أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - في الحاجة الى رد الاعتبار لشجرة النارنج بالمغرب















المزيد.....

في الحاجة الى رد الاعتبار لشجرة النارنج بالمغرب


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6221 - 2019 / 5 / 5 - 23:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


نباتات بمنظر جميل جاذب وريح طيب وشكل زهي ما نجده غالباً في مناطق ذات طبيعة رطبة.
وبقدر ما هناك من علاقة بين الاحتفاء والعطر والطيب بقدر ما يدخل هذا الأخير ضمن عادات وتقاليد ضاربة في القدم، كالأعياد والأفراح والزواج والجنائز والدفن وغيرها من أشكال تفاعل حياة الانسان منذ قرون. فكثيراً ما نجد الطيب يحضر في طلب مغفرة ومحبة وجلب حظ وفأل حسن وطمأنينة نفس، هذا لطبيعة ما هناك من علاقة خفية روحية بين الأزهار والورود والانسان. وعليه، فالنفوس دوماً تشعر بنوع من الراحة والروحانية مع رؤية زهور وحدائق ونبات..، ومن هنا إقدام الناس منذ القدم على غرس أشجار زاهرة تنتج الزهور وسط البيوت. وبما أن الموت حالة برعب وأثر خاص في حياة الانسان، عمل هذا الأخير منذ زمان على التخفيف من أثرها وتقديم الدعاء والتوسل عند حدوثها بواسطة العطر وجميع ما هو طيب.
وكان لموقع المغرب وأعاليه من الجبال أثره في تنوع موارده النباتية العشبية الطبيعية، فالبيئة المغربية تحتضن منذ قرون تنوعاً شجرياً مثيراً للاهتمام لِما تسمح به هذه الثروة من قيمة عطرية أصيلة منها شجرة النارنج. وقد تعامل المغاربة منذ القدم أيضاً مع جميع أنواع النبات العطري باعتباره إرثاً ثقافياً، وعليه نجد النبات وما يستخلص منه لهذا الغرض أو ذاك، يحضر تجليات عدة تجمع الديني بالاجتماعي كما الطبخ والعلاج والتزيين والزيارة والاستقبال والترحيب...ويصنف النبات العطري الى أشكال بتميزات ومواصفات تحددها الدراسات العلمية في هذا الاطار، منها التصنيف المورفولوجي الذي يقوم على الجزء المستعمل الذي يحتوي المادة العطرية الفاعلة، وفي هذا الاطار من النبات من يستعمل بكامله ومنه من تستعمل فقط أوراقه.
وتعني شجرة النارنج التي ارتبطت بالبيئة المغربية منذ القدم وبالمغاربة في المدن العتيقة التاريخية الأصيلة وأريافها، الشيء الكثير لِما تضفيه من قيمة مجالية بيئية على البلاد بأكملها، ومن رمزية في الذاكرة المشتركة خلال ربيع كل سنة كما تشير لذلك نصوص التاريخ في قديم هو تفاعل المغاربة مع النبات وأمر أصيل تداويهم باعتماد مستخلصاته، كطب تقليدي تحفظه ذاكرة المجتمع وفق تجارب وخبرات تراكمت عبر الزمن هنا وهناك من جهات البلاد. والى جانب ما كان عليه نبات المجال المغربي ولا يزال كمصدر لمواد عطرية عدة، شكل أيضاً أداة تجميل للجسم ونوعاً من الأريحية فيما هو احتفال ديني كان أم أسري. وكانت مشتقات النبات العطري دوماً سوائل برائحة طيبة مفيدة لِما هو نفسي، مؤثرة ايجاباً على كل توتر وقلق ذاتي عصبي..
وما من شك في أن ما تزخر به البيئة المغربية من غنى وتباين وتنوع، يجعل من نباتها العطري الطبي مجالا واعداً في ما هو صيدلي طبي وتجميلي، وبقدر تنوع واتساع نبات المجال المغربي بقدر ما هو غير مستغل طبياً وبحاجة للأبحاث دراسات علمية وأوراش استثمار.
وكان لطبيعة المجال الجبلي المغربي ونوعية مناخه السائد، أثر معبر على ما هو عليه من غنى نباتي لأعشاب طبية وعطرية، كذا ما هناك من تباين في نوع المكون النباتي وقيمته في الطب والتداوي التقليدي.
وعبر قرون من الزمن كانت الحضارة المغربية بطابع تنوع في التراث والثقافة والعادات ونمط العيش، باعتباره إرثاً لا مادياً ضارباً في عمق تاريخ البلاد. بحيث كثيرة هي مظاهر ما يعكس غنى الثقافة المغربية واحتفالياتها التي منها ما هو بعلاقة مع الطبيعة عموماً والنبات تحديداً، كما شأن ما لا يزال يحفظه المجتمع المغربي من أشكال تفاعل خلال ربيع كل سنة حيث العطر والزهور والورود وتقاليد تقطير وأشكال تعبير ونزهات وشدو وغيرها. ومعلوم أن عطر النبات ارتبط بحياة المغاربة منذ القدم، فكان بموقع رمزي في حياتهم من خلال حضوره واستحضاره في مواعد حياة وممات، وقد نجد مادة العطر أكثر ارتباطاً بما هو ديني من عبادة وتعبير عن حب وعلاقة وتقدير واحتفاء..
وإذا كانت لفظة عطر تعني جميع ما هو طيب فهي ترتبط في الثقافة المغربية الأصيلة وفي ذاكرة المغاربة ب"العطار" الحرفي الناعم الذي يحيلنا على جوانب من عبق تفاعل ورمزية تقاطع دروب وأزقة المدن المغربية العتيقة وأسواقها كفاس ومراكش وتطوان وسلا والرباط وغيرها، وعليه يتداول المغاربة وينعتون منذ زمان بقولهم هذا رجل عطر وهذه امرأة عطرة إذا كان فيهما ما يميز من طيب وطيبوبة، والعطر عند اللغويين إسم عام لِما هو طيب والطيب إسم شامل لكل رائحة طيبة. وللاشارة فإن أقرب المواد للإنسان ولحواسه وتفاعلاته وأحلامه وآفاق حياته، نجد كل ما هو طيب وعطر نباتي أصيل بل لكل من الطيب والعطر علاقة بالجمال وطلب الزينة. وتاريخ علاقة المغاربة بالعطر الطبيعي النباتي جزء من عبق بلادٍ وذاكرتها وثقافتها وحضارتها، كيف لا وجل مدن المغرب العتيقة التاريخية لا تزال تحفظ كثيراً من شواهد ما يثبت ذلك منذ زمن بعيد.
وتذكر المصادر التاريخية الوسيطية المغربية والعربية ما هو بعلاقة مع بيع العطور في أماكن خاصة ببعض مدن المغرب العتيقة، ومن هنا ما نجده من تداول وحديث حول زنقة العطارين ببلاد الأندلس ثم بالمغرب لهذا العهد. ففي فاس مثلا بنيت مدرسة العطارين قرب سوق العطارين الشهير غير بعيد عن جامع القرويين أواسط القرن الرابع عشر الميلادي زمن بني مرين 723ه،. بل ومن المؤرخين من يذكر أن فاس كانت أكثر مدن المغرب وبلاد الغرب الاسلامي استيراداً للعطور خلال العصر الوسيط:" ومدينة فاس هذه هي حاضرة المغرب في وقتنا هذا.. لا أعلم بالمغرب مدينة لا تحتاج الى شيء يجلب إليها من غيرها، إلا ما كان من العطر الهندي سوى مدينة فاس". ما يعني كون المغاربة من خلال فاس كانوا على صلة بالعطر وحرف وحرفي العطور، التي هي في الأصل هذا الباب، حيث تميز البيئة بأزهار بيضاء ذات رائحة طيبة هي مصدر عطر طبيعي. ومعلوم أن شجرة النارنج تجود خلال ربيع كل سنة بأزهار يتم تقطيرها بشكل تقليدي، لاستخلاص ما يعرف بماء الزهر وهي تسمية مغربية قد تكون عرفت لأول مرة بفاس ومراكش وسلا.
وتعود شجرة النارنج أصل هذه المادة المعطرة (ماء الزهر) على أساس ما تذكره المصادر التاريخية، الى بلاد الصين قبل أن تنتقل الى جهات أخرى منها المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وتصنف شجرة النارنج ضمن الحمضيات بحيث هي شبيهة بشجر البرتقال. وقد ورد عند بعض المؤرخين المشارقة خلال القرن السادس الهجري، أن المجال الأول من العالم يبدأ من جهة المغرب حيث البحر الغربي المسمى بحر الظلمات(الأطلسي) الى البحر الهندي، وأنه بجزر هذا الأخير أشجار عدة منها النارنج التي تتوفر على زهر يتفتح ويسقط، وأن منه من يتم جنيه وتجميعه وتجفيفه وبيعه لتجار واردين على المنطقة يتجهون به الى جميع الأقطار لعل منها المغرب وفاس تحديداً خلال هذه الفترة.
وبناء على الوارد في النصوص المصدرية التاريخية، انتقلت شجرة النارنج أصل عطر"ماء الزهر" الشهير بالمغرب والغرب الاسلامي الى بلاد والمغرب الأندلس، حيث المناطق المناسبة من الناحية المناخية تحديداً شمال البلاد وغربها، ومن هنا كان الأندلسيون المهاجرون بفضل في هذه العملية وفي نقل ما ارتبط بها من تقاليد وسبل استغلال خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وبخاصة طرق تقطير أزهار هذه الشجرة واستخراج منها ما يعرف ب"ماء الزهر". هكذا انتقل هذا التقليد الأندلسي الى مدن مغربية تاريخية أصيلة، وانتقلت شجرة النارنج التي كانت بيوت المغرب العتيقة تزين بها فضاءها الداخلي، لِما تضفيه هذه الشجرة من جمال على البيت ومن رائحة طيبة خلال فترة إزهارها، فضلا عما تحاط به أزهار هذه الشجرة من قدسية وقيمة جمالية وتجميلية.
يبقى أنه من خلال ما حصل من بحث علمي ودراسة حول الهندسة الزراعية عند العرب، من المفيد الاشارة الى أن شجرة النارنج انتقلت من الأندلس الى المغرب ومنها الى أروبا شمالا، الى جانب أشجار مثمرة أخرى لا تزال تحضر في اللغات الأوربية وتنطق بأصلها العربي، كما شأن شجرة النارنج المباركة التي ملأت مساحات الواسعة بلاد المغرب في الماضي، قبل أن تعرف ما عرفته من تراجع معبر في مساحتها وفي نفس الوقت من ضعف انتاج زهر ، بات جلياً أنه بتأثير على تقليد تقطير ماء الزهر وعلى هذا العطر المغربي التراثي الأصيل، إن لم يتم انقاد ما يمكن انقاذه بحماية هذا التراث النباتي ورد الاعتبار له..



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن يجبش التازي .. الى حين ..
- مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث
- تاوريرت .. ذاكرة تاريخية شامخة..
- اذاعة فاس..شامخة مفعمة بايقاع تفاعلي مجالي جهوي متميز
- تدبير الجبل بالمغرب.. أية رؤية وأية تنمية
- -كهف الغار-.. القرية والمغارة .. مخزون سياحي طبيعي نوعي ومتف ...
- المراكز الجهوية ورهان تكوين الأطر وتكوينهم المستمر ..
- حول العلاقات المغربية التركية
- منتزه تازكة الوطني .. المغرب
- المغرب وتركيا .. تاريخ في خدمة مستقبل بلدين ..
- من مغرب الحماية .. ذاكرة تلاميذ وطن ..
- فرقة تزي فيزيون للموسيقى المغربية تتألق في بلاطو ضيف ونغم
- تازة: البلاطو الثقافي الفني ضيف ونغم احتفالا باليوم الوطني ل ...
- تازة: حصن البستيون..في زمن القانون..؟؟
- منسقية النسيج الجمعوي التازي
- المجال المغربي ورهان سياحة مياه الاستشفاء
- أكنول بين رحابِ تاريخِ فخرٍ وعِزْ.. وأفقِ رهانِ شجَرةِ لَوْز ...
- تازة: بين سؤال البحث العلمي والأرشيف المحلي ورهان التنمية
- بعض.. من شائك تاريخ المغرب
- بعض من غير المألوف في تاريخ المغرب


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - في الحاجة الى رد الاعتبار لشجرة النارنج بالمغرب