أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم حبيب - نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة السابعة عشرة - الحزب الشيوعي ووعي الواقع العراقي على امتداد الفترات المنصرمة















المزيد.....

نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة السابعة عشرة - الحزب الشيوعي ووعي الواقع العراقي على امتداد الفترات المنصرمة


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 6270 - 2019 / 6 / 24 - 19:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حين أقرأ مرات ومرات ما أشار إليه ابن خلدون عمن يريد معرفة ما في أعماق البحر، عليه أن يغوص فيه ويتعرف على تفاصيل ما فيه، وأن يتعرف على كل جوانب المسائل التي يريد دراستها ليخلص إلى استنتاجات دقيقة ومتمايزة أو متباينة بين فترة وأخرى لكيلا يسقط الباحث في التعميم العام والمطلق. كتب الزميل فالح مهدي بهذا الصدد ما يلي: "لم يبذل الحزب الشيوعي أي جهد لفهم الواقع العراقي والدليل استخدامه الاعتباطي لمصطلحات "عمال وفلاحين"، في بلد لم تولد بعد فيه طبقة عاملة بالمعنى الذي أتى به ماركس! وكذلك استخدم مصطلح طبقة برجوازية في بلد تحكمت به الحِرَف ولم يدخل بعد العالم المعاصر." (مهدي، الكتاب، ص 193). ويتكرر هذا القول في مكان آخر حين يؤكد ولفترات لاحقة إن الحزب لم يفهم الواقع حيث كتب: "لم يتمكن (ويقصد هنا الحزب الشيوعي العراقي، ك. حبيب) من فهم الواقع العراقي بكل ما فيه من تعقيدات، بل سار خلف شعارات جوفاء لم يتمكن هو نفسه من هضمها." (الكتاب، ص 202).
في هذا القول تعميم اعتباطي وإطلاقي لا يصمد أمام وقائع العراق، ولكن يكون القول صحيحاً لو جهد الكاتب نفسه وبلور الرؤية وشخص الفترات التي كانت تجسد عدم فهم الواقع وتلك التي جسدت فهم الواقع العراقي لأمكن القبول برأيه، كما فعلت في حلقات أخرى سابقة. وسأدلل على ذلك في هذه الحلقة والحلقات التالية.
أولا: حين درسنا بعناية كتابات فهد وطريقة عمله وأسلوب تشخيصه للواقع العراقي من جهة، وتحليلاته للوضع الدولي من جهة أخرى، تبين لنا، والحديث هنا عن الفترة بين تسلمه قيادة الحزب بعد عودته من موسكو عام 1939 بعد جولته في فرنسا في أواخر الثلاثينيات من العقد الرابع حتى اعتقاله في عام 1947، ما يلي:
1) لقد توفرت لفهد فرص مهمة لدراسة الواقع العراقي من خلال تجواله في البلاد أولاً، واطلاعه على الكثير من الكتب وعمله مع الحزب الوطني العراقي، ثم توفرت له إمكانية دراسة الكتب الماركسية باللغة الإنكليزية التي كانت مكتبة مكنزي في بغداد تجلبها لقرائها، إضافة إلى دراسته الماركسية في الاتحاد السوفييتي لثلاث سنوات. وقد تميزت حياته هناك بالجدية والمثابرة على القراءة والتعلم. ولا شك ففي الدراسة الماركسية كانت هناك الأدبيات الكلاسيكية التي كان بإمكانه الاطلاع عليها، وقد فعل ذلك، وتلك التي كانت تعبر عن التوجه الروسي والستاليني بصدد اللينينية في مسائل الحزب والمركزية الديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا...الخ. وحين عاد إلى الوطن تسنى له أن يرسم برنامج الحزب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بعقلانية كبيرة تجلت في المؤتمر الوطني الأول 1944/1945 وانعكست في الموقف من النظام الملكي. لم يطالب الحزب في فترة فهد أبداً بإسقاط الملكية ولم يتعرض لها بالإساءة، بل كانت كتاباته كلها تنصب على السلطة التنفيذية، على الحكومات المتعاقبة، وعلى واقع الاقتصاد العراقي والمجتمع. فطرحه للمسألة الزراعية كان متواضعاً ومقبولاً من قبل الأحزاب الأخرى. ولو تناولنا برنامجه الاقتصادي سنرى أنه تضمن ضرورة التصنيع وتنمية الزراعة ومعالجة مشكلة الأرض وضد البطالة والفقر وتحسين أوضاع الفلاحين في الريف العراقي وضد كبار الملاكين الذين كانوا يستغلون الفلاحين الفقراء بصورة بشعة حقاً. فالبرنامج لم يرتق إلى مطالب اشتراكية أو غير ذلك بأي حال، بحيث يمكن الادعاء بإنه لم يفهم الواقع العراقي. لقد فهم الواقع العراقي وطنياً وتجلى في خطابه المحلي وأحسن التعبير عنه.
