أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - آباء وأمهات














المزيد.....

آباء وأمهات


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6268 - 2019 / 6 / 22 - 09:38
المحور: الادب والفن
    



عندما كنا صغارا تعرفنا بشغف وحب على رجل يقود دراجة هوائية ، كان يطوف على بيوت قريتنا أيام الصيف الحارة ليبيع المثلجات ، كان أسمه أبو الليدي* . يتجول ساعة من نهار ثم يختفي ، ولكنه لم يكن أبدا ليختفي من مخيلتنا . ننتظره ونحب أن نسمع خرخشة عجلاته وصوته وهو ينادي ... ليدي ...ليدي.... بَرِّد... بَرِّد... بعد مضي كل تلك المدة الطويلة أدركتُ أنني لا أتذكر وجهه، وعرفت الآن فقط أننا لم نكن نركز على وجهه. فمن يهتم بوجه الرجل ويترك متعة النظر الى ذلك الصندوق الجميل الملفوف بالخيش المبلل بالماء والمربوط باحكام بمقدمة الدراجة الهوائية. في ذلك الصندوق يكمن السحر كله ، واللذة كلها، عيدان خشبية ينغرز كل منها بقطعة من الثلج الأصفر والأحمر والأخضر ، ثلج حلو لذيذ .
أما والدي فكان يكره أبو الليدي بشدة ، وينظر اليه شزرا. كان يقول عنه ( هذا ليس أبو الليدي ، هذا أبو الأمن) . عرفت فيما بعد ان والدي كان واثقا أن الحكومة كانت ترسل هذا الرجل ليتجسس على الناس ، ويجمع المعلومات عنهم .
في الوقت نفسه كان في قريتنا امرأة تطوف عصرا ، عصرا فقط ، وهي تحمل على رأسها قدرا لامعا، قدرا يحتوي على حمص مطبوخ ومملح . كان اسمها أم اللبلبي **. لم نكن ندرك يومها كيف يكون الرجل صاحب الدراجة أباً للمثلجات ، والمرأة أماً للبلبي ثم يجولان على البيوت ليبيعانهما للأطفال. ولاحقا تعرفنا على أبي الكهرباء الذي كان يطرق الأبواب مرات متباعدة ليتفحص مقياس الكهرباء ويذهب. ثم سطع نجم أبي المولدة ولازال.
اليوم ، ثمة آباء وأمهات كثر. ففي مؤسساتنا الحكومية هناك أبو الحسابات وأم الرواتب. وفي جامعاتنا أيضا هناك أبو الترقيات وأم التسجيل الى جانب آباء آخرين وأمهات أخريات.
لا بأس اذن ، فهي مجرد اختصارات ، وبدائل لمفردات كثيرة ، فأبو الليدي هو بائع الليدي وأبو الذاتية هو الموظف المسئول عن الملفات . هي ليست علاقة دموية وليست علاقة دائمية . فربما يكلف أبو المتابعة بوظيفة أخرى غدا فيصير أبو التدقيق وهكذا. وهي لا تشير الى ملكية من نوع ما بل هي مجرد مصادفة في أن تكون مكلفا بعمل ما ، أو مهتما بموضوع ما ، فغيرك كثيرون مهتمون بالموضوع ذاته. ومن المنطقي أن يسعد المرء حين يعرف أن أناساً كثيرين يشاركونه الأهتمام عينه. فربما ينضم أليهم بنقابة ، أو يبادلهم الآراء ويطلب منهم النصح . فالقضية التي يشتغل عليها ليست من اختراعه ، وهي لاشك ستبقى محط أنظار آخرين حين يتركها هو .، هكذا تنشأ النقابات ، وينتظم الأفراد المعنيون بقضية مشتركة بمجموعات.
الأمر الغريب ان لدي صديق ضمن مجموعة في أحدى وسائل التواصل الاجتماعي وهو يعمل مسئولا عن متابعة الشروط الصحية للمطاعم ، نطلق عليه أبو الصحة، لا يقبل أية مداخلة من أي صديق آخر تتعلق بالصحة أو بالطعام ، فهو يعتبر هذه المواضيع من اختصاصه ، وهو يعتقد أنه هو وحده العارف بشؤونها ، المطلع على خفاياها ، وكلنا جاهلون بها، وبالتالي فلا يحق لنا الحديث عنها من قريب أو بعيد.
ولديّ زميلٌ في الجامعة مكلفٌ بتدريس مادة الفلسفة ، كنيته أبو الفلسفة .وهو أيضا لا يتقبل من أيّ أحدٍ أن يتطرق لأيّ موضوع له علاقة بالفلسفة . فالفلسفة ساحته وملعبه هو وحده بلا منازع.
ترى هل تحولت خفة دم أهلنا القدماء حين جعلوا البائع والصاحب والمالك والقائم بأمر ما أبا لذلك الأمر أو أماً له ، هل تحولت الى مرض عصري ؟ فتحولت التخصصات الى احتكارات وتحولت المهام الى حيزيات وتحولت الواجبات الى اقطاعات؟ أم أن البطركية فرضت نفسها على لغتنا وتفكيرنا ، واقتنصتنا بشباكها .
أعتقد جازما أن أبو الليدي وأم اللبلبي يرحمهما الله كانا أكثر انفتاحا وتفهما لعلاقتهما بما يبيعان أكثر من أصدقاءي الحاليين .
* ماركةleady stick من ماركات المثلجات الشهيرة في ذلك الزمان
** اللبلبي هو الحمص المسلوق



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيدية العيد
- عصابة الكف الأسود
- غطاء الرأس .. وظيفته ورمزيته
- الحرب على الأرهاب: الدروس المستفادة من منظور حضري


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - آباء وأمهات