أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - أرخبيل النفاق














المزيد.....

أرخبيل النفاق


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1538 - 2006 / 5 / 2 - 11:44
المحور: الادب والفن
    


مَنْ يتذكّر ألكسندر إيساييفتش سولجنتسين؟
نعم، سولجنتسين دون سواه: الروائي الروسي (السوفييتي، سابقاً)، الذي تربّع ذات يوم على عرش «الرمز الأعظم» للنضال من أجل حرية التعبير في الإتحاد السوفييتي وسائر بلدان المعسكر الإشتراكي خاصة، وعلى امتداد العوالم الثانية والثالثة أو كلّ ما هو خارج جغرافية «العالم الحرّ» بصفة عامّة مطلقة. سولجنتسين، الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1970، إثر وبتأثير صدور الترجمة الإنكليزية لروايته الأولى «يوم في حياة إيفان دنيسوفيتش»، التي كانت قد صدرت بالروسية أوّلاً، في موسكو، وبقرار شخصي من نيكيتا خروتشوف... مَن يتذكّره اليوم، ولماذا؟
ليس مهماً أن نتذكره لأنه، في كلّ حال، لا يكفّ عن تذكيرنا بنفسه كلما راكمت الأعوام غبار النسيان على اسمه، خصوصاً بعد عودته المشهودة سنة 1994 إلى "روسيا الجديدة" كما سارت تسمية تلك الأيام: روسيا بوريس يلتسين، والإقتصاد الحرّ، والمافيا، وانكسار الوجدان القوميّ القيصري. وقبل أيام نقلت أسبوعية "اخبار موسكو" الروسية تصريحات مدوية للرجل (هو اليوم في السابعة والثمانين) يقول فيها إنّ الولايات المتحدة ودول الحلف الأطلسي تسعى إلى تطويق روسيا وحرمانها من سيادتها، ليس عن طريق الحشد العسكري جنوب البلاد وشرق أوروبا فحسب، بل كذلك بمساندة "الثورات الملوّنة"، في إشارة إلى أوكرانيا البرتقالية وجورجيا الوردية. وبعد امتداح الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لأنه يجهد لإحياء "روح روسيا"، شنّ سولجنتسين هجوماً عنيفاً على الزعيم السوفييتي الإصلاحي ميخائيل غورباتشيف لأنه استسلم للغرب، وعلى الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين لأنه واصل الاستسلام ذاته وترأس عمليات النهب الهائلة لموارد البلاد وهبط بها إلى هاوية الفوضى.
كلمة حقّ يُراد بها باطل، لأنها ببساطة تصدر عن انتهازي سابق ومنافق لاحق وديماغوجي قوموي راهن، صعد ذات مرّة على يد الغرب ذاته الذي ينتقده اليوم، ليس بسبب عبقرية ادبية أو سجلّ كفاحي متميّز من أجل الحرّية، بل لاعتبارات تخصّ المعارك الصغيرة التي اكتنفت عقود الحرب الباردة. وحين عاد إلى روسيا بعد أكثر من عقدين في المنفى، معزّزاً مكرّماً مدللاً والحقّ يقال، كان من الطبيعي أن يقترن وصوله بصدور الطبعة الروسية من روايته الشهيرة «أرخبيل الغولاغ»، فتخاطفتها الأيدي وباعت ملايين النسخ. وحين أصدر كتابه التالي «روسيا المنهارة»، لم تتخاطف الأيدي أكثر من ثلث الطبعة، التي كانت خمسة آلاف نسخة أصلاً، في بلد شاسع واسع اعتاد القرّاء فيه على استهلاك الكتب بالملايين وليس بالآلاف.
ما الذي حدث لبطل الحرية هذا، في بلده الأمّ روسيا؟ ثمّ ما الذي حدث له في «العالم الحرّ» الذي احتضنه وروّج لكتاباته كما يروّج لأناجيل مقدّسة في هجاء الإستبداد وامتداح الحرية؟ بعض الإجابة تطوّع بتقديمها المؤرّخ الروسي روي مدفيديف، المنشقّ بدوره: «إنه اليوم يتحدث وكأنه نبيّ أواخر القرن. ولكن مَن الذي يحتاج إلى أنبياء من هذا النوع في مجتمع يتبدّل كلّ شهر، وكلّ يوم»؟ المفارقة لا تقتصر على إعراض الشارع الروسي عن قراءة أبطال الماضي هؤلاء، فرسان بلاغة الحرب الباردة والرموز التي حثّت روسيا على الإنتساب إلى أيّ طور طارىء يقتلع البلاد من تاريخ حافل يمتدّ قرابة قرن، ويشطبه تماماً بما له من فضائل وما عليه ما عليه من جرائر. المفارقة أن سولجنتسين نفسه لجأ إلى الممارسة التي خرج إلى الغرب لكي يكافح ضدّها: الرقابة، وكمّ الأفواه، وتعطيل حقوق فتح السجلات التاريخية!
وفي واقعة شهيرة، استخدم سولجنتسين كلّ نفوذه وصداقاته وعلاقاته السلطوية للحيلولة دون بثّ شريط سينمائي تسجيلي... يصوّر حياته! الغريب أنّ مخرجة الفيلم، أليسيا فوكينا، كانت صديقته الشخصية، وحظيت بامتياز متابعة عودته إلي روسيا، وتغطية رحلة الحجّ النوستالجية التي قام بها إلى مسقط رأسه في قرية كيسلوفودسك، وإذاعة أخبار مشاريعه ومخطوطاته الجديدة. مشكلة الشريط أنه أتى على حكاية ليزافيتا فارونيانيسكايا، السيدة التي استجمعت ـ من ركام آلاف القصاصات الصغيرة المشوّشة ـ مخطوطة رواية «أرخبيل الغولاغ»، وطبعتها على الآلة الكاتبة، ثكّ اضطرت تحت ضغط الاستخبارات السوفييتية إلى الإعتراف بمكان وجود المخطوطة، فعاقبت نفسها على هذه الفعلة، وانتحرت. ولم يكن في وسع الفيلم أن يهمل هذه الواقعة، خصوصاً وأن سولجنتسين لم يعترض على إدراجها أصلاً، لكنّ خطيئة المخرجة تمثّلت في أنها أشارت أيضاً إلى تقاعس سولجنتسين عن تقديم السند (المعنوي فقط!) للسيدة فارونيانيسكايا أثناء محنتها، وقيامه بالعكس: اتهامها بالخيانة والعمالة، ومقاطعتها، بل ورفض السير في جنازتها!
وفي وصلة نفاق صانية، ولأنّ دغدغة الروح القومية الروسية لا بدّ أن تفضي إلى هذا المستوى أو ذاك من استعداء اليهود الروس، أصدر سولجنتسين ثلاثية تاريخية بعنوان «مئتا سنة معاً»، ترصد العلاقات المديدة بين الروس واليهود، لكي تبشّر بالتالي: «الآصرة التي توحّدهم تظلّ قوية تماماً أيّاً كانت الحوادث والمآسي والأزمان والأمكنة والمسافات». المشكلة، هنا أيضاً، أنّ السواد الأعظم من أهل الآصرة، على طرفيها الروسي واليهودي، لم يقبض البشرى من رجل غارق في أرخبيل النفاق!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنة على الإنسحاب السوري من لبنان: أزمة تشتدّ ولا تنفرج
- فلسطين: الماعز أم التمساح؟
- قانا في الذكرى العاشرة: المجازر ومساكنة الذاكرة
- ...كلما ازداد الضوء
- محمد الماغوط: مناشدة البصيرة واستفزاز الباصرة
- إيران النووية: حاضنة التأزّم ومفتاح الحلول
- عبد السلام العجيلي معارضاً
- فرنسا: ردع الليبرالية الوحشية، أم تصويب الديمقراطية؟
- ومضة النفس الأردنية
- الشرنقة والكازينو: ديمقراطيات النقض... ونقض النقض
- اللكمة المضادة
- بوش في سنة الغزو الثالثة: المياه الراكدة، أم غليان الأعماق؟
- حلبٌ قَصْدُنا
- عملية أريحا وسلطة محمود عباس: جريمة مَن التي لا تُغتفر؟
- ما دامت مصر ولاّدة
- حين تشتغل الطواحين بمياه -إيباك- وأحمدي نجاد، سواء بسواء
- العتب على تروتسكي
- بوش في شبه القارة الهندية: الكيل بمكيال -غوانتانامو الصغرى-
- عشب القصيدة
- تصدير الديمقراطية: كيف للسفن أن تمخر بحر الظلمات؟


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - أرخبيل النفاق