معه بل كان أعنف من المرة الأولى , من صراخها في وجهه فهم أنها في حاجة للمساعدة وبرغم وقاحتها قرّر أن يفعل ...
اشترى البنزين وطلب من بابا مرافقته فقبل على مضض , أما ماما فسكتت وتبعتهما حتى وصلوا إلى السيارة ... بعد ذلك طلب منها المفتاح فرفضت , فافتكه من يدها ووضعها بالقوة في المقعد بجانب السائق وسألها عن وجهتها فلم تجب , ففتح حقيبتها ونظر في أوراقها فعرف عنوانها ... ثم أعطى المفتاح لبابا وقال له نلتقي أمام مركز الشرطة الذي بعد الخروج من الطريق السيارة مباشرة .
لم يستطع بابا الرفض , لكنه لم يُخفِ عن بابا جمال تخوفه من العواقب فربما زعمت لأهلها أنهما اختطفاها أو تحرشا بها , فطمأنه أنها حتى لو ادعت ذلك لن يصدقها أحد لأن الأعوان سيرون حالتها بعد قليل وسينفون كل مزاعمها , فقبل بابا وقاد سيارة ماما ...
بابا جمال كان في طريقه لحضور حفلة تخرج خطيبته -ماما إيناس- , لم يكونا هو وبابا -صديق طفولته وشريكه في العمل- على عجل ... لكن ذلك لم يفسر تصرفه مع ماما ...
تربينا على أنه رمز مقدس لنا بل لطالما رأيناه القداسة ذاتها . كانت ماما تقول لنا أنه كان ملاكا تجسّد في بشر , أما بابا فكان يقول أنه كان أكثر من رفيق عمر وشريك نجاح انطلق من الصفر بل كان بهجةَ حياةٍ بالنسبة له , أما ماما إيناس فكانت تقول أنه أودعها في أياد أمينة قبل رحيله .... أما أنا وأمينة , فوصلنا مرات عديدة حد الشعور بوجوده وبزيارته لنا في غرفنا , وكنا نشعر كلما زرنا قبره أنه يسمعنا كلما شكونا له غضب ماما أو بابا علينا أو حدثناه عن كل جديد في حياتنا .
قرابة النصف ساعة استمر بابا في القيادة وماما بجانبه قبل أن يتوقف . قالت ماما أنه كان قاسيا عليها وكان كلامه كله عن الأغنياء الذين يسرقون أموال الفقراء لتصل إلى أبنائهم الذين ليسوا أهلا لفلس منها فيستعملونها لتخريب البلد وقتل الأبرياء . قال لها أنه لولا صديقه ما نظر إليها ولو سحلوها أمامه , بنت تعيش في النعيم ولا يكفيها ذلك لتزيد عليه المخدرات ويوفر لها أبوها سيارة بالملايين لتدعس الناس بها ولا يهم إن حدث ذلك فالسيد الوالد سيدفع وستخرج الأميرة الصغيرة كالشعرة من العجين ! ما ذنب عامل المحطة لتصفعيه سألها ؟ ماذا يعني ذلك ؟ تربية ؟ أخلاق ؟ وما دخلي أنا لأكون معك الآن ؟ لست سائقا من سواق السيد الوالد ! ....
أما ماما فلم تسكت , صرخت وسبت ولعنت ولم تستثن من لعنها أحدا حتى ... السيد الوالد , وعندما قالت أنها ليست تحت تأثير المخدرات وعند رد بابا عليها أنها كاذبة سكتت فأعاد عليها نفس الكلام أن هيأتها وسلوكها لا تفسره إلا المخدرات فقالت له أنها كانت تريد الانتهاء من حياتها وأنها لا تريد منه ومن صديقه أن يعلما الشرطة لأنها لا تريد أن يصل الأمر إلى أهلها .
قال بابا أنه في تلك اللحظة نظر للوشم الذي على كتفها اليسرى وإلى البيرسينغ الذي على أذنها وأنفها بازدراء وقال أنه لو كان مكانها لكان صعد عمود كهرباء أو ألقى بنفسه في قفص للأسود أسرع وأضمن نتيجة من أن يستعمل سيارة واقترح عليها التوقف وفعل ...
بجانب الطريق السيارة كان هناك أعمدة الضغط العالي , سحبها من يدها حتى وصل بجانب أحدها وقال لها : "تفضلي ومع السلامة !" ... كان يظن أنها ستخاف لكنها شرعت في الصعود وعند عدم توقفها بدأ يستجديها أن تنزل واعتذر عن كل ما قاله لها لكنها واصلت ولم تتوقف إلا عندما اقتربت من الأسلاك ...
التحق به راعي أبقار رأى كل ما حدث من بعيد , رجل كبير السن قال الكثير وصرخ مع بابا لكن ماما بقت في مكانها ... قالت ماما أنها في تلك اللحظات لم تشعر بالخوف لكنها لم تستطع الاقتراب أكثر من الأسلاك , قالت أيضا أنها كادت أن تسقط عندما أضحكها ذلك الرجل المسن : "انزلي وأعدكِ أني سأتزوجكِ بدلا عن هذا الغبي الذي معك !" , يقال : "تحضر الضحكة عند رأس الميت" , أي في تلك اللحظة التي يكون فيها الميت ممددا بين ذويه وهم يبكونه فيقول أحدهم شيئا يُضحك الباكين غصبا عنهم ....

عندما عادا للسيارة , اتصل به بابا جمال يسأل عن تأخره فطلب منه ألا يعلم الشرطة وأن ينتظر قدومه ... لم ينطقا طوال المسافة المتبقية حتى غادر الطريق السيارة , وعند وصوله حكى ما حصل وطلب منه تركها في ذلك المكان وأن يغادرا لأن ماما إيناس تنتظرهما , ويكفيهما ما حصل من متاعب ...
عندما نزل بابا من سيارة ماما أخذ المفتاح معه وبقت ماما في مكانها ... فأخذه منه بابا جمال ثم صعد مكانه ... قال لماما مشيرا للمركز أمامه أنه لا يستطيع أن يعطيها المفتاح وأن الخيار الوحيد الذي عنده هو إعلام الشرطة , فسألته أين سيذهب بعد ذلك فقال لها لمنزل خطيبته مع أصدقائهم ليحتفلوا بتخرجها , فطلبت منه دعوتها فضحك وفعل ... قالت ماما أنه نظر لها ثم للمركز ثم لها مرة أخرى وابتسم وقال لها : "أوافق بشرط أن لا تفعلي أي مصيبة جديدة !" ونادى بابا وأعلمه دون أن ينزل بالبرنامج الجديد ....
قال بابا أنه رفض جنونه ذاك واتصل مباشرة بماما إيناس وأعلمها بكل شيء وطلب منها أن تمنعه من أن يحمل إليهم قنبلة لا أحد يعلم متى وفي وجه من يمكن أن تنفجر ومرر الموبايل لبابا جمال متوقعا أن تمنعه لكنها لم تفعل بل وطلبت منه أن يمرر لها ماما فكلمتها ودعتها ...



#أمير_بالعربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أخي ومن بعده !-
- طبيبُ عيونٍ حسيرُ بصر
- -ابن حرام- ؟ إله ؟ أم نبي أرسلته السماء ؟
- خُصْيات حداثية في خدمة المثلية
- كفريات في هيكل الحب (2)
- كفريات في هيكل الحب (1)
- - أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل ( ...
- - أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل ( ...
- - أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل ( ...
- قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (2)
- قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (1)


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير بالعربي - أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (1)