أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية - أندري هنري - العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري















المزيد.....



العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري


أندري هنري

الحوار المتمدن-العدد: 1537 - 2006 / 5 / 1 - 11:59
المحور: ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
    


تقديم
هذا الكتيب شهادة فريدة لسببين:

يعرض فيه قائد عمالي صقلته التجربة النضالية تفاصيل معارك ساهم فيها، وسمحت لعمال قطاع الزجاج بشارلوروا Charleroi بإحراز إحدى الانتصارات الناذرة بالنسبة للطبقة العاملة الفالونية والبلجيكية والأوروبية ضد الهجوم الذي شنه أرباب العمل في السنوات الأخيرة على الشغل (وفي هذه الحالة بالضبط: شركة B S N متعددة الجنسيات). يشرح الكاتب شروط هذا للانتصار: بلوغ الوحدة العمالية بالحرص على احترام الديموقراطية العمالية والنقابية، ترسيخ تقاليد عمل نقابي كفاحي متعارض مع سياسة التعاون الطبقي، البناء التدريجي لتيار يساري نقابي يحفّز التنظيم الذاتي للطبقة العاملة.

يعمم هذا القائد العمالي تجربته ويستخلص من هذه المعارك بعض قواعد النضال العمالي العامة في جميع البلدان الرأسمالية الصناعية اليوم. فهو يشرح أصول البيروقراطية النقابية وما تضعه من عوائق أمام النقابيين الكفاحيين، ويلفت نظر العمال الطليعيين، لاسيما الثوريين، إلى ضرورة النضال لأجل تقوية المنظمة النقابية وليس إضعافها (وهو ما أفلح فيه بجلاء في منشأته حيث بلغت نسبة المنظمين نقابيا 100%). كما يوضح العلاقات المتبادلة بين النشاط النقابي والنشاط السياسي في خضم نضال الطبقة العاملة الطويل من أجل انعتاقها. ويثبت أيضا العلاقة المتبادلة بين لجان الإضراب والمكاتب النقابية من جهة، وبين النقابة (واليسار النقابي) والحزب الثوري من جهة أخرى.

شيئا فشيئا، ودون أن يفطن القارئ، يبسط الكاتب استراتيجية ثورية اشتراكية بأكملها، مبنية على التنظيم الذاتي للطبقة العاملة، وعلى الإضراب العام المفضي إلى ازدواجية السلطة، وعلى التسيير الذاتي الإشتراكي المرتكز على المجالس العمالية.

ويتجنب في هذا كله الكلمات الطنانة والجمل الضخمة، مستعملا أسلوبا واضحا وبسيطا في متناول مناضل نقابي متوسط. وتجد هذه الأهمية البيداغوجية الفائقة تفسيرها في ما ينطوي عليه الكاتب من حس طبقي. فرفيقنا أندريه هنري يعرض جوهر وعي العمال الطبقي بالذات: رفض كل ما يشتت العمال ويجزئهم، ما يذررهم ويحبطهم، ورفض كل ما يغذي سلبيتهم وتبعيتهم للآخرين، وتحفيز كل ما يساعد على وحدتهم وانسجامهم وعلى تعبئتهم، كل ما يساعد على زيادة بصيرتهم السياسية والثقة في قواهم الخاصة.

تنطوي كل صفحة من هذا الكتاب على شعار الحركة العمالية القديم، والذي يحتفظ اليوم بكامل حاليته وحقيقته أكثر من ذي قبل: تحرر العمال سيكون من صنع العمال أنفسهم. سنظيف له تعليقين مقتضبين: ستكون الاشتراكية من صنع جماهير العمال أو لا تكون. وسيتم إنقاذ الحضارة عبر تحرر العمال المبني على التضامن الأممي وإلاّ سحقها الرأسمال بأنانيته ومنافسته الشرستين، بوحشيته ولا عقلان يته المتنامية.

يجب توزيع هذا الكتاب، الذي يشرف رابطة العمال الثورية والأممية الرابعة، في جميع المنشآت والمنظمات النقابية. فهو يستحق المطالعة والتفكير من قبل جميع مناضلي الفدرالية العامة للعمال البلجيكيين F.T.G.B و C.S.C. وجميع الاشتراكيين والشيوعيين والثوريين الذين يبحثون عن سبل تحرر العمال وبلوغ الاشتراكية في بلدنا.

على كل من طالع هذا الكتاب، أن يدرك بأن النظرية التي يعرضها – فهو كتاب نظري بكل ما في الكلمة من معتى- لم تنتج عن تأملات المثقفين، بل صاغها مناضل عمالي عملي ساهم نشاطه في إحراز مكاسب فعلية لقطاع كامل من طبقتنا العاملة. هذه النظرية نتاج خالص للتجربة والحياة، وهو ما يمنحها كل قيمتها ويضمن لها مستقبلا أكيدا.

أرنست ماندل.


--------------------------------------------------------------------------------

مقدمة
لا يدعي هذا الكتيب تحليل كل مظاهر العمل النقابي والسياسي في عالم الشغل. فهو لا يتناول سوى بعض النقط الأساسية لإرساء عمل نقابي كفاحي وديموقراطي متمحور حول تسيير العمال الذاتي للنضالات. كما أنه لا يتناول مسألة الحزب الثوري، الأداة الضرورية للقضاء على الرأسمالية، إلاّ بشكل عابر.

يكمن همنا الأساسي في مساعدة النقابيين الطليعيين على حل مشكلتين مركزيتين تواجههما يوميا:

أي موقف يجب اتخاده إزاء المنظمات النقابية وإزاء البيروقراطية المتحكمة فيها؟ كيف سننظم العمال في النضال اليومي ضد الاستغلال الرأسمالي لحملهم على اعتماد استراتيجية ثورية تفضي إلى بناء الاشتراكية؟

ذلك لأن الفكرة الرئيسية التي يجب على مناضلي الطليعة استحضارها دائما هي أن الأزمة الرأسمالية تدرج في جدول الأعمال، أكثر من أي وقت مضى، بناء التسيير الذاتي الاشتراكي. إنها تفرض على الحركة العمالية، إذا أرادت التحرر من تأثير الإصلاحية، أن تجدد النضال من أجل المطالب الانتقالية التي تصطدم مع منطق الاستغلال الرأسمالي نفسه. ومن بين هذه المطالب، تعد المراقبة العمالية والتأميمات دون تعويض أو استرداد إحدى الأهداف التي لا تعوض. ويجب ربطها بأشكال نضالية فعالة تهيئ العمال للتحكم في مصيرهم الخاص ومصير المجتمع، كما يهيئ السلطة الديموقراطية للمجالس العمالية. ويرتبط العمل النقابي الكفاحي الكفيل وحده برسم هذا الطريق، في المقام الأول، بوعي الطليعة العمالية وبإصرارها على توحيد النضالات العمالية إبان المعارك اليومية. لهذا يخصص هذا الكراس حيزا كبيرا لتجربة المعارك العمالية الملموسة.

ربما يشك البعض في كون هذا الكراس كتبه عامل يدوي لم يتجاوز طور التعليم الإبتدائي. وإذا أُشير إلى هذه المسألة هنا فلأنها تكتسي أهمية سياسية. فالمجتمع البورجوازي هو المسؤول عن هذا الواقع. ومن المؤكد أن المؤلف لم يتلقن على مقاعد المدرسة البورجوازية ما جمعه في هذا الكتاب. يعود الفضل في تكويني السياسي بالدرجة الأولى إلى أبي، الذي كان من قدامى المناضلين التروتسكيين والذي سمح لي بالتقدم سريعا على الطريق الصحيح، كما يعود إلى إنضمامي إلى صفوف الأممية الرابعة وإلى فرعها البلجيكي، رابطة العمال الثورية L.R.T.. ولهذه النقطة الأخيرة أهميتها: لا يكفي لحزب أن يعلن نفسه ثوريا لكي يستطيع منح تكوين سياسي ماركسي ثوري لعامل. يفترض هذا وجود حزب تسود فيه ديموقراطية واسعة وتنتقي فيه العصبوية، حزب يستند على التجربة التاريخية للحركة العمالية العالمية وقادر على استخلاص دروسها بدون دوغمائية. هذا كل ما وفره لكاتب هذا الكراس إنخراطه في صفوف الأممية الرابعة.

سأختم هذا التقديم بتشكراتي للرفيق آلان توندور (Allain Tondeur) لما قدم لي من مساعدة ثمينة لصياغة هذا الكتاب. إنها حجة إضافية على أن الإنسجام بين العمال اليدويين والذهنيين ليس كلاما فارغا بقدر ما هو واقع ملموس للمنظمة الثورية.

جيلي في 27 أبريل 1977


--------------------------------------------------------------------------------

1- الصعوبات التي تعترض الطليعة النقابية
منذ عشرات السنين والسياسة الاصلاحية لمنظمات الحركة العمالية التقليدية تخون المصالح الحيوية للطبقة العاملة. يقتضي إحداث ثغرة في الصرح الرأسمالي والسير في طريق الاشتراكية أن تقوم الطليعة العمالية الواعية والثورية بتخليص الحركة العمالية من أساليب الاصلاحية المبتذلة. ولبلوغ ذلك، لابد لها من أن تتهيكل وتنسق نشاطها وفق روح وحدوية، وقبل كل شيء في الممارسة النقابية اليومية. إن المنظمات النقابية تجمع حقا أكثر من 70% من شغيلة بلدنا، وهي وحدها القادرة على تعبئة عشرات ألوف العمال. وليس مظاهرة 13 مارس 1976 التي دعت إليها الفيدرالية العامة للعمال البلجيكيين F.T.G.B. والتي ضمت 100 ألف مشارك سوى تأكيد لذلك. إنها أيضا منظمات الحركة العمالية التي يناضل فيها العمال جنبا إلى جنب كيفما كانت مشاربهم السياسية، وتضم مناضلي الحركة العمالية الأكثر وعيا. للأسف، لم تفلح بعد الطليعة العمالية والنقابية، القادرة وحدها على كسر العمل الروتيني الإصلاحي، في العمل بشكل منسق.

هذا الواقع لا يقبل الجدل، لكن ما هي أسبابه؟

إنها بالطبع متعددة، وسنذكر أهمها:

غياب الديموقراطية داخل المنظمات النقابية نفسها. انقسام المركزيات المهنية وغياب الصلات بين مناضلي مختلف الجهات داخل القطاع الواحد. عدم فهم الطليعة لطبيعة البيروقراطية النقابية مما يؤدي إلى غياب الآفاق السياسية بصدد طريقة مواجهتها . الخلافات السياسية في أوساط الطليعة. عدم إدراك طبيعة العمل النقابي اليساري من قبل بعض المنظمات السياسية الطليعية (خصوصا المجموعات الماوية) أو امتلاكها لتصوير خاطئ له.

لاينجم عن تنافرها الطليعة النقابية اعاقة تغيير موازين القوى بين القاعدة والقمة فحسب، بل يفسر أيضا عناء الطليعة العمالية في استخلاص دروس تجارب السنوات الأخيرة بانتصاراتها وهزائمها. ففي غياب هيكلة تنظيمية، يحلل كل واحد داخل منشأته بطريقته الخاصة، ويتمادى العصبويون، بناء على اعتقاد احتكار «الخط الصحيح»، في زرع تشويش ناعتين الجميع بالخيانة والجبن… لكن العمال برهنوا مرارا على استغنائهم عن عصبويين وعن عناصر تقوم بدور كبار المفكريين ذووي الجمل الطنانة. لذا تراهم ينصرفون عنهم مطالبين بمناضلبن صادقين وجديين، يعرفون كيف يتحملون مسؤولياتهم وكيف يقودونهم إلى انتصارات فعلية.

