أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الإرهاب اليهودي-الصهيوني و قيام دولة إسرائيل(1)















المزيد.....


الإرهاب اليهودي-الصهيوني و قيام دولة إسرائيل(1)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 6263 - 2019 / 6 / 17 - 05:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


الفصل الأول : مقدمة
لاتعد ظاهرة جديدة عمليات التفجيرات الإرهابية التي تستهدف المباني العامة، والهجمات ضد المسؤولين الحكوميين، وعمليات اختطاف واغتيال القادة السياسيين في سياسات الشرق الأوسط. فقد استحوذت على عناوين الصحف العالمية حالات مشابهة لهجمات ضد إسرائيل ورموز الحركة الصهيونية بادرت بها منظمة التحرير الفلسطينية و مكوناته المختلفة, مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و الجبهة الديمقراطية [الشعبية] للتحرير فلسطين، ومنظمة أيلول الأسود, وحزيران الأسود[أحد تسميات حركة فتح-المجلس الثوري]، كان الهدف من ورائها الحصول على الدعم الكافي لقيام دولة عربية فلسطينية. وفي ذات السياق التاريخي دارت رحى حرب إرهابية أخرى في أعقاب الحرب العالمية الثانية قاتل أفرادها من أجل الظفر بالمنطقة ذاتها و للأغراض ذاتها, أي إقامة دولة فلسطينية, ولكن هذه المرة على يد إرهابيين يهود.
تبحث هذه الدراسة في الأنشطة التي قامت بها المنظمات "الإرهابية" اليهودية ضد سلطات الانتداب البريطاني والدول العربية" التابعة لها" في سياق مساعي هذه المنظمات لإقامة دولة يهودية, عبر ثلاث مسارات تحقيبية متماثلة قليلاً أو كثيراً لجماعات عسكرية وشبه عسكرية، وطرائق تنظيمها، وفلسفة قيادتها و الإجراءات التي أجبرت بريطانيا العظمى في النهاية على الخضوع للمطالب الصهيونية بإقامة دولة يهودية في فلسطين, ولما كان لهذا الإرهاب اليهودي و الفلسفات التي تقف وراءه من أهمية و تأثير على الأهداف الصهيونية, فضلاً عن المنحى الذي بدى أن الشرق الأوسط يسير فيه منذ وصول الليكود بقيادة زعيم تنظيم إرهابي سابق هو مناحيم بيغن إلى السلطة في إسرائيل.
و هذه المنظمات هي: الهاغانا[ بمعنى الدفاعהגנה ], والبلماخ [أو البلماح: פלמ"ח اختصارا لعبارة "فلوجوت ماحتس" פלוגות מחץ بمعنى سرايا الصاعقة]، والإرغون [ أو إتسل: ארגון؛ :הארגון הצבאי הלאומי בארץ ישראל، أي: المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل، وتلفظ: إرغون تسفائي لئومي] وعصابة شتيرن[ على اسم مؤسسها اليهودي البولندي أبراهام "يائير" شتيرن وتعرف باسم ليحي לח"י اختصاراً لعبارة لوحامي حيروت إسرائيل לוחמי חרות ישראל بمعنى المقاتلون من أجل حرية إسرائيل] .