2) أما خطابه الأممي فكان بعيداً عن واقع العراق، وهذا صحيح، إذ كان في الغالب الأعم ترديداً لما كان يرد على لسان ستالين وكتاباته أو ما ينشره الحزب الشيوعي السوفييتي حول الوضع الدولي والأممية الشيوعية والتحريفية والتروتسكية.
ثانياً) باعتقال فهد ورفاق المكتب السياسي وعدد كبير من الأعضاء القياديين والكوادر عام 1947، وإعدام خمسة منهم في العام 1949، وخاصة فهد وحازم وصارم، أضعف القدرة الفكرية والسياسية القيادية في الحزب الشيوعي العراقي، وفرض الوضع ضرورة الاعتماد على الخط الثاني والثالث أو حتى الرابع من الشيوعيين. وهنا برز الاتجاه اليساري الطفولي في الحزب والمطالبة بإسقاط النظام الملكي والقيام بمظاهرات ثورية، في حين كانت الحركة تعاني من انحسار حقيقي وإحباط في صفوف الشعب. وفي هذا لم يكن للحزب الشيوعي السوفييتي ولا للدولة السوفييتية أي دخل في أوضاع الحزب ولا في سياساته. وتمتد هذه الفترة من عام 1949 حتى عام 1956، حيث تولى الرفيق سلام عادل (حسين أحمد الرضي) قيادة الحزب. عن هذه الفترة اتفق مع الدكتور فالح مهدي حين يشير إلى إن القيادة لم تفهم وتعِ واقع العراق وطرحت شعارات لم تكن قادرة على النهوض بها ولم تكن الجماهير مستعدة لها.
ثالثاً: الفترة بين 1956-1958
تمكن سلام عادل من تحقيق وحدة الحزب بحل منظمة "راية الشغيلة"، التي كانت قد انشقت عن الحزب في العام 1952/1953، ومنظمة "وحد النضال"، التي كان يقودها عزيز شريف، وانعقد اثر ذلك المجلس الحزبي الثاني عام 1956 وتشكلت فيه قيادة جديدة للحزب وأصبح سلام عادل السكرتير الأول للحزب واقر فيه التقرير السياسي، الذي يعتبر قفزة نوعية في فكر وممارسات الحزب الشيوعي العراقي في الحقلين المحلي والعربي، رغم بقاء الخطاب الأممي على حاله! ومن يطلع على هذا التقرير يدرك دون حاجة إلى كثير جهد بأنه عبر عن واقع الحال في البلاد حينذاك وعن المهمات التي تنتظره في السياسة الداخلية والعربية والموقف من المسألة الكردية. وقد بذل الحزب جهوداً كبيرة لتحقيق الجبهة الوطنية وتحقق له ذلك في العام 1957. وقد لقيت سياسة الحزب في هذه الفترة قبولاً عاماً من الأحزاب السياسية العراقية ولاسيما من الحزب الوطني الديمقراطي، الذي اعتبره الزميل فالح مهدي بحق حزباً ناضجاً. ولقد تحدثت عن العوامل التي قادت إلى الموقف من النظام الملكي. والدكتور مهدي يرفض الانقلاب الذي حصل على النظام الملكي، وبالتالي لا أحد يرغب بتغيير قناعاته، ولكن من واجبي، وقد عشت هذه المرحلة بكل تفاصيلها، أن أطرح اللوحة كما حللتها قبل ذاك، وأشرت فيها إلى الأسباب الموجبة للخلاص من النظام الملكي.
