|
الجنون .. فنون
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 6236 - 2019 / 5 / 21 - 08:54
المحور:
كتابات ساخرة
لم أندهِش عندما لمحتُ من بعيد ، حمكو جالساً في مكانهِ المُعتاد في المتنزَه القريب ، تحتَ ظِل شجرةٍ وارِفة ، غارِقاً في تأمُلاته . غّيرتُ وِجهة سَيري بحيث لا يراني حين أقترب منهُ ، فوصلتُ خلفهُ مُباشرةً وصرختُ : مرحباً ! . فجَفلَ المسكين جفلةً هائلة ، مِمّا حدا بي إلى إطلاق ضحكةٍ طويلة . إصْفّرَ وجه حمكو .. فقلتُ لهُ : - هل إرتَعَبتَ يارجُل ؟ أم ان إصفرارك ناجِمٌ عن العَطش بسبب الصَوم ؟ * ها أنتَ تقتربُ من السبعين .. وما زُلتَ تتصرفُ كالأطفالِ أحياناً . متى ستترك هذه العادة المُزعِجة ؟ اُنظر .. حتى أولئك الأطفال والمرأة التي معهم ، ضحكوا علينا ! . - ولماذا أتركها ؟ صّدقني أنني أقوم بذلك يومياً وتُسّبِب لي السعادة والإنشراح .. فأخْتُلُ وراء الباب مثلاً ، وحين يدخل أحفادي أقوم بإخافتهم ، فيتصايحون لللحظات وأنا أغرقُ في الضحك ! . جّدتهم تقوم بتوبيخي كًلّما أقوم بذلك وتقول بأنني سوف اُسّبَب للأطفال عَوَقاً نفسياً . على أية حال ، بالنسبة لك لاخوفَ عليك من العَوق النفسي ، فأنتَ مجنونٌ أصلاً .. هه هه هه . * طيب .. مادُمتُ مجنوناً كما تقول .. فما الذي يحدو ب " عاقلٍ " مثلك لمصادقتي ؟ - هه هه هه .. عاقل ؟ أي عاقل .. أنا أكثر منك جنوناً .. هه هه هه . * ماذا دهاك يا رجُل ؟ هل شربتَ في النهار ؟ - كلا لم أشرب شيئاً . هل يبدو عليّ السُكر ؟ * أنكَ تضحكُ كثيراً وبصوتٍ مُرتفِع .. ما الذي يُسعِدُكَ إلى هذهِ الدرجة ؟ - وهل أصبحَ الضحكُ علامةً على الخِّفة ؟ أو السعادة دليل على الجنون ؟ .. كل ما في الأمر .. أشعرُ اليوم بأن صحّتي لابأس بها وليسَ عندي آلامٌ تُذكَر .. وفرحتُ من القلب لأني وجدتُكَ هنا في هذا المتنزه الجميل .. أليستْ هذهِ أسباب كافية لأكون مُنشرِحاً ؟ لكن قُل لي بربِكَ : بماذا كُنتَ سارِحاً ولم تشعر بوقوفي خلفك ؟ * كُنتُ اُراقِب العصافير وهي تحطُ على أغصان تلك الشجرة ثُم تنزل بحذر على الأرض لتلتقط شيئاً وتطير ... حاولتُ أن لا أتحركَ لدقائق عديدة ، بل حرصتُ أن لا أتنفس لأطول فترة ممكنة ... حتى اُجّرِب : هل ستقترب العصافير من المقعد الذي أجلس عليه ، لا سيما وهنالك الكثير من فُتات الصمون على الأرض ؟ هل ستثق العصافير بهذا الكائن أم تعتبر سكونه فَخاً لإصطيادها ؟ ... صّدِقْ .. قبل وصولك بفترةٍ قصيرة ، حّطَ عصفور جميل هنا على الأرض ، قُرب قدمي وألتقط قطعة من الصمون اليابس وطارَ ... لم يكن العصفور الصغير وحده سعيداً ، بل أنا أيضاً فرحتُ .. لأنني نجحتُ في التفاعِل مع جُزءٍ من الطبيعة . كُنتُ مُندَمِجاً تماماً مع ما حولي ومُستمتعاً بحفيف أوراق الشَجَر وزقزقة العصافير ... عندما شّرَفَ جنابك وأفزَعْتني وأفزعْتَ العصافير ، بصرختِكَ المدوية ! . على أية حال ... لَسْتَ المُزعِج الوحيد هنا ، اليوم .. فعندما كُنتُ أتَصّنِع النوم وأقَلص فتحتَي عينَيّ ولا أتحرَك .. سمعتُ أحد أولئك الأطفال هناك يضحك ويسأل أمه : ماما ماما .. اُنظري ذاك الرجُل .. لماذا هو هكذا .. هل هو مخّبَل أم مريض ؟ نَهَرتْهُ أمهُ قائلةً : يظهر أنهُ مجنون .. لا تنظر إليه فرُبما يكون خَطِراً ... إلعب مع أخوك ولا تنظُرا إليهِ ! .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صَومٌ وإفطار
-
قضايا كبيرة .. ومسائِل صغيرة
-
شَطارة
-
في الطريق إلى أربيل
-
تفاؤل
-
بُقعة ضوء على مايجري في أقليم كردستان
-
تموتُ .. عندما لا يتذكرك أحَد
-
حِوارٌ حَمكوي
-
ضوءٌ على جَلسةٍ برلمانية
-
يشبه الحكومة
-
حمكو الحزين
-
حمكو .. وأزمة فنزويلا
-
بَلَدٌ عجيب وشعبٌ غريب
-
وصية المرحوم
-
أللهُ أعلَمْ !
-
أُمنِياتٌ مُؤجَلة
-
براءةٌ وحُسنُ نِيّة
-
تعبنا ومللنا من الحروب
-
أحترِمها .. لكني لَسْتُ مُقتنِعاً بها
-
هَلْ مِنْ مُجيب ؟
المزيد.....
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
-
رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات
...
-
بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ
...
-
مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل
...
-
الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|