ثمة كثرة من المناضلين والمناذيب وحتى من المتفرغين للنقابة يريدون النضال من أجل نقابة مكافحة. لكن ثقل الأجهزة النقابية الهائلة وكبحها للنضالات، جعلا العديد من العمال يتراجعون أو يترددون. ومن جهة أخرى، يعد تشتت الطليعة عامل إحباط في حد ذاته. إنه باعث إضافي للإسراع في هيكلة اليسار النقابي، بدءا بتبادل التجاري المعاشة وبالتنظيم على قاعدة حد أدنى من المطالب . لقد باث ملحا أكثر فأكثر أن نبرهن بالممارسة على العمل النقابي الكفاحي والديموقراطي وعن تفوقه على التوافق والتعاون الطبقيين.


--------------------------------------------------------------------------------

2- البيروقراطية النقابية
كل المنظمات التقليدية للحركة العمالية المتبقرطة، سواء منها الأحزاب السياسية أو المنظمات النقابية. وتشبه بيروقراطيتها تلك القائمة على السلطة العمالية المنحطة بيروقراطيا، سواءا في الصين أو في بلدان أوروبا الشرقية. وثمة ميزة مشتركة بين جميع الأجهزة البيروقراطية يمكن اعتمادها كتعريف: أبدا لن تمنح المبادرة التنظيمية للطبقة العاملة، وستتصدى دائما لكل ديموقراطية فعلية تمارس على كافة الأصعدة السبب هو أن البيروقراطية الشريحة دات الإمتيازات انتزعت، تاريخيا ومنذ نشأتها، حقوق وكذا سلطة مجموع العمال الذين تدعي تمثيلهم. وتوسع البيروقراطية هذه الامتيازات خلال تطور المنظمات العمالية، وتخلق لنفسها نمط حياة جديدة تفوق معدل نمط حياة منخرطيها، ويقترب من نمط حياة البورجوازية الصغيرة. وفي نفس الوقت تضع طرقها الخاصة للعمل والنضال داخل المنظمة نفسها، لتتيح لها الحفاظ على تلك الإمتيازات وتطويرها.

إن البيروقراطية إذا شريحة اجتماعية لها جذورها داخل الحركة العمالية ومشدودة إليها بآلاف الروابط. وإن وضعها كشريحة لها امتيازات، المستمدة من دورها كممثل للعمال داخل النظام الرأسمالي نفسه، يفسر كون البيروقراطية لها كامل المصلحة في الحفاظ على هذا النظام الذي تعيش في ظله. لذا، نراها تبدي حرصا شديدا على أن لا يصطدم الملف المطلبي للمنظمة التي تمثلها بأسس النظام الرأسمالي وباقتصاد الربح. سيتشكل خطها السياسي بالأحرى، من إصلاحات تهدف إلى تلطيف تجاوزات النظام الرأسمالي دون أن تسعى إلى تدميره. هكذا إذن، تشكل البيروقراطية قاعدة إصلاحية. لم نَشهد قطّ في تاريخ الحركة العمالية وجود منظمة إصلاحية بدون بيروقراطية، وذلك لسبب بسيط، هو أن الديموقراطية البروليتارية ثورية في جوهرها بالذات. ولن نبالغ إن قلنا إن البيروقراطية، سواء نشأت داخل منظمة أو داخل دولة عمالية، تكبح إنعتاق الطبقة العاملة وتعيش على حساب المصالح الحيوية لهذه الطبقة.

على النقابيين الكفاحيين أن يناضلوا إذن على واجهتين: ضد الرأسمالية وضد البيروقراطية. لكن لا يعني ذلك أن هذين الخصمين متساويان كما يدعي اليساريون المتطرفون الذين لا يكفون عن التشهير بـ«عملاء البورجوازية داخل الطبقة العاملة»، ويصلون إلى حدّ نعت البيروقراطيين الاصلاحيين بـ«الاشتراكيين الفاشيين» يلزمنا أن ندلي بعدة ملاحظات بهذا الصدد.

الأولي، هي أن البيروقراطية تنتمي للحركة العمالية. والدليل على ذلك تعرضها هي أيضا للقمع عند سحق الحركة العمالية، أي في حال انتصار الفاشية.

الثانية، هي أن البيروقراطية الإصلاحية تهيمن اليوم داخل الحركة العمالية وتقودها. والعمال ليسوا مستعدين لإنكار قيادة لمجرد أننا نشرح لهم تخليها عن مصالحهم الحقيقية. فهم في حاجة إلى قيادة بديلة ذات مصداقية، لاسيما وأن السياسة الاصلاحية تعبر عن مستوى وعي بدائي لدى العمال الذين لا يتخدون مواقف ثورية بشكل مباشر.

الثالثة، هي أن البيروقراطية، لاسيما النقابية، ليست منسجمة سياسيا. فالتجربة تبيّن بأن كل متفرغ للنقابة ليس بالضرورة بيروقراطيا. ومن جهة أخرى، توجد خطوط سياسية وطرق عمل مختلفة في صفوف البيروقراطية النقابية. هكذا جرى التعرف على ظواهر مختلفة اختلاف البيروقراطية الروناردية عن باقي جهاز الفيدرالية العامة لعمال بلجيكا، أو S.E.T.C.A. مع مركزية عمال التعدين، أو هذه الأخيرة مع U.B.O.T.. ونفس الشيء بالنسبة لـ C.S.C. حيث تختلف مواقف الفيدرالية الفالونية و الفلامندية بشكل كبير ، في الوقت الذي توجد فيه C.S.C الفالونية على يسار المنظمات الجهوية الفالونية الأخرى، الخ.

إذن، يتوجب على المناضل الذي يعمل لأجل بناء نقابة كفاحية أن ينطلق من المصالح الموضوعية للعمال، وليس من مبادئ كبرى وتشهيرات لفظية. عليه أن يضع في المقدمة الأشكال التنظيمية الأثر نجاعة للنضال، أي أجهزة الديموقراطية العمالية، التي تشكل أيضا الإطار الوحدوي الذي يتيح لجماهير العمال الحكم على مختلف التيارات السياسية للحركة العمالية بالارتكاز على التجربة الملموسة. في هذه الشروط، وإزاء الاختيار بين خطين للعمل لن يفقد العمال البوصلة مادام لديهم بديل عن السياسة البيروقراطية. يتوجب على المناضل الكفاحي، وهو يسعى لإرساء خط يساري أن يراعي التمايزات داخل الأجهزة البيروقراطية حسب المناطق أو الفروع المهنية. لذا لا يمكن بناء يسار نقابي على قاعدة برنامج موضوع من جانب واحد، على الأقل خارج المطالب الآنية: إن بناء يسار نقابي مسألة تكتيكية بقدر ما هي برنامجية.


--------------------------------------------------------------------------------

3- كيف يجب أن يعمل نقابيٌُّ كفاحي؟
رغم ثقل الجهاز البيروقراطي الخانق، سيرتكب المناضلون الطليعيون أو الثوريون خطأ جسيما إذا غادروا المنظمات النقابية بذريعة أنها تكبح العمل المباشر أو حتى تنسفه. تكمن مهمتهم الأولى، بالعكس، في التشبت بالمنظمة النقابية، مهما كانت الصعوبات، والقيام بكل الجهود لتدعيمها. عليهم أن يتألقوا داخلها كأفضل المناضلين، وأن يعملوا في نفس الوقت، على تغيير موازين القوى بين القاعدة والبيروقراطية. إن هدف المناضلين الكفاحيين هو تنظيف المنظمة النقابية من الفساد البيروقراطي، وذلك بإدخال الديموقراطية العمالية الواسعة إليها باستمرار، بدءا من المنشآت. يتوجب على المناضلين الكفاحيين، لا سيما الثوريين، أن يدركوا أن عليهم، وهم يلتحقون بالمنظمة النقابية، أن يثبتوا جدارتهم أولا كنقابيين. لذا، عليهم أن ينبذوا كل عصبوية وكل نزعة يسارية متطرفة حتى في وجه البيروقراطية. فالعمال متعطشون للديموقراطية والوحدة، وسينصرفون عن كل من ينشر الشتائم والسلوكات الخبيثة داخل المنظمة النقابية. سينتهي الصراع بين بيروقراطي فاسد ومناضل كفاحي دائما لصالح الأول، إذا لم يبين الثاني دفاعه الحازم عن الوحدة والديموقراطية في صفوف العمال. وهذا ما يجهله، للأسف، المنظمات الماوية العصبوية، وأيضا بعض مناضلي القاعدة في الطليعة العمالية الذي يجهلون التكتيك النقابي.

ثمة سبب إضافي لهذا السلوك يمكن فهمه بسهولة إنطلاقا من هذا المثال: إذا هجمت البورجوازية على متفرغ للنقابة، ولو كان يمينيا، وقدمته للمحاكمة، ألن يكون من واجب المناضلين النقابيين، خصوصا الذين اختاروا النضال النقابي الكفاحي، النضال لأجل الدفاع عنه؟ بالطبع ذلك واجبهم، وسيكون مستحيلا إذا كان هذا المتفرغ عرضة للسب والشتم طيلة سنوات. والحال أن على النقابيين الكفاحيين أن يكونوا أفضل المدافعين عن هذا الرفيق، وذلك لأسباب عديدة:

1.لا يسمح أي نقابي بتدخل البورجوازية في شؤون عالم الشغل، ومعاقبة مناضلي منظماته. 2.سيعتبر هكذا هجوم عدوانا على مجموع المنظمات العمالية وعلى مجموع الحركة العمالية. 3. تسوي الحركة العمالية شؤونها الداخلية بنفسها. فنقد أنشطة المناضلين أمر لا يهم أحد خارج الحركة العمالية، ويجب حسمه بالنقاش الديموقراطي داخل المنظمات العمالية.

إن المناضلين الذين لا يفهمون هكذا سلوك سيفيدون العدو الطبقي والبيروقراطية في آخر المطاف. وذلك لأن الدفاع عن المناضلين والمسؤولين النقابيين، مهما كانوا، ضد العدالة البورجوازية، هو الذي سيضع حدا لكل الافتراءات والإشاعات الكاذبة التي تروجها الأجهزة عن «اليسراويين المعادين للنقابة»، و«مشتتي الصفوف» الذين «يسيئون إلى العمل النقابي». يجب أن نبرهن على العكس، مما سيتيح لنا إمكانية تطوير نقاش مفيد حول تصور النضال النقابي، ليس فقط في ظل النظام الرأسمالي ولكن أيضا في المجتمع الإشتراكي.

تمثل المنظمات النقابية أدوات نضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي. لذا، ورغم كل نواقصها، يجب أن يكون همنا الأساسي هو الدفاع عنها وتدعيمها.

