أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بنية الإنسان المكبوت في مسرحية - الصفعة - لإيخون فان إنكْ: التلاقح بين نص عراقي ورؤية إخراجية هولندية















المزيد.....

بنية الإنسان المكبوت في مسرحية - الصفعة - لإيخون فان إنكْ: التلاقح بين نص عراقي ورؤية إخراجية هولندية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1541 - 2006 / 5 / 5 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


حقق مشروع " حوار الثقافات " الذي تبنته بلدية لاهاي العام الماضي نجاحاً معقولاً في البدء بفكرة التلاقح بين الثقافات العالمية المتعددة التي تحيا وتتواصل في كنف المجتمع الهولندي المتسامح. وتتلخص فكرة المشروع في أن يقوم مخرج أجنبي بإخراج نص مسرحي لمؤلف هولندي، وأن يقوم مخرج هولندي بإخراج نص مسرحي لكاتب أجنبي. وفي العام الماضي قام المخرج العراقي رسول الصغير بتقديم مسرحية " فاقد الصلاحية " للكاتب المسرحي الهولندي خير تايس، وبالمقابل قام المخرج الهولندي إيخون فان إنكْ بإخراج مسرحية " الجنّي " للكاتب المسرحي العراقي فلاح شاكر. وفي برنامج هذا العام تم إختيار المخرج المغربي مجيد شكري لإخراج مسرحية " مجهول الإقامة " للكاتبة الهولندية مونيك كرامر، بينما أسندت مسرحية " الصفعة " وهي من تأليف الكاتب العراقي صلاح حسن، إلى المخرج الهولندي إيخون فان إنكْ الذي نجح في تقديم هذا النص المسرحي على وفق رؤيته الأوروبية بعد أن إستوعب النص الاصلي، وأدرك تفاصيله كلها، ولامس أسراره العميقة التي لا يلتقطها إلا منْ توفر على خبرة بالجانب النفسي للشخصية الشرقية التي تتخندق خلف قيم ومعايير إسلامية. ويبدو أن المخرج إيخون فان إنكْ لا يميل كثيراً إلى الإلتزام بالنص الأصلي، الذي كان قوياً ومحبوكاً وواضحاً، وإنما حاول تفجير بعض جوانبه، والإنحراف به صوب الجهة التي يعتقد أنها تخدم رؤيته الإخراجية التي تنسجم مع مرجعيته الأوروبية.
بنية الشخصية المقهورة
لا شك في أن النص مكتوب بنَفَسٍ تقليدي يحاكي فيه الأنماط الكلاسيكية التي تتصف بأسلوبها الجزل، ومعالجتها الفنية الرصينة، غير أن هذا النص يتميز عن تلك الأنماط القديمة في معالجته لجوانب نفسية شديدة التعقيد، ويطرح من جانب آخر الفهم الملتبس والخاطئ لمفهوم الحرية الشخصية التي يقدسها الأوروبيون على وفق خلفيتهم الثقافية، والتي أصبحت فخاً للجاليات الأجنبية التي وفدت إلى البلدان الأوروبية، وتخلّقت بأخلاق المواطنين الأصليين. وفي مسرحية " الصفعة " ثمة شخصية رئيسة تهيمن على مسار النص، وتتسيّد فيه على الشخصيات الأخر التي أصبحت مجرد صدى لبوحها، وتوترها، وإنفعالاتها الدائمة ضمن سياق التصعيد الدرامي، فهناك زوجها الذي قرر أن يهجرها أول الأمر، ثم يطلقها لاحقاً " لأنه صفعها ذات يوم حينما إنتابتها نوبة هستيرية، فقد أراد أن يعيد لها صوابها، ولكن النتيجة جاءت معكوسة، إذ شعرت بالألم والإهانة، ومنذ تلك اللحظة وهي فاقدة لصوابها " ويختتم المؤلف نصه المسرحي بمفارقة فنية جميلة تكشف عن حرفته في الكتابة حينما تقول البطلة على لسانها " لقد تعاملت معه بمنتهى القسوة ..طعنته في كرامته ..أريده ان يصفعني كي يعيد لي صوابي.". ثمة مستوىً آخر في هذا النص يمكن تتبّعه وقراءته لأنه يكشف عن الجوانب الأخر التي تغذّي نسيج النص، وتقوّي من بنيته المعمارية. فحينما تفض رسالة زوجها تقرأ التهديد الكامن في سطورها "المرأة التي يهجرها زوجها تُعَد في نظر الاخرين امرأة ساقطة "، ولكن هل تبدو هذه المرأة المترفة، في معالمها الخارجية في الأقل، امرأة مهجورة حقاً؟ فهي جميلة حقاً، وتتزين كل يوم، وترقص أمام المرآة، وقد أصبحت جميلة وثرية وناجحة يغار منها الأهل والأصدقاء، ولم يتبقَ من علاقة زوجها على مدى عشر سنوات سوى ذكريات جميلة محدودة. فقد كان مدمناً على الخمر، ومنقطع لملذاته الشخصية، ولم يفكر بزوجته وأطفاله ألبتة، بل بالعكس كان غبياً في نظرها لأنه قال ذات مرة بأن الحرب غير عادلة فزجوه في السجن، وأوسعوه ضرباً، وكانت هي الكائن الوحيد الذي يضحي من أجله، ويزوره في السجن، بل وأكثر من ذلك فلقد طُردت من وظيفتها بسببه لأنه أراد أن يكون بطلاً، وغادرت العراق لأجله، وتحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق، والآن يريد أن يهجرها أولاً، ثم يطلقها، وهي لا تريد أن يقال عنها إنها امرأة مطلّقة، فثمة أقاويل ستتفجر لاحقاً عن مرحلة ما بعد الطلاق. لم يقتصر الإستدعاء على الزوج حسب، وإنما يتعداه إلى أطفالها وأمها وبعض الصديقات اللواتي يحسدنها، ويغرن من جمالها وترفها وأنوثتها. وفي الوقت الذي تصفه بالرجل المدمن، والمريض، والمجنون، والمحطّم الذي تطرده القوانين الأوروبية الصارمة من منزل الزوجية، نراها تعود في لحظة صحو لتعترف بأن سوء فهمها للحرية قد حطّم حياتها، وحولها إلى سلسلة من الأكاذيب والإفتراءات. غير أن الصراعات والتناقضات تحتدم في داخلها بعد أن إستسلمت لتيار " الحرية " الجارف بحيث وصلت بها رغبة الإنتقام من زوجها إلى أن تنام مع رجل آخر، ولم تشعر بالندم، بحجة أنه كان يخونها مع امرأة هولندية، وأنه هو الذي حرمها من أهلها وذويها ووطنها، وجاء بها إلى المنفى البعيد ليتركها تعيش في وحدة قاتلة، ثم يطلقها في نهاية الأمر. ومن جملة تناقضات هذه الشخصية أنها كانت تشعر بالذنب وتأنيب الضمير، لذلك كانت تتوسل بأمها في بعض المواقف لأنها إرتكبت العديد من الحماقات والأخطاء التي لا تغتفر بالنسبة للمرأة الشرقية، وأكثر من ذلك فإنها خسرت زوجها، وأولادها، كما خسرت نفسها في نهاية المطاف، لأنها حمّلت زوجها كل الأخطاء التي إرتكبتها، في حين أن زوجها لم يكن هو السبب الأول والأخير في إرتكابها للأخطاء، وإقترافها للعديد من الذنوب. وضمن سياق النص يسلّط الكاتب الضوء على طبيعة الحرية الموجودة في المجتمعات الأوروبية التي لا يتسيّد فيها الذكر على الأنثى لأسباب عديدة منها الإستقلال الإقتصادي، والحرية الشخصية للمرأة والتي لا يستطيع أن ينتهكها زوج قادم من بلدان العالم الثالث يعيش الآن في مجتمع متعدد الخيارات. ثم يتوقف الكاتب عند سلسلة الأشياء التي كانت محظورة على المرأة هناك، وأصبحت متاحة لها في هذا المجتمع الجديد الذي لا تكبلة المحظورات، والمحرمات، والأعراف الصارمة، بل بالعكس يوفّر لها حماية مطلقة من العنف المنزلي. وربما كانت مشكلتها الحقيقة هو شعورها بالإهانة والإنحطاط حينما ضربها زوجها أول مرة، فلقد حطّم في داخلها شيئاً ما عندما أهانها بين ظهرني المجتمع الجديد الذي يصون حقوقها، ويجعلها تتمرد على قيمه وتقاليده وثقافته. ولأن زوجها أقوى منها بدنياً فلم تستطع أن ترد له الصاع بالصاع لذلك لجأت إلى طعنه في كرامته كي تتخلص من الهاجس اللعين الذي إستبد بها. لقد نامت مع رجل آخر، وأحست بنوع من الراحة واللذة الغريبة التي جعلتها تشعر بأن زوجها ضئيل ومخدوع، وسيء الصيت والسمعة.
