أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال عبد العظيم - مظاهر العبودية في المجتمع المصري















المزيد.....

مظاهر العبودية في المجتمع المصري


جمال عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 6270 - 2019 / 6 / 24 - 03:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد يقول عبد الرحمن الكواكبي : " ان الامة التي لا يشعر كلها او اكثرها بالاستبداد لا تستحق الحرية . ذلك ان الامة اذا ضربت عليها الذلة والمسكنة تصير امة سافلة الطباع وتصبح كالبهائم لا تسال عن الحرية ولا تلتمس العدالة ولا تعرف للاستقلال قيمة او للنظام مزية ولا ترى لها وظيفة في الحياة غير التابعية للغالب عليها احسن او اساء على حد سواء . وقد تنقم على المستبد نادرا ولكن طلبا للانتقام من شخصه لا طلبا للخلاص من الاستبداد فلا تستفيد شيئا وانما تستبدل مرضا بمرض "
وطبعا واضح من النص ان العبودية تلغي ارادة الانسان وحريته وتصادر كرامته و تحوله الى ماشية بشرية وهذا هو موت الانسان بداخلنا . ولكن البعض استمرأ العبودية حتى انه لم يعد يشعر بانه عبد . والاغلبية التي ترفض العبودية لم تعرف ابدا طريقا للخلاص منها . ولم تجد من تسير خلفه فالنخبة مزيفة وهم اكثر عبودية من الجمهور. ولا يعرفون سوى تقديس الحاكم وخدمة الطبقة الحاكمة باجر معلوم فهم الوجه الاخر لرجال الدين ممن يدعون الامة للخضوع للامير المتغلب . لم يعد الضحايا يملكون الا الصبر والدعاء على الظالمين وعندما يدعون بهلاك الظالمين فانهم يضعون انفسهم في موقف المتفرج فيقولون : اللهم اهلك الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين . وهو ما يعبر عن خوفه الشديد من مواجهة المستعبدين . وبهذا يجتمع على الضحية قيدان هما القهر الفكري الذي يمارسه رجال الدين و النخبة عديمة الشرف بالاضافة للقهر الامني الذي تمارسه اجهزة الامن . وكلاهما يحفر في الانسان خوف عميق ويحوله الى طفل في مواجهة السلطة ويقتل فيه الضمير . وقد بدأ المواطن المصري يحكم بالخوف منذ قامت ثورة يوليو 1952 وخضع لموجة جديدة من موجات الاستعباد الكثيرة التي مرت على مصر . البكباشي الغى الاحزاب وصحف المعارضة واتى بترسانة من القوانين تتيح له ولخلفائه من الضباط استعباد الشعب والبقاء وحدهم احرارا. وربما كان هذا هو المغزى من تسمية انفسهم بالاحرار . كان البكباشي يوفر للشعب الغذاء والدواء والحشيش وام كلثوم والمساكن الشعبية ويحرم المعارضة حتى ولو بنكته . بل ان القهر كان يحيط بالبسطاء ممن لا يتعاطون السياسة ولا يعارضون البكباشي . فما ان قامت ثورة يوليو حتى تم تركيب "فلكه" في كل قسم شرطة لتعذيب المواطن حتى يعترف بجريمة لم يرتكبها . والفلكه هي جهاز خشبي يقيد فيه المواطن راسا لقدم ليقوم الزبانية بجلده على اقدامه المقيدة والمرفوعة الى اعلى . يحدث هذا تحت شعار الثورة الذي كان يطالب المواطن برفع راسه وليس رفع ارجله "ارفع راسك يا اخي فقد مضى عهد الاستعباد". وبرحيل الزعيم الملهم محرر العبيد جاء السادات واجرى بعض الاصلاحات ادت الى رفع راس المواطن بالفعل حيث تم الغاء الفلكة وسمح للمواطن بالوقوف على قدميه اثناء التعذيب لتكون راسه مرفوعة وهو يتلقى اللكمات والصفعات من الضباط والمخبرين . واذا حدث ومات المسكين تحت التعذيب فهناك تقرير جاهز للطبيب الشرعي يرجع الوفاة الى السكتة القلبية . ولتعذيب المواطن في اقسام الشرطة اصلا عربيا حيث كان العبد اذا دعي للشهادة يتم ضربه اولا تأسيسا على كونه كاذب بالضرورة باعتباره عبدا وانه لن يقول الحقيقة الا بعد تعذيبه. وللعرب في ذلك اقوال مأثورة مثل : "اللوم للحر مقيم رادع والعبد يردعه العصا" و "الحر يلحى (يعاتب) والعصا للعبد" . وتنتقل البلاد من ضابط الى ضابط ذرية بعضها من بعض وتتغير اساليب الاستعباد وتزداد شراسة وخسة بل واختفت المساكن الشعبية وتوفيت ام كلثوم ولم تعد اسعار الحشيش في متناول اليد ولا حتى اسعار الغذاء والدواء . لم يعد يوجد مكانا في البلاد لا تفوح منه رائحة العبودية .. العنجهية العسكرية تنتشر كالوباء ولم تعد حكرا على اتحاد ملاك مصر و حاكميها الاحرار . موظفي الحكومة يعاملون المواطن بوجه متجهم وصوت مرتفع ولهجة حادة . حتى الاطباء في المستشفيات اغلبهم يتعاملون مع المريض بتعالي و بوجه عبوس وكلمات مقتضبة . ارباب الاعمال في القطاع الخاص كفوا عن التأمين على عمالهم وعند تقاعد هؤلاء العمال لا يجدوا ما يسد رمقهم . وهناك من يصرف الرواتب يوم 10 من كل شهر حتى اذا غادر العامل يستولى رب العمل على اجر 10 ايام . عديد من الشركات تجبر عمالها على التوقيع على شيك على بياض ليتحول الى عبد حقيقي لرب العمل فقد كان عدم سداد الدين احد اسباب الاسترقاق عند العرب . والحكومة مختفية تماما لتجعل الناس ياكلون لحوم بعض ويستعبدون بعضهم البعض .
الاحرار اخلوا الشارع من الشرطة وهي التي كانت تغطي كل شارع وميدان وحارة ابان النظام الملكي .. بامكان اي لص ان يخطف شيئا منك ويجري وستكون محظوظا اذا عاد اليك . اما اذا قتلك بلطجي فثق انه سيقدم للعدالة لان الاحرار لا يتهاونون عادة في جرائم القتل الا اذا كانوا هم فاعليها . واذا وقع حادث لمواطن واستدعى المارة الاسعاف فسياتي متاخرا ولن يحمل المصاب الا بعد تقاضي الرسوم المقررة ويضطر المارة لجمعها من بعض انقاذا للعبد المسكين الذي ينزف ويوشك ان يموت . وعندما كان السياح يتعرضون لهجمات ارهابية في الاقصر واسوان والغردقة كانت الحكومة المصرية ترسل الاسعاف الطائر لياتي بالاجانب فقط ويترك المصابين المصريين ينزفون حتى الموت . ولو ان الاسعاف في اوروبا اخذت المصابين وتركب كلبا او قط لدفع المسئول ثمنا
فادحا . ولا يقتصر الاستعباد على المصريين في الداخل فالسفارات المصرية تشجع الجميع على اهانة المصريين ولا تعبأ بمشاكلهم حتى انهم يتعرضون للقتل فى البلاد العربية الخليجية دون ان تحرك السفارة ساكنا بل وربما تكون ضد المصريين . وقد كانت كلمات السيدة الايطالية باولا ديفيندي ريجيني معبرة ومؤلمة حين وصفت ما حدث لابنها جوليو ريجيني في مصر حيث قالت : "خطفوه وعذبوه وقتلوه خارج القانون .. عاملوه وكأنه مصري "
دولة العبيد لا تحترم القانون ولا حتى احكام القضاء حيث يخضع تنفيذ الاحكام لرغبات السلطة . ومنذ بدأ التخريب العربي المسمي بالربيع اضيفت جريمة جديدة هي الاختفاء القسري . لم يعد للانسان المصري حقا واحدا تحترمه الفاشية العسكرية الحاكمة ولا حتي الحق في الحياة .
و ربما تنفرد مصر بان ربع شعبها يعيش في العشوائيات حيث لا توجد اي خدمات تعليمية او ثقافية او دينية او فنية او اجتماعية فتخرج اجيال متخلفة ويصبح تخلفها سببا جديدا لاستعبادها . وحسب رؤية الاقتصاديين فالنظام الذي يوفر الاحتياجات الاساسية الحيوانية فقط فهو نظام عبودي لان الانسان له حاجات ثقافية ودينية وفنية ...الخ فما بالك والنظام لم يعد يوفر حتى الاحتياجات الاساسية .
ومن الطبيعي في جمهورية اللواءات ان تكون الغلبة لمن يحمل السلاح وهو ما حول البلاد الى غابة لا قانون فيها ولا عدل ولا عدالة لان الفاشيست عادة تستولي على كل السلطات . لا قيمة لدرجة علمية او مركز اجتماعي مرموق وهذا ما يؤكده العسكر من ان لاخر حيث يتم الاعتداء على اطباء فى مستشفياتهم اومحامين يباشرون عملهم في قسم شرطه واحيانا يستخدم الضابط او امين الشرطة حذائه . وطبعا لن يحصل الضحية على حقه ولن يعاقب الجاني وهو ما يدفع المجني عليه الى الاحتماء بقبيلته والتي هي النقابة . واذا لم تكن للفرد نقابة تقوم بهذا الضغط فسيجبر على التنازل ان استطاع اصلا ان يثبت ان له حق . مظاهر العبودية تنتشر في كل مكان فتثير الاشمئزاز وتجعل من الموت امرا ليس سيئا تماما . بل ان تقبل الموت هو اقصر الطرق الى الحرية كما تقول الحكمة :"اطلب الموت توهب لك الحياة" .
وفي اجواء العبودية يتصدر المشهد المنافقين والافاقين ويتوارى الشرفاء والوطنيين الاكفاء ويصبح المجتمع كالبحر يرسب فيه لؤلؤه وتعلو فوق سطحه الجيف .
وقد دأبت الحكومات المصرية منذ 1952 على استعباد المواطن مع التظاهر والايهام بأنه حر . وبمجئ خاتم العسكريين عبد الفتاح السيسي مارس النظام الاستعباد سرا وعلانية بل وفي تصريحات رئيس النظام نفسه والتي يتبجح فيها ويعلن انه لن ينفق على السكة الحديد رغم انها تلتهم الاف المصريين منذ عشرين سنة . ويصرح بان حقوق الانسان في مصر تختلف عن حقوق الانسان في اوروبا وباننا "في منطقة تانية من العالم"
الحكومة المصرية تمارس التهجير القسري لملايين المصريين رغم انه ممنوع دوليا ويشكل جريمة . الحكومة المصرية تنتهك حرمة الجسد عند تحليل المخدرات لقائدي السيارات بانزالهم من سياراتهم ليتبولوا علانية امام افراد الشرطة . حتى النساء يفرض عليهن التبول العلني وسط الرجال . الحكومة المصرية تتجاهل ادمية المواطن حتى انك تستطيع ان تجوب البلاد المصرية من اقصاها الى اقصاها ونادرا ما تعثر على دورة مياه عموميه ولا حتى في اكبر ميادين العاصمة كميدان التحرير وميدان عبد المنعم رياض .
والحاكم المستبد يسيطر على كل السلطات : التنفيذية والتشريعية والقضائية ويسيطرعلى الاعلام والفن والثقافه ويقوم بعسكرة المجتمع فيحتل بالموالين له كافة المناصب المدنية حتى دار الاوبرا لم تنجو منهم فوضعوا على راسها لواء جيش . وربما يعبر هذا الخبر عن حالة عسكرة المجتمع التي نعيشها منذ 67 سنة : وقع وزير الانتاج الحربي اللواء علي ابراهيم صبري اتفاقا لتطوير سوق الجملة بمحافظة الجيزة مع اللواء محمد سامي عبد الرحيم رئيس السوق بحضور نائب محافظ الجيزة اللواء اسامة شمعة وامين المجلس المحلي اللواء محمد الشيخ ومساعده اللواء احمد هاني (نشر في 22/2/2012) .
واخيرا فان هذه الحالة من الاستعباد كانت هي السبب الرئيسي في هزائمنا امام العدو الصهيوني . وهي السبب في تفريط عبد الفتاح السيسي في مقدرات الوطن حين اهدي ثرواته واراضيه لقبرص واسرائيل والسعودية . وهي السبب في استيلائه على ميزانية الدولة ليضع ما يشاء منها في صندوق يسميه صندوق تحيا مصر ينفق منه كما يشاء دون رقيب او حسيب . وهي السبب في اهدار المال العام فيما لا طائل من ورائه . وفي ظل هذا الاستعباد يسهل على العدو الصهيوني ان يزرع عميلا له يتولى الحكم في البلاد فيمتلك الشعب والاقليم والسلطة السياسية وستثبت الايام القليلة القادمة ان هذا هو ما حدث بالفعل .



#جمال_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يكتفي العسكر ب67 سنة هزيمة
- هل ينجح ترامب فى اعادة الاخوان الى مزرعة الشيطان
- مصير الطبقة العاملة فى زمن المحافظين الجدد
- المخابرات الامريكية وحملة # اطمن_انت_مش_لوحدك
- غسيل دماغ الاخوان فى سجون السيسي
- المراة العربيه المعاصرة والبحث عن شهرزاد
- الحمله الصليبيه على السودان
- الاعلام وتزييف الوعى
- هذه هى اوروبا التى تريدها امريكا
- كيف تستمر امريكا القوة العظمى الوحيده
- قادة الخليج يدشنون اسرائيل الكبرى
- علم نفس الجماهير
- رائحة الانسان
- كيف انتصر سعد زغلول بشعب اعزل على الجيش المسلح
- الموساد قتل ديانا بطلب من العائله المالكه البريطانيه
- اشرف مروان هو قاتل جمال عبد الناصر
- الخلافه الاسلاميه المزعومه
- المندوب السامى السعودى فى مصر
- جزء من العقل مفقود
- الدين فى خدمة دولة المال


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال عبد العظيم - مظاهر العبودية في المجتمع المصري