أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هايل نصر - حول حق الدفاع في المواد الجزائية - في القانون الجزائي الفرنسي















المزيد.....



حول حق الدفاع في المواد الجزائية - في القانون الجزائي الفرنسي


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 12:18
المحور: حقوق الانسان
    


من الأهداف الأساسية لجمعيتنا (جمعية الحقوقيين من أصول أجنبية Association des Juristes d’origine étrangère ) نشر ثقافة قانونية عامة و جعلها في متناول الجميع وليس حكرا على المتخصصين المقلين في الكتابة في المواضيع القانونية وحصر ذلك في كتب ومجلات متخصصة وبأساليب أكاديمية لا تجذب القارئ العادي و لا تيسر له فهمها. ففي بلد كفرنسا نرى الأجانب بشتى تصنيفاتهم , المبنية على عنوانين بطاقات إقامتهم وأنواعها, بعيدون, في غالبيتهم, كل البعد عن المعرفة الكافية لحقوقهم وواجباتهم. وفي موضوعنا الحالي رأينا من المفيد التعرض لحق الدفاع في المواد الجزائية.

يعتبر حق الدفاع في المواد الجزائية في دولة القانون من الحقوق التي تحظى باهتمام فائق ودائم لتطويره وحمايته نظرا لخطورة القضايا المتعلقة به والنتائج المتربة عليها. وما يدفعنا لتناول هذا الموضوع , إضافة إلى ما ذكرناه أعلاه, كون العديد من القوانين الجزائية العربية استوحت أحكامها من القانون الجزائي الفرنسي, ولكن نظرا لطبيعة النظم السياسية للدول العربية, لم يجر العمل, أو في أحسن الأحوال لم تدخل تلك النظم في أولوياتها العمل لتوفير وسائل تطوير و تطبيق وحماية هذا الحق.

حسب استطلاع للرأي جرى في فرنسا عام 1991 تبين أن 4 % فقط من المستطلعة أرائهم يذهبون للمحاكم للاستماع لقضايا جزائية. لتبلغ النسبة 8 % عام 1997 ( CSA-GIP, mission recherche droit et justice, les français et la justice : jugements et attente, 1997, 180 p.)
وتكاد جلسات محاكم الجنح والجنايات تخلو من حضور الجمهور باستثناء المقربين من المتقاضين. فصورة المحاكم والدفاع تبقى غير واضحة لدى ا لرأي العام, وكثيرا ما تكون ناقصة وغير دقيقة وقائمة على ما تصوره وسائل الإعلام, والأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية.

لا يقتصر نقص المعرفة في هذا المجال على الناس العاديين فقد أشار السيد جان فولف النائب العام لدى محكمة الاستئناف بتولوز أن الغالبية العظمى من الفرنسيين, بمن فيهم المثقفون, لا يعرفون إلا القليل جدا عن النيابة العامة (Jean Volff. Le ministère public, puf) كما أن طلبة كليات الحقوق لا يحضرون للمحاكم لمتابعة قضايا جزائية إلا نادرا. فالجامعات تدرس المناهج الحقوقية وليس المهن الحقوقية.

وفي عصر التخصص الضيق, تكاد المعرفة الدقيقة, في المجال الجزائي, تقتصر على فئة من المحامين المتخصصين في تلك المواد: (les pénalistes) .

ماذا يعني حق الدفاع في المواد الجزائية:

يعتبر حق الدفاع في دولة القانون قيمة أساسية (fondamentale) . حق طبيعي يعود للضمير الجماعي قبل أن يدخل القانون الوضعي.انطلاقا من الأفكار القائلة بأنه لا يجوز لأحد أن ينصب نفسه قاضيا في القضايا الخاصة به. وان لا يقوم أحد بإنصاف نفسه بنفسه. وأن على القاضي أن لا يحكم في قضية دون الاستماع للحجج القانونية لجميع الأطراف.

