أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار أحمد - أنا والبقرة والتلفزيون















المزيد.....

أنا والبقرة والتلفزيون


أزهار أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1539 - 2006 / 5 / 3 - 12:00
المحور: الادب والفن
    


لم يكن الفيلم مملاً أبداً، بالعكس كنت أنتظره، الأضواء مناسبة وجميلة .. كوب الشاي جاهز وقطع الكيك بالقهوة أيضا مُعدة وبشكل مغرٍ للمعدة تماماً. لم أتصور أنَّ شيئا قد يزعجني ويبدد هذه الأمسية، وبالفعل لم يزعجني شيء ومر الوقت هادئاً عادياً، لكن النعاس هجم علي بقوة وكأن أحداً رمى صخرة من أعلى حافة بالمنحدر لتهوي على البحر. لم أستطع تجاهله .. عدلت من جلستي، شربت كوب الشاي. جاءني بارداً، لن يفيد .. غسلت وجهي، لطمت جبيني، ولا فائدة. لن أستسلم، فكلي إصرار على معرفة النهاية، مللت من حماسي الدائم لمشاهدة فيلم والنوم الذي لا يتركني بحالي.

مرت نصف ساعة وأنا أغالب النعاس، حتى لاحظت ظلاً على الشاشة. تمعنت جيداً فإذا به ظل بقرة. فركت عيني، قلت لا بد أني نائم وهذا حلم أو وهم ما بين النوم واليقظة. لكن الظل كان ثابتاً، ركزت تماماً فلا حيلة لدي سوى أن أتمعن فيه لأني أعجز عن النهوض، فعلاً إنه ظل بقرة.

حولت بصري من الظل على الشاشة إلى أسفل الجهاز، فرأيت بقرة صغيرة جميلة لا يتجاوز حجمها فنجان قهوة، أو فلنقل تشبه في حجمها هاتف نوكيا الصغير. تشبيه مُركَّبٌ وحالم، هكذا أحسست، يصعب تحديد الحجم الآن .. لكن ما أعرفه أنها بقرة صغيرة جداً.

تساءلت: منذ متى وهي هنا؟ هل صعدت بنفسها؟ كيف يمكن لبقرة أن تصعد إلى هذا المستوى؟ ولكن السؤال الأهم من أين أتت؟ نعم من أين أتت؟ هل جاءت حين ذهبتُ لتحضير الشاي؟ لا ربما حين نسيت علبة السكر. لا.. لا يمكن خلال هذا الوقت لأنني عدت سريعاً. دار رأسي من التساؤل حول هذه البقرة. يا ترى ماذا تريد مني الآن؟ أم أنها لا تأبه بي. لكنها تحدق نحوي، وجهها مقابل مكاني، إذن لا بد أنها ستقول شيئاً. ما بين التلفزيون ومقدمة الطاولة مسافة 7 سنتيمترات، ألم تجد مكاناً يناسبها أكثر، ماذا ستقول؟ هل ستطلب مني قطعة من الكيك أم كوب شاي؟ لا بد أني أمزح أو أظنها مزحة.

يجب أن أتناسها، أووووه لقد فاتني الكثير. لن أضيَّع وقتي. الشاي سيفيدني .. سكبت كوباً آخر. الشاي لذيذ مع قطعة الكيك السوداء المبللة من الأعلى بالسكر المذاب. أحب هذه اللحظات. ذهب النعاس لحال سبيله. ماذا تبقى؟ لا شيء طبعا، أنا بخير ووقتي بخير، والفيلم جميل كما تصورته وقرأت عنه.

ظِلُ البقرة مرة أخرى. يا الهي. صرخت بها: " أيتها البقرة الغبية القزمة الحقيرة الصغيرة جداً السمينة جداً صاحبة الألوان الميتة ماذا تفعلين هناااااااااااااااااااااااااااااااااااااا أجيبي ماذا تريدين" ؟..
لم ترد ربما لأنها بقرة. إنها حمقاء، حسناً أعلم أنها بقرة ولن تتكلم لكن على الأقل يمكنها أن تخور أو تموء أو تعوي، لا أعرف ماذا يُسمَّى صوت البقرة، ولا يهمني، أريدها أن تبتعد عن شاشتي.

صوتٌ برأسي يقول: اذهب وأبعدها بقبضة يدك وتخلص منها. لكنني خائف. نعم أنا خائف ألا تكون حقيقة وأخاف أكثر أن تكون جنية أو ساحرة أو شيطاناً أو وحشاً ينقض علي ويتربص بي. أفكار ليلية لإنسان وحيد، أعلم هذا لكنني تعودت على الوحدة، صحيح لكنني لست متعوداً على السهر، ربما أنا واهم في كل هذا. تتردد الأفكار في رأسي بين خوف وغضب، تصارعت الأفكار. سحبتها من رأسي ودلقتها على إبريق الشاي.

رأيت الفكرة الأولى تقفز من إبريق الشاي وتنطلق نحو البقرة، تجمدت خوفاً، كيف لأفكاري أنْ تنطلق نحوها، هل تتحرك الأفكار؟ لا بد أنَّ هناك سراً، سحراً، لغزاً. صمت .. بعد دقيقة بالضبط رأيت الفكرة تقفز من بطن البقرة إلى رأسي كسهم لا يخطئ. أصبت بهزة كهربائية وأحببت البقرة فجأة. لكنني لم أقو على الحركة. الله أيتها البقرة الطيبة الجميلة الأنيقة الرشيقة المسلية البهية الهادئة كم أنت رائعة وديعة صديقة، لك المكان كله، أنا سعيد بوجودك. أنت تملأين الصالة بهجة ومرحاً وسعادة وأمنا."

من يتكلم؟ هل هذا صوتي؟ هل هذا أنا؟ نعم أنا. هذيانٌ يسكنني. لا بد أنها لعبة وأحد الأطفال تركها هنا. أي أطفال؟ لا يوجد بشر غيرك. هذيانٌ بالتأكيد.

الفيلم رائع. قطعة أخرى من الكيك ستجعلني حالماً رائقاً مسترخياً. حقاً لذيذة .. مع أنها رخيصة جداً.

كوبٌ آخر من الشاي. فتحت الإبريق. لم يتبق سوى القليل، ربما نصف كوب. لا بأس يكفيني. ما هذا؟. الشاي مر. لِمَ تغير طعمه؟ أصبح مراً جداً .. يَع .. يااااه، لقد تذكرت أني دلقت أفكاري السيئة والخائفة في الإبريق. ماذا أفعل الآن؟ لقد عاد مزاجي سيئاً. أنا السبب الآن وليس البقرة. لكنه سيء منذ بداية الأمسية.

رفعت رأسي، البقرة مكانها. أزعجتني مرة أخرى، دخل الخوف الحقيقي قلبي. لم أتجرأ على إطفاء التلفزيون. زحفت لغرفتي بهدوء ورعب العالم من الوحوش والأطفال من الظلام والنساء من الفئران كله بقلبي. خطوات قليلة وأصل سريري. الباب مفتوح رائع. لا أذكر أني تركته مفتوحاً. لا يهم. تصببت عرقاً سمعت صوتا كأنه حفيف، ورأيت أمامي ظلاً كبيراً. تجمدت أغمضت عيني سأموت لا محالة، لقد نهضت البقرة، لقد لحقتني، سأموت، قلبي سينخلع من مكانه، سأموت حالاً وتتفكك أوصالي.

لمستني، أشعر بها .. إنها تلمسني، دارت بي الأرض .. إنها تنطق ماذا؟ ماذا؟ هل ستأكلني ستقطعني ستنهشني هل تأكل الأبقار لحوم البشر؟ لا أستطيع سماعها ماذا؟ صوتها ناعم رقيق كصوت الأطفال.

حسنا تكفيني بعض الشجاعة. سأركز على ما تقول. صَمَت .. صَمَتَت.

هل ألتفت .. ماذا سيحدث لو التفت؟ لكني سألتفت، يجب أن التفت .. يجب أن أتماسك وألتفت. نعم سألتفت .. هيا التفت. لا أستطيع. ما زالت تلمسني، لمساتها أصبحت أقوى ستثقب ظهري بحافرها الآن. سألتفت كي أوقف هذا الرعب..نعم سألتفت حتماً سألتفت ...

لن ألتفت سأنطلق لغرفتي وأقفل الباب وأنام تحت غطائي.

آه. أنا الآن هادئ ومطمئن في غرفتي مع أنني أسمعها ترفس الباب وتقرعه بقوة، لا بد أنها تبكي، كأنني أسمع بكاء، البقرة البكاءة، ما أغباها فلتبك ولتصرخ حتى تموت. لا يهمني ما دامت لا تستطيع الدخول. سأنام .. آه النعاس بدأ يرفرف ولتفعل البقرة القبيحة ما تشاء.

استيقظت وجسدي كدب قطبي يترامي في أنحاء الغرفة وكأن أقدامه تنغرس في الثلج العميق. فتحت الباب وما كدت أخطو خارجا حتى أعاقني شيء. نظرت إلى ما يعيق طريقي ربما كانت وسادة، لكنه .. إنه... معقول؟ كيف نسيت أنه معي.

انه مهند الصغير ابن أخي نائم ومتكوم على نفسه وبيده لعبته المفضلة. حملته وحين رفعته من الأرض، سقط شيء من يده. إنها لعبته .. بقرة صغيرة ملونة.



#أزهار_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَدَّقتُ في الظلام فرأيتُك .. وحَدَّقتُ فيك فرأيتني
- طلبنا طعاماً صينياً
- يوكي والجمل
- غادة وابن جني
- العدُّ حتى تسع جَميلامات
- نبيُ قلبي
- كائنٌ كائنْ .. يا أنت


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار أحمد - أنا والبقرة والتلفزيون