لم تبدأ الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1948 , فلو وضعنا في حسباننا درجة معقول من الإدراك المتأخر نسبياً , يمكننا رؤية بداية هذه الحرب مع الغزو الروماني ليهوذا في القرن الميلادي الأولو ما تبعه لاحقاً من تشتت لليهود في العالم .وقد حافظ يهود "الشتات"، أو الأمة المتناثرة كما يطلق عليهم، على أنفسهم كمجتمعات خاصة منفصلة، حيث كان ينظر لهم كمنبوذين في كل دولة ظهروا فيها, فلم يسمح لهم المشاركة في الحياة العامة ولم يمنحوا وضعاً متماسكاً لإدارة شؤونهم السياسية والدينية والاقتصادية إذ لطالما كان يتم نفيهم من حين لآخر في غالبية الدول الأوروبية (1) . وفشل اليهود حتى في أوروبا المتحررة في القرن التاسع عشر في أن يتم استيعابهم كبولنديين، وروس ، وإنجليزي و فرنسيين، بل بقوا يهوداً. ورغم طيلة زمن الشتات, لم يتنازل اليهود عن مطالبهم بالأرض المقدسة. و لعل ما هو أكثر دلالة على روابطهم بفلسطين هي كلمات صلاة الختام في احتفالات عيد الفصح" العام المقبل في أورشليم", وعلى الرغم من أن اليهود عادوا إلى التوطن في فلسطين منذ أوائل القرن الرابع عشر الميلادي, إلا أن هؤلاء في معظمهم لم يكن أدنى اهتمام في الشأن السياسي, فأعدادهم كانت قليلة بصورة عامة و كانت هجرتهم بدوافع روحية بالدرجة الأولى (2). وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا الغربية تحرر نفسها في القرن التاسع عشر، دفعت "مذابح اليهود pogroms " في روسيا و أوروبا الشرقية إلى هجرتهم باتجاه الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. ودفع الاضطهاد الواسع في ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى إنشاء "أندية" اجتماعية يهودية لتخفيف الحالة الصعبة التي تعيشها الجاليات اليهودية في بولندة و روسيا. و أول هذه الأندية ما يعرف باسم "أحباء صهيون"[حوفيفي تسيون חובבי ציון] الذي دعا للهجرة إلى فلسطين هرباً من الاضطهاد الروسي(3) . ولكن عدد قليل من اليهود الروس استجاب لهذه الدعوات و استقر في الأراضي المقدسة. فكانت ريشون لتسيون من أولى المستوطنات القليلة التي أنشأت سنة 1882(4) [ريشون لتصيون ראשון לציון , بمعنى"أنا قلت أولاً لصهيون"، والعبارة مأخوذة من سفر إشعيا 41 : 27 "27 أَنَا أَوَّلًا قُلْتُ لِصِهْيَوْنَ: هَا! هَا هُمْ. وَلأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ مُبَشِّرًا."]. غير أن التسيس الحديث للحركة الصهيونية أتى على يد اليهودي من أصول هنغارية ثيودور هرتزل الذي نشر كتابه دولة اليهود سنة 1895, والذي يعد بحق جوهر الصهيونية السياسية, وصل هرتزل إلى قناعة باستحالة حدوث اندماج مقنع لليهودي في الحياة الأوروبية بسبب تفشي معاداة السامية على إثر محاكمة الضابط ألفريد درايفوس. وقد أدركت الجاليات اليهودية من خلال ما كتبه هرتزل بأن الاضطهاد سيكون مصيرهم طالما هم أمة بلا دولة (لم ينظر هرتزل إلى فلسطين كمكان وحيد لهذه الدولة، بل تقترح أمكنة أخرى مثل الأرجنتين). أثار كتاب دولة اليهود الكثير من النقاش حوله، وفي العام 1897، عقد هرتزل المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل بسويسرا حيث تشكلت أسس المنظمة الصهيونية العالمية بغية" إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام "(5). و كتب هرتزل بعد المؤتمر"... أوجدتُ الدولة اليهودية في بازل. ولو قلت اليوم مثل هذا الكلام فسوف أقابل بموجة صحك و سخرية عالية, ولكن ربما خلال خمس سنين ,و بالتأكيد خلال خمسين سنة سوف يرى الجميع هذه الدولة"(6). ومع بداية الحرب العالمية الأولى نمت حركة هرتزل وتتم إنشاء صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار Jewish Colonial Trustو الصندوق القومي اليهودي Jewish National Fund بهدف شراء الأراضي في فلسطين لاستيطان اليهود المهاجرين . غير أن الإنشاء الفعلي للدولة اليهودية في فلطين لم يكن واضحاً قبيل الحرب, بل كانت مسألة يكتنفها الكثير من الغموض. فلم يكن هناك ثمة "فلسطين". لقد قسم الحكام العثمانيون المنطقة بين ولايات بيروت و سوريا و سنجق القدس. و لم يكن "الباب العالي" في وارد النظر إلى خلق دولة جديدة يتم نحتها من أراضي الإمبراطورية على الرغم من إقرار الهجرة إلى فلسطين.
أدت مذابح العام 1905 في روسيا إلى هجرة العديد من الشباب الاشتراكي الثوري إلى الأراضي المقدسة. حيث أنشأ هؤلاء الوافدون الجدد ما يعرف بالهاشومير[ השומר, بمعنى الحارس] لأغراض الدفاع و حراسة مستوطناتهم من اللصوص المسلحين البدو (7).و باندلاع الحرب العالمية الأولى شدد العثمانيون من قبضتهم و سيطرتهم على المنطقة وتعرض الكثير من الصهاينة للاضطهاد و النفي بوصفهم مخربين. وتوقفت الهجرة في سياق سلسلة معقدة و مربكة و متضاربة من الاتفاقيات, ويعود سبب هذا الإرباك إلى الموقف البريطاني بالدرجة الأولى , فسبب سيطرة الحرب على العقل السياسي البريطاني , فقد وعدت بريطانيا بأن تكون المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية و بالأخص فلسطين من نصيب كل من العرب و اليهود و فرنسا, كما خصتها بنفسها أيضاً, مما تسبب في تفاقم وصعوبة الوضع وخلق حالة كبيرة من الاضطرابات مازالت تمور بها المنطقة حتى يومنا هذا. فأولاً, أشارت مراسلات حسين-مكماهون( 1915-1916 بين السير هنري مكماهون، المفوض السامي البريطاني لمصر وشريف مكة حسين بن علي )، إلى شروط دخول العرب في الحرب العالمية كحلفاء لبريطانيا العظمى[ ضد الدولة العثمانية] و ثانياً وافقت بريطانيا, بموجب اتفاقية سايكس-بيكو في ربيع العام 1916 على تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ أو سيطرة روسية و فرنسية و بريطانية و عربية, و بالأساس كان هذا الاتفاق سرياً إلى أن قام البلاشفة بنشره مع غيره من معاهدات القيصر السرية عندما استولوا على السلطة في روسيا, وثالثاً أصدرت بريطانيا إعلان [وعد] بلفور سنة 1917 ( وهو عبارة عن رسالة إلى اللورد روتشيلد من اللورد آرثر جيمس بلفور باسم وزارة الخارجية البريطانية) يظهر فيه الموافقة البريطانية على " تأسيس وطن قومي للشعب اليهود في فلسطين , على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية و الدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين"(8). كانت مراسلات حسين مكماهون وثيقة الصلة ببروتوكول أو ميثاق دمشق الصادر سنة 1915 المقدم لزعماء الحركة القومية العربية: حزبي العهد و العربية الفتاة[ من قبل فيصل بن الشريف حسين] ويحدد المصطلحات التي سيتم بموجبها تعاون القادة العرب مع بريطانيا الظمى ضد الدولة العثمانية, وجاء في نصه" أن تعترف بريطانيا باستقلال البلاد العربية ضمن الحدود التي تبدأ شمالاً بخط مرسين أضنة الموازي للدرجة 37 شمالاً ممتداً على بيره جيك [ يطلق عليها العرب اسم بيريه] أورفة و ماردين و طور عابدين و جزيرة ابن عمر و العمادية فخدود فارس, وشرقاً من حدود إيران حتى الخليج, وجنوباً المحيط الهندي ماعدا عدن( التي ينبغي الحفاظ على وضعها), و غرباً البحر الأحمر و البحر المتوسط حتى مرسين . و إلغاء الامتيازات الأجنبية, وإبرام تحالف دفاعي بين بريطانيا و الدولة العربية المستقلة, ومنح بريطانيا الأفضلية في الشؤون الاقتصادية" (9). وقد عدّلت مراسلات حسين-مكماهون هذه الحدود على النحو التالي:" إن مقاطعات مرسين و إسكندرون و بعض الأجزاء من سوريا التي تقع إلى الغرب من دمشق , حمص و حماة و حلب لا يمكن القول عنها عربية خالصة و يجب أن تستثنى عند ترسيم الحدود المقترحة ...وعذا يعني أن بريطانيا العظمى على استعداد للاعتراف باستقلال العرب و دعمهم في المناطق الواقعة داخل الحدود التي اقترحها شريف مكة مع مراعاة التعديلات المذكورة أعلاه"(10). و تشير هذه الوثائق, تبعاً إلى من وُجّهت له, إلى وعد بأن تكون الأراضي المقدسة من نصيب:
أ) العرب( كما في رسائل ماكماهون ، 1915-1916 )
ب) فرنسا و بريطانيا (كما في سايكس بيكو ، 1916)
ج) اليهود وفقاً لإعلان بلفور 1917 .