كما قلنا سابقا، على المناضل الكفاحي أن يحتمي من خطرين: الباطرونا والبيروقراطية النقابية. لذا عليه أن ينتبه لأدنى ردود الفعل والهجمات التي تصدر عن الأعداء. تكمن قوته بالضبط، في توقع كل ما يحاك ضده من مناورات في حينها، وبالتالي الاستعداد تنظيميا، عبر التوجه إلى العمال والاعتماد على تعبئتهم. وليس ثمة وصفة جاهزة أو خطة واضحة مرسومة سلفا، وحدها التجربة الفردية والدروس التاريخية تقدم سندا. هذا علاوة على ضرورة الإعتراف بالأخطاء وتقديم نقد ذاتي عند الإقتضاء. لذا، على المناضل الكفاحي أن يتسلح بالصبر وأن يتعلم تجنب حرق المراحل، وأن لا تحبطه الإخفاقات، وبالخصوص عليه أن يراعي دوما موازين القوى القائمة. وإذا تعرض للهجوم من هذه الجهة أو تلك، عليه أن يعمل كل ما في وسعه لتعديل موازين القوى لصالحه، بدءا بمنشأته، بالارتكاز على العمال وبتجنب اتخاذ قرارات تصعيدية أو الإدلاء بتصريحات صاخبة. إن الجرأة وحدها والاندفاعات الكبيرة لا تجديان في شيء. فإلحاق الهزيمة بعدو، مهما كان، يكمن في تلك الإدراك وبعد النظر وكذا في التنظيم الناجع لقواعد العمال.

على المناضل الكفاحي أن يظهر كأفضل النقابيين، وأن يكون مستعدا لتدعيم المنظمة النقابية على الدوام. عليه أن يكون أكثر المدافعين إخلاصا عن الوحدة والديموقراطية العمالية داخل منشأته وخارجها. عليه أن يكون أفضل المدافعين عن العمال وأن يحضر كل التجمعات أو الاجتماعات ويتدخل فيها بشكل ملموس ليجيب على المشاكل الملموسة التي تعترض رفاقه، وأن يعرف كيف يتحمل مسؤولياته. عليه أن ينتبه على الدوام وأن يتفهم المشاكل الإنسانية العديدة التي تطرح داخل منشأته.


--------------------------------------------------------------------------------

4- الخط السياسي العام للعمل النقابي الكفاحي والديموقراطي
إذا كانت النقابة هي المنظمة التي تضطلع بمهمة الدفاع عن مصالح العمال الآنية مع النضال ضد الاستغلال الرأسمالي، فمن الأجدى أن نتسائل عن أكثر الطرق فعالية لبلوغ هذا الهدف:أهي سياسة التعاون الطبقي أم العمل المباشر؟ لن نكون يساريين متطرفين دوغمائيين إذا استندنا إلى التجربة التاريخية وقلنا إن الطريقة الثانية هي الأكثر صوابا. يجب طرح المسألة من زاوية الصراع الطبقي، أي من زاوية عدم تطابق مصالح المستغلين ومصالح المستغلين. فليس بين هاتين الطبقتين، ولا بين سياسة الهيمنة البورجوازية وسياسة انعتاق الطبقة العاملة، أي تعاون ممكن. ولا يعني هذا طبعا رفض الحركة العمالية لكل مساومة: فطالما لم تجر الإطاحة بالرأسمالية نفسها، سيضطر العمال ومنظماتهم للتفاوض. وهذا يختلف مع سياسة التعاون الطبقي التي تعني التفاوض الممنهج على أمل تسوية المشاكل بطريقة «ودية» حول مائدة مستديرة.

يعتبر النضال من أجل الشغل مثالا ساطعا على فشل سياسة التوافق الطبقي. فقد عجزت هذه الأخيرة على إيقاف نزيف الشغل، خصوصا في فالونيا، لا بل سرعت وثيرته. إذ استعمل الرأسماليون الإعانات التي منحتها الدولة بمباركة المنظمات النقابية، وأحيانا بناء على طلبها، لترشيد سير منشآتهم عبر طرد المستخدمين. وذلك في أحسب الحالات، لأن منشآت عديدة أغلقت أخيرا أبوابها بعد الإفادة طوال سنوات من هذه الإعانات.

عندما نتفحص الوضعية مليا نجدها عبثية: لم يعد بمقدور الرأسمالية أن تدوم دون مساعدة الدولة التي لا يمكن أن تدوم بدورها دون الضرائب المقتطعة من عائدات العمال. ويتكرر نفس الوضع في كل البلدان الرأسمالية المتقدمة. سعيا للحصول على المساعدات التي تمكنهما من البقاء، تدفع الرأسمالية ودولتها المنظمات النقابية والسياسية للطبقة الكادحة إلى سياسة تعاون هي شرط الحفاظ على النظام الرأسمالي، طالما بقيت الحركة العمالية قوية لمواجهة هجوم مباشر. ولا تريد المنظمات العمالية المبقرطة بدورها إثارة توجه آخر، لأنها إصلاحية ولأن وجودها وامتيازاتها رهينان بالحفاظ على النظام القائم: فقبول خط سياسي مناهض للرأسمالية يعني، بالنسبة للبيروقراطية، قبول حفر قبرها الخاص. لهذا، عندما يتجاوز النضال الطبقي الحدود التي سطرتها البيروقراطية ويغذو مهددا لأسس النظام الذي تعيش في ظله، سرعان ما ترد هذه البيروقراطية باستعمال نعوث من قبيل «مغامرين»، «لا مسؤولين»، الخ. فهي مستعدة للقيام بكل شيء لإفشال إضراب يهدد سلطتها ويمكن أن «يتوسع» على المستوى الجهوي أو الوطني. وستصل مستوى طرد مناضلين أو حتى فروع من المنظمات النقابية، لا بل فيدراليات بأكملها إذا اقتضى الأمر ذلك.

يمثل السلم الاجتماعي الذي توقعه البيروقراطية عن رضى وقبول مثالا آخر لسياسة التعاون الطبقي. سنعود إلى هذه المسألة فيما بعد، ولكن نشير إلى أن هذا السلم الاجتماعي في صالح رب العمل، إذ يتيح القيام بتخطيط دقيق لتكاليفه، الأمر الذي يكتسي، أكثر فأكثر، أهمية حيوية في المنشآت الرأسمالية الكبرى كما يفيد الأجهزة البيروقراطية بضمان مصالحها الخاصة من خلال تكريس النظام الرأسمالي.

تبين الأزمة الحالية عدم تبدّل الرأسمالية، خلافا لما جرت محاولة إقناعنا به إبان فترة الازدهار الاقتصادي الطويلة التي أعقبت الحرب. فطيلة سنوات، قامت المنظمات العمالية الاصلاحية بهذا الدور، و شرحت لنا أن الرأسمالي تبدلت، و أنها قامت بإصلاح أخطاء ما قبل الحرب، وأصبحت أكثر إنسانية، وبأنها لن تشهد بعد الآن أزمة اقتصادية شبيهة بما حصل في الثلاثينات. واليوم، تؤكد الأزمة تحاليل الماركسيين-الثوريين الذين ظلوا، على العكس، يدافعون على أن الرأسمالية لم تتغير وأن للازدهار حدودا. وهنا ندرك الهدف الوحيد الذي تضمنه خطاب الاصلاحيين: تبرير سياسة تعاونهم الطبقي. كما ندرك أيضا أن هذه القيادات التقليدية نفسها لا تقوم بتغيير تحليلها وممارستها وهي تواجه أزمة تعد الأخطر من نوعها منذ الحرب الأخيرة: فكل من القيادات النقابية أو الحزب الاشتراكي البلجيكي وحتى الحزب الشيوعي الذي يتمسك بـ«الشقيق الأكبر» الاشتراكي، لا يعبئون العمال في أفق مناهضة الرأسمالية.

والحال أنه لم يعد بمقدور الرأسمالية المتأزمة أن تمنح أي شيء للعمال، بل إنها تحاول استرجاع ما تنازلت عنه سابقا. وهذا هو مغزى الهجمات المتتالية ضد ربط الأجور بالأسعار وضد الحماية الاجتماعية وضد العاطلين، الخ. تريد البورجوازية أن يؤدي عالم الشغل ثمن ازمتها كي تستعيد ربحها. وفي ظل هذه الشروط، يمكن أن نتسائل: ماذا سيحدث إذا استمرت المنظمات العمالية في نهج سياسة الاصلاح والتعاون الطبقي؟ في الواقع، ثمة خطر حقيقي في أن تقوم البيروقراطية النقابية بدور الحكم، بل وحتى دور الدركي في الصراع بين ارباب العمل والشغيلة. وعلى المدى الطويل، إذا استقرت بطالة جماهيرية دائمة وإذا جرى الشروع في ضرب مكاسب الحركة العمالية، قد يمثل خطر إصابة العمال بالإحباط والتذمر، وإضعاف العمل النقابي وبالتالي إضعاف الحركة العمالية برمتها بما في ذلك الإصلاحيين. لذا نقول إن البيروقراطية تقوض أسس وجودها و هي تنهج سياسة التعاون الطبقي. و على كل حال،هذا سبب إظافي للإسراع بتنظيم الطليعة النقابية على أساس برنامج نضال طبقي.


--------------------------------------------------------------------------------

5- من أجل ديموقراطية نقابية حقيقية
يتشبث الجميع بالديموقراطية وبسير عمل ديموقراطي داخل الحركة العمالية، لكن يطبقها كل ممثل وكل تيار وفق تصوراته وأساليب عمله. وهذا بكل تأكيد ما يجعل الديموقراطية تبدو غالبا كلمة طنانة، رغم أنها تمثل إحدى أقدم أهداف العمال داخل منظماتهم وعلى كافة المستويات. قد يقول البعض: على كل حال، ربما تبدو الديموقراطية صعبة التطبيق من طرف قادتنا الذين تثقل المهام كاهلهم، ولا وقت لديهم لدراستها وممارستها. إننا مضطرون لإنقاد هؤلاء الرفاق من ضلالهم هذا. فكيفما كانت طبيعة البيروقراطية، تشكل الديموقراطية العمالية خطرا قاتلا لها، حيث أنها تستتبع استعادة العمال لسيطرتهم على المنظمة النقابية، وتتيح الدفاع عن مصالحهم الخاصة وليس على مصالح الشريحة البيروقراطية.

لماذا إذن يدافع البيروقراطيون الاصلاحيون عن الديموقراطية؟ لأن الديموقراطية التي يقصدون هي في الواقع ديموقراطية بورجوازية، أي برلمانية، وليست ديموقراطية بروليتارية. إن ما يدافع عنه الإصلاحيون هو إطار الديموقراطية البورجوازية بمؤسساتها ودولتها وبرلمانها، الخ. وهذه الديموقراطية لا تمث بصلة إلى الديموقراطية العمالية التي تعني تحكّم العمال في تسيير شؤونهم الخاصة, لا بل تتناقض معها. لكن هذه الديموقراطية البورجوازية هي التي تتيح للبيروقراطيين إنماء امتيازاتهم بالارتكاز على المنظمات التي يسيطرون عليها.

تعتبر الديموقراطية سلاحا في يد العمال في فترة الهدوء كما في فترة المعارك. و لذا يجب عليهم أن يبدؤوا بتطبيق ديموقراطية حقيقية على كافة المستويات، إذا أرادوا التحكم في مصيرهم: حق الجميع في التعبير عن رأيه دون أي قمع، الحق المطلق في التنظيم واقتراح سبل النشاط والأدوات التنظيمية التي تبدو لهم أكثر فعالية. على سبيل المثال، يقترحون أثناء اضراب انتخاب لجنة الاضراب واحتلال المنشأة مع عقد تجمعات عامة يومية.

جلي أن اعادة إرساء الديموقراطية في المنظمات النقابية يتطلب تجميع العمال لمنحهم وسائل التعبير. لذا، يجب المطالبة بجموع عامة في أماكن العمل ومؤدي عنها من طرف رب العمل. يجب أن يكون هذا إحدى المطالب المفضلة لدى المنظمات النقابية. وفي انتظار تحقيقه على الصعيد الوطني، يمكن فرضه على صعيد المنشأة بالعمل المباشر.

