أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - المنشور














المزيد.....

المنشور


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6237 - 2019 / 5 / 22 - 16:51
المحور: كتابات ساخرة
    


في بداية ثمانينيَّات القرن الماضي أثناء خدمتي العسكرية، كنت منتسباً إلى الحزب الشيوعي السوري المنضمّ إلى الجبهة الوطنية التقدمية. وحيث أن ميثاقها ينصّ في أحد بنوده: «يحظّر النشاط السياسي لأحزاب الجبهة في الجيش باستثناء حزب البعث، كونه القائد للدولة والمجتمع.» فقد التزمتُ بوقْفِ نشاطي السياسي إلى أن يتمّ تسريحي. فما يحقُّ للحزب الحاكم لا يحقُّ لحلفائه.
وفي أحد الأيام زارني أحد الزملاء العسكريين في مهجعي، وطلب منّي هامساً مرافقته إلى مكتب الضابط الذي يعمل عنده بصفة حاجب ليطلعني على أمرٍ هامّ. مضيفاً أن (معلّمه) ليس بالمكتب حالياً، فقد ذهب لتناول الغداء.
اشتعل الفضول لديّ ورافقته إلى المكتب كالمأخوذ.
ما إن دخلنا المكتب حتى هرع بفتح زرّ جَيْب سترته وأخرج منها على عجل منشوراً قال بأنه يعود إلى «رابطة العمل الشيوعي» المحظورة. وطلب منّي قراءته بتمعّن لنتناقش بمضمونه ريثما يرجع. سلّمني المنشور وخرج مسرعاً وقام بإغلاق باب المكتب وقفله من الخارج.
بوغِتُّ من هذا التصرّف غير المفهوم. تساءلتُ محتاراً: «لماذا تركني بمفردي وقفل عليَّ الباب؟ لا شكّ في أنه يبيّتُ لي أمراً مهولاً ينذر بعواقب وخيمة!». استبدّ بي هلعٌ لفّني من رأسي حتى أخمص القدمين. إذ إن هذا الحاجب معروف بانتهازيته، وهناك مؤشرات تدلّ على ارتباطه الأمني؛ لا سيّما وأن الضابط الذي يعمل بأمرته هو ضابط أمن اللواء الذي أخدم عسكريّتي فيه. شعرتُ أنني محتجز، محاصر. وبدأتْ فرائصي بالارتعاد. تطلّعتُ حولي بشكلٍ عشوائي، وقع نظري على صورة كبيرة لرئيس البلاد بإطار ذهبي تشغل مساحة واسعة من الجدار خلف المكتب. خلْته يتفرّس بي بعينين غاضبتين، مما زاد في اضطرابي. عضضتُ شفتي لأمنعَ أسناني من الاصطكاك. وفكّرتُ بالفرار. نظرتُ إلى النافذة الوحيدة، إنها محصّنة بقضبان الحديد ويستحيل الهروب منها. ألقيتُ نظرةً عجلى على المنشور، لم أفهم كلمة واحدة منه بسبب زخّات الخوف التي انهمرت على كياني. وتعزّزت هواجسي من أن ثمّة فخّاً قد نُصِبَ لي لإيقاعي واعتقالي بتهمة مخالفة ميثاق الجبهة "العظيم"! وأنا المعروف بالثكنة بانتمائي السياسي.
وخزني ندمٌ شديد. أيّ سوء حظّ وفضولٍ ساذج رمَيَا بي في أتون مأزقٍ لا ضفاف له؟ ماذا أفعل؟ بحثتُ في جيوبي عن القدّاحة لإحراق المنشور فلم أجدها، تذكّرت أنني أبقيتها إلى جانب علبة الدخّان في المهجع.
طفقتُ ألتهم سطح مكتب الضابط بنظراتي المتقافزة مستطلعا،ً علّني أجد ما يساعدني على إتلاف المنشور، لم أعثر على شيء!
يا إلهي، بالتأكيد سيداهمون المكتب بعد لحظات برفقة الحاجب، وسيقول لهم: «هذا هو الذي حاول غوايتي وأعطاني منشوراً لحزبٍ معارض». سيفتشونني وسيجدونه في حوزتي! ما العمل؟
فطنتُ إلى تمزيقه قطعاً صغيرة ومن ثم ابتلاعه. وكالمسعور انهمكتُ بتمزيقه وجسدي كلّه يرتعش وأنا أراقب الأصوات خارج المكتب، منقّلاً بصري بين المنشور الذي يلفظ أنفاسه وبين الباب. مصيخاً بحذر لأيّة نأمة. وبعد انتهائي من تمزيقه شرعتُ بابتلاعه. وهنا كانت الطامّة الكبرى؛ إذ بسبب جفاف حلقي من الخوف، فقد تعذّر عليّ إدخال قطع المنشور إلى جوفي. وبصعوبة هائلة بدأتُ ألوكها مستغيثاً وأنا أجول بناظريّ في جنبات غرفة الضابط، لربّما أجد ما يسعفني على إتمام ابتلاعه بأسرع ما يمكن. إلى أن اصطدمت عيناي بإبريق ماء على طاولة المكتب. وكبدويّ تائهٍ في الصحراء يتلظّى من عطشه وقد وجد فجأةً بئراً أمامه، إندغرتُ على الإبريق وبدأت أشرب منه بلهفةٍ إلى أن أتيت على آخر مِزْقة من المنشور. أحسستُ بعدها بارتياحٍ لا نظير له. فقد تخلّصت تماماً من الدليل الجرميّ.
لحظات ويُفتح القفل ويدفع زميلي الباب. نظرتُ خلفه مترقّباً فيما إذا كانت ترافقه دوريّة. لم أجد أحداً. اقترب منّي وهو يحدّق في وجهي مستفهماً: هل قرأت المنشور؟
أجبته بهدوء:
- نعم ومزّقته وبلعته..
تجهّم وجهه واجتاحه تعبير قلق وحمْلقَ مقوّساً حاجبيه:
- لماذا فعلت ذلك؟!
قلت له بعد أن استرخيتُ وزفرتُ أنفاسَ الاطمئنان:
- بصراحة كنت خائفاً، وتخيّلتُ أن الضابط يمكن أن يدخل فجأةً ويجد المنشور معي فنصل إلى ما لا تحمد عقباه..
ندّت عنه ضحكة أعرب بها عن استهانته أو تظاهره بذلك وسأل بفتور:
- لم تقل لي رأيك بالمنشور؟
لبثتُ ساكناً للحظة، صوّبتُ إليه نظرة جانبية ساخرة، كما لو أن شكّاً قديماً تنازعني ثبتت صحّته أخيراً. ومضيتُ في سبيلي بثقة، وبتلك الطريقة التي يمتلكها أولئك الذين يرَون أنفسهم أبرياء وعلى حق.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاري والدكتورة
- قراءة في «بالخلاص يا شباب!»
- قراءة موجزة في «زمن مستعمل»
- «العمى»
- «الانفجار السوري الكبير»
- قراءة في «بجعات برّيّة»
- كنّا أشقّاء، وسنبقى..
- معجزة العصافير
- وتساقطتْ أوراقُ الليمون
- المعلّم «الكافر!»
- «المعلوم!»
- المرأة ربيعٌ أيضاً
- لا للقتل..
- دعوة لتغيير النشيد الوطني السوري
- ذكريات
- حنا مينه يودّع مصدر إلهامه..
- البيرة، وما أدراك ما البيرة!
- الفقراء في كل مكان..
- إلى متى سيبقى القلقُ دَبِقاً بنا؟
- المطار، مطارك أستاذ!


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - المنشور