ثالثاً: الفترة 1958-1963
لقد فتح سقوط النظام الملكي شهية كل الأحزاب السياسية العراقية لحكم البلاد. ولم يقتصر هذا على البعثيين والقوميين أو القوى الأخرى، بل شمل أيضاً الحزب الشيوعي العراقي الذي طرح شعار "حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي"، رغم الإشارة أحياناً إلى إن الشعب هو الذي رفع هذا الشعار! كما إن عبد الكريم قاسم والمجموعة العسكرية التي معه هي الأخرى قد تشبثت بالحكم ورفضت التخلي عنه لصالح القوى المدنية مما ساهم في خلق الكثير من الإشكاليات السياسية في البلاد. وأكثر القوى التي ساهمت في الفوضى وإشاعة الصراعات كانت القوى البعثية والقومية الناصرية التي رفعت شعار الوحدة الفورية وسعت إلى إبراز عبد السلام محمد عارف وجمال عبد الناصر، وما أعقب ذلك من طرح شعار الاتحاد الفيدرالي من جانب الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين. لم يكن للاتحاد السوفييتي أي دخل في سياسة الحزب الداخلية في هذه الفترة، بل كانت قراءة محضة لرفاق الحزب أعضاء اللجنة المركزية. وقد برز التباين في وجهات النظر إزاء سياسات ومواقف عبد الكريم قاسم ولاسيما بعد عام 1959، فمنهم من رأى ضرورة التخلص منه لإنقاذ الثورة، ومنهم من رفض ذلك. وأصبحت سياسة الحزب في هذه الفترة وكأنها بين مدينتي "نعم ولا"، ولم يُقرأ وضع العراق بصيغة صحيحة ولم تتخذ الإجراءات الضرورية والاحتياطية لمواجهة كل الاحتمالات. ومن نافل القول الإشارة إلى إن الاتحاد السوفييتي كان إلى جانب الوقوف إلى جانب عبد الكريم قاسم والسياسات التي اتخذها في مجالات التصنيع والتعاون الاقتصادي والتجاري والعلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي. وهنا لا يمكن أن ينسى المتتبع لأحداث تلك الفترة تلك المحاولات الجادة للتآمر على الجمهورية الأولى بالتعاون مع مصر وسوريا، التي حصلت فعلاً في الفترة بين 1959 و1963، ومنها مؤامرة الموصل ومحاولة اغتيال قاسم، والتي انتهت بانقلاب عام 1963 الفاشي.
لقد كتبت عن أحداث الموصل بالتفصيل، كما كتبت عن أحداث كركوك، واعتماداً على شهود عيان يمكن الثقة بأقوالهم من خلال الشواهد التي قدموها والتي نشرتها في كتابي "لمحات من عراق القرن العشرين"، ولهذا لا أجد مبرراً أن أعيد الكتابة عنها، وإذ يتحمل عبد الكريم قاسم مسؤولية الاحتفال في الموصل لإصراره على إجراء الاحتفال، كان من واجب الحزب الشيوعي أن لا ينجر لقرار عبد الكريم قاسم واصراره بل أن يقرر عدم عقد احتفال انصار السلام في الموصل، والذي فجر الدملة المتورمة والناضجة للانفجار، إذ كان يمكن امتصاصها بطريقة وأساليب أخرى. أما أحداث كركوك فلم يكن الحزب الشيوعي ولا تنظيم الحزب في كركوك طرفاً فاعلاً فيها، بل كان التركمان والحزب الديمقراطي الكردي، (الكردستاني فما بعد) هما الفاعلان أساساً، مع محاولات جادة وفاشلة من منظمة الحزب الشيوعي في فك الاشتباك قبل وقوعه، ولم يتحقق، ولا أشك في انجرار بعض الشيوعيين الكرد إلى تلك الأجواء الصراعية، ولكن ليس بقرار أو موافقة من منظمة الحزب الشيوعي العراقي. اعتقد هنا وفي عموم هذه الفترة بأن كل القوى السياسية العراقية لم تكن ناضجة بما يساعدها على تجنب الصراعات المأساوية التي حصلت وعواقبها المدمرة.
الفترة 1963-1968
لقد تلقى الحزب في هذه الفترة ضربات قاسية وموجعة جداً، إذ قتل الفاشيون عدداً كبيراً من خيرة قياديي الحزب وكوادره وأعضاء الحزب وأصدقاءه والكثير من الديمقراطيين والتقدميين اليساريين. وقد شمل القتل عدداً كبيراً من الشيوعيين العراقيين العرب في بغداد والمحافظات الأخرى، كما قتل قياديون وكوادر وأعضاء كرد ايضاً، ولكن القسم الأكبر من القياديين والكوادر الكردية قد نجا من المجزرة الدموية في قصر النهاية والمعتقلات والسجون الأخرى وقطار الموت بفعل وجودها في كردستان العراق وفي المناطق الجبلية منها. لم يستعد الحزب عافيته بسهولة، إذ حتى بعد سقوط النظام البعثي طارد النظام القومي الناصري الشيوعيين وقتل بعضهم، ومنهم حميد الدجيلي، على سبيل المثال لا الحصر، كما أبقى الكثير منهم في السجون. ولم تكن سياسة الحزب في هذا الفترة مستقرة وتبدلت من الخط اليميني لعام 1964 إلى الخط اليساري لإسقاط النظام العارفي عبر الانقلاب العسكري وما أطلق عله بالعمل الحاسم، وهو التعبير عن الصراع الفكري داخل الحزب، وإذا كان للخط الأول تأثير للسوفييت عليه، فالخط اليساري كان مناقضاً لإرادة ونصائح السوفييت. وهو أمر مهم أن نعرفه.