يوفر القانون الوضعي للملاحق جزائيا وسائل تسمح له بالدفاع عن نفسه برد الاتهام الموجه إليه وذلك بالإقرار له بجملة حقوق منها حقه في: اختيار محام دفاع وطلب مساعدته . والإطلاع على ملف القضية. والاحتفاظ بصورة عن هذا الملف. والمحاجة القضائية. واستجواب الشهود. و طلب خبرة تقنية.
وكفل له حقه في استعمال وسائل الطعن في القرارات الصادرة ضده, والطعن بعدم قانونية الإجراءات وحتى, إذا تطلب الأمر, التشكيك بنزاهة القاضي ورده.

إضافة إلى ذلك, حدد القانون ضمانات للدفاع مثل: افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة بشكل نهائي, نزاهة القاضي, والحد الأقصى لمدة الحجز الاحتياطي.

مجموعة هذه الحقوق تشكل نظام الدفاع الجزائي. حيث تتصل الحقوق الأساسية للدفاع بالإجراءات الضرورية لممارستها بشكل فعال.

وقد نظم القانون الفرنسي هذه الحقوق. و لكل حق منها تاريخه ومراحل تطور تواكب تطور الاتجاهات الرئيسية في المجتمع, وإجراءات تمحيص ونقد, و ليس هنا مجال التطرق لهذا فعلى الراغب فيه العودة لمراحل التطور القانوني من النظام القديم إلى عهد الثورة الفرنسية وإلى يومنا هذا. غير انه يمكن القول بأن خرق هذه الحقوق يعتبر خرقا لقاعدة قانونية متأصلة في الضمائر ومواكبة لنشوء وتطور أمة, وتمثل قيمة أساسية من قيمها, وعليه لا نستغرب رد الفعل العنيف على ذلك, والاستنكار الشديد له من قبل المواطن العادي ومن قبل الرأي العام.

وبرأينا أن عدم تجذر واستمرارية القاعدة القانونية لحقوق الدفاع, بالشكل المشار إليه أعلاه, في الدول العربية التي استوحتها وأدخلتها في قوانينها الجزائية بلحظة معينة, وفي ظروف معينة وضمن مفهوم قانوني معين ـ إلى جانب أسباب أخرى, أهمها دون شك غياب دولة القانون ومفهوم الحريات الفردية والفلسفة الاجتماعية السائدة ـ قد يفسر, عدم استهجان المواطن العادي والرأي العام لدى تلك الدول, بشكل كاف, لخرق مثل هذه الحقوق.أو لعدم تطبيقها أساسا.

ولا يزال الجدل في فرنسا, فيما يتعلق بحقوق الدفاع الجزائي, قائما و مفتوحا, ونشير هنا فقط إلى مواضيع مثار مناقشات دائمة مثل مدى ونطاق سرية التحقيق, حق حضور المحامي منذ الساعة الأولى للتوقيف الخ .

ونذكر من التعديلات التي اقرها قانون 29/1/ 2002 والمتعلقة بممارسة حق الدفاع ما يلي:
ـ " تبليغ المحتجز فورا بحقه بالصمت, و عدم الإجابة على الأسئلة ".
ـ حق المحتجز بتبليغ أسرته بمكانه خلال 3 ساعات من إيقافه.
ـ إعطاء النيابة العامة حق الطعن بقرارات محكمة الجنايات بالاستئناف ليس فقط لطلب الإدانة وإنما كذلك لطلب البراءة.

الحقوق الأساسية (fondamentaux) للدفاع هي:
ـ حق طلب مساعدة و توكيل محامي
ـ حق معرفة التهمة
ـ حق المنازعة في التهمة
ـ حق المنازعة في قانونية التهمة
ـ حق المنازعة في الحكم
ـ حق المنازعة في حيادية القاضي

على أن نتحدث بإيجاز هنا عن حق الملاحق قضائيا بمساعدة محام وطلب مشورته, وتوكيله للدفاع عنه وتمثيله. على أمل العودة لاحقا للحديث عن الحقوق الأخرى المشار إليها أعلاه.