يتوجب على المناضلين الكفاحيين أن يسهروا على تطبيق الديموقراطية الواسعة في هذه التجمعات. وإذا كان الأمر عكس ذلك، عليهم أن ينظموا العمال لحثّ ممثليهم الخاصين على احترام الديموقراطية، بل وعليهم فرضها إن اقتضى الأمر. يحق لمجموعة عمال أن يشكلوا تيارا للدفاع عن هذا الخط النقابي أو ذاك. ويعتبر هذا الحق في تشكيل تيار شرطا لتحقيق ديموقراطية فعلية، ولتطوير نقاشات مثمرة داخل المنظمة النقابية. فالديموقراطية هي أوكسجين العمل النقابي، في حين تمثل البيروقراطية غازه الخانق.

يقتضي ارساء سير عمل ديموقراطي والقضاء على البيروقراطية وسياسة التعاون الطبقي أو أي سياسة يمينية أخرى، رفض كل روح خنوعة وامتثالية، وهي أمراض نجدها لدى العديد من المناضلين. فبماذا يتعلق الأمر؟ يتعلق بسلوك الإنصياع الذي يؤدي إلى الإستسلام لسياسة الأمر الواقع التي يفرضها الخصم.

يمكن سرد ألف من مثل هذه الجمل: «كان هذا موجودا دوما ولا يمكن تغييره»، «لماذا عقد تجمعات مادام العمال لا يبالون بها»، الخ، وهي تؤدي كلها إلى الإيمان بالقدر والقبول بالأمر الواقع. هكذا نرى بعض المناضلين يقبلون خطابات رب العمل من قبيل: «أيها السادة، تتدفق الطلبات على سلعنا الآن. إذا أردنا الزيادة في مناصب الشغل، علينا رفع عدد زبناء الشركة والحفاظ على أسواقنا. على العمال إذن أن يزيدوا من وثيرة العمل وأن يقبلوا الساعات الإضافية…». يؤدي قبول هذا النوع من الاستدلال مباشرة إلى التعاون الطبقي، بل إلى المشاركة في التسيير. ولسوء الحظ، يسقط العديد من الممثلين النقابيين في هذا الفخّ ويعملون كل ما في وسعهم لتكييف العمال ليقبلوا بطلبات الإدارة.

باختصار، إن الامتثالي هو كل من يتنازل بكل بساطة أمام حجج البرجوازية والبيروقراطية. يجب علينا بالعكس، أن نردّ دائما على خصومنا، حتى وأن أعوزتنا القوة الكافية. وفي هذه الحالة، علينا أن نكون واقعيين، وهذا أمر آخر. لأن الواقعية أمام وضعية لا تعني الإستسلام، بل تقديم الحجج والشعارات التي تراعي الوضع الفعلي وموازين القوى القائمة بغية تعديلها لصالح العمال. لا يمتثل العمال لقواعد الرأسمالية، بل يتحملونها فقط لأنهم لا يتوفرون بعد على القوة لقلبها. يجب أن تتيح نضالاتهم الإقتراب من هذا الهدف ومن بناء المجتمع الاشتراكي.


--------------------------------------------------------------------------------

6- انتخاب الممثلثين النقابيين وإقالتهم
إذا مثلت التجمعات العامة أولى الخطوات في اتجاه تقويم الديموقراطية العمالية، فإن الخطوة الثانية هي دون أدنى ريب، انتخاب الممثلين النقابيين وإقالتهم. إنها مسألة حيوية بالنسبة لكل العمال والمناضلين الطليعيين. ففي أغلب المنشآت، يقوم الممثلون بانتخاب أنفسهم، أي أنهم يرشحون أنفسهم في اللوائح الانتخابية كل أربع سنوات دون استشارة العمال ودون مطالبتهم بتقديم مرشحيهم. هكذا نرى بعض الممثلين يباشرون وظيفتهم منذ ما يزيد عن 20 سنة وهم لم ينتخبوا قط، وبهذا يجعلون من وظيفتهم التمثيلية مهنة حقيقية. وفي مثل هذه الحالات، غالبا ما تنسج «علاقات اجتماعية طيبة» بين إدارة المنشأة والجهاز النقابي. وذلك لأننا لم نشهد من قبل ولن نشهد أبدا ممثلا نقابيا ينهج سياسة تفاهم مع إدارة المنشأة. وسياسة معادية للبيروقراطية داخل المنظمة النقابية في نفس الوقت! هكذا إذن، تولد سياسة التعاون الطبقي بمعناها الحقيقي.

بصورة عامة، لا يخضع الممثلون النقابيون الذين لم ينتخبوا بطريقة ديموقراطية لرقابة العمال، الأمر الذي يؤدي حتما بالممثلين وبكل المكتب النقابي إلى إتخاد مواقف وصولية. ومن هنا تنتفي روح العمل النقابي، أي روح الصراع الطبقي، وتُخنق الديموقراطية العمالية. ويؤدي العمال ثمن ذلك في منشآت عديدة. مثل هذه المكاتب لا تلجأ إلى القاعدة، وتحسم بنفسها المشاكل المطروحة سواء داخل المنشأة أو على صعيد المنظمة النقابية. في 80% من المنشآت، لم تعد المكاتب النقابية تجمع العمال لتهيئ المؤتمرات النقابية، وتصوّت على قرارات حسب ميولاتها الشخصية. فقد جعلت من الحياة النقابية ومن المنظمة النقابية شأنها الخاص. وفي مثل هذه الشروط، يصعب علينا أن نتصور كيف سيتعبأ العمال من أجل عمل نقابي كفاحي.

لهذا يجب على العمال ومناضلي الطليعة والنقابيين الكفاحيين أن ينتبهوا جيدا خلال الإنتخابات الإجتماعية، لأن الأمر يتعلق بإحدى أكثر الفرص ملائمة لإرساء ديموقراطية نقابية حقيقية. عليهم أن يطالبوا ويفرضوا انتخاب الممثلين خلال جمع عام لعمال المنشأة. ويعتبر كلافربيل-جيلي Glaverbel-Gilly مثالا نموذجيا يستحق أن نتوقف عنده.

كل ممثلي هذه المنشأة، وكذا ممثلي مجلس المنشأة ولجنة الصحة والسلامة، يستقيلون عند كل عملية انتخاب إجتماعي، ويمكن أن ينتخبوا من جديد. في مرحلة أولى، توضع اللوائح على الشكل التالي: قبل وضع اللوائح الانتخابية بشهر، تنتخب لجنة مكلفة بتنظيم الانتخابات. يمكن لكل عشرة عمال أن يرشحوا رفيقا لهذه اللوائح، وذلك لقطع الطريق أمام مرشحين أصوليين، حيث لا يمكن لمرشح أن يتقدم باسمه وحده. ما عدا ذلك، لا يوجد أي تحديد لعدد المرشحين. وفي مرحلة ثانية، بعد مضي 15 يوما على فتح اللوائح، يعقد العمال جمعا عاما ولهم الحق في أن يقترحوا لآخر مرة مرشحين بموافقة الجمع العام، ويجري تقديم المرشحين واحدا ثلو الآخر. آنذاك، توضع اللوائح وفق ترتيب محدد لا يتغير خلال عملية الانتخابات الإجتماعية أي خلال الوقت الذي يتقاسم فيه العمال الانتداب بين مختلف المنظمات النقابية داخل المنشأة.

من المفيد أن نصف هنا عملية ترتيب المرشحيمن في اللوائح. كما قلنا سابقا ليس ثمة تحديد لعدد الترشيحات، فقد يبلغ 50 لتقلد 10 مناصب فقط. ويجري انتقاء المرشحين على النحو التالي: يسجل كل رفيق 10 مرشحين مفضلين عنده في ورقة يضعها في صندوق الاقتراع. وهكذا يتم تسجيل المرشحين العشرة في اللائحة النهائية وفق ترتيب تنازلي لعدد الأصوات.

كان هذا مثال للديموقراطية النقابية الفعلية، يؤكد بأن لعمال تلك المنشأة كامل التحكم في منظمتهم النقابية، وهو مثال يمكن تطبيقه في أي قطاع أو منشأة. لكن اكتفاءنا بهذا يعني توقف في منتصف الطريق فانتخاب الممثلين لا يعني بقائهم أربع سنوات في مناصبهم وإلاّ سنكون قد طبقنا ليس الديموقراطية الحية وديموقراطية العمال داخل الطبقة العاملة، بل شكليات الديموقراطية البرجوازية حيث يجري، لأربع سنوات، انتخاب «ممثلين» غير خاضعين لأية رقابة. يجب أن يراقب العمال ممثليهم ومكاتبهم بشكل دائم للحفاظ على سير عمل ديموقراطي وعلى عمل نقابي كفاحي تنتفي فيه كل روح بيروقراطية. فالانتخاب الديموقراطي للممثلين لا يعني أنهم أفضل الناطقين باسم العمال، وأنهم بمنأى عن السقوط في فخ التعاون الطبقي. ففي الفترة الفاصلة بين عمليتين انتخابيتين اجتماعيتين، يجب إتاحة إمكانية تنظيم عملية تصويت على منح الثقة أو سحبها إزاء ممثل أو مكتب نقابي، إذا رغب العمال في ذلك. لنفترض مثلا، أن ممثلا لا يلتزم بمقرارات الجمع العام ويتعاون بالعكس مع الإدارة. جلي أن للعمال كامل الحق في إقالته واستبداله برفيق آخر يجري انتخابه أيضا بشكل ديموقراطي، دون انتظار الانتخابات الاجتماعية المقبلة.

الديموقراطية النقابية هي أنجع سلاح للنضال ضد خطر التبقرط الذي يُحدث قطيعة بين القاعدة والقمة. لكن مهمة إعادة إرساء الديموقراطية العمالية لا تقتصر على رفيقين أو ثلاث، رغم أن الأمور غالبا ما تبدأ هكذا، بل ستكون مهمة طليعية واسعة ترتكز على العمال وتدفعهم إلى النضال.


--------------------------------------------------------------------------------

7- المكتب النقابي داخل المنشأة
أحسنت الطبقة الرأسمالية، تماما كالطبقة العاملة، استخلاص الدروس من تاريخ الصراع الطبقي، وإن على نحو مناقض. فبالنسبة للطبقة العاملة يطرح إلغاء الرأسمالية كمهمة أكثر فأكثر إلحاحا. في هذه الشروط تصبح مطالبها وأشكال نضالها أكثر فأكثر جذرية وأكثر فأكثر حدّة (إضراب، احتلال المصانع، انتخاب لجنة الإضراب، بيع «بري»، مجابهة مع قوات الأمن، الخ). أما بالنسبة للرأسمالي الذي يدافع عن حياته، فهو يستعمل تكتيكا مركبا تجاه الحركة العمالية: مرنا وأكثر صرامة في نفس الوقت. فعلى مستوى الدولة والحكومة، يستعد لمجابهات قادمة بالغة الأهمية، وبالتالي يُقوي جهاز القمع (درك، جيش، قوانين لا اجتماعية، قمع متصاعد ضد المناضلين الكفاحيين، الخ). ومن جهة أخرى، يطور سياسة إدماج المنظمات العمالية بجرها إلى المشاركة في التسيير بهدف تكبيل الحركة العمالية. وما دامت الأحزاب العمالية الكبرى إصلاحية، لا تجد البورجوازية صعوبات كثيرة في هذا الميدان.

