أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيوب الوكيلي - تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب















المزيد.....

تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب


أيوب الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 6243 - 2019 / 5 / 28 - 18:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن التغير قضية كونية كل شيء في هذا الوجود يعتريه التبدل والتحول كل ما نراه وندركه ونلمسه يتحول بين عشية وضحاها، بيد أن هذا العالم الذي تحكمه قوانين و قواعد حتمية ضرورية، يوجد فيه فوارق بين الوجود البشري وباقي الموجودات الأخرى، لأن الإنسان يمتلك حرية الإرادة حيث يتصرف بشكل مستقل وحر، ولعل هذا الطرح واضح في المسار التاريخ الإنساني، فالتفكير الفلسفي، منذ سقراط أقر أن التجربة الإنسانية مختلفة نتيجة لامتلاكها الوعي والحرية والإرادة، غير أن التحولات التي عرفها العلم خصوصا في القرون الثلاثة الأخيرة قدمت جملة من الإهانات لكبرياء الإنسان خاصة مع كوبرنيك و داروين و فرويد الذي اعتبر أن الطفل أب الرجل و أن الحرية مجرد وهم، لأن اللاشعور هو المحدد الأساسي لمجمل ردود الأفعال والسلوكيات التي نقوم بها في حالة الوعي، لكن البحوث العلمية التي تطورت في مجال علم الأعصاب في العقود الأخيرة فتحت الموضوع من زوايا نظر جديدة تنطلق من بحوث تجريبية تؤكد على مطواعية الدماغ وقدرته على التغير والتحسن وتغيير ردود الأفعال التي نريد التخلص منها، من هذا المنطلق يمكن طرح التساؤلات التالية:

هل يمكن التحرر من العادات والأنماط التي اعتدنا عليها في السلوك والتفكير؟ هل يمكن أن أغير عواطفي وتصرفاتي تجاه موضوع ما أوتجاه ذاتي؟ إذا تعودنا على نمط من العادات هل بإمكاننا تغيرها؟ إلى أي حد يمكننا التحرر من اللاشعور العصبي في ردود أفعالنا؟ كيف تصبح المشاعر نموذجا لتفكير داخل الشخص؟

في مجال علم العصبي يتحدث علماء عن مرحلة في العمر يحدث فيها نوع من الإقفال السيكولوجي حيث تكون ردود أفعالنا نتاج للعواطف حيث يصبح التفكير من خلال النموذج الإطار الذي اعتاد عليه الدماغ، تحصل هذه الحالة حين يتخطى ويتعدى حد أو مرحلة الخامسة والثلاثين تسمى هذه المرحلة باكتئاب مُنتصَف العمر لم يعد بإمكانه أن يتغيَّر، لن يعود بإمكانه أن يتعلَّم كثيراً من الأشياء الجديدة، حيث تنتهي فترة البناء وندخل في فترة الاستهلاك تستهلك ما بنيته وما اذخرته من أنماط ونماذج وبنيات نفسية عصبية. المخ يفعل ذلك من خلال الاشارات التي يقدمها الدماغ العاطفي: مثل الحاسب يقوم بإقفال البرنامج، فإنسان عندما يتجاوز الخامس والثلاثين، يعيد نفسه عبر العقل التلقائي المشكل، تغلق منطقة الفص الجبهي المسؤول عن التفكير.

لأن وظيفة الفص الجبهي تكمن في تنظيم الانفعالات والفصل بين الحقيقي والوهمي التخيلي، عندما تشعر بالخوف في موقف معين مثلا: التحدث إلى الجمهور الذي يحاول ضبط النفس وتقليص التوتر تكمن في cortex célébra، لأن المخ العاطفي لا يفكر يحركه الجانب الغريزي، شبيه بمخ الزواحف يعرف الهجوم والهروب، لهذا فإن الأشخاص العصبين لا يتحكمون في الية تفعيل وتوقيف الجانب العاطفي، تجدهم كثيري الغضب لأسباب بسيط ،لا يتم بإرادتهم إنما خارج مجال العقل التحليلي.

لذلك يقدم علم الاعصاب المعاصر، طرقا عملية وإجرائية من أجل تغير الجانب العاطفي والحسي والسلوكي، هذا القول ليس مجرد خطاب أدبي إنما يقوم على اختبارات علمية واجراءات دقيقة في مستوى الدماغ،فعلماء الأعصاب يعرفون العقل بأنه الدماغ حين يكون قيد الإشتغال، بالتالي فالخلايا التي ترتبط معنا تشتغل معا.
إذن فمسألة التغير ممكنة من خلال تغير اليات عمل الخلايا العصبية، فمراكمة الخبرات والتجارب والمعارف تساهم في تغير الدماغ عاطفيا: عبر تغير عواطف معينة تجاه شخص تحس تجاهه بالحقد أو الرعب أو ما شابه ذلك، سلوكيا: عبر تغير الكثير من السلوكيات السلبية، فكريا وعقديا: إذا كنت تتبنى بعض المنظورات للحياة ولم تستطع التخلص منها يمكن أن يتحقق ذلك عبر منهج علم الأعصاب.