حق طلب مساعدة توكيل محامي:

الحق الأول من حقوق الدفاع الأساسية للملاحق جزائيا هو حقه في طلب مساعدة محام وتوكيله عنه. وقد نصت المادة 6.3 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة على أن لكل شخص الحق في أن تسمع قضيته بإنصاف وعلانية وبفترة زمنية مناسبة, من قبل محكمة مستقلة ونزيهة, مشكلة حسب القانون...ولكل متهم, بشكل خاص, حق الدفاع عن نفسه بشخصه أو من خلال مدافع عنه يختاره بحرية, وإذا لم تكن لديه القدرة المادية لتوكيل مدافع عنه, يمكن أن يعين له مدافع, مجانا, (commis d’office) عندما تقتضي مصلحة العدالة ذلك.

وحسب المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية (code de procédure pénale) " لكل شخص مشتبه فيه أو متهم الحق بطلب مساعدة مدافع عنه"

كما أعلنت محكمة النقض الفرنسية (Cour de cassation) بأن حق الدفاع ينشئ حقا أساسيا له صفة دستورية.

ويتعلق الأمر هنا بالحق بطلب مساعدة محام وتوكيله و حرية اختياره, و بسرية المحادثات معه.
فمساعدة المحامي هي حق لكل شخص ملاحق جزائيا ليكون إلى جانبه ولينظم معه حقوق الدفاع في قضية قضائية. وذلك انطلاقا من أن المحاكمة في دولة القانون تجري طبقا للقواعد القانونية. ومعرفة القاضي العميقة للقانون غير متاحة للمترافع أمامه لأنه لم يدرس القانون ولا خبرة له في أصول المرافعات وسير الدعوى والأمور الفنية والتقنية الأخرى. وحتى يتحقق التوازن في المرافعات لا بد من وجود مترافع يعرف القانون مثل معرفة القاضي له وهذا المترافع هو المحامي ممتهن المحاماة والذي يعيد التوازن المفقود للدعوى. وقد اعترفت المادة 3 المعدلة من قانون 31/11/ 1990 للمحامي بصفة معاون القضاء(auxiliaire de justice) ( وكان يجب أن يعتبر, حسب العديد من القانونيين, شريكا للقضاء)
ولا يستطيع المحامي القيام بدوره كقوة تعادل في الدعوى إذا لم يكن حرا ومستقلا عن كل سلطة. هذه الاستقلالية تقوم تجاه القاضي, و تجاه السلطات العامة, و جماعات الضغط,. كما تكون كذلك تجاه الموكل نفسه , فهو غير ملزم حرفيا بالاهتمام بالمصلحة المطلوب منه الدفاع عنها ولا بطريقة الدفاع التي قد يطلب منه إتباعها . وقد اعتبر مونتيسكيو (Montesquieu ( أن الدفاع من قبل محامين موظفين لا يكون إلا في دولة شمولية أو مستبدة.

ولتعزيز حق الدفاع كان لابد من أن تطال الإصلاحات الحديثة التي عرفها قانون الإجراءات الجزائية الجديد, وضمن إطار المحاكمة المنصفة, الوسائل الضرورية للدفاع لتحقيق التوازن وتكافئ الفرص بين الادعاء والدفاع, فالنيابة تزداد قوتها واختصاصاتها باستمرار مما يلقي بثقله على الدفاع الذي لا تتوفر له القوة الموازية. وعليه فأن الاستقلالية والندية لم تتوفر للمحامي رغم الإصلاحات المنجزة حتى يومنا هذا.

كما أن المحامين, وسيلة الدفاع, تم وضعهم تحت الوصاية التأديبية للنيابة العامة. حيث للنائب العام
(Procureur général) تبليغ مجلس نقابة المحامين بإخلال محام ما بالتزاماته, و له الحق في الطعن بالاستئناف بالقرار المتخذ من قبل هذا المجلس بحق المحامي موضوع الشكوى.

