أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الفرفار العياشي - اللغة العامية وصناعة الفوضى















المزيد.....

اللغة العامية وصناعة الفوضى


الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)


الحوار المتمدن-العدد: 6261 - 2019 / 6 / 15 - 01:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين يترافع دعاة ادماج اللغة العامية او بعضا منها في المقررات الدراسية بدعوى احترام خصوصية الطفل و الدفاع عن اللغات المحلية فهو طرح يتغذى من مرجعيات فلسفة ما بعد الحداثة التي اجتاحت اوربا بعد الحرب العالمية الثانية كموجة احتجاج على الحرب و على مسار ومنتوج العقلانية التي انتجت اسلحة دمار شامل .
منطق فلسفة ما بعد الحداثة هو الخروج عن المنطق و معاداة العقل و تدمير للنظام و الغاء مركزية المفاهيم و عدم قدرتها على فهم العالم , هي فلسفة تتبنى رؤية جديدة تقوم على تغييب المعنى وتقويض العقل والمنطق والنظام والانسجام و الدعوة الى في المجتمع.
فادماج اللهجات في المقررات الدراسية هو تصور مؤسس على خلفيات نظرية و فلسفية في غاية الخطورة باعتبارها نزعة لتشتيت و التقسيم وتنمية الصراع و الهدم و التخريب بدعوى الانحياز و الترافع عن المحلي و عن هوية التلميذ و لغته المحمولة معها .
ادماج اللغة العامية- و بغض النظر عن النواقص البيداغوجية و الديداكتيكية – وهو مشروع نظري ينتمي الى الفضاء الفكري المابعد – الحداثة و الذي يرفض اقامة النظام و يدعو الى الخروج عنه , و تاسيس مجال للفوضى من خلال الاحتفاء بالتعددية و تمجيد الاختلاف و التشظي و التجزيئ و تفكيك النظام القائم لاسيما النظام اللغوي الذي يقود الى تشتيت النظام الاجتماعي و السياسي .
فالخروج عن اللغة العربية هو خروج عن الوحدة و عن النظام و عن القواعد المشتركة المنتجة للمعنى و المؤسسة لتواصل جيد , لان ا لتواصل مؤسس على مقاسمة المعنى و الاشتراك فيه أي الاشتراك في نفس مرجعية الفهم , فكيف يتم التواصل في وجود دلالات و متناقضة و مفاهيم غير موحدة . اختلاف المفاهيم يقود الى اللاتواصل الذي ينتج العنف ؟ يمكن استحضار سياق مسرحية الدرس ليوجين يونيسكو حيت استاد يقتل تلميذه لانه لم تقبل ان السكين تقتل بعد ان تشبتت بموقفها ان السكين لتقشير البطاطس ؟؟؟
ان اللغات العامية تقود الى اللاتواصل الذي يؤدي الى البلبلة و الصراع تم انتاج العنف , المفكر عبد الفتاح كيلطو في مؤلفه لسان ادم يعتبر ان اختلاف اللغات البشرية سبب ضعف , و ان التعدد و الشتات اللغوي يؤدي الى الفوضى , حيت يستعرض حكاية برج بابل و يؤكد انه : قبل الحكم البابلي كان البشر يتكلمون لغة واحدة , و بالتالي وحدة اللغة تنتج قوة و هيمنة فقرر البابليون بناء برج يصل الى السماء و وتحويل بابل من إنسان إلى اله , و بحسب الانجيل نزل الرب ليرى البرج ويعاقب البابليين على جراتهم و الرغبة في تغيير طبيعة البشر و التحول الى الهة , فكانت العقوبة هي تشتيت جهودهم و اختلافهم و انتشرت البلبلة بينهم نتيجة ببلبلة لغتهم أي اختلاف السنتهم حتى لا يفهم بعضهم بعضًا , و بالتالي تتشتت جهودهم وتحول اتحادهم الى تشتت وضعف . فالبلبلة نتيجة اختلاف اللغة وفق رؤية كيليطو الذي اعتبر الضعف الانساني مرتبط بتدبير فعل اللغة فحين تتوحد اللغة تقود لى القوة و حين تختلف اللغة و تتعدد الالسن تحدث البلبلة التي تقود الى الفوضى و الصراع .
فسياق الدعوة الى ادراج اللغات العامية و بعض من مدلولاتها وهو خطاب ينتمي الى فلسفة اللامعنى أي محاولة تدمير العقل و المعنى و معاداة التجميع و الانسجام و التفكير و المنطق و الانحياز الى اللامعنى و الهامشي و المخفي و المستور و المحلي و المتنافر .
فالانحياز الى اللامعنى بدل المعنى هو انحياز للانظام و الفوضى , لنتوقف قليلا عند علاقة اللغة و النظام و ان الدفاع عن فكرة الخروج عن اللغة هو الخروج عن النظام , يمكن الاستئناس ببعض الامثلة من خلال اجراء مقارنة بين سلوك شخصين , الاول يجيد الحديث باللغة العربية نطقا ورسما و نحوا , احترام اللغة يعني الخضوع لسلطتها و لسلطة نظمها و قواعدها النحوية و الصرفية و التركيبية و الاملائية وهو ما يقود الى حتمية لغوية أي ان هذا الشخص لا يستطيع التحرر من سلطة اللغة , و حتى ان حاول الخروج عنها فالامر لايكون تمردا انما يسميه رولان بارت بخيانة اللغة أي الابداع عن طريق انتاج معاني جديدة بتوظيف المجاز و الاستعارة و كل الاساليب و الاليات اللغوية التي تنتج معاني فوق لغوية / اللغة الساحرة و هنا نتحدث عن سحر و جمال اللغة . فالادب هو خيانة اللغة و ليس الخرج عن طاعتها .
الشخص الذي يحترم اللغة و يقيم في فضائها و يحترم قواعدها هو كائن لغوي نظامي سيتاثر سلوكه اليومي بسلوكه اللغوي , حيت يتصرف وفق منطق خاص ومنظم يعادي الفوضى و العشوائية حيت يحترم علامات المرور كما يحترم علامات الترقيم , فالنظام اللغوي يقود الى النظام السلوكي و الاجتماعي .
و بالمقابل الشخص الذي يتكلم لغة او لهجة بدون التقيد بمفاهيمها و قواعدها و يمارس تمردا عليها حيت تصبح الارقام حروفا الرقم 3 يعني حرف العين بشكل مجرد , معناه ان هذا الشخص يتصرف بمنطق عشوائي و لا يملك نظاما لغويا يقيم فيه و يضبط فيه سلوكه و هو ما ينتج سلوكات طائشة وعشوائية منفلتة و بالمحصلة نكون امام واقع منفلت يصعب ضبطه و التحكم فيه , واقع ملئ بكائنات تعيش على الفوضى و بالفوضى و هو ما نلاحظ مؤشرات و بشكل مكثف في الفضاء الاجتماعي من خلال مظاهر اللباس و نوع الحلاقة و طريقة التواصل و انواع الغناء و كل مظاهر السلوك اليومي , فالامر يقود بلاشك الى حالة اختفاء العقلانية و قيمها من الفضاء العام وهو مؤشر خطير يهدد السلم الاجتماعي والسياسي المؤسس على قيم النظام و الانضباط و ليس على قيم الفوضى .
لذا فالدعوة الى اللهجات و التمرد على اللغة العربية هو تمرد على الوحدة و العقل و المعنى و هو بداية الطريق نحو الفوضى و الكاووس .
الامر الاكثر غرابة ان مدير المناهج خرج بتصريح ان عدد الكلمات الموظفة في المقررات محددة و لا تشكل تاثيرا على روح و اهداف المقرر ؟؟
غريب فعلا , ان يقول مسؤول وفي موقع حساس مثل هذا الكلام الذي يعكس الجهل المطلق بحقيقة الاشياء و بخلفياتها .
ربما السيد المدير ما زال يعيش في القرن التاسع عشر و لم يستوعب التطورات المتسارعة على مستوى النظريات العلمية و لم يمسع بنظرية الفوضى و رفرفة جناح الفراشة في مجال علم المناخ المستمدة من الفيزياء و من رياضيات بوانكاريه , لان فالاشياء الصغير ة المهملة قد تقود الى نتائج غير متوقعة و ربما مدمرة .
وهي نظرية في علم المناخ للباحث لورينز و اذي اعتبر ان رفرفة جناح بعوضة في مدغشقر مثلا قد تحدث اعصارا مدمرا في امريكا او في اليابان .
هذه النظرية في علم المناخ استمدت اسسها النظرية من رياضيات بوانكاريه الذي اعتبر ان إن الوضع النهائي لأي جسم يعتمد اعتمادًا حساسًا جدًا على وضعه في البداية و ان الجزئيات هي من تحدد مسار الامور الكبيرة .
بمعنى ان الارقام الصغيرة المهملة في الحساب قد تؤدي الى نتائج هائلة , بهذا المعنى فان التغيير و لربما المدمر لا يرتبط فقط بادماج عدد كبير من المفاهيم و العبارات الدراجة بقدر ما يكون التغيير مدمرا بعدد قليل فقط .
حين سمعت تصريح مدير المناهج توقفت عن الاستغراب , فكيف نطالب من لا يعرف ان يحدد المقومات القبلية لشروط المعرفة بالمدرسة العمومية



#الفرفار_العياشي (هاشتاغ)       Elfarfar_Elayachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشغل و الشرط الانساني : مقاربة فلسفية
- اللامعقول و اللامل : تأمل اجتماعي في مظاهر الهشاشة الاجتماعي ...
- الهيدورة حين يصبح الثرات قمامة : تأمل سوسيولوجي
- الزواج و البقر : دراسة مقارنة في النسق الثقافي بين منطقتي قب ...
- ساخبر الله بكل شئ !
- زواج الكونترا : التجارة الممنوعة !
- الحق : مقاربة فلسفية
- مفهوم المجتمع المدني : بين هيجل وماركس
- الشباب و الهوية السائلة
- الطريق الى السعادة ! رؤية من داخل الفكر الاسلامي .
- الحقيقة ! ماذا يخفي هذا المفهوم ؟
- السياسة و الحجاب .
- الصفقة مع الشيطان
- واقعة جمعة اسحيم: عنف العنف ؟
- الانا و الاخر : مسارات الائتلاف و الاختلاف .
- منازل نظيفة و شوارع متسخة : مفارقة بين ما نملك و ما لا نملك ...
- ضابط و مواطن: حكاية في زمن الحكرة !
- الصفير لا يليق بك ؟
- داعش : الهة النار الجدد
- جاك بيرك : من اجل فك العزلة عن الاسلام


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الفرفار العياشي - اللغة العامية وصناعة الفوضى