الفترة 1968 - 1978
تعتبر هذه الفترة من بين أكثر الفترات تبايناً بوجهات النظر في صفوف الشيوعيين والشيوعيات وكذلك في صفوف أجزاء من الشعب وبصدد فترات مختلفة من هذه المرحلة التي تمتد قرابة 35 عاماً. الحزب الشيوعي العراقي، كأي حزب سياسي في العالم، لا يمكن أن يكون رفاقه في مختلف المستويات على اتفاق تام في جميع وجهات النظر، والاختلاف هو تعبير عن حيوية أي حزب وتباين في التقديرات بالنسبة للمستويات الفكرية والسياسية. ومنذ البدء اختلفت منظمات الحزب في الموقف من عودة البعث إلى السلطة، ولاسيما بعد الضربات الأولى التي وجهها البعث، سواء أكان في إضراب عمال الزيوت النباتية في خريف عام 1968، أم في احتفال ثورة أكتوبر من نفس العام، أم في قتل واعتقال بعض الشيوعيين. وكان ميزان القوى في قيادة الحزب يميل إلى تخفيف الصراع مع البعث، في حين كان هذا الميزان في المنظمات التي تلي القيادة هو العكس. وتجلى ذلك في مؤتمر الحزب الثاني الذي عقد في قرى كردستان الجبلية. فقد توجهت بالنقد للبعث ورفضت مقولة التطور اللارأسمالي. وكانت حصيلة هذا الموقف توجيه ضربة 1970/1971 حيث أصيب الحزب الشيوعي بخسارة كبيرة في منظمة بغداد ومنظمات حزبية أخرى. لقد أضُعف الحزب بهذه الضربات الأمنية القاسية، ويبدو إن حزب البعث قد سعى أيضاً للتأثير على الحزب من خلال الحزب الشيوعي السوفييتي، وكان للحزب عدد كبير من رقاقه ومناضليه العسكريين السابقين قيد الاعتقال في سجون البعث. فأسفرت الوساطة عن إطلاق سراح هؤلاء على ألّا يعمل الحزب الشيوعي في القوات المسلحة، وأن يبدأ بحوار مع حزب البعث. وكان ذلك في العام 1971/1972 مع زيارة كوسيجين إلى بغداد وبعد إصدار قرارات التأميم، مما قاد إلى الموافقة على عقد الجبهة بقيادة البعث وبشروط مخلة لدور الحزب واستقلاليته في العام 1973، بما في ذلك عدم العمل في القوات المسلحة، وحل التنظيمات والجمعيات المدنية التابعة للحزب لاحقاً...الخ. لقد كانت هذه الفترة صعبة جداً على الشيوعيين العراقيين وعلى الشعب. إذ كان البعث يقدم المنجزات للناس، بسبب تنامي إيراداته النفطية من جهة، ويمارس الضغط بسبل شتى على الحزب الشيوعي. وكلما كان يزيد الضغط كان يحقق تراجعاً في مواقف الحزب، مما خلق فجوة بين رفاق الحزب من جهة، وقيادة الحزب من جهة أخرى أولاً، وبين رفاق الحزب وجمهرة كبيرة من أصدقاء الحزب الديمقراطيين ثانياً، وفي الوقت ذاته اتسعت الفجوة بين الحزب عموماً ووجوده في الجبهة، إذ كانت الاعتقالات والتغلغل في صفوف الحزب مستمرة، إضافة إلى انكشاف شديد لمنظمات الحزب لأجهزة الأمن البعثية. لقد كان هناك صراع شديد في الحزب بين اتجاهين واضحين: اتجاه مع استمرار التعاون، رغم كل ما يحصل، وقد تمثل في ذات القوى التي كانت في عام 1964 ترغب في التعاون مع القوميين في حزب واحد تقريباً، وبين اتجاه مضاد يرى ضرورة تشديد النقد على حزب البعث وسياساته وقراراته وإنهاء التحالف والخروج من الجبهة وتأمين سلامة الحزب ورفاقه قدر الإمكان. وقد اتخذ قرار التراجع التدريجي للخروج من الجبهة بوقت متأخر حقاً، وخلال تلك الفترة استطاع الحزب أن يدفع بجمهرة من كوادره إلى كردستان ومنها إلى المناطق الجبلية حيث الپيشمرگة الكردستانية أو إلى خارج العراق.
إن المشكلة برزت في مؤتمر الحزب الثالث في عام 1976 حيث عقد في خيمة في مقر الحزب ببغداد. والذي طرح فيه شعار خاطئ لم يطلع عليه جميع أعضاء اللجنة المركزية القائل "معاً لبناء الاشتراكية"، وهو شعار غريب وغير معقول وغير مقبول في تلك الفترة، في وقت كان حزب البعث قد اتخذ قراراً بإنهاء الجبهة والتحالف المؤقت مع الحزب الشيوعي في المؤتمر القطري الثامن عام 1974. وكانت قيادة الحزب، وأنا منها، نعرف طبيعة هذا الحزب، ونعرف أنه لا يعمل على تحالفات استراتيجية بل تكتيكية، وأنه عدو حقيقي للشيوعية والشيوعيين، وأنه ارتكب الجرائم المريعة بحق الشيوعيين في عام 1963 وفي عام 1970/1971، وبالتالي فأن التحالف معه يشكل مشاركة في تسويق حزب البعث أمام الجماهير وأمام العالم العربي والرأي العام العالمي. وفي هذا يكمن الخطأ الفادح الذي وقعت فيه قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وأنا جزء منها، وأتحمل تبعات هذا الخطأ التاريخي المريع. من الممكن إيراد الكثير من المبررات لمثل هذا التحالف، ولكنها كلها في قناعتي الشخصية ذرائع لا تبرر التحالف، وهو الذي توصلت إليه عبر دراساتي للمرحلة. إنها الإشكالية الكبيرة التي ما زال الشيوعيون يعانون منها حتى الآن. وأتمنى ان تكون تلك التجربة بكل تفاصيلها، أو حتى في اختلافاتها، حاضرة أمام أبصار وبصائر الشيوعيات والشيوعيين في العراق في الفترة الراهنة، فالشيوعي لا يجوز أن يلدغ مرتين من جحر واحد.
لقد كنت عضواً في لجنة شكلها المكتب السياسي في عام 1980/1981 لإنجاز ورقة عمل تقييمية للفترة الواقعة بين 1968-1979، ووضمت اللجنة ثلاثة رفاق هم الفقيدة الدكتورة نزيهة الدليمي وعادل حبة وكاظم حبيب، وكان الرفيق عزيز محمد يقوم بزيارات للجنة بين فترة وأخرى. وقد شخصت اللجنة في مسودتها للتقييم خطأ التحالف. إلا إن المسودة التي قدمت لاجتماع اللجنة المركزية قد جرى تغييرها من جانب المكتب السياسي وخففت من موضوع الخطأ الكبير الذي شخصته اللجنة في مسودتها. وقد وجد هذا التشخيص والتقدير في كتابي الذي أنجزته في فترة وجودي في الحركة الانصارية بكردستان في عامي 1983/1984 تحت عنوان "الفاشية التابعة في العراق"، حيث سجلت اختلافي مع تقييم الحزب لفترة التحالف مع البعث واعتباري ذلك خطأ فادحاً، والذي طبع مرة أخرى في السليمانية من قبل مؤسسة حمدي للطباعة والنشر ونُشِرَ في عام 2008 مع مقدمة جديدة ضافية لي.
انتهت الحلقة السابعة عشرة وستليها الحلقة الثامنة عشرة.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى السيد مقتدى الصدر في 22/06/2019
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- دولة من گرگري وانفلات أمني وقضائي في العراق
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- المرتزقة الأوباش يقتلون 30 سودانياً ويصيبون 400 آخرين بجراح
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- عوني كرومي: خسارة فادحة للإنسان والمسرح
- نظرات في كتاب -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة ...
- نظرات في كتاب -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم حبيب - نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة السابعة عشرة - الحزب الشيوعي ووعي الواقع العراقي على امتداد الفترات المنصرمة