تنص المادة 25 من قانون 31 كانون ثاني 1971 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة على أن كل محكمة ترى أن المحامي قد اخل بواجباته التي يفرضها عليه يمين المهنة الذي أداه, يمكنها تبليغ النائب العام بذلك. ويمكن لهذا الأخير إشعار مجلس نقابة المحامين به خلال 15 يوما من تاريخ تبلغه. وبذلك يجد المحامي نفسه في حالة تبعية للنيابة العامة وهذا مخالف لمبدأ المساواة بين الادعاء والدفاع. ويمس بشكل خطير استقلالية المحامي. فالنظام القانوني للمحامين يؤكد على ضرورة السماح لهم بممارسة كل حق من حقوق الدفاع بحرية كاملة واستقلالية غير منقوصة.

حق الدفاع هذا متاح:
ـ للمحتجز .

نظم قانون الإجراءات الجزائية ( المواد 63 إلى 65 ) الحجز الاحتياطي (garde à vue) بأن جعل مدته 24 ساعة, كحد أقصى, قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة, (إلا في حالات استثنائية). على أن يجري أعلام النيابة أو قاضي التحقيق بذلك فورا من قبل الشرطة أو الدرك. ويستفيد الموقوف هنا من حقوق منها : إطلاع عائلته على مكان توقيفه. وفحصه صحيا من قبل طبيب. واستشارة محام مع قيام هذا الأخير بالتحقق من ظروف الحجز والإشارة في تقرير منفصل لكل مخالفة أ و تصرف غير قانوني . و مساعدة مترجم شفهي إذا كان لا يتكلم أو لا يتقن اللغة الفرنسية. وكذلك حقه في الصمت وعدم الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه من قبل الشرطة. فأي تأخير في حجزه أو في تبليغه حقوقه يعرض إجراءات الحجز للبطلان. (راجع مقالنا الاقتياد إلى الحدود والمتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين. الحوار المتمدن 1540 تاريخ 4/5/2006 . رقم 24).

حق استشارة محامي يقوم من الساعة الأولى للحجز. و يتم تبليغ المحجوز بذلك فان لم يكن يعرف محام خاص يعين له أحد المحامين المسجلين في النقابة مجانا. على أن تكون مدة الاستشارة الأولى نصف ساعة. كما لا تزيد مدة الاستشارة الثانية, بعد 20 ساعة من التوقيف, على نصف ساعة. وفي حالة التمديد تكون الاستشارة الثالثة بعد 36 ساعة من الحجز.

ـ المشتبه فيه.

كل شخص ملاحق في إطار إجراءات التحقيق القضائي يستفيد من مساعدة محامي وله حق اختياره بنفسه واستشارته, وطلب الإطلاع, عن طريقه, على ملف القضية قبل كل تحقيق وقبل الإجابة على الأسئلة التي يجب أن تكون بحضوره. وقد نظمت ذلك المواد 80ـ1, 80 ـ2 و 116 من قانون الإجراءات الجزائية. فلا يحق لقاضي التحقيق تقرير الاشتباه ( Mise en examen ) إلا بعد سماع أقوال الشخص المعني. ويستطيع كل مشتبه فيه, وفي أية لحظة من التحقيق إشعار قاضي التحقيق باسم المحامي الذي اختاره.

تنص المادة 145 فقرة 1 و 5 على أن مثول المشتبه فيه أمام قاضي الحريات والحجز (juge des libertés et de détention ) ـ بمقتضى أمر ordonnance) ) متعلق بحجز المشتبه فيه صادر عن قاضي التحقيق (juge d’instruction) أو (عن قبل قاضي الأحداث juge des enfants في حالة عدم بلوغ المشتبه فيه 18عاما ) ـ يجب أن يكون برفقة محام من اختياره أو معين له.

ـ المتهم أمام محكمة الجنايات.

تقرر المادة 317 من قانون الإجراءات الجزائية بان حضور المحامي إلى جانب المتهم إجباري, فإذا لم يختاره هو بنفسه يقوم رئيس المحكمة بتعيين محام له (d’office) . وينتهي التعيين في حالة قيام المتهم لا حقا باختيار محاميه. كما يحق للمتهم, استثنائيا و بعد موافقة رئيس المحكمة, اختيار صديق أو من يريد كمدافع عنه (المادة 275 من القانون الإجراءات الجزائية ). وللمتهم التحادث مع موكله بحرية وبشكل دائم حتى في خلال الجلسات. (المادة 278 فقرة 1 من القانون المذكور).