المعالجة الإخراجية
لم يتبنَ المخرج نص الكاتب صلاح حسن كما ورد في مخطوطة العمل، بل أدخل عليه تعديلات جوهرية نقلته إلى حيّز النص النفسي الإشكالي. فمنذ بدء العرض إكتشفنا أن الشخصية الرئيسة في المسرحية والتي أدتها الفنانة الشابة " ييشيا دو سخيبر " قد إنشطرت إلى شخصيتين، فلا غرابة إذاً عندما كانت الشخصية الثانية، " روز فان در فيرف " والتي هي في الأساس جزء منشطر عن الأولى، أن تكرر كلمات الشخصية، وجملها، وتقلّد حركاتها وسكناتها، وتتساوق معها حتى في بعض الرقصات التي كسرت إيقاع العرض، وأنقذته من فرط النفس السردي الذي طغى عليه. وقد جسدت " ييشيا " عبر أدائها التعبيري المتقن هذه الشخصية العربية جاءت من دون إرادتها إلى مجتمع متفتح يقدس الحرية الشخصية، ووجدت نفسها وسط محنة نفسية كبيرة سببت لها العديد من الإشكالات لعل أبرزها أن هذه الحرية قد عزلتها عن زوجها وعائلتها وأطفالها، مثلما عزلتها عن بعض صديقاتها اللواتي ينظرن إليها بشك وريبة. ثم بدأت تفهم أن هذه الحرية الجديدة الزائدة عن الحد لا بد أن تكون لها أطر ومحددات تمنعها من ركوب الموجة، والإنزلاق مع التيار الذي يلبي رغباتها وغرائزها الحيوانية فقط. فالحرية من وجهة نظر المؤلف والمخرج معاً لا تعني أن الإنسان يستطيع أن يفعل أي شيء، والدليل أن هذه السيدة الشابة بدأت تتخاصم مع أولادها لأن ما كانت تفعله هو إنتقام أهوج من زوجها أكثر منه ممارسة لحريتها الفردية. فالحرية حتى بالمفهوم الغربي هي " أن تحترم الآخر، وألا تعتدي على حقوق الآخرين، وألا تسبب لهم آلاما " ثم تتفاقم أوضاعها النفسية حينما تشعر بأنها " قذرة ومنحطة إلى درجة بحيث أنها كانت تتمنى لو تستطيع العودة إلى حياتها السابقة. " ولكن السؤال المهم هنا هو: أستطيع حقاً العودة إلى إلى حياتها السابقة بعد أن خانته مع رجل آخر لمجرد الرغبة في التشفي والإنتقام؟ ". وتتوصل في النهاية إلى نتيجة مفادها بأن " كل الذنوب يمكن أن تغتفر إلا ذنب الخيانة ! " وهذا يعني أنها عادت إلى نقطة البداية من جديد. وها هي تتوسله لأن يصفعها من جديد علّها تعود إلى رشدها من جديد.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستذكارات - كاميران رؤوف: تتأرجح بين الأداء الكاريزماتي وتأج ...
- مُلوِّن في زمن الحرب لكاظم صالح ينتزع جائزة الجزيرة الخاصة: ...
- في شريط - قطع غيار - لجمال أمين: كائنات معطوبة، فقدت الأمل ب ...
- وفاة الكاتب الهولندي المثير للجدل خيرارد ريفه: موضوعاته المف ...
- الفيلم التسجيلي - السجين رقم 345 - والإنتهاكات المروّعة لحقو ...
- راشيل كوري.. ضمير امريكي ليحيي بركات: شريط تسجيلي يوثق لسياس ...
- مهرجان الجزيرة الدولي الثاني للإنتاج التلفزيوني يعلن عن: ولا ...
- إختتام الدورة الثانية لمهرجان الجزيرة الدولي للإنتاج التلفزي ...
- المخرج الأردني محمود المسّاد: تجربة التمثيل مهمة بالنسبة لي، ...
- في الدورة الثانية لمهرجان الجزيرة للإنتاج التلفزيوني
- مجلة المصير في عددها المزدوج الجديد: ملف خاص عن مهرجان روترد ...
- الأبعاد الرمزية وترحيل الدلالة في فيلم - أحلام - لمحمد الدرا ...
- عدد جديد من مجلة - الألوان الكونية - المتخصصة في الفن التشكي ...
- صدور العدد الثاني من مجلة سومر
- شريط - عراقيون وسينما - للمخرج خالد زهراو: محاولة لرسم معالم ...
- في فيلمه التسجيلي - السويس... الذاكرة المنسية -:المخرج أحمد ...
- الفنانة العراقية عفيفة العيبي في معرضها الجديد: هيمنة الفيكر ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي في فيلمها الروائي الثاني - نظر ...
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: أشعر بأننا لم يعد لدينا ما نر ...
- مذكرّات - وصمة عار - للباكستانية مختار ماي التي تعرضت للإغتص ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بنية الإنسان المكبوت في مسرحية - الصفعة - لإيخون فان إنكْ: التلاقح بين نص عراقي ورؤية إخراجية هولندية