أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - (غذاء السمك: الذات تنثر هلاكها) بقلم/ ممدوح رزق















المزيد.....

(غذاء السمك: الذات تنثر هلاكها) بقلم/ ممدوح رزق


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 6266 - 2019 / 6 / 20 - 17:37
المحور: الادب والفن
    


(غذاء السمك: الذات تنثر هلاكها) بقلم/ ممدوح رزق
في نص "غذاء السمك" لمؤمن سمير، الصادر حديثًا عن دار "الذهبية"؛ ثمة ذات تراقب دمارها المتلاحق عبر محاولات التماهي مع صور التناثر لهذا الدمار في ملامح الآخر .. تتخذ المراقبة طبيعة الإيجاد أي خلق الأشلاء / شذرات اللغة فتتحوّل إلى مُسيّر لهذا الآخر، أي أنها تتقمص وضعية التدمير الذاتي .. هي بتلك المسايرة التي تستبطن كيفية أن تكون قاتلة لنفسها؛ تراوغ صورتها الواضحة أمام موضوع القتل ذاته، وهذا يتيح لها أن تكتسب إمكانية الاختفاء من عتمة "المرآة" العالقة داخلها، والذوبان في الشظايا النهمة لتلك المرآة، الموزعة داخل الآخرين.
"بعد أن قرأت عن الفيلم حلمت حلمًا عابثًا، مستحيلًا، أنني كنت هناك، لكن حيث لا يرونني .. الجميع كان يبكي .. والبكاء هو الظرف التاريخي الرائع لممارسة أفعال تشي وتوهم بالقرب الإنساني .. كل ولد كان يضع يده على يد البنت التي بجواره ثم يلف ذراعه حولها".
تكافح الذات لاكتشاف لعنتها من خلال هذه الأداءات التي تزاوج بين المراقبة والتوحد بأشكال تدميرها المتفرقة، كأنها في الوقت نفسه تسعى لاكتساب بصيرة بمقدورها التلصص على ما بعد النهايات المتكررة، التي تُشكل تدريجيًا الوجه الكامل للموت .. التلصص الذي يجعل من الألوان، ودرجات الإضاءة، وزوايا الرؤية، والحدس بواسطة الظلال؛ يجعل منها ممرات ملغّمة للذاكرة، أو مسارات لتشريح الماضي متخمة بالأشباح التي ينبغي عليها حينئذ أن تُغرق الخطوات المرتعشة "المتلصصة" بدمائها.
"المعلن أنه يحاول تهدئتها، لكنها تزداد انفعالًا، المسكينة!! ويزداد هو في محاولاته الاحتوائية الشريفة. المسكين الذي يجتهد في ممارسة اللعبة التواطئية يتأكد في هذه اللحظات أنه حقًا يريدها، وذلك بعد أن قالت هي أيضًا، ضمنيًا، عدة مرات، إنها "تموت فيه" ... سينهشها الآن .. هذه الغبية .. القاتلة أيضًا".
تستند الاستمرارية هنا على تعدد الآخر سواء في حضوره البشري أو الذهني أو المتوهم، حيث تُرد عناصر الواقع كافة إلى تلك الهيمنة الكامنة في ذلك الحضور المتعدد، ولكنها ليست الاستمرارية التي تُنتج الحاضر فحسب، بل تلك التي تُبطل عمل التاريخ على نحو أساسي أيضًا.
"لكن العجيب أن عيني بعدما ثبتت على وضعية الجحوظ انغلقت فجأة وغرقت في نوم مدبب وحاد .. أفقت على ملوحة العرق في عيني وبرودته تحت إبطي ووجدتني في مواجهة المسارات التي حفرها النمل في كومة الرمل ولمحت الدويبات تتحرك بطمأنينة وكل واحدة تحمل على رأسها شيئًا، جزءًا كبيرًا أو صغيرًا من الملامح".
بهذا تحصل الذات على تعدديتها غير المحددة، التي تسمح لكابوسها الخاص أن يكون هو الزمن الكلي، القائم على التناثر، كما أنها بذلك تعيد تكوين الآخر بانشطاراته التراكمية المتباينة كأنما تستعمل المحو لتجعل هذا الآخر سرًا قابلًا للمعرفة .. المعرفة التي تحمل انتهاكًا مؤكدًا للموت كختام منطقي لتحوّل الأقنعة الوحشية إلى أصل كتابي، وتحوّل الكتابة إلى قناع شامل يتواطأ بولع طفولي "حيث كل جسد قاتل ومقتول" مع اللعبة الاستكشافية لتحطيم الغاية .. ربما هي طريقة أخرى لمحاولة حماية الخبرة العاطفية الأكثر سذاجة للذات من أن تكون تدميرًا غريزيًا.
"رجعت بمقعدي للوراء بعنف وفتحت باب الغرفة وعدوت .. وضعت رأسي تحت المياه ورجعت مرة أخرى .. كدت أفتح الباب بيدي المرتعشة التي تتساقط منها المياه لكنها شالت يدي ووضعتها على كتفها وسارت بي نحو الصالة ولكن بعد أن أغلقت الباب بساق خلفية .. طاوعتها واستسلمت تمامًا .. في الصباح رميت ببصري نحو الغرفة ثم أخذت أدلّك الحنجرة برفق كي يمر الهواء في مساراته المتعرجة بأمان".
يتحقق في نص "غذاء السمك" نوع من المزج بين الغرابة الشبقة المرتجلة عند جورج باتاي، والمجاورة الحادة بين الوحدات اللغوية التي لا تخضع لعلاقات مكشوفة عند جيرترود شتاين، كما أن ملامح العنف السردي في هذا النص ربما تذكرنا بأسلوب بوهوميل هرابال في "عزلة صاخبة جدًا؛ فالسارد هانتا يخاطبنا طوّال الوقت كما لو كان ممسوسًا بحُمى التقويض، بهذيان الفصل بين اللغة وإحالاتها .. نجد في هذا التدفق العفوي المتوتر هوسًا "صاخبًا" بتحويل الأفكار والعواطف والمشاهد والتخيلات وصور الذاكرة إلى تناثر عشوائي من الأشلاء والأنقاض التي كافحت في الماضي لتكوين يقين ما أو إطار مرجعي غير قابل للشك .. إنه خطاب قد يعيدنا إلى كلمات "جاك دريدا" عن التفكيك: "لا! ليست للرسالة وجهة معينة أو محطة أخيرة، وما ذلك بالعامل السلبي. إنه الشرط التراجيدي الأكيد ولكنه الوحيد لكي يحدث ويُجدّ جديد" .. بهذا يتقمص العامل هانتا آلته فيتحوّل إلى جسد هيدروليكي ينتهك الظواهر التي تسعى لإثبات نفسها، ويحطم بنهم طائش سلطة المتعة الجمالية، ويُبقي أمانها مرجئاً طوال الوقت .. هذا ما يبرر خشيته من أن تسحقه كالفأر أطنان الكتب التي يحتفظ بها انتقاماً من تاريخه.
لنقارن هذا الجزء من التحليل السابق لـ "عزلة صاخبة جدًا" بهذه الفقرة من "غذاء السمك":
"كان جل اهتمامي بالأوراق لكنهم حملوني ونزعوا أطنان الملابس عني وربطوني بأسلاك الكهرباء التي أخرجوها من وراء ظهورهم وتندروا كثيرًا على جسدي الأملس ثم تناوبوا اغتصابي مستخدمين أدوات حادة .. أحسست أولًا بالرعب ثم بالألم ثم فقدت الإحساس نهائيًا وتهيأت للموت .. ويبدو أنهم أحسوا بذلك لأنهم بدأوا في إفاقتي بطعني بالمُدى الملوثة بدم الرجل المقتول وكأنهم يريدون إشراكه في الأمر .. الأول يسلم الثاني المُدية فيغرسها فيّ ويُسلمها للتالي الذي يختار بقعة أخرى وهكذا .. أصروا على ألا تخرج أي تفصيلة عن ترتيبهم .. كدت أخدعهم وأموت مرة أخرى لكنهم تداركوا الأمر وغيروا التكنيك فانتبهت .. مزقوا الأصابع ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم القدمين ثم الأذن اليمنى ثم اليسرى والأنف وسملوا العينين ومزقوا فروة الرأس وأخرجوا القلب والكبد والكليتين وأكلوهم".
الجسد الذي يأخذ مسافات منتشية غير محكومة من نفسه "الأفكار والعواطف والمشاهد والتخيلات وصور الذاكرة" ـ كما كان الأمر عند هرابال ـ حين يُترك عاريًا في حفل تعذيبي، وفي نفس الوقت يحوّل خيال هذا الجسد الممزق مشاهد الحفل إلى طقوس طفولية متنافرة، تتبادل كائناتها ما يشبه القرابين المدنّسة، بوصفها الخام البشري الذي يجدر بالكتابة استعماله لتخريب أي فردوس محتمل.