مطواعية العقل البشري وقدرته على التغيير:

علم الاعصاب في العشرين سنة الاخيرة، يتحدث عن اشكالية التغير من الجانب العصبي. فهل التغير مصدره خارجي ناتج عن ظروف المحيط الذي يعيش به الفرد أم يرتبط بالجانب الداخلي من بينة الدماغ والطريقة التي يشتغل بها؟ هل بإمكان الاشخاص الذين تعودوا على بعض السلوكيات السلبية مثل الخوف الكلام بسرعة، العصبية الزائدة، الخوف من الأماكن المرتفعة، الأحكام السلبية....الخ، تغير هذه الوضعية؟ يتحدث علماء الأعصاب عن اللاشعور العصبي، حيث تصبح المشاعر وسيلة لتفكير، توجه السلوكيات والتصورات، وهي في الأصل مشاعر وأحاسيس تحولت إلى أفكار.
ما معنى الوصول إلى مرحلة طغيان المشاعر على العقل في توجيه اختياراتنا وتصرفاتنا؟
توجد بعض الدراسات العلمية، حول قضية التصور والادراك، مفادها أن العالم لا يحمل نفس الدلالة عند الجميع بل كل واحد ينظر للتجارب التي يمر منها حسب بنيته العاطفية التي تشكلت لديه منذ الطفولة، إضافة إلى الاقفال الذي يقيمه للبنية المنطقية الميتامعرفية، ويبدأ بالتغذية الراجعة لما لديه من مكتسبات في منطقة الدماغ العاطفي و من خلال القصة التي قدمها ادغار موران عندما تكلم عن أنه رأى سيارة تدوس دراجة هوائية، ذهب إلى مخفر الشرطة لكي يقدم شهادته بأنه رأى سيارة تدوس دراجة، لكنه اصطدم بحقيقة أن ما شاهده ليس هو الواقع، بل إن الدراجة الهوائية هي التي صدمت السيارة، هنا انتبه الفيلسوف للحدث من زاوية عقلية، حيث أدرك أننا لا نرى الواقع بشكل مباشر بل نراه عبر رؤى عقلية، أي منظورات وزاويا نظر متنوعة ومختلفة.

لكن الدماغ العاطفي الذي يقوم باستجابات تلقائية، هو العقل العاطفي، هذا الدماغ يأتي أسبق منك وأعمق منك، هو أسبق منك وأعمق منك، هو خطير بالمُناسَبة، العقل العاطفي الغير واعي يستقبل ويجمع عددا لا يحصى من المشاعر والاحاسيس التي يعجز اللسان في بعض الاحيان عن التعبير عنها.
توجد عوامل متعددة تجعل من التغير صعبا، فالقضية ترتبط بالجانب العاطفي اللاشعوري في الدماغ، الذي يخزن كل التجارب النفسية والخبرات الشعورية منذ الولادة، وبالتالي فكثير من المشاكل النفسية التي نعيشها تحصل نتيجة لهذا الوضع.

وهذا الامر يجعلنا نعتقد أننا أسرى للجينات والبيئات التي نشأنا فيها. هنا يأتي دور LIMBIC SYSTEMالذي يفرز الهرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزون، إذ يتصرف الجسم : كما لو ان شخصا يشهر مسدسا أمامه، لأن الايمكديلا لا تفرق بين الخيال والواقع، وهذا ما يجعل الواحد منا يصنع سيناريوهات نفسية دون وجود مخاطر مباشرة، مما يسبب حالة من التعرق والخوق والضغط المرتفع في الدم ، كل هذه الامور حصلت بسبب التفكير، لأنه يحمل طاقة قد تكون سلبية أو إيجابية حسب الاستعمال.

من هذا المنطلق فإن التفكير الايجابي يساهم في علاج بعض الأمراض العضوية وكذلك النفسية، و من أجل الحصول على التوازن النفسي نجد أن كل فكرة سلبية يجب أن توازيها ثلاثة أفكار ايجابية. لأن التفكير السلبي يؤدي إلى حالة من الخوف والقلق مما يؤثر سلبا على صحة، خاصة جهاز المناعة، ذلك فقط بتخيل بعض الوضعيات السلبية على مستوى الذهن تتغير الحالة الفزيولوجية للجسم بأكمله حيث يصبح مختلا وغير مستقر. بالمقابل فإن التفكير الايجابي لبعض اللحظات الجميلة والسعيدة فقط بالتخيل والتأمل تفرز هرمونات الاسترخاء والسعادة مثل الدوابامين و سيرتوين.

من أجل توضيح هذه الفكرة توجد الكثير من الدراسات العلمية تؤكد فرضية تأثير الدماغ والتفكير على الجانب العضوي. قسم العلماء مشاركين في تجربة إلى مجموعتين :المجموعة الأولى تتدرب على تقوية عضلة اليد بالتخيل الذهني يوميا لمدة محددة، المجموعة الثانية تقوم بتمارين حقيقية من خلال رفع الأثقال، النتيجة كانت صادمة للعلماء: لأن الذين تدربوا ذهنيا وجودوا أن العضلة قد اكتسبت قوة بنسبة ثلاثين بالمئة، العجيب هو أن مجرد التخيل بالدماغ أثر على العضلة.

بذلك توصل العلماء إلى أن الدماغ لا يفرق بين الصورة والحدث والواقعي والحدث الذهني فمن خلال عملية التصوير بالرنين المغناطيسي تبين للعلماء أن عرض بعض الصور على الافراد المختبرين تحتوي على مشاهد عنيفة تنتج نفس الحالة التي يراها الفرد على مستوى الواقع الحقيقي.

إذن كيف نغير الاليات التي يشتغل بها العقل من البعد السلبي إلى البعد الإيجابي؟

البداية تحصل مع الارادة، يتحدث عالم الاعصاب جو ديسبينزا على فكرة الانعكاس على الذات. يسميها الميتا معرفة التفكير في التفكير، أي الخروج من التفكير داخل مستوى الشعور، وضع مرآة لذات ومساءلة الأفعال التي تقوم بها. التغير مسألة تحتاج إلى العادة والإرادة، قد يقول أحد القارئين كيف أغير بعض العادات التي أصبحت جزءا من ذاتي لمدة عشرين سنة أو أكثر، أنا دائم الاكتئاب، أنا عصبي المزاج لمدة طويلة تفوق عقدين، أنا أدخن لمدة أربعين سنة كيف أقلع على هاته العادة السلبية؟
هنا يكمن جبروت الإنسان، لو أراد العامل الأساسي في هذا الواقع يتعلق بقدرة الفرد على تجاوز المنظور الحتمي الذي، كلما اعتقدنا أننا خاضعين لضرورة تتقلص فعالية القشرة الدماغية لدى الفرد. مثلاً: أنت الآن تشعر بأنك مُكتئب، هذا يحدث معك ومعي ومع كل واحد، هذا طبيعي، أحياناً تقوم من النوم وتشعر أنك مُكتئب، إياك أن تستسلم، إذا شعرت بأنك مُكتئب طبعاً هذا يُعزى إلى أشياء هرمونية وعصبية، إذا استسلمت لهذا الشعور مُباشَرةً سوف يفرض عليك التفكير على نحو سلبي واكتئابي. هذا يعني أن حرية الارادة والاختيار لا زل لهم مجال في مواجه الحتميات البيولوجية والعصبية، عبر إقناع الدماغ أن له القدرة على التغير والتحسن نحو الأفضل.

يسمى هذا النوع من التعامل العلاج الذاتي أو التلقائي، أي تتدخل الذات من خلال خلق أفكار إيجابية تجاه الوضع الذي تعيشه، والدماغ لا يفرق بين الواقع والتخيل، لهذا تتحسن الحالة النفسية والمزاجية ببساطة بخلق دوائر جديدة، وبعضهم يُدخِل هذا تحت مفهوم الشفاء التلقائي، لكن هو ليس تلقائياً، هو تعليمي وتدريبي لكن وفق رؤية ووفق خُطة مُعيَّنة تقوم على مبدأ مُهِم جداً، مبدأ أن من المُمكِن أن يتغيَّر العقل بتغير الدماغ، والدماغ يُمكِن أن يتغيَّر من مُستوى الفكر أو بدءاً بالفكر مروراً بالفعل وانتهاءً بحالة الكيان. العلاج التلقائي يعد من العلاجات المتاحة الان بفضل النظريات المتقدمة في علم الاعصاب حيث يتحدثون عن امكانية تغير بعض الحالات الصعبة وتحريك الاطراف المشلول طبعا عبر اجراءات وتداريب متكرر.



#أيوب_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف اللعب وسيلة للتعلم والإبداع؟
- نماذج الألعاب النفسية
- نظرية الألعاب النفسية-علم تحليل المعاملات-
- قوة الكلمة


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيوب الوكيلي - تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب