أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيدي المولودي - الضريبة على القيمة المضافة للجسد















المزيد.....

الضريبة على القيمة المضافة للجسد


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 6248 - 2019 / 6 / 2 - 07:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ثمة أعراف وعادات، ما لم نقل عاهات، في مجتمعاتنا ترتبط غالبا بالتمثلات العقدية والدينية والسلوكيات المتصلة بها، وهي عادات مسيطرة ومتغلغلة داخل حركية العلاقات الاجتماعية وتتولى توجيهها بشكل رهيب، دون أن تخضع مع مرور الزمن لتقييم حقيقي وجذري لفاعليتها ونجاعتها، ومدى ملاءمتها لشروط وظروف الراهن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي نحياه، ومع استدامتها أصبحت بمثابة قوانين غير مكتوبة تطل منها التعاليم المعتقدية في موازاة أو مواجهة مع القوانين والتشريعات التي يعتمد عليها نظام المجتمع.
من هذه العادات ما يعرف بإخراج زكاة الفطر، وهو إجراء يفترض أن يقوم به الفرد المسلم مع انتهاء شهر الصيام، ليعلن انسلاخه عن مرحلة زمنية معينة طابعها الحرمان والجوع، واعتناقه لمرحلة جديدة يتحرر فيها من طقوس وشعائر هذا الحرمان، أي أنها مؤشر على انتقال خاص أشبه بطقس عبور يكون له مقابل أو ثمن يؤديه الفرد، والزكاة هي هذا الثمن أو المقابل، وبناء العبارة "زكاة الفطر" يؤدي هذا المعنى بشكل مباشر، بحيث يبدو وكأن الأمر يتعلق بثمن زمن الإفطار أو بضريبة أو جزية يجب على المسلم أن يؤديها مع انتهاء شهر الصيام لتسمح له بالانخراط أو الولوج في زمن الإفطار والانفكاك من سلطة القيود وأشكال الحظر والقهر التي عانى منها زمن الإمساك، وهو زمن يخضع فيه الجسد الإنساني لمعاناة خاصة قوامها الجوع المسترسل دون انقطاع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويتسلح بمقاومة الغرائز الغذائية والحاجات البيولوجية والعضوية الضرورية للوجود، والعملية في جوهرها طقس من طقوس التضحية البدائية أو على الأقل التدريب أو التمرين على آليات اكتساب القدرة على التحمل والتضحية بالنفس وأسباب الحياة.
و الواضح أن شهر الصيام يعتقل الجسد ويحاصره ويصادر كثيرا من مقوماته ورغباته وشهواته، وينسف كثيرا من امتداداته أو علاقاته مع ذاته ومع الآخرين ومع الطبيعة وموادها وأشيائها، والخروج من هذا الوضع والإقبال على الحياة يجب أن يكون له هذا الثمن زكاة الفطر، خاصة وأن ما يلفت النظر هنا هو أن هذه الزكاة لا تتماس أو تتقاطع في دلالتها مع مفهوم الزكاة الركن الإسلامي المعروف، والتي هي بمثابة ضريبة يؤديها الفرد على دخْله أو ممتلكاته كل حوْل أو عام، وفق حصة أو نسبة أو نصيب معلوم مما يملكه أو يكتسبه أو يكنزه من الأنعام والفضة والذهب وأنواع الثمار والزروع والغلال وما إلى ذلك، إذ إن زكاة الفطر لا تتعلق بالأموال أو الممتلكات وإنما هي ضريبة تؤدى عن البدن / الجسد ليتأتى له العبور من زمن الإمساك إلى زمن الإفطار ليتلذذ ويستمتع به، أي هي ثمن إطلاق سراحه وتحريره من كابوس المحظورات التي طوقت كيانه على مدى شهر كامل. ووجه أو مبرر تشريع أو فرض هذه الزكاة كما تشير المصادر الإخبارية هو تطهير الجسد من "اللغو والرفَث"، بمعنى أن الزكاة هنا هي ثمن عملية التطهير المتوهمة أو الاغتسال أو التعميد التي يخضع لها لضمان الانتقال والعبور السلس وضرورات التكيف مع زمن الحرية والانطلاق والإفطار. ومثلما الجسد مستهدف في كيانه ووجوده من خلال شهر الصيام والحرمان، فهو مستهدف كذلك عند نقطة العبور إلى ضفاف الإفطار، وأداء الضريبة/الثمن لا يستثني في هذه الحال أي جسد، جسد الحر، وجسد العبد، وجسد الذكر، وجسد الأنثى، وجسد الطفل الصغير، وجسد الكبير، بل حتى جسد الجنين الذي لم يولد بعد تؤدى عنه الضريبة ما دام أتم أربعين في بطن أمه ونفخت فيه الروح، وأبعد من هذا حتى جثة / جسد الميت الذي قضى نحبه قبل أداء الضريبة/ الزكاة تستخلص من تركته.
على هذا المستوى يمكن القول إن الصيام هو إدانة للجسد وكبح لمقوماته وعناصره ولمؤهلاته وقدراته ووظائفه الطبيعية والفطرية، وضريبة الإفطار هي كذلك إدانة له، و ومنْ ثمَّ تنهض بمهمة تطهيره من اللغو والرفث، وأي لغو وأي رفث والجسد كله أسير أو سجين شبكة ممنوعات ومحظورات تماهى معها شهرا كاملا لكبت رغباته وحاجاته وغرائزه المختلفة، وكأن مصادرة وحظر كل حقوقه الطبيعية ووظائفه العضوية خلال هذا الشهر ليست كافية لإرغامه على الالتزام أو الامتثال لمواصفات الجسد النموذجي الديني المفترض، أي أن السياق هنا ينبني على عدم الثقة في الجسد، فهو في كل الأحوال موطن الشبهات وليس بالمطلق بريئا، وفي تفسير اللغو تذكر المصادر أن اللغو هو كلام باطل ولا فائدة منه ، وهو ما لا يعتد به ولا تحصل منه فائدة أو نفع، مما يعني بالمقابل أنه ما لا يحصل منه ضرر أو سوء ، ولا يرقي بهذا المعنى إلى مستوى الخطيئة او الجرم أو المعصية، وهو ما لا يستدعي طقس الاغتسال أو التطهير أو الاستبراء، أو التعويض المادي عن آثاره ما دامت القيمة التي يتحلى بها في أعين الناس لا تأثير لها على الجسد أو النفس سلبا أو إيجابا. وهل جسد الجنين أو جسد الميت يلغو أو يرفث ؟؟
والجمع بين اللغو والرفَث قد تكون له خلفيات دلالية ثقافية واجتماعية ما، ففي دلالة الرفث ما يحيل بشكل مباشر إلى إدانة الجسد واعتباره منبت الأخطاء ومثواها خلال شهر الصيام، والزكاة عقاب وتأديب له على ما يحتمل أن يكون اقترفه من أخطاء صغيرة أو جسيمة. ومعنى الرفث كما معلوم مشحون بالدلالات الجنسية الصريحة، فهي كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة في سبيل الاستمتاع بها، أي أنها الكلمة التي تختزن وتتكتل فيها كل لغات وإشارات ورموز الجنس، أشكال المداعبات والغراميات والتقبيل والمغازلة وكل ما يحدث ويكون أثناء عملية الجماع. والجسد على هذا المستوى مدان لأنه تنتظم فيه مجموعة ممارسات وأفعال تحرك الغرائز وتثيرها، وعلى الرغم من أن القرآن يصرح بالترخيص للرفث خلال شهر الصيام ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) فإن تبرير فرض ضريبة/ زكاة الفطر يقف على النقيض من هذا ويدين الجسد في أدائه لدوره في هذا الشأن ولا يكون موضع ثقة.
