أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - هل جرَّبتم؟ !














المزيد.....

هل جرَّبتم؟ !


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 6223 - 2019 / 5 / 8 - 06:01
المحور: الادب والفن
    


هل جربتم أن تستعدوا للموت، وأن تختاروا بأنفسكم اللباسَ الذي تُحبون أن يراكم فيه مَن يُخرجون أجسادَكم من الركام، وأن تسمعوا آخرَ كلماتهم: "كان مهندما جميلا، فتنتشوا طربا وأنتم في غَمرة الموت"؟
هل جربتم أن تسيروا في جنازتكم، وتختاروا مشيعيكم، ومكان قبركم، وأن تكتبوا قبل الجنازة خطبتكم الأخيرة، وأن تختاروا الخطيب والمعزين؟
هل جربتم أن تحفروا قبرَكم بمعولِكم، وأن تُصمموه كما سريرِ نومِكم بالضبط، وأن تختاروا وُشاح دفنكم المُطرَّزَ بلون حرير ثياب عُرسكم؟!
هل جربتم أن تَحضنوا بيوتَكم، وتُقبِّلوا كلَّ زاويةٍ من زواياها قُبلةَ وَداعٍ، وأن تَلمسُوا بأيديكم صورَكم المطبوعة على بلاطها، وأن تستعيدوا بصماتِ أصابعكِم التي اعتادتْ أن تُغازلها كلَّ صباح، وأن تبثُّوا لوعتَكم، وحبَّكم، وشوقَكم الأخيرَ لعتبات بيوتكم، خلالَ المسافة الواقعة بين صاروخين من طائرة، إف 16؟
هل جربتم أن تَقفوا قبل لحظاتِ الفِراق دقيقةَ صمتٍ، أمام كل نافذةٍ، وأن تقرأوا على زجاجِها جزءا من صلاة التضرُّع والخشوع قائلين:
"كُن حنونا أيها الزجاجُ حين تتشظَّى، وتلمس وجهي وصدري، اغْمُرُ جسدي بِقُبلٍ من العِشقِ والهيام، واغرُزُ حبيباتِك البلَّورية الندية اللامعة وشما في قلبي؟
هل جربتم أن تسمعوا صوتَ مفتاح باب البيت، وهو يَنشُجُ آخرَ آهاتِ اللوعة، في آخر تفاصيل علاقته الحميمة مع شريك العمر؟
هل جربتم أن تُشيعوا كلَّ درجة سُلَّمٍ في بيتكم، وأن تعزفوا على بقايا رخامِها سيمفونية خطواتكم على نغماتِ أغنية، الوداع الأخير؟
هل جربتم أن تستنشقوا رائحة احتراق ذكرياتكم، وأن تشاهدوا بأعينكِم بصماتِكم محفورةً على بقايا كلِّ حجرٍ من حجارةِ بيتكم؟
هل جربتم أن تلتقطوا آخرَ صورِ عائلتِكم المعلَّقةَ في حُجرة الجلوس، بلا أجهزة تصويرٍ، وأن تُعيدوا ضبطها وتشذيبها، في برنامج ذاكرتكم، ثم، تلصقونها على صفحات عيونكم الشفافة تبسمون لها بسمةً كومضةِ مصباحٍ أضاءَ متوهجا للمرة الأخيرة؟
هل جربتم أن تُجروا مَسحا سريعا في مخزونِ ذاكرتِكم، لتستعيدوا بقايا لحظاتِ الفرح التي عشتموها، وأجملَ هديةٍ أهديتموها إلى أنفسكم؟
هل جربتم أن تتركوا لوارثيكم أجمل أزهار الوصايا، وأجودِ ميداليات الحِكمةٍ، المسبوكة بذهبِ الحُنكة الخالص، المُطعَّم بألماسِ التجارب، ودُرَرِ الأصداف النادرة؟
أخيرا:
هل جربتم أن تستعيدوا وعيكم بعد الموت، وأن تُفاجأوا بأنكم ما زلتم أحياءَ تُرزقون، وأن مدينتَكم، وهبتْكم حياةً أخرى، وأن حجارةَ بيوتكم لا تُشبه حجارةَ بيوت الأوطان الجُغرافية الأخرى، لأنَّ حجارة بيوت فِلَسطين تتحولُ بفعل ضغط الحنين، وصلابة الانتماء، إلى ألماسٍ يتبرعمُ، يُورِقُ، يُزهر، يُثمر ثمرا جنيا حُلوا سائغا مذاقُه؟
مَن يرغب في خوضَ غِمارِ هذه التجربة عليه أن يتقدَّم بطلبِ لجوءٍ إلى مدينتي، غزةُ!
لم تَعُدْ غزةُ أرضا جُغرافية، فقد فارقَتْ جُغرافيتَها الطبيعية منذ زمنٍ بعيد، وأصبحتْ أثيرا سماويا مُقدَّسا !



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين عند كازانتزاكيس
- شاعرٌ يفرض الجِزية !!
- مرض الكاليغولية
- ما سر نجاح جنرالات العسكر؟
- رفوف مكتبة الكونغرس
- حفيد غاندي
- فن الحوار
- عدوا الإعلام !!
- اليسار البائد في إسرائيل
- سلاح الوثائق
- النكز والنخس
- أسلحة اللعنات
- وظيفتان طريفتان
- شعارات انتخابية إسرائيلية عنصرية
- الفلافل
- الإرهاب اليهودي
- الأحزاب السياسية الإسرائيلية
- زفاف إلى السجن
- عملية ثقافية سرية
- حرب استيطانية


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - هل جرَّبتم؟ !