ـ المتهم أمام محكمة الجنح.

تعتبر المادة 417 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية مساعدة المحامي للمتهم أمام محكمة الجنح غير إجبارية. وللمتهم, إذا أراد, أن يختار محاميه أو يطلب تعيين محام له على أن يكون مسجلا في نقابة المحامين.
غير أن وجود المحامي أمام محكمة الأحداث إجباري للدفاع عن القاصر.

وفي حالة المثول المباشر (comparution immédiate) يعلم نائب الجمهورية (procureur de la République) الشخص المحال إليه بحقه بمساعدة محام يختاره بنفسه أو يعين له في حالة عدم معرفته احد المحامين على إن يكون مسجلا في النقابة. ويستطيع المحامي الإطلاع على الملف في عين المكان ويتحادث مع الموقوف بحرية تامة.

أمام محكمة النقض.

كل شخص معروضة قضيته أمام محكمة النقض يجب أن يستفيد, إجباريا, من مساعدة محام مسجل في نقابة محامين أو في مجلس الدولة أو محكمة النقض لمساعدته أو تمثيله. وهذا فقط في حالة دعاوى الطعن بإعادة النظر (révision) .( المادة 623 و 625 من قانون الإجراءات الجزائية).

حق الملاحق قضائيا في حرية اختيار محاميه مضمون في كل مراحل الدعوى الجزائية. ويتعزز ذلك بالحضر على المحامين عرض أنفسهم على من هو بحاجة لتوكيلهم. ومنع قضاة التحقيق أو رجال الشرطة القضائية من أي تدخل مهما كان نوعه في هذا الاختيار. ويطال هذا المنع كذلك مسؤولي إدارة السجون حيث تعلق في كل سجن لائحة بأسماء المحامين المسجلين في نقابة المحافظة التابع لها هذا السجن.

أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان

حسب نظام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يستطيع من له قضية أمام هذه المحكمة أن يوكل محام للدفاع عنه أو أن يدافع عن نفسه بشخصه.

بعد هذا العرض السريع لحق الملاحق قضائيا في استشارة وتوكيل محامي يختاره أو يعين له , تجب الإشارة إلى أن للمحامي نفسه في مقابل ذلك حق قبول أو رفض الدفاع بكل حرية, وهو غير مطالب بتبرير قبوله أو رفضه أمام أي كان, كما له أن يرفض توكيلا تقتصر فيه أتعابه على ما تدفعه له مصلحة المساعدات القضائية. ( لـ 10 تموز 1991 المادة 25 فقرة 3).

وحريته مطلقة فيما يتعلق باختيار حججه وطرق دفاعه, حسب قناعته الشخصية وثقافته القانونية, يطور هذه الحجج بموافقة موكله أخذا بعين الاعتبار الوضعية القانونية و الهدف المرسوم والوسائل المتاحة له. وهو غير مسؤول عن موكله ولا عن التهم المنسوبة إليه.

الاستثناء الوحيد الذي يرد على حرية المحامي بقبول أو رفض الدفاع هو ما أشارت إليه المادة 155 المتعلقة بمهنة المحاماة ( د. رقم 91ـ1 , 27 تشرين ثاني 1991 ). على المحامي أن لا يقدم المشورة القانونية أو قبول الدفاع عن أكثر من شخص في قضية واحدة إذا ما وجد تعارض مصالح بين أصحاب هذه القضية.



ضمان الحصانة القضائية للدفاع

الحق للملاحق قضائيا ولمحاميه بحرية التعبير عن حججه وأقواله مع الضمانة الكاملة بان لا يكون موضوع ملاحقة بجرائم الإهانة أو القذف أو الذم. (outrage, diffamation ou injure)

فالمرافعات الشفهية والكتابات القضائية مشمولة بحصانة قضائية (immunité judiciaire) . فلا يجب أن تقام أية دعوى بجريمة الإهانة أو القذف أو الذم الشفهي أو الكتابي إذا حصلت خلال الجلسة القضائية. و يمكن للمحكمة عند النظر في موضوع النزاع أن تحكم بحذف العبارات المهينة التي استخدمت أثناء المرافعات الشفهية في الجلسات أو التي ظهرت في الملخصات الكتابية لأطراف النزاع. والحكم على الفاعل بالتعويض (قانون 29 تموزـ جويليه 1881 المادة 41 فقرة 4).