من جانب الحركة النقابية، يصعب تطبيق تكتيك أرباب العمل، لأن الأمر يتعلق بالأجهزة التمثيلية المباشرة لمجموع العمال.

داخل المنشأة، تتلخص كل الوسائل المستعملة لتدجين العمل النقابي في القاعدة، في جعل المكاتب النقابية تشارك في مختلف المشاكل المطروحة في إطار التسيير والتنظيم الرأسماليين للعمل. وهذا ما نسميه بالضبط، التعاون الطبقي الذي يجر تدريجيا مختلف المكاتب النقابية إلى طريق التسيير المشترك.

أول تكتيك يجري استعماله في هذا الطريق، هو إرساء «علاقات اجتماعية طيبة» داخل المنشأة. وتعني هذه العلاقات الإجتماعية الطيبة بالنسبة للإدارة إرساء جوّ من التفاهم والتعاون بينها وبين المكتب النقابي، هو ما يفرض طبعا تنازلات من المكتب النقابي كقاعدة عامة. بهذه السياسة التي تقبلها المنظمات النقابية وهي توقع على الإلتزام بالسلم الاجتماعي، يتابع أرباب العمل هدفين: الأول، هو إيقاف النضال المباشر بل وإيقاف النضال النقابي ومنع الاضرابات والنزاعات، حتى تتمكن من تشحيم آلة الإنتاج بالحفاظ على هامش ربح الشركة ومن تفادي الطوارئ» في تخطيط الإنتاج. الهدف الثاني، هو جعل المكتب النقابي داخل المنشأة يحترم الاتفاقيات الموقعة على مستوى عال بين أرباب العمل والمنظمات النقابية. هكذا ستنقص كفاحية المكتب النقابي بما في ذلك في ميدان النضال ضد البيروقراطية النقابية،لأنه تكيف مع معطيات أرباب العمل بصدد «مشاكل المنشأة». بالنسبة لأرباب العمل كما بالنسبة للبيروقراطية النقابية، يعتبر تورط مكتب نقابي في سياسة المنشأة المبنية على التفاهم مسألة إيجابية مادام لا يتدخل فيما لا يعنيه، وبهذا يصبح أقل كفاحية على المستوى المهني. طبعا لم تمنع هذه السياسة ظهور عدد من النزاعات، لكن علينا أن نكون واقعيين ونعتبرها كابحا محققا، وندرك بأن وضع الحركة العمالية قد يكون مغايرا تماما لو تجنب عدد كبير من المكاتب النقابية تطبيق تلك السياسة.

ثمة تكتيك آخر يلجأ إليه أرباب العمل، وهو منح الممثلين النقابيين امتيازات خاصة بما فيها المالية. تستعمل هذه الطريقة على نطاق واسع جدا في بعض المنشآت. لن نتوقف عند هذا الموضوع، فمثل هؤلاء الممثلين لا يستحقون الإنتماء إلى الحركة النقابية، وعلى العمال أن يعملوا ما بوسعهم لطردهم. لكن نشير إلى أنه من الأفضل أن تعاقب القيادات النقابية مثل هؤلاء الأشخاص بدل معاقبة المناضلين الجديين والشرفاء. لكن مع الأسف، يذهب بعض المسؤولين النقابيين في بعض الحالات إلى حد الإستناد على المكاتب اليمينية لسبب بسيط هو أن هذه الأخيرة لا تندد بسلطاتهم البيروقراطية. وهكذا يحدث تواطؤ حقيقي بين أرباب العمل والبيروقراطية.

لم نقل كل هذا بنية معادية للعمل النقابي، كما يفعل بعض اليساريين المتطرفين الذين تؤدي مواقفهم مباشرة إلى مناهضة العمل النقابي، حيث أن الأمر لا يتعلق بإدانة المنظمات أو المكاتب النقابية. أولا، لأن هذه المنظمات هي الأداة الوحيدة القادرة على توحيد مجموع العمال في النضال من أجل مصالحهم الطبقية. ثانيا، لأنه توجد مكاتب نقابية عديدة وحتى بعض المتفرغين النقابيين الشرفاء والنزيهين. كما لا يجدي تحميل نواقص العمل النقابي للمكاتب حيث أن المسؤول الرئيسي هي النزعة البيروقراطية بالطبع. ومن جهة أخرى، يجب أن نراعي الصعوبات والمهام الكثيرة التي تقع حاليا على كاهل الممثلين النقابيين في العمل النقابي. إن تطور هذا الأخير، وأيضا تطور الرأسمالية نفسها، يضع على عاتقهم مسؤوليات جسيمة، إلى حد اعتبار الممثل النقابي نوعا من المساعد الاجتماعي. عليه أن يكون ملما بالتشريع الاجتماعي وبالاتفاقيات، عليه أن يتدخل لدى الإدارة في حالة حيف، عليه أن يشارك في الحياة النقابية غالبا خارج ساعات عمله، عليه أن يكون على علم بالمستجدات، الخ، باختصار، على الممثل النقابي أن يواجه كل المشاكل التي يطرحها علينا المجتمع الرأسمالي وأيضا تطور العمل النقابي، بحيث أن ممثلا نقابيا جديا سرعان ما يغرق في بحر مهمات معقدة.

في هذا السياق، هناك مظهر خاص يجب أن نركز عليه الانتباه. إنها الأهمية التي تكتسيها المسائل التشريعية في عمل الممثل النقابي. هذه المسائل، غالبا ما تجعله يترك المسائل الأساسية للعمل النقابي الصرف ليتابع المستجدات في ميدان القوانين الاجتماعية. بل يمكن القول أن مثل هذا العمل هو في نهاية المطاف فخّ يشل نشاط الممثل، لأنه لا يوجد هناك أي قانون يمنح حقا للعمال في مواجهة الرأسماليين. بالرغم من كون بعض النصوص، وهي مكاسب عمالية، تحدد حقوق العمال وتدافع عنهم ضد الاستبداد (وهي ناذرة)، يبقى النضال المباشر الضمانة الوحيدة لاحترام مطالب عالم الشغل وتلبيتها. بل يتعلق الأمر هنا بتسهيل عمل المكتب النقابي، لأن بإمكان العمال عندما يفرضون ميزان قوى لصالحهم في المنشأة، بتطبيق الرقابة العمالية مثلا، أن يفرضوا أنفسهم دون أن يضطروا للمرور بالتشريع الاجتماعي ولا بالقانون الداخلي للمؤسسة. إن ميزان القوى الميداني هو وحده القادر على منع أرباب العمل من تطبيق قانون الربح الذي يعبر عنه قانون الشغل. يتوجب على النقابيين الكفاحيين أن يناضلوا دوما لتلبية مطالب العمال، سواء كانت حقا مكرسا بالقانون أم لا. وهذا لن يتأتى إلاّ على أساس ميزان القوى. إن الثقة التي تضعها المنظمات التتقليدية للطبقة العاملة في إمكانية فرض احترام حقوق منخرطيها بطرق قانونية، دون اللجوء إلى النضال المباشر، هي من بين نتائج النزعة الاصلاحية. هذه السياسة تضيع طاقة الممثلين ووقتهم وهم يتيهون في متاهات التشريع الإجتماعي، وفي نهاية المطاف يصطدمون برفض أرباب العمل ويطرحون بالتالي مسألة الوسائل الكفيلة لمواجهة ذلك الرفض.


--------------------------------------------------------------------------------

8- المكتب النقابي ولجنة الإضراب
كيف يجب أن يكون موقف المكاتب النقابية من لجان الإضراب؟ كانت هذه المسألة محط نقاشات حادة بين بعض المكاتب أو بعض الممثلين وأعضاء لجان الإضراب أو عمال المنشأة. ويرفض كثير من الممثلين أو المكاتب النقابية تشكيل أقلية داخل لجنة الإضراب، أو يرفضون مبدأ هذه الأخيرة، لأنهم يرفضون الامتثال لقراراتها. وهاكم الأسباب التي غالبا ما يتم التذرع بها بوجه عام:

«وضع العمال ثقتهم فينا في زمن السلم وهم ينتخبوننا. ليس ثمة باعث لسحبها منا في زمن المعارك. قد يعني هذا أننا عاجزون على قيادة الإضراب».

«النقابة هي المنظمة التي أنشأها العمال للدفاع عن مصالحهم، ومن غير المجدي خلق أجهزة أخرى لنفس الهدف».

تكمن في كلا الحجتين فكرة جوهرية مشتركة ناتجة عن تصور إداري ووصولي، تعتبر المكتب النقابي وحده القادر على قيادة النضال. مثل هذا التفكير موجود لدى أكثر من 70% من المكاتب النقابية، وعلى النقابيين الكفاحيين أن يحاربوه، إذا أرادوا أن تتوجه المكاتب نحو العمال لاتخاذ القرارات وليس نحو البيروقراطية. السلطة التي تعتقد هذه المكاتب امتلاكها ليست إلاّ وهما: فهي لا تعمل إلاّ على تطبيق سياسة البيروقراطية وتتعاون في الواقع مع اليمين النقابي ضد مصالح العمال وضد الديموقراطية العمالية في المقام الأول.

تقتضي الديموقراطية العمالية عكس ذلك، أي ضرورة انطلاق كل شيء من القاعدة، من العمال انفسهم ومن جموعهم العامة. وعلى المكتب النقابي أن يحترم القرارات المتخدة وأن يرفعها إلى الأجهزة العليا التي يجب أن تحترمها بدورها. لا يجب أن يمتلك أحد غير العمال سلطة القرار داخل المنظمة النقابية. وتماشيا مع هذه الفكرة، إذا قرر العمال تنظيم لجنة الإضراب، يُحترم هذا القرار وينفذ. إن ما يجب مراعاته، بعيدا عن الأفكار المسبقة والحزازات الشخصية، هو فعالية نشاط لجنة الإضراب المنتخبة. فالإضراب يطرح إشكالات تفوق عمل المكتب «الروتيني»، من حيث هو معركة يندمج فيها الجميع رجالا ونساء. فكيفما كانت خلفية الإضراب، فهو يمثل لحظة حاسمة بالنسبة للعمال يقرَّر فيها مستقبلهم. ولضمان هذا الأخير، يعرفون أن مخرج الإضراب مرتبط بحزمهم وبرغبتهم في الإنتصار. وفي قلب إراداتهم هذه يوجد بالضبط التنظيم الذاتي من أجل النضال، وهو أمر حاسم.

ليس ما يجب أن يحترس منه العمال، هو مكتبهم النقابي أو عمله الروتيني. فالعمل الروتيني حتمي بالنسبة لمكتب نقابي. وكل مكتب مجبرٌ يوميا على حل المشاكل الإجتماعية والإدارية وبهذا، يبقى على اتصال دائم مع إدارة المنشأة. هذه الأخيرة، سرعان ما تكون على علم بطبيعة المكتب وخصوصا نقط ضعفه. وغالبا ما يضطر هذا المكتب لنهج تكتيك رب العمل مقتصرا على لعب دور الوسيط بين العمال و الإدارة. ولتفادي هذا الخطر، لابد من مكاتب نقابية لها ما يكفي من الحزم والجرأة التكتيكية. وتعد لجنة الإضراب بالضبط، وسيلة لإحداث قطيعة إبان المعارك مع السير اليومي العادي، وبالتالي وسيلة لتفادي سياسة رب العمل الإحتوائية. فلجنة الإضراب هي بمتابة دم جديد دفاعي يَحقنُ به العمال نضالهم ومنظمتهم النقابية، وليست بأي وجه خيانةً للعمل النقابي في حد ذاته كما يحاول البعض إقناعنا به. إن منطق الوعي الطبقي يدفع العمال إلى التنظيم الذاتي. وهذا التنظيم الذاتي يرقى بمستوى وعيهم. فتحرر العمال لن يأتي من الأجهزة النقابية أو من قمة أية منظمة سياسية. تحرر العمال سيكون من صنع العمال أنفسهم وهم يتحكمون بمصير معاركهم. ولهذا، فمعارضة التنظيم الذاتي للعمال وبالخصوص، معارضة تشكيل لجان الإضراب هي في الأخير، معارضة تشكُّل وعي العمال الذاتي، معارضة تحررهم.

