أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - عبد السلام انويكًة - شجرة عطر الربيع بالمغرب















المزيد.....

شجرة عطر الربيع بالمغرب


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6222 - 2019 / 5 / 6 - 18:01
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


عبد السلام انويكًة
يسجل للمغاربة تفاعلهم القديم مع النبات وما كانوا عليه ولا يزالون من تداوي باعتماد مستخلصاته، كاستشفائي تقليدي طبي تحفظه ذاكرة المجتمع، على ايقاع تجارب وخبرات وعادات تراكمت عبر الزمن هنا وهناك بجهات البلاد. والى جانب ما كان عليه نبات المجال المغربي ولا يزال كمصدر لمواد عطرية عدة، شكل أيضاً أداة تجميل للجسم ونوعاً من الأريحية فيما هو احتفال ديني كان أم أسري. وكانت مشتقات النبات العطري دوماً سوائل برائحة طيبة مفيدة لِما هو نفسي، مؤثرة ايجاباً على كل توتر وقلق ذاتي عصبي..
ولا شك في أن ما تزخر به البيئة المغربية من غنى وتباين وتنوع، يجعل من نباتها العطري مجالا واعداً فيما هو صيدلي طبي وتجميلي، وبقدر تنوع واتساع نبات المجال المغربي بقدر ما هو غير مستغل طبياً وبحاجة للأبحاث دراسات علمية وأوراش استثمار. وكان لطبيعة المجال الجبلي المغربي ونوعية مناخه السائد، أثر معبر على ما هو عليه من غنى نباتي لأعشاب طبية وعطرية، كذا ما هناك من تباين في نوع المكون النباتي وقيمته في الطب والتداوي التقليدي.
وقد كانت الحضارة المغربية عبر قرون بطابع تنوع في التراث والثقافة والعادات ونمط العيش وغيره، باعتباره هذا وذاك إرثاً لا مادياً ضارباً في زمن البلاد. وكثيرة هي مظاهر ما يعكس غنى الثقافة المغربية واحتفالياتها والتي منها ما هو بعلاقة مع الطبيعة عموماً والنبات تحديداً، كما شأن ما يحفظه المجتمع المغربي من أشكال تفاعل في ربيع كل سنة حيث العطر والزهور والورود وتقاليد تقطير وأشكال تعبير ونزهات وشدو وغيرها. ومعلوم أن عطر النبات ارتبط بحياة المغاربة منذ القدم، فكان بموقع رمزي في حياتهم من خلال حضوره واستحضاره في مواعد حياة وممات، وقد نجد مادة العطر أكثر ارتباطاً بما هو ديني من عبادة وتعبير عن حب وعلاقة وتقدير واحتفاء..
وإذا كانت لفظة عطر تعني جميع ما هو طيب فهي ترتبط في الثقافة المغربية الأصيلة وفي ذاكرة المغاربة ب"العطار" الحرفي الناعم الذي يحيلنا على جوانب من عبق تفاعل ورمزية تقاطع دروب وأزقة المدن المغربية العتيقة وأسواقها كفاس ومراكش وتطوان وسلا والرباط وغيرها، وعليه يتداول المغاربة وينعتون منذ زمان بقولهم هذا رجل عطر وهذه امرأة عطرة إذا كان فيهما ما يميز من طيب وطيبوبة، والعطر عند اللغويين إسم عام لِما هو طيب والطيب إسم شامل لكل رائحة طيبة. وللاشارة فإن أقرب المواد للإنسان ولحواسه وتفاعلاته وأحلامه وآفاق حياته، نجد كل ما هو طيب وعطر نباتي أصيل بل لكل من الطيب والعطر علاقة بالجمال وطلب الزينة. وتاريخ علاقة المغاربة بالعطر الطبيعي النباتي جزء من عبق بلادٍ وذاكرتها وثقافتها وحضارتها، كيف لا وجل مدن المغرب العتيقة التاريخية لا تزال تحفظ كثيراً من شواهد ما يثبت ذلك منذ زمن بعيد.
وتذكر المصادر التاريخية المغربية والعربية بعضاً مما هو بعلاقة مع بيع العطور ببعض مدن المغرب العتيقة، ومن هنا ما نجده من تداول وحديث حول زنقة العطارين ببلاد الأندلس ثم بالمغرب لهذه الفترة. ففي فاس مثلا بنيت مدرسة العطارين قرب سوق العطارين الشهير غير بعيد عن جامع القرويين أواسط القرن الرابع عشر الميلادي زمن دولة بني مرين،. بل ومن المؤرخين من يذكر أن فاس كانت أكثر مدن المغرب وبلاد الغرب الاسلامي استيراداً للعطور خلال العصر الوسيط:" مدينة فاس..هي حاضرة المغرب في وقتنا هذا.. لا أعلم بالمغرب مدينة لا تحتاج الى شيء يجلب إليها من غيرها، إلا ما كان من العطر الهندي سوى مدينة فاس". ما يعني كون المغاربة من خلال فاس كانوا على صلة بالعطر وحرف وحرفي العطور، التي هي في الأصل نباتات بمنظر جميل جاذب وريح طيب وشكل زهي ما نجده غالباً في مناطق ذات طبيعة رطبة.
وبقدر ما العلاقة بين الاحتفاء والعطر والطيب بقدر ما يدخل هذا الأخير ضمن تقاليد ضاربة في القدم، كالأعياد والأفراح والزواج والجنائز والدفن وغيرها من أشكال تفاعل حياة الانسان منذ قرون. فكثيراً ما نجد الطيب يحضر في طلب مغفرة ومحبة وجلب حظ وفأل حسن وطمأنينة نفس، هذا لطبيعة ما هناك من علاقة خفية روحية بين الأزهار والورود والانسان. وعليه، فالنفوس دوماً تشعر بنوع من الراحة والروحانية مع رؤية زهور وحدائق ونبات..، ومن هنا إقدام الناس منذ القدم على غرس أشجار زاهرة تنتج الزهور وسط البيوت. وبما أن الموت حالة برعب وأثر خاص في حياة الانسان، عمل هذا الأخير منذ زمان على التخفيف من أثرها وتقديم الدعاء والتوسل عند حدوثها بواسطة العطر وجميع ما هو طيب.
وكان لموقع المغرب وأعاليه من الجبال أثره في تنوع موارده النباتية العشبية الطبيعية، فالبيئة المغربية تحتضن منذ قرون تنوعاً شجرياً مثيراً للاهتمام منه ما يسمح بقيمة عطرية أصيلة كشجرة النارنج. وقد تعامل المغاربة منذ القدم أيضاً مع جميع أنواع النبات العطري باعتباره إرثاً ثقافياً، وعليه نجد النبات وما يستخلص منه لهذا الغرض أو ذاك، يحضر تجليات تجمع الديني والاجتماعي كما الطبخ والعلاج والتزيين والزيارة والاستقبال والترحيب ...ويصنف النبات العطري الى أشكال بتميزات ومواصفات تحددها الدراسات العلمية في هذا الاطار، منها التصنيف المورفولوجي الذي يقوم على الجزء المستعمل الذي يحتوي المادة العطرية الفاعلة، وفي هذا الاطار من النبات من يستعمل بكامله ومنه من تستعمل فقط أوراقه.
وشجرة النارنج التي ارتبطت بالبيئة المغربية منذ القدم وبالمغاربة في المدن العتيقة التاريخية الأصيلة وأريافها، تعني الشيء الكثير لِما تضفيه من قيمة مجالية بيئية على البلاد بأكملها، ومن رمزية في الذاكرة المشتركة خلال ربيع كل سنة كما تشير لذلك نصوص التاريخ في هذا الباب، حيث تميز البيئة بأزهار بيضاء ذات رائحة طيبة هي مصدر عطر طبيعي. ومعلوم أن شجرة النارنج تجود خلال ربيع كل سنة بأزهار يتم تقطيرها بشكل تقليدي، لاستخلاص ما يعرف بماء الزهر. وتعود شجرة النارنج أصل هذه المادة المعطرة (ماء الزهر) وفق ما تذكره المصادر التاريخية، لبلاد الصين قبل أن تنتقل الى جهات أخرى منها المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وتصنف شجرة النارنج ضمن الحمضيات فهي شبيهة بشجر البرتقال. وقد ورد عند بعض المؤرخين المشارقة خلال القرن السادس الهجري، أن المجال الأول من العالم يبدأ من جهة المغرب حيث البحر الغربي المسمى بحر الظلمات(الأطلسي) الى البحر الهندي، وأنه بجزر هذا الأخير أشجار عدة منها النارنج التي تتوفر على زهر يتفتح ويسقط، وأن منه من يتم جنيه وتجميعه وتجفيفه وبيعه لتجار واردين على المنطقة يتجهون به الى جميع الأقطار لعل منها المغرب وفاس تحديداً خلال هذه الفترة.
وبناء على ما أوردته النصوص المصدرية التاريخية، انتقلت شجرة النارنج أصل عطر"ماء الزهر" الشهير بالمغرب والغرب الاسلامي الى بلاد والمغرب الأندلس، حيث المناطق المناسبة من الناحية المناخية تحديداً شمال البلاد وغربها، ومن هنا كان الأندلسيون المهاجرون بفضل في هذه العملية وفي نقل ما ارتبط بها من تقاليد وسبل استغلال خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وبخاصة طرق تقطير أزهار هذه الشجرة واستخراج منها ما يعرف ب"ماء الزهر". هكذا انتقل هذا التقليد الأندلسي الى مدن مغربية تاريخية أصيلة، وانتقلت شجرة النارنج التي كانت بيوت المغرب العتيقة تزين بها فضاءها الداخلي، لِما تضفيه هذه الشجرة من جمال على البيت ومن رائحة طيبة خلال فترة إزهارها، فضلا عما تحاط به أزهار هذه الشجرة من قدسية وقيمة جمالية وتجميلية.
ومن خلال ما حصل من بحث علمي ودراسات حول الهندسة الزراعية عند العرب، يبقى من المفيد الاشارة الى أن شجرة النارنج انتقلت من الأندلس الى المغرب ومنها الى أروبا شمالا، الى جانب أشجار مثمرة أخرى لا تزال تحضر في اللغات الأوربية وتنطق بأصلها العربي، كما شأن شجرة النارنج المباركة التي ملأت مساحات واسعة من بلاد المغرب في الماضي، قبل أن تعرف ما عرفته من تراجع معبر خلال العقود الأخيرة وفي نفس الوقت من ضعف انتاج وحصيلة زهر، بات جلياً أنه بتأثير على تقليد تقطير ماء الزهر وعلى هذا العطر المغربي التراثي الأصيل، إن لم يتم انقاد ما يمكن انقاذه بحماية هذا التراث الطبيعي ورد الاعتبار له..
عبد السلام انويكًة



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة الى رد الاعتبار لشجرة النارنج بالمغرب
- ابن يجبش التازي .. الى حين ..
- مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث
- تاوريرت .. ذاكرة تاريخية شامخة..
- اذاعة فاس..شامخة مفعمة بايقاع تفاعلي مجالي جهوي متميز
- تدبير الجبل بالمغرب.. أية رؤية وأية تنمية
- -كهف الغار-.. القرية والمغارة .. مخزون سياحي طبيعي نوعي ومتف ...
- المراكز الجهوية ورهان تكوين الأطر وتكوينهم المستمر ..
- حول العلاقات المغربية التركية
- منتزه تازكة الوطني .. المغرب
- المغرب وتركيا .. تاريخ في خدمة مستقبل بلدين ..
- من مغرب الحماية .. ذاكرة تلاميذ وطن ..
- فرقة تزي فيزيون للموسيقى المغربية تتألق في بلاطو ضيف ونغم
- تازة: البلاطو الثقافي الفني ضيف ونغم احتفالا باليوم الوطني ل ...
- تازة: حصن البستيون..في زمن القانون..؟؟
- منسقية النسيج الجمعوي التازي
- المجال المغربي ورهان سياحة مياه الاستشفاء
- أكنول بين رحابِ تاريخِ فخرٍ وعِزْ.. وأفقِ رهانِ شجَرةِ لَوْز ...
- تازة: بين سؤال البحث العلمي والأرشيف المحلي ورهان التنمية
- بعض.. من شائك تاريخ المغرب


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - عبد السلام انويكًة - شجرة عطر الربيع بالمغرب