ولكن العبارات المشار إليها أعلاه غير مشمولة بالحصانة القضائية إذا استعملت فيما لا علاقة له بالقضية موضوع النظر, حيث يمكن عندئذ اعتبارها جرائم بناء على مبادرة من النيابة العامة, بشرط أن تكون المحكمة قد أدرجت تلك العبارات ولم تحذفها, وبان الطرف المعني بالإهانة احتفظ بحق الشكوى بشأنها (القانون المذكور أعلاه المادة 41 فقرة 5).

الحفاظ على سرية المحادثات والاتصالات بين المحامي و موكله.

أول المهن التي عرفت مبدأ الحفاظ على السرية المهنية هي مهنة الطب. وقد كان ذلك عند الإغريق قبل 300 سنة من الميلاد لدى رجال الدين واله الطب استقلايبوس . و في ظل ابوقراط تمت صياغته للمرة الأولى : كل ما تعرفه أو عرفته عن مريضك يجب الصمت عنه في كل الظروف . في الأمور التي تمت معرفتها خلال ممارسة المهنة أو بعدها.

وقد أخذ رجال الدين المسيحي بهذا المبدأ مبكرا. و كرسوا التكتم على الاعترافات (confessions) التي يبوح لهم بها المعترفون. وانتقل ذلك للمحامين. فالمحامي ورث الحفاظ على السرية المهنية عن رجل الدين مثلما ورث عنة ثوبه (Robe) الذي لا تزال التقاليد القضائية تفر ض عليه ارتدائه عند القيام بمهامه في المحاكم.
بقي مبدأ السرية المهنية معمول به حتى نهاية النظام القديم (Ancien Régime) دون أن يكون منصوص عليه. وقد ألغت الثورة الفرنسية العمل به, ليعود للظهور في القانون الجزائي لعام 1810. وحصر سر المهنة بالأطباء والصيادلة والقوابل. ووضحت أحكام المحاكم المهن المعنية بذلك. وجاء القانون الجزائي لعام 1974 ليكرس ذلك في مادته 13ـ 226 فارضا السرية المهنية على كل شخص محل هذا السرية بحكم وضعه أو مهنته. وعاقبت على إفشائها بالحبس لمدة سنة وبغرامة مالية قدرها 10000 فرنك (1524 يورو) .
وتتطلب ضرورة سرية التحقيق حماية مصلحتين رئيسيتين يمكن أن تكونا متعارضتين. الأولى متعلقة بمبدأ افتراض البراءة. والثانية ضرورة البحث عن الحقيقة في المرحلة التحضيرية préparatoire سواء أكانت عند جمع المعلومات أو في التحقيق.
وجاء قانون 2 أكتوبر( تشرين أول) 1998 لتحسين الإجراءات الجزائية في مرحلة جمع المعلومات والتحقيق التحضيري محاولا عدم المساس بمبدأ سرية التحقيق ولكنه, في الوقت نفسه, أقام بعض الاستثناءات على هذا المبدأ مثل ضرورة الإطلاع على صورة من محضر الاستماع أو على جزء من ملف التحقيق الذي يمكن أن يطلبه كل شخص تم الاستماع إليه كموقوف, أو كمدع في الحق الشخصي. إلا إذا اقتضت مصلحة التحقيق غير ذلك. و ينص القانون المذكور على أن المتهم أو المدعى بالحق الشخصي لا يمكنه استخدام المعلومات التي اطلع عليها إلا في إطار ما يخدم مصلحة حقه الخاص في الدفاع. شريطة احترام حق افتراض البراءة وحق الدفاع للأطراف الأخرى في الدعوى.