إن الصيام عل ما يبدو هو إجراء قمعي تجاه الجسد، وطقس لعزله وترويضه بحدة مفرطة وتدميره في النهاية، وضريبة / زكاة الفطر إمعان في الانتقام منه ومحاسبته على ما أداه من وظائف خارج دائرة الحظر أو المنع الذي يفرضه الصيام، وبالأساس قيامه بإطلاق المتعة الجنسية من عقالها، وهو ما يعكس رؤية سلبية عن الجسد ووظائفه الكبرى، والتشكيك أو الارتياب في حاجاته ورغائبه، وفي السياقين معا يتم اختزال الإنسان في " الجسد".
ويظهر من جانب آخر أن ضريبة / زكاة الفطر تنهض بدور سحري واضح، فعملية التطهير التي تقوم بها للجسد إنما هي عملية وهمية وليست حقيقية، إذ إن العلاقة بين موادها وعناصرها وعملية التطهير منعدمة تماما ، فكيف لصاع من غالب قوت أهل البلد أكان من الشعير أو القمح أو الزبيب أو التمر أو الذرة.. أن يتولى تطهير الجسم أو يمحو خطاياه أو يساهم في تبييضها، وإضفاء مسحة من الجواز والإباحة والقبول عليها، وكيف لثلاثة عشر جنيها مصريا أو ثلاثة عشر درهما مغربيا مثلا، أن تقوم بتطهير الجسد من آثامه و تنزع عنه خطاياه وتدحرها...إن السحر غالبا يفترض وجود قوة خفية تخضع كل ما حولها لسيطرتها وإرادتها ، وهذا بالضبط ما يرشح به طقس ضريبة/زكاة الفطر، ويستكمل هذا الدور السحري دورته في الربط بين هذه الزكاة والزمن ففاعليتها رهينة زمن محدد هو انطلاقا من غروب شمس آخر يوم من أيام الصيام، أو من طلوع فجر أول يوم من أيام الإفطار، وتفقد هذه الفاعلية بعد صلاة العيد، اي أن الزكاة خارج هذه البرهات الزمنية يسقط مفعولها السحري في التطهير، وتصبح بلا معنى، وبلا جدوى.
ما يمكن ان نستخلصه في النهاية من هذه الإحالات والإشارات هو أن الصيام بوجه عام مرتبط بمعالم وأصول نظرة سلبية نحو الجسد، واعتباره نجسا وكل ما يخرج منه وما يقوم به هو نجس، ولذلك يتوجب العمل على تحويل نجاساته إلى طهارة، وهذه النظرة هي قاسم مشترك في كثير من المعتقدات القديمة وخاصة في اليهودية.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤيا - الساعة - في المنام
- مهرجان أجذير إيزوران 2: لحظة فرح استثنائية.
- مهرجان أجذير إيزوران 2: في الحاجة إلى فعل ثقافي أمازيغي.
- - ثِيشُّوثْ أُوجَنَّا- ( مرثية لبرية الجذور)
- ثَمَّةَ...
- انطباعات أهل المدينة الغامضة
- - مواطنون- لا - شحاذون-
- الواقيات
- - 15-
- - المجال- في الثقافة الأمازيغية بالأطلس المتوسط.
- -جهات-
- ثقافة التلاص: ذ.محمد بوبكري ومنابع سرقاته.
- مقالة تحريم التماثيل وفن النحت.. وقع الحافر على الحافر: سرقة ...
- أراضي الجموع: الفتنة القادمة( نموذج قيادة الحمام/ إقليم خنيف ...
- مهازل الجامعة المغربية:المفتشية العامة لوزارةالتعليم العالي: ...
- جامعة مولاي إسماعيل.مكناس: -الهيدروجيولوجيا- تناقش -السوسيول ...
- (Ann gui zdam) : مرآتي الأولى.
- (سفر الخروج)
- -شهران متتابعان قبل التماس-
- مرثية -فيديل-


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيدي المولودي - الضريبة على القيمة المضافة للجسد