ومازال الصراع على "الحق الشرعي" مستمرا حتى هذا التاريخ.
كان من عواقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وما تلاها من اتفاقات مبرمة في مؤتمر سان ريمو سنة 1920، أن أعطيت بريطانيا العظمى السيطرة على فلسطين بموجب صك الانتداب من قبل مؤسسي عصبة الأمم في 24 تموز-يوليو 1922. جاء في المادة الثانية من صك الانتداب على أنه يقع على عاتق السلطات البريطانية مسؤولية "وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وفقا لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك وترقية مؤسسات الحكم الذاتي، وتكون مسؤولة أيضا عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين."(11). و بسبب العديد من العوامل, بما فيها الإحباط وازدواجية التعامل البريطاني مع الشريف حسين, شن الفلسطينيون العرب عدة هجمات على السكان اليهود الذين تضاعف عددهم في فلسطين منذ مطلع القرن و حتى نهاية الحرب العلمية الأولى( بلغ عددهم حوالي40 ألف في العام 1900, ووصل ما بين 67 ألف إلى 85 ألف سنة 1917 ) (12). وكان لإعلان بلفور تأثر واضح, فمن جهة زادت نسبة الهجرة اليهودية إلى البلاد و من جهة أدى هذا إلى نفور العرب من السياسة البريطانية, فقام العرب سنة 1920 بمهاجمة اليهود في القدس, و تكررت الهجمات في الأعوام 1921, 1929, 1930, حيث تعرض اليهود في مدينة يافا إلى هجمات متعددة على يد لصوص عرب. لقد شعر العرب بخيانة بريطانيا التي لم تدرك قوة القومية العربية الآخذة في الصعود, حين أصبحت القومية العربية, قوة كبيرة بحد ذاتها, ومنتظمة ضمن الإرث والتقاليد التركية عبر جمعيات سرية مثل " العهد" و " الفتاة"(وهما الجمعيتان اللتان كانتا وراء ميثاق دمشق). وقد أظهر العرب عدائهما للبريطانيين و عملائهم اليهود. ومن جهة أخرى, كان الرأي العام اليهودي فيما يتعلق بالانتداب ينظر إلى الإدارة البريطانية بوصفها إدارة مؤيدة للعرب, وقد وجد البريطانيون أنفسهم, والحال هذه, في مأزق إذا لا يمكنهم الدفاع عن اليهود دون جعل الدول العربية تشعر بالنفور من السياسة البريطانية في فلسطين, وكانت الرؤية الصهيونية ترى أن اتفاقيات ووثائق 1914- 1917 منحت العرب سيادة على 99% من أراضي الشرق الأوسط, مع الأخذ بعين الاعتبار أن الـ 1% المتبقي يمثل فلسطين التي ستكون لصالح اليهود(13). وقد بدى واضحاً لبعض المؤلفين الصهاينة الاهتمام البريطاني بالشرق الأوسط" أراد البريطانيون أرض إسرائيل لأنها تقع في الطرق الشرقي للمتوسط, ولأنها مفترق طرق بين القارات الثلاث, وتسيطر على إحدى ضفتي قناة السويس وتقع على طريق الهند... و لأنها نقطة وصول طبيعية لأنابيب النفط العراقي و الفارسي"(14)." كانت السياسة البريطانية على استعداد لتقديم دعم مثالي عظيم يمكنّها من السيطرة على فلسطين دون أن تظهر كذلك. وما هو مثالي يقع في متناول اليد: اليهود الذين وعدهم الكتاب بأرض فلسطين, الذين تعرضوا للاضطهاد و يحتاجون إلى وطن, ما هو مثالي جذاب للغاية, وعد بريطانيا لليهود بفلسطين وطن لهم. ليس فلسطين كوطن، بل وطن في فلسطين. لكن ماذا لو أراد الكثير من اليهود الذهاب إلى فلسطين؟ حيث هناك الكثير من العرب ممن يثيرون المشاكل. وهكذا انبثقت الخطة, سوف “يتمرد" العرب عند الضرورة ضد "الغزو الأجنبي"؛ وسوف يكون اليهود على الدوام بمثابة أقلية مهددة وما على الحراب البريطانية سوى التدخل لحماية كل منهما من الآخر" (15). ويرى مؤلفون آخرون أن العنف العربي في ثلاثينيات القرن الماضي لا يمكن النظر له كرد فعل على الحكم البريطاني فحسب، ولكنه يحمل في طياته موقف من السياسة البريطانية لجهة توطين اليهود في فلسطين (16) . و تدل أعداد اليهود المتدفقين على فلسطين على ذلك ,فقد ازدادت الهجرة إلى البلاد في تلك الفترة بصورة كبيرة كما يلي :
العام عدد المهاجرين
1932 9553
1933 30327
1934 42359
1935 61458
(يضاف إليهم حوالي 22 ألف مهاجر غير شرعي خلال عامي 1932-1933. وتعزى الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين بسبب وصول هتلر إلى السلطة السياسية في ألمانيا في العام 1933.) (17).
تُوّجت موجة القومية العربية في الثورة العربية 1936 – 1939. والتي بدأت كاضطرابات متكررة وموجهة ضد سلطات الانتداب وضد اليهود في الوقت عينه(18). وقد شعر اليهود أنهم الطرف المتلقي لمعظم أعمال العنف( لا تدعم مثل هذا الادعاء أرقام الخسائر البريطانية.)
بدأت موجة العنف-حسب العديد- في العام 1936 إثر حادث يمكن اعتباره ضئيلاً, ففي 15 نيسان -أبريل 1936،تم قتل مهاجر يهودي يوناني على الطريق من نابلس إلى طولكرم على يد لصوص بدو.[ يقول المؤلف نصف الحقيقية أو حتى يغفل عن نصفها, فالثابت أن هذا الحادث قامت به مجموعة مسلحة " لا يمكن وصفهم باللصوص" بالقرب من عنبتا بين طولكرم و نابلس بقتل اثنين من المهاجرين اليهود و جرح ثالث كانوا في طريق عودتهم إلى تل أبيب, وفي اليوم التالي قتل عربيان على أيدي "الهاغاناه" في بيارة بالقرب من يافا، واشتد التوتر في منطقة يافا- تل ابيب، فوقعت صدامات عنيفة بين العرب واليهود خصوصاً في الأحياء المختلطة، وأحرقت عشرات البيوت والحوانيت، وقتل يهودي وجرح نحو خمسين. وبعد ثلاثة أيام من الصدامات سيطرت الحكومة البريطانية على الوضع وفرضت حظر التجول على المدينتين وجوارهما وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد، وأعلنت يافا الإضراب العام وتبعتها مدن وقرى فلسطين وبادر زعماء المدن والقرى على اختلاف مشاربهم وفئاتهم إلى إنشاء اللجان القومية وضمت هذه اللجان ممثلين عن جميع الأحزاب والطوائف والفئات.... المترجم]. تحولت جنازته[ أي القتيل اليهودي اليوناني] يوم 19 نيسان-أبريل إلى أعمال شغب طالت القدس و تل أبيب و أدت إلى مقتل ستة عشر يهوديًا وخمسة من العرب(19). و يزعم بن غوريون أن أعمال الشغب هذه اندلعت بتحريض من هتلر و موسوليني لتحويل الإنتباه عن الهجوم الإيطالي على إثيوبيا(20). كما يزعم أيضاً استغلال نيفيل تشامبرلين هذه الأحداث كذريعة لإلغاء وعد بلفور(21) . مع العلم أنه لم يتم ,بعد, ما يثبت صحة مثل هذه المزاعم . و يرى الصحفي الصهيوني صموئيل كاتز إن بريطانيا العظمى هي من حرضت العرب على ثورتهم سنة 1936 وهي من تحكم في مساراتها بعدم تعرض الحكم البريطاني الثابت للمخاطر, و يعزو ذلك إلى خوفها من فقدان نفوذها في فلسطين، بسبب تزايد الهجرة اليهودية من ألمانيا الهتلرية. ويشير كاتز إلى أن شعار الحركة العربية خلال تلك الفترة كان" الدولة معنا"(22), وهذا الادعاء أيضا لا أساس له من الصحة.
تسببت أعمال الشغب في إضراب عام دعت إليه يوم 25 نيسان-أبريل اللجنة العربية العليا برئاسة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني. كانت مطالب المضربين إنهاء الهجرة اليهودية؛ منع بيع الأراضي التي يملكها العرب لليهود؛ وتشكيل حكومة وطنية تمثيلية(23).ورغم توقف الإضراب عبر المفاوضات في تشرين أول-أكتوبر, إلا أن هذا لم يمنع من اندلاع العنف من جديد في العام 1937 عندما قامت لجنة بيل[ تعرف رسميا باسم اللجنة الملكية لفلسطين] بتقديم توصياتها بشأن التحقيق في أسباب أعمال الشغب سنة 1936.
فشلت بريطانيا -وفقاً للجنة بيل-في انتدابها على فلسطين، وكان من المستحيل أن يحقق الانتداب الأهداف التي قام من أجلها. وكانت الأسباب الأساسية للعنف والإضراب العام مرتبطة بالرغبة العربية في الاستقلال القومي، وكراهيتهم وخوفهم من تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين. علاوة على ذلك، أشارت اللجنة إلى عدم إمكانية التوافق بين الأهداف الرئيسية الثلاثة للانتداب ( تأسيس وطن قومي يهودي, حماية حقوق السكان, وإنشاء حكومة مستقلة), وبناء على ذلك أوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية(24).
أشعلت خطة التقسيم العنف العربي الذي استمر طوال العام 1938. ففي تلك السنة أعلن عن حوالي 5700 عمل إرهابي في البلاد أدت إلى مقتل 69 بريطانياً و 92 يهودياً و ما يربو على 486 مدنياً عربياً وقتل أكثر من 1000 من المتمردين(25). و مع نهاية العام 1938 , خفت حدة العنف، بسبب من القسوة والقمع الفعال الذي مارسه البريطانيون ضد الثوار و المدنيين, فضلاً عن تخليهم عن مشروع التقسيم الذي اقترحته لجنة بيل(26), وبهذا انتقل البريطانيون إلى العمل السياسي أكثر, ففي 17 أيار-مايو 1939, نشرت بريطانيا ما يعرف بالكتاب الأبيض الذي يلبي بصور أساسية مطالب العرب في:
1. الحد من الهجرة اليهودية لتصبح 15 ألف مهاجر سنوياً للسنوات الخمس المقبلة ،و ستتوقف بعدها تماماً ما لم يوافق العرب على زيادة الهجرة.
2. منع شراء الأراضي من قبل اليهود في بعض المناطق، وتقييدها في مناطق أخرى.
3 - إقامة دولة فلسطينية في غضون 10 سنوات (27).
ولما بدى من الواضح نوايا بريطانيا في فرض بنود الكتاب الأبيض انفجر العنف اليهودي, فهاجم المقاتلون اليهود الإدارة البريطانية في طول فلسطين و عرضها. وكان سقوط فرنسا في أيار -مايو 1940 هو ما أجهض ثورة يهودية, فقد أصبحت هزيمة هتلر ذات أهمية قصوى. وأعلن عن ذلك بن غوريون معبراً عن موقف الوكالة اليهودية: "يحدث أن يكون يهود فلسطين هم المجتمع الوحيد في الشرق الأوسط الذي يرتبط بقاءه بهزيمة هتلر. يجب علينا خوض الحرب كما لو لم يكن هناك كتاباً أبيضاً. ويجب علينا خوض الحرب ضد الكتاب الأبيض كما لو لم تكن هناك حرب" (28).
يسمح هذا المخطط الموجز لفلسطين الانتدابية في البدء في دراسة أكثر عمقا عن الفترة ما بين الحربين والبحث في ظروف إنشاء الجماعات المقاتلة اليهودية الثلاث : الهاغانا، الأرغون ، وعصابة شتيرن.
..................
ملاحظات
عنوان الكتاب:Jewish: Zionist terrorism and the establishment of Israel, First published 1977
المؤلف: Peeke, John Louis
الناشر:Calhoun: The NPS Institutional Archive DSpace Repository
http://hdl.handle.net/10945/18177. Downloaded from NPS Archive: Calhoun
المترجم: محمود الصباغ
.................
المراجع
1 Peretz, Don, The Middle East Today, 2d Ed., p. 245, Holt, Rhinehart and Winston, New York, 1971.
2 Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History, Vol. II, p. 768, Doubleday, New York, 1975.
3 Peretz, p. 247.
4 Ibid.
5 Ibid, p. 249.
6 Cohen, Israel, The Zionist Movement, p. 78, New York, 1945.
7Asprey, p. 7 0.
8 Laqueur, Walter, (ed.), The Arab-Israeli Reader, 3d Ed., p. 17, Bantam Books, New York, 1976.
9 Antonius, George, The Arab Awakening, p. 157, Putnam, New York, 1946.
10 Ibid, p. 170.
11 Laqueur, p. 3 5
12 Asprey, p. 768.
13Frank, Gerold, The Deed, p. 46, Simon and Schuster, New York, 1963.
14 Begin, Menachem, The Revolt: Story of the Irgun, p. 30, Shuman, New York, 1951.
15 Ibid, p. 31.
16 Center for Research in Social Systems, Challenge and Response in Internal Conflict, Volume II: The Experience in Europe and the Middle East, p. 59, The American University, Washington, D.C., 1967
17 Ibid, p. 59.
18 Hyamson, Albert Montefiore, Palestine Under the Mandate,1920-1948, p. 136, Methuen, London, 1950.
19Center for Research in Social Systems, p. 67.
20Ben-Gurion, David, Israel: A Personal History, p. 47, Funk and Wagnalls, New York, 1971.
21Ibid.
22Katz, Samuel, Days of Fire, p. 8, Doubleday, New York, 196!
23 Center for Research in Social Systems, p. 68.
24Hyamson, p. 13 8.
25Center for Research in Social Systems, p. 61
26 Hyamson, p. 143.
27Asprey, p. 769.
28 Litvinoff, Barnet, To the House of Their Fathers: A History of Zionism, p. 223, Praeger Press, 1965.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين الصهيونية: بين مجتمع مستوطنين ووطن قديم لشعب جديد : ا ...
- تلك اللحظة التي هرمنا من أجلها
- حلم ثورة لم تأت : The Company You Keep
- متعة كاهن
- الإثنية واليهودية والتراث الثقافي لفلسطين
- -يوروفيجين- تل أبيب و- بصل الخطايا-
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرءيل القديمة(7 ...
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرءيل القديمة(6 ...
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرءيل القديمة(5 ...
- ربيع الشام و الحرب على السوريين
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(4)
- تمرين في الاقتصاد: متلازمة بومول
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(3)
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(2)
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(1)
- علم الآثار السياسي و النزعة القومية المقدسة(5)
- علم الآثار السياسي و النزعة القومية المقدسة(4)
- Il Postino ساعي بريد نيرودا: مجاز الوعد بوصفه خذلان
- علم الآثار السياسي و النزعة القومية المقدسة(3)
- علم الآثار السياسي و النزعة القومية المقدسة(2)


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الإرهاب اليهودي-الصهيوني و قيام دولة إسرائيل(1)