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دراسة بعنوان(الملمح الصوفي لدى شعراء بني سويف ) بقلم د .أ ...
- من تحقيق بعنوان(من هو المثقف) بعدد مايو 2019 من مجلة(بين نهر ...
- مقاطع من كتاب - غذاء السمك- تأليف / مؤمن سمير.مصر
- -الرؤية الحيوية- كمفجر لشعرية النص ..في ديوان - تأطير الهذيا ...
- كتابة الألم:قراءة في ديوان (بلا خبز ولا نبيذ) للشاعر مؤمن سم ...
- -عن الذي شال النبع ليصطاد- قراءة في ديوان مؤمن سمير ..(حَيِّ ...
- الإنتاجية الجمالية للأَثَر في الخطاب الشعري..قراءة لديوان -ح ...
- - ذائقة الحروب - شعر/ مؤمن سمير.مصر
- - أبعدُ بلدٍ في الخيال -شعر / مؤمن سمير . مصر
- - الصياد العتيق -
- أسكب ذاتي على الورق وأعيد صياغة وجودي عبر الشعر
- - أمشي بفضيحتي أمامَكَ .. يعني أمام الجميع - شعر
- دماءٌ تنزلُ من عَيْني
- - أنشودة الفتى الصاوي..طبت حياً وميتاً يارفيق- بقلم / مؤمن س ...
- - تجدد الصوت التمثيلي ووفرة الدوال والصور- في ديوان «بلا خبز ...
- كوابيس محبة مؤمن سمير .. في ديوان - بلا خبز ولا نبيذ - بقلم/ ...
- - وداعاً يا حبيبي الغالي ، يا من لا يليق ولا يصح معه الوداع ...
- - تصعدُ وتنطفئُ ، رويداً رويداً -
- - يجلسُ على حَجَرٍ ويتذكر نزار قباني - بقلم / مؤمن سمير
- - في القصر العالي ، يَرِنُّ صوت كبير قريتنا ياأبي - شعر / مؤ ...


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - (غذاء السمك: الذات تنثر هلاكها) بقلم/ ممدوح رزق