على المكاتب النقابية أن تدرك بأن لجنة الإضراب المنتخبة لم يشكلها العمال بهدف خلق منظمة بديلة متعارضة مع المنظمات النقابية. يجب أن تعتبرها كشكل تنظيمي مخصص أساسا لقيادة معركة يهيئها المكتب النقابي. إذا توجت هذه المعركة بالنصر، ستزداد قوة العمال ومنظمتهم النقابية. فليس هناك إذن من تناقض بين لجنة الإضراب والمكتب النقابي والمنظمة النقابية. إذا غضّت النقابات الطَّرف عن هذه الحقيقة ستتجاوزها تطلعات العمال إلى التنظيم الذاتي الديموقراطي. هذا علاوة على أن المهام التي تطرح خلال مرحلة الإضراب لا سيما في حال احتلال المصنع، تتجاوز قدرة المكتب النقابي وحده. فتنظيم فرقُ حراسة الإضراب (piquets de greve)، وفرق الاحتلال، ومجموعات مؤونة المضربين، ولجنة الإعلام، ومجموعة الاتصال مع الخارج، ومجموعة الدفاع الذاتي، الخ، كلها تستدعي مشاركة نشيطة من الجميع. ولجنة الإضراب هي أفضل وسيلة لضمان هذه المشاركة.

إذا قلنا إن على أعضاء المكتب النقابي أن لا يتمثلوا بأغلبية داخل لجنة الإضراب، فذلك بهدف ضمان وحدة النشاط وروح الفعالية في لجنة الإضراب نفسها. فإذا كانت هناك لجنة إضراب ومكتب نقابي يعملان بالتوازي إبان معركة ما، سنكون أمام تصوران للعمل قد يتناقضان في أي لحظة، وبالتالي يضعفان الحركة. وسيحدث نفس الشيء في حال تشكيل المكتب النقابي للأغلبية في لجنة الإضراب، حيث ستتاح له إمكانية فرض قراراته دون موافقة الأعضاء الآخرين الذين سيصبحون آنذاك رهيني خط نقابي لا يقبلونه بالضرورة. وعلى العكس، إذا تمثّل أعضاء المكتب بأقلية داخل لجنة الإضراب، سيندمجون في النشاط العملي ويخضعون كسائر الأعضاء الآخرين للقرارات التي يتخذها المضربون خلال تجمعاتهم العامة اليومية.

على لجنة الإضراب، بوصفها أداة لتسيير الإضراب، أن تمثل جميع العمال المناضلين، أي منخرطي مختلف المنظمات النقابية، ولكن كذلك غير المنخرطين الذين لهم الحق أيضا في الدفاع عن أنفسهم في الإضراب. كثير من الرفاق لا يفهمون هذه النقطة الأساسية بقولهم إن من لا وعي له للانخراط في النقابة لن يكون لديه بالتأكيد أي وعي للانخراط في النضال. ونحن نجيبهم بأن العمال غير المنظمين نقابيا لم ينخرطوا في النقابة لأنهم لا يرون فيها أي فائدة. لهذا، ولإقناعهم بالانخراط فيها، لا بد للنقابة أن تُشركهم كسائر العمال الآخرين في النضالات التي ترتبط بمصيرهم.

لنكرر ما قلناه ثانية: إن التنظيم الذاتي للنضالات مدرسة في غاية الأهمية من أجل التربية النضالية وتكوين وعي العمال الطبقي، وهو ما سيزيد من تقوية العمل النقابي في آخر المطاف.

سبق أن ورد على مسمع عمال كلافربال-جيلي Glaverbal-Gilly ومكتبهم بأن عليهم أن لا يقارنوا أنفسهم بعمال المنشآت الأخرى وتبني مطالب يسارية، وإلاّ انفصلوا عن مجموع الحركة العمالية التي لا تمتلك نفس تكوينهم. إننا نقبل هذه الملاحظة المنطقية. لكن، لابد أن نبحث عن أصول هذا التكوين وهذا الإنخراط العمالي الواسع في النقابة. بالنسبة كلافربال-جيلي Glaverbal-Gilly، الأرقام تنطق عن نفسها:

سنة 1971: 88% من المنخرطين، منهم 73% في الفيدرالية العامة للعمال البلجيكيين F.T.G.B.، و25% في C.S.C.. سنة 1976: 100% من المنخرطين، منهم 97% في F.T.G.B.، و3% في C.S.C..

التفسير بسيط‍! والأسباب هي:

1.إرساء ديموقراطية نقابية حقيقية من طرف مكتب F.T.G.B.. 2.التنظيم الذاتي للنضالات من طرف العمال، وهو يفسر بنسبة 60% تكوينهم. منذ فبراير 1971، تاريخ تجديد المكتب النقابي، حتى يناير 75، شُنَّت أربعةُ إضرابات من بينها ثلاثة بصيغة احتلال المصنع وانتخاب لجنة الإضراب.

إنها إذن حجة دامغة على أن الديموقراطية النقابية والتسيير الذاتي للنضالات من طرف العمال لا يُضعفان الحركة العمالية، بل يقويانها ويبعثان فيها روحا نضالية كفاحية.

لكن نريد بدورنا طرح سؤال: هل لنا رغبة في التقدم على المستوى النقابي أم لا؟ إذا كان الجواب نعم، فعلينا أن نوفر الوسائل لذلك، وندمج هدفين رئيسين في الحركة النقابية: الديموقراطية النقابية (أولا، بالاحتكام إلى القواعد العمالية لاتخاد القرارات، انتخابات نقابية ديموقراطية، جموع عامة في أماكن العمل مؤدى عنها من طرف الباطرونا) و التنظيم –الذاتي للنضالات من طرف العمال أنفسهم. هذا هو شرط ارتقاء العمل النقابي إلى مستوى المهام التي تنتظره في فترة الأزمة هذه. و لكن ، إذا بقيت المنظمة النقابية على نهجها برفض الديموقراطية والتنظيم الذاتي، ستزيد في تعميق عدم ثقة العمال بها وضرب مصالحهم الطبقية.


--------------------------------------------------------------------------------

9- لجان الإضراب والنَّقابات
بما أن لجنة الإضراب لا تتعارض مع العمل النقابي، فإنها لا تطرح أية مشاكل في علاقتها مع المنظمات النقابية. هذا ما حدث في كلافربال-جيلي Glaverbal-Gilly خلال إضرابات 73 و74 و75، وكذا في مجموع قطاع صناعة الزجاج سنة 74، خاصة في منطقة بشارلوروا Charleroi التي شهدت انتخاب لجان الإضراب في 11 منشأة لصناعة الزجاج تُنسّق بينها لجنة إضراب جهوية مشكلة من 3 أو 4 أعضاء لجنة إضراب كل منشأة، بالإضافة إلى المتفرغين النقابيين. سنعود لاحقا إلى هذا المثال الفريد في بلدنا منذ إضرابات عمال المناجم لسنة 1932، على أي حال، لم يسبق أن كان ثمة تناقض بين لجنة الإضراب والمنظمات النقابية. كان هناك طبعا تعارض في التوجهات حتى أنها تبلورت على شكل تيارات، لكن هذه مسألة عادية بل ضرورية لسير الديموقراطية النقابية بطريقة سليمة.

إذا تركنا هذا المثال، سنجد أن النزاع غالبا ما يندلع بين لجنة الإضراب والمنظمات النقابية. وهذا يجد تفسيره في موقف القيادات البيروقراطية الوطنية، المهنية أو الجهوية، التي تنهج سياسة إصلاحية. وهذه السياسة تتعارض مع التنظيم الذاتي للجماهبر الذي كلما زاد من وعي العمال ضد الرأسمالية زاد من تجذرهم لبلوغ وضع ثوري، كالاضراب العام على سبيل المثال. ولتفادي هذه الدينامية، تجثم القيادات الإصلاحية على صدر الطبقة العاملة وتمنعها من تنظيم نفسها ديموقراطيا. لذا، فنضال المناضلين الطليعيين من أجل الديموقراطية العمالية، وهذا أمر لا يجب إخفائه، نضال سياسي دائم ضد القيادات الإصلاحية التي تعارض كل ما يهدد سلطتها.

ولابد أن نحذّر هنا من النزعتين العفوية والعصبوية عند بعض المناضلين أو بعض المنظمات السياسية (الماويون خصوصا)، الذين يفتعلون الصراع بين لجنة الاضراب والمنظمة النقابية. فبسعيهم المسبق إلى لإقصاء المسؤولين النقابيين، يحدثون انقساما داخل جبهة العمال الذين يتطلعون قبل كل شيء إلى وحدة الحركة. عكس اليساريين-المتطرفين الذين يرفضون المسؤولين النقابيين، علينا أن ندفعهم للإقرار بمثل هذه النضالات التي ترافَق باحتلال المصنع وتشكيل لجان إضراب: فإذا امتثلوا لقرارات القاعدة ستتقوى الحركة، وإذا خانوها بطريقة بيروقراطية، سيستخلص العمال الدروس من ذلك. إذا كان التنظيم الذاتي للنضالات أفضل وسيلة لإنجاحها، فهو لا يطرح نفسه بشكل عفوي. لابد من عمل إعدادي طويل من قبل مناضلي الطليعة لجرّ العمال إلى تبني هذا النمط من النضال. وسنخلق عائقا إضافيا للعمال إذا كونا لديهم الإنطباع بأن التنظيم الذاتي للنضالات يتم ضد النقابة، لأنهم غير مستعدين لترك المنظمات النقابية الحالية، حتى ولو أنها مبقرطة، دون أن يكون لديهم أفق ذي مصداقية،

يجب أن يجري إعداد العمال للتنظيم الذاتي من طرف مناضلي الطليعة بتلقينهم تجربة الحركة العمالية المعاشة. في كلافربال-جيلي Glaverbal-Gilly، طُبق هذا من طرف جريدة اليسار النقابي «الدفاع الجديد» التي قامت بدعاوة ممنهجة من أجل احتلال المصنع مع انتخاب لجنة الإضراب. فبعد اضراب 73، أصدرت لجنة إضراب المنشأة كرّاسا، بيع بالآلاف، يستخلص كل الدروس من هذه المعركة الأولى، ونظَّمت نقاشات وندوات مكّنت الطليعة العمالية في قطاع الزجاج من تطبيق هذه المكاسب بشكل ملموس وهي تخوض إضراب ماي 74 الضخم. إذا رافق هذا الإضراب انتخاب لجنة إضراب جهوية واحتلال كل منشآت صناعة الزجاج، فالفضل يعود إلى هذا العمل الإعدادي والدعاوي الصبور. هكذا إذن، علينا محاربة أي نزعة عفوية حيث أن النضال من أجل الديموقراطية العمالية والتنظيم-الذاتي للعمال كفاح سياسي طويل وصبور ضد القيادات الإصلاحية.


--------------------------------------------------------------------------------

10- لجان الإضراب والأحزاب السياسية
بانتخاب لجنة الإضراب من طرف مجموع العمال في جمع عام، يمكن القول بأنهم يتحكمون في الإضراب ومساره. لكن ماذا يجب أن يكون موقف لجنة الإضراب من الأحزاب السياسية؟ وكيف ستتعامل معها؟ هذه أسئلة جوهرية تطرح نفسها بالضرورة خلال المعارك.

هنا أيضا سنعود إلى التجربة المعاشة في كلافربال-جيلي Glaverbal-Gilly. لقد لاحظ كل الأشخاص الخارجين عن المؤسسة ممن تابعوا نضالاتها، لاسيما معركة يناير-فبراير 75 ضد إغلاق المعمل، أنه جرى قبول جميع المنظمات السياسية للحركة العمالية داخل المنشأة، وكان بإمكانها حضور الجموع العامة، وتقديم أشرطة، وتوزيع مناشير، الخ، وذلك باسم الديموقراطية العمالية الواسعة. لكن كانت الجموع العامة ملك المضربين الذين لهم وحدهم حق التدخل، وذلك لتفادي قيام بعض الأقطاب السياسية بمصادرة حق العمال في التعبير وبالتالي في تسيير نضالهم. ما عدا هذا الاستثناء، جرى الترحيب بجميع المنظمات العمالية في المعمل المحتل، وأستقبلت بنفس الطريقة من طرف العمال ولجنة الإضراب، إن كان ذلك من أجل دعم مالي أو غيره، أو من أجل الإخبار بتدخل في البرلمان. لكن لم ترتبط قط لجنة الإضراب، ومن تمة قيادة المعركة، بأية منظمة سياسية. كان استقلال الإضراب التام عن المنظمات السياسية مطبِّقا بشكل دقيق.

لقد حدث وأن طلبت هذه المنظمة السياسية أو تلك مساعدة عضو في لجنة الإضراب من أجل تنظيم ندوة أو تجمع خطابي. تعين اللجنة آنذاك أحد أعضائها لأخد الكلمة باسم لجنة الإضراب وليس باسم الحزب المنظم. وإذا كان هذا الرفيق عضوا في منظمة سياسية وتناول الكلمة في تجمعها الخطابي، فإنه يفعل ذلك باسمه الشخصي دون إلزام لجنة الإضراب في حد ذاتها.


--------------------------------------------------------------------------------

11- اللجان خلال الإضراب
يشكل انتخاب لجنة الإضراب الخطوة الأولى من أجل تنظيم ديموقراطي لنضال يخوضه العمال. لكن ستحتاج هذه اللجنة لأجهزة تساعد في تنظيم الإضراب لكي يكون ناجعا. ولهذا، يجب انتخاب لجان تتكلف بمختلف المهمات: صحافة، دعاوة، استقبال، بيع منتجات، مالية، الخ. هذه اللجان ينتخبها المضربين، وهي عبارة عن خلايا لتسيير المعركة وتنظيمها تحت مراقبة لجنة الإضراب، وتساعد هذه الأخيرة ليمنحا تنظيما محكما ووحدويا للمعركة ويزيدان من متانتها.

على الطليعة أن تولي أهمية خاصة لهذه اللجان المختلفة إذ بواسطتها تعي الشغيلة قدرتها على تسيير المقاولة دون رب العمل، سواء عن طريق البيع البري للمنتجات، أو التكلف بالمعدات في إطار صيانتها. هذا الوعي حاسم لتوجيه الشغيلة في طريق مناهضة الرأسمالية. (ليس لمثل هذه اللجان، وبأهدافها الدقيقة المشار إليها، مبرر للوجود سوى في حالة معركة مرفوقة باحتلال المعمل).


--------------------------------------------------------------------------------

12- حل المكتب النقابي وتعويضه بلجنة الإضراب في حالة إضراب مع الإحتلال
يتمثل الشغل الشاغل للمضربين في تحقيق وحدة الحركة وجرِّ جميع العمال إلى الفعل. وهنا تبدو لجنة الإضراب كجهاز أكثر فعالية ومردودية. تتشكل اللجنة في أغلب الحالات من مناضلين مخلصين راغبين في مساعدة مكتبهم النقابي، لكنهم ليسوا منتخبين. وعندها لا تطرح هنا مسألة موقفها من المكتب النقابي. و لكن، عندما ينتخب العمال اللجنة بشكل ديموقراطي يُطرح السؤال على نحو مغاير: ما هي مهمة المكتب؟ ما هي علاقاته مع اللجنة؟ يستحيل الجواب على هذه الأسئلة مادام ممثلو العمال متمسكين بوظيفتهم أكثر من تشبتهم بالروح النضالية. لضمان نجاح اضراب بروح وحدوية عالية وتنظيم ذاتي محكم، لا يجب أن يكون ثمة ممثل ولا مكتب نقابي، بل فقط لجنة إضراب يراقبها العمال مباشرة عبر جموعهم العامة. هذا لا يعني أن الممثلين ليسوا أعضاء في لجنة الإضراب، بل عليهم أن لا يشكلوا فيها سوى أقلية.

يشكل استبدال المكتب النقابي بلجنة إضراب ضمانة تلاحم جميع العمال، منخرطين وغير منخرطين في المنظمات النقابية، في قوة منسجمة واحدة.


--------------------------------------------------------------------------------

13- الأهمية السياسية للجان الإضراب
ثمة فراغ يجب ملؤه بين النشاط النقابي الاقتصادوي، أي المرتكز على المطالب المباشرة فقط (وهو طور يجب تجاوزه)، والنشاط السياسي لحزب ثوري، كالذي تريد رابطة العمال الثورية L.R.T. بناؤه، حزب يقوم بنشاط سياسي يربط المطالب المباشرة بمطالب برنامج سياسي يهدف إلى إطاحة النظام الرأسمالي. لا تنتقل الجماهير تلقائيا من هذا الشكل التنظيمي إلى ذاك، حتى في فترة الإضراب العام كالذي جرى في 60-61. يجب إذن إرساء جهاز تنظيمي انتقالي، يسمح للعمال بتجاوز النضال النقابي المحدود بأيديولوجيته وبنيته. تمثل لجنة الإضراب بالتحديد، شئنا أم أبينا، ذلك الجهاز الذي يسمح بربط النشاط النقابي بالنشاط السياسي إبان فترة النضال المباشر.

سيشكل انتخاب لجان الإضراب في الإضرابات العامة القادمة قرارا سياسيا، لأن لجنة الإضراب هي التي تنظم جميع العمال بغض النظر عن اتجاهاتهم الأيديولوجية، ولاسيما أنها تفرض سلطة عمالية جنينية في مواجهة سلطة البورجوازية وتستهتر بسلطة الرأسمالية. مثل هذا الموقف يتجاوز النضال الإقتصادي ليصبح نضالا سياسيا يكتسي للوهلة الأولى، إذا جرى على مستوى جماهيري، طابعا قبل-ثوري. يبرز هذا الوضع بجلاء ضرورة الحزب الثوري ويدفع العمال إلى إدراك كل أهميته، ليس فقط على مستوى الطليعة المحدودة، لكن على مستوى أوسع الشرائح العمالية التي وجدت في لجنة الإضراب شكلا تنظيميا يربطها بالنشاط السياسي الثوري.

لا تجب الاستهانة بدور لجنة الإضراب السياسي-التنظيمي: على مناضلي الطليعة أن يأخذوه مأخذ جد وأن يولوا أهمية خاصة للدعاوة الممنهجة بشأنه. لاسيما وأن الدينامية التي تخلقها لجنة الإضراب هي التي تفسر بالضبط، هجمات البيروقراطيات الإصلاحية العنيفة ضد هذا الشكل التنظيمي. هكذا إذن، ليس من قبل المبالغة التأكيد على أن لجنة الإضراب تقوم بدور رئيسي في مد الجسور بين مطالب العمال المباشرة وبناء الاشتراكية، ولهذا مكانته في البرنامج الانتقالي الذي سطرته رابطة العمال الثورية L .R.T. تمثل المطالب الانتقالية وسيلة قيادة العمال على طريق الثورة الاشتراكية، كما تمثل لجان الإضراب الشكل التنظيمي الذي يسمح لهم بربط حركتهم الحالية بالتنظيم الثوري وإرساء دعائم المجتمع الاشتراكي.


--------------------------------------------------------------------------------

14- احتلال المصنع
يتمثل انتخاب لجنة الإضراب ولجانها الفرعية المختلفة أول قرار يتخذه المضربون فهو شكل المعركة التنظيمي. أمّا ثاني قرار، وهو قرار سياسي يطرحه العمال في مواجهة أرباب العمل، فهو احتلال المعمل الذي يتناقض مباشرة مع قانون الملكية الرأسمالية الخاصة ويرسي مباشرة إزدواجية السلطة داخل المعمل. وفي هذه الحالة يطرح السؤال: من هو سيد المقاولة، مالك الرأسمال أو العمال؟ ستظل هذه الإزدواجية قائمة طيلة فترة المعركة ويبقى الجواب على السؤال مؤشرا على موازين القوى داخل المعمل، وهو مؤشر يجب أن يظل دوما محط انتباه المضربين ولجنة الإضراب. وعلى العمال أن يبذلوا كل ما في وسعهم لتعديل ميزان القوى وقلبه لصالحهم. فإذا نجحوا في ذلك سيكون المضربون أسياد المعمل وسيفرضون التنازل على أرباب العمل.


--------------------------------------------------------------------------------

15- ما هو مصير لجنة الإضراب بعد انتهاء المعركة؟
بعد انتهاء المعركة، يدفع مناضلو الطليعة وحتى منظمات سياسية يسارية العمال للمطالبة بالحفاظ على نشاط لجنة الإضراب كي تصبح تجمعا معارضا لسياسة التعاون الطبقي الإصلاحية. من الضروري إثارة انتباه المناضلين بشأن هذا التصور الخاطئ للعمل اليساري النقابي. يجب حلّ لجنة الإضراب في جمع عام مباشرة بعد انتهاء المعركة، وذلك لعدة أسباب. السبب الأول هو أن اضفاء الطابع الدائم على لجنة الإضراب يلغي جوهرها بما هي جهاز يخدم العمال في فترة المعارك، ومن ثمة يلغي طابعها الجذاب. الثاني هو أننا نجازف بخلق جهاز قد يفقد طابعه الديموقراطي، لأنه من غير المرجح أن ينتخب العمال نفس الأعضاء في المعركة القادمة، وبذلك تفتُرُ همّة هذا الجهاز وتفقد الديموقراطية حيويتها. يجب حل لجنة الإضراب حتى و إن كان المكتب النقابي ينهج سياسة التعاون الطبقي، و إلا ستكون أداة لتجميع العمال الأكثر كفاحية على هامش المنظمة النقابية، مما سيؤدي إلى تشتيت المستخدمين وبالتالي، إضعاف العمل النقابي داخل المنشأة. في هذه الحالة، تجب على العكس الاستفادة من مكاسب المعركة ومن ارتقاء الوعي العمالي قصد تنظيم نواة طليعية تباشر العمل كتيار داخل نقابتها في المؤسسة، وتقدم للعمال آفاق قيادة بديلة قد تؤدي إلى تنظيم تصويت على منح الثقة.