يعتبر سر المهنة حقا وواجبا. على المحامي عدم إفشاء كل ما يعرفه عن الشخص الذي يدافع عنه أو دافع عنه. و يشمل ذلك الحفاظ على سرية المراسلات الكتابية والاتصالات الهاتفية. وكذلك حق المحادثات والاتصالات في السجن.

ومع ذلك فقد حصرت محكمة النقض تطبيق مبدأ سرية الاتصالات بالوثائق المتعلقة بحقوق الدفاع. وذلك بمجموعة من الأحكام منذ عام 1990.

وعزز قانون 15 حزيران 2000 إجراءات تفتيش مكاتب المحامين ومحال إقامتهم على أن يكون ذلك من قبل قاض وبحضور نقيب المحامين Le bâtonnier ) ( أو ممثله. وللقاضي فقط مع نقيب المحامين, أو ممثله, حق الإطلاع على الوثائق المكتشفة أثناء التفتيش قبل احتمال حجزها. ولنقيب المحامين أو ممثله حق الاعتراض على حجز وثيقة من قبل القاضي إذا تبين له عدم قانونية ذلك.

وتشمل السرية المهنية الاتصالات الهاتفية بين المحامي وموكله ويحضر على إي كان الإطلاع عليها فخرق ذلك يعتبر جنحة منصوص ومعاقب عليها بالمادة 15 ـ 226 من القانون الجزائي. فحظرا لإطلاع والاستماع إليها وتسجيلها حتى ولو أنها ضبطت بمناسبة إجراء تحقيق قانوني وبأمر من قاضي التحقيق. وقد ساوت محكمة النقض بين حجز المراسلات المكتوبة والاستماع للمكالمات الهاتفية فالمحادثات بين المحامي وموكله لا يمكن أن تكون موضوع تسجيل وإلحاق بملف القضية. إلا إذا تبين اشتراك المحامي في الجريمة. (cass., crim., 8 nov., 2000, Bull., crim., n°335). غير أن تسجيل مكالمات المحامي مع أقارب الموكل غير محظورة.

كما تشمل السرية المحادثات والاتصالات بين المحامي والمحتجز أو الملاحق أو المحكوم في المكان المخصص للمقابلات في الحبس. والتي تجري بعيدا عن كل مراقبة وفي الساعات التي يختارها المحامي.

ومع ذلك وحسب المادة 81 فقرة 151 .1 و 152 . من قانون الإجراءات الجزائية. يمكن لقاضي التحقيق الأمر, بإنابة قضائية, بالاستماع وتسجيل المحادثات بين المشتبه فيه ومحاميه في مكان الاستقبال في الحبس, على أن يكون ذلك تحت مراقبة القاضي وبشروط لا تلحق الضرر بحق الدفاع. فاستقبال المحادثات هنا لا يعتبر حسب المادة 8 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان خرقا لحرمة الحياة الخاصة والسكن أو الاتصالات.

غير أن ممارسة حق الدفاع في ظل النظام القانوني والقضائي بتعقيداته وإمكانيات التفسير المتعددة كثيرا ما أثارت جدلا فقهيا ومشاكل قضائية.

فقد أثارت مسألة تفتيش مكتب أحد المحامين من قبل قاضي التحقيق احتجاجات واسعة. فأصدر الاتحاد الوطني للمحامين الفرنسيين Confédération nationale des avocats)) احتجاجا شديد اللهجة بهذا الصدد بتاريخ 19 نيسان 2004 طاعنا بشرعية إجرائها معتبرا أنها انتهاك لسر مهنة المحاماة و لحقوق الدفاع. مذكرا بان التفتيش القضائي في مكاتب المحامين ذو طابع استثنائي. وان سر المهنة ملازم لممارسة المحامي لمهنته. فحماية سر المهنة لا يجب خرقه إلا في حالة افتراض أن الوثائق المصادرة مرتبطة مباشرة بارتكاب الجريمة. أو تبين احتمال تورط المحامي المعني بصفته فاعل أو متواطئ في الجريمة.

كما عبر الاتحاد المذكور في 22 نيسان 2005 عن دهشته واستنكاره لتوقيف محامية مسجلة بنقابة محامي تولوز وتفتيش مكتبها ليشمل مجوع الملفات الموجودة في المكتب الذي تتقاسمه مع محامين آخرين وجرى الاشتباه بها على أساس المادة 2 ـ 7 ـ 434 من القانون الجزائي.

وقد ذهب الاتحاد الوطني للمحامين للمطالبة بإلغاء, أو تعديل, المادة المذكورة من قانون العقوبات المتحد رعن قانون بربان 11 (PERBEN II) الذي يسمح للسلطة القضائية بتضييق اتصالات المحامي بحجة أنها تضايق سير التحقيق. وقد أعقب ذلك نزول المحامين للشوارع في مظاهرات عمت المدن الفرنسية.

خاتمة
من هذا العرض السريع يمكن القول أن حقوق الدفاع في المواد الجزائية في القانون الفرنسي, فيما يتعلق بالمسألة التي تعرضنا لها و المتعلقة بمساعدة وتوكيل محامي, لا تستقيم بمجرد وجود ترسانة قوية ومتماسكة من النصوص القانونية الجزائية المحددة و الحامية لها , ووجود قانون إجراءات ينظم سيرها وطرق تنفيذها, وفي ظل الاتفاقات الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتوسع مفهوم الديمقراطية والحريات الفردية وحقوق الإنسان والعمل المستمر على ترسيخ دولة القانون, إذ لا بد من أن يوازي ذلك العمل الدائب لإيجاد تكافئ الفرص بين الادعاء بسلطته القوية ومحاولاته التضييق على هذه الحقوق بحجة عدم عرقلة التحقيق, وبين الدفاع.

ومن جانبه يقوم الدفاع, ممثلا أساسا بالمحامين محتكري حق المساعدة والتمثيل أمام المحاكم ـ ما عدا محاكم الاستثناء حيت يمكن لغير المحامين القيام بهذا الدورـ ببذل جهود ذاتية, لتعزيز ا لحقوق المذكورة, تذهب في ثلاثة اتجاهات أساسية:

الأول: الضغط لإجراء إصلاحات تشريعية وقضائية في هذا المجال.

الثاني: التطوير المستمر للإجراءات التي تتخذها مراكز تكوين المحامين (centre régional de formation professionnelle d’avocat لإعداد المحامي, الجدير بشرف حمل رسالة المحاماة, ابتداء من السنة التحضيرية لمسابقة الدخول لهذه المراكز, إلى المناهج النظرية والعملية المطبقة في المرحلة الدراسية في المراكز المذكورة, وفترات التدريب قبل التخرج وبعده وامتحانات الحصول على شهادة المحاماة(CAPA), والتكوين المتواصل لهم في نفس المعاهد التي تخرجوا منها والندوات المتلاحقة والمنتظمة, بهدف تعميق التأهيل المهني القانوني, النظري والعملي, للمحامي, وترسيخ أخلاقيات المهنة. الأمر الذي يعزز الثقة بهم لدى الموكلين ولدى الرأي العام والمحاكم التي يترافعون أمامها.
الثالث : دعم نقابات المحامين, على مستوى المحافظات والمجلس الوطني لتلك النقابات, لمهنة المحاماة وللوضع القانوني للمحامي بما يرسخ استقلاليته وحمايته ليقوم بدوره على الوجه المطلوب. هذا إضافة إلى التشجيع على التخصص (spécialisation) والتوسع فيه لتلبية ما يفرضه تعدد تفرعات القوانين واتساع مهام المحامي وتشابك القضايا وتنوعها, وذلك لاكتساب مهارات عميقة في ميدان تخصصه, بعد فتح المهنة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
تولوز : 17/4/2006 د. هايل نصر
رئيس رابطة الحقوقيين من أصول أجنبية.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتياد إلى الحدود


المزيد.....




- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هايل نصر - حول حق الدفاع في المواد الجزائية - في القانون الجزائي الفرنسي