إذا كان محكوم على لجنة الإضراب بالحل، فمن الضروري إرساء جهاز آخر: لجنة مراقبة تسهر على تطبيق الاتفاقات التي فرضتها المعارك، وقد تتشكل من أعضاء لجنة الإضراب لكن شريطة انتخابهم بكل ديموقراطية من طرف الجمع العام. لماذا لجنة المراقبة؟ لأن أرباب العمل يتنازلون تحت ضغط الإضراب، لكن سرعان ما يعملون جاهدة لاستعادة ما فقدوه. لذا، يجب على لجنة المراقبة أن تضطلع جديا بمهمتها وأن تنظم جموعا لإخبار العمال بحصيلة عملها واقتراح الأشكال النضالية المحتملة. ما هي المسائل التي ستخضع للمراقبة؟ منها مثلا زيادة وثيرة العمل داخل المنشأة التي تشكل وسيلة أرباب العمل الكلاسيكية لتعويض الخسائر، أو فرض الساعات الإضافية. وإذا كان الإضراب مهنيا أو مشتركا بين قطاعات مهنية مختلفة، وجب انتخاب لجنة مراقبة تمركز معلومات مختلف لجان المراقبة المنتخبة في المنشآت. سنعود لاحقا إلى مسألة الرقابة العمالية بصفة عامة، لأن الأمر يتعلق بمطلب حاسم بالنسبة للحركة العمالية في الوقت الراهن.


--------------------------------------------------------------------------------

16- توحيد لجان الإضراب
تقوم الإضرابات العامة كإضراب 60-61 أو هذا الأقرب إلينا، إضراب ماي 68 بفرنسا، بزعزعة عميقة للسلطة الرأسمالية، إذ تشل الاقتصاد وتهدد مباشرة جهاز الإكراه البورجوازي أي الدولة. وإن كانت هذه الأخيرة قد أفلتت، حتى يومنا هذا، من غضب البروليتاريا فلسببين إثنين. أولهما الكبح الذي تمارسه المنظمات العمالية الإصلاحية المهيمنة في الحركة العمالية. الثاني، الذي يفسر أيضا الأول، هو غياب تنظيم مستقل للطبقة العاملة خلال الإضراب العام. ومن جراء هذا، انعدم الإطار الذي يمكن فيه تجاوز الاصلاحية، فبقي العمال تحت سلطان قادتهم التقليديين.

إن الخروج من هذا المأزق يفرض على الطليعة، لا سيما الثورية، مساعدة العمال عبر دعاوة منظمة لأجل الرقابة العمالية تتوخى المركزة الديموقراطية لأجهزة الرقابة. ويجب أن يترافق هذا العمل بدعاوة لأجل الاعتصام في المنشآت مع انتخاب لجان إضراب ومع الجموع العامة اليومية للمضربين داخل المنشأة. ويجب أن يكون الهدف، خلال الإضراب العام القادم، بلوغ تنسيق لجان الإضراب على كافة المستويات: المحلي والجهوي والوطني يقتضي ترجيح كفة ميزان القوى لصالح العمال نضالا ضاريا وجريئا منذ أول أيام النزاع. فباستمرار سيسعى الباترون والإدارة والأطر إلى فرض أنفسهم وقراراتهم. ويجب على العمال إزاء هذا الوضع ألاّ يعترفوا بأي سلطة داخل المنشأة غير لجنة الاضراب المنتخبة وألاّ يطبقوا أيّ أمر لم يصدر منها.

تمثل حماية أداة الإنتاج مسألة أساسية في الاعتصام، ويجب أن تجري تحت قيادة لجنة الإضراب. في الواقع تمثل حماية المعدات سلاحا رهيبا لا يجب تركه، مهما كلّف الأمر، بين أيدي أرباب العمل. فقد يستعملونه لإصدار اوامر للعمال المشتغلين بالآلات ومن ثمة يمارسون ابتزازا لكافة المضربين، لا سيما بالمنشآت التي بها أفران كصناعة الصلب وصناعة الزجاج. «استأنفوا العمل وإلاّ أوقفنا الأفران» هكذا خاطب أرباب العمل بصناعة الزجاج شغيلة Gilly. لكن الأدوار انقلبت وغيّر العمال ميزان القوى لصالحهم يوم أمسك المضربون بتسيير وحماية المعدات. ولم يدخل المصنع، بدءا من ذلك اليوم غير المهندسون «النزهاء» إزاء النضال. أمّا الآخرون فردهم العمال على أعقابهم. انتهت على هذا النحو مرحلة من ثلاثين سنة مارس خلالها أرباب العمل بصناعة الزجاج الابتزاز مهددين، ما لم يستأنف العمل، بإغلاق الأفران والانتقال إلى مكان آخر. في 60-61 استغل Gleverbel حادثا بأفران Gilly لإيقافها وتعطيل العمال جزئيا قرابة سنة، مطالبا أيضا عمال زجاج النوافذ بالمنطقة بالمساهمة بنسبة 0.5% من أجورهم طيلة ست سنوات إتقاء لما قد يكلفه إضراب بري آخر. وكان ذلك بمثابة هزيمة فعلية للعمال وإهانة بوجه مستغليهم، مما جعلهم يترددون لأمد طويل قبل العودة إلى الإضراب. وفقط بعد عمل متعمق لقسم من طليعة المنشأة ملتف حول نشرة «الدفاع الجديد»، تمكن العمال من استعادة الثقة وتوصلوا إلى تغيير المكتب النقابي عام 1970 ليتوفر لهم سلاح من أجل نقابة كفاحية.

حدث أول إضراب كبير لعمال Glaverbel-Gilly في فبراير 1973. وجرى انتخاب لجنة الإضراب والاعتصام في المصنع مع حماية المعدات. كان تنظيم النضال هو الذي أتاح انتزاع النصر، فرب العمل لم يعد سيدا داخل المنشأة. وأدى هذا الإضراب إلى الثقة في النفس لدى عمال الصفائح الزجاجية في بلدنا فخاضوا إضرابا وطنيا سنة بعد ذلك.

هكذا إذن فشلت ابتزازات Glaverbel-BSN فور مواجهة إضرابات مُرفقة بالاعتصام وحماية المعدات. وتكمن إحدى المزايا الأخرى للإعتصام بالمصنع في أنه يسحب البساط من تحت أقدام كاسري الإضرابات وبالتالي يمنعهم من نسف النضال. وأخيرا يُتيح احتلال المصنع لكافة العمال أن يعيشوا الصراع لحظة بعد لحظة وأن يكونوا حاضرين لحظة «ضربة قاسية» والإفلات، بفضل النضال المشترك، من ضغط الأيديولوجية البورجوازية الذي يُمارس عبر الصحافة المكتوبة والسمعية. والافلات أيضا من ثقل الوضع العائلي وضغوط الوسط الاجتماعي التي تُمارس حتما خلال الاضراب. ينسج الاعتصام روابط متينة بين العمال ويمنع خضوعهم للنزعة الفردية الخاصة بالأيديولوجيا البورجوازية.

حين يكون الاعتصام منظما على نحو جيد وبقيادة جيدة، يعي العمال قوتهم ويدركون أن هذه القوة لا تكمن في البرلمان ولا في أي من مؤسسات الدولة الرأسمالية، وأن اعتصامهم يقربهم الى السلطة الفعلية أكثر من ذي قبل.

ويفهم العمال أيضا أن السلطة الرأسمالية أضعف مما اعتقدوا وأن مركز وجودها الأساسي هو الدولة والحكومة وليس المنشأة.

ومع ذلك يجب التنبيه إلى أن الإعتصام ليس حلا سحريا. عليه أن يجر عددا متزايدا باستمرار من العمال إلى النضال دون إهمال الدعم الخارجي من جانب السكان و العمال، وإلاّ أصبح عرضة للعزلة وخطر الهزيمة. بإمكان أرباب العمل استقدام الدرك لطرد العمال، وربما تكون الهزيمة في هكذا ظروف أشدّ وقعا من هزيمة إضراب تقليدي، لأن لها عواقب سياسية وخيمة: فهي بدل دفع العمال على طريق وعي طبقي ثوري، قد يبعدهم عنه بإضعاف معنوياتهم. هذا ما يوجب التفكير والاعداد بكل عناية للإعتصام داخل المصنع، دون إهمال إعداد الشغيلة للدفاع الذاتي العمالي في حال تدخل القوات النظامية. يجب في هذا الصدد تعيين لجنة مكلفة مختصة بدراسة المسألة ومكونة من رفاق متبصرين وموثوقين. يمكن الجزم أن ما يتيحه الاعتصام من إرتقاء هائل لوعي الشغيلة يجعل منه، أكثر من الإضراب نفسه، أهم فعل سياسي يقوم به العمال المناضلون. إنه عمل سياسي يجسد مقدَّما المجتمع الاشتراكي. فإن كان الإعتصام في المنشأة وإنتخاب لجنة الإضراب والرقابة العمالية، بما هي تدخل مباشر في التسيير الرأسمالي المقدس، أمورا ثلاثة تطرح مسألة معرفة من السيد في المنشأة، فجلي أن نفس السؤال سيُطرح على المستوى الوطني لكن بحدة أكبر في حالة مركزة اللجان في إطار إضراب عام. ويُصبح السؤال آنذاك: من السيد في البلد: الرأسماليون أم العمال؟ ولا يمكن حسم إزدواجية السلطة هذه سوى بانتصار إحدى الطبقتيين على الأخرى: إمّا أن يُنقد الرأسماليون الوضع أو يستولي العمال على السلطة. إذا عجز العمال عن مركزة أدوات نضالهم، فإنهم مهزومون مسبقا لأن بيد عدوهم وسيلة قوية لمركزة سياسته، أداة تشتغل منذ أمد طويل: الدولة وآلة تسييرها، الحكومة.

لا غنى إذن عن توفر الطبقة العاملة هي أيضا على أداة لمركزة النضال، تكون صورة مسبقة لأداة المركزة الديموقراطية للمجتمع الاشتراكي المسير ذاتيا. لا يمكن أن يتولد هذا المجلس العمالي سوى عن مركزة بنيات تنظيم النضال (لجان الإضراب، لجان الأحياء والمدرسة…) على المستوى المحلي ثم الجهوي والوطني. يجب أن يكون هذا المجلس معينا بطريقة ديموقراطية وأن يمثل كل شرائح السكان الكادحين، بما فيهم الجنود الذين سيناصرون العمال. لذا يتوجب على المضربين، في حالة إضراب عام، أن يتصلوا بواسطة لجان الإضراب بالسكان الكادحين بالمدن والأرياف لحفز كل هذه الشرائح على التنظيم الذاتي، ومن ثمة ضمان الدعم الضروري للمضربين بما هو شرط لازم للإنتصار.

على نحو ما ستمثل مركزة أدوات العمال المستقل هذه حكومة للعمال وستنشئ، خلال مدة الإضراب، سلطة مضادة بوجه السلطة الرأسمالية التي تغدو أكثر فأكثر في وضع أقلية. عندها سيحدث امتحان قوى حتمي لأن تعايش سلطة رأسمالية وسلطة عمالية مضادة أمر مستحيل. فبوجه الخطر الذي يهدد دولتها لن تبقى البورجوازية متفرجة. في بادئ الأمر ستكتفي بمحاولات تخويف لقياس مقاومة العمال، لأنها تدرك عجزها على مواجهة حركة اجتماعية في عز التوسع. وكما هو الحال في الاعتصام داخل المنشأة، يجب على الحركة العمالية أن تنتبه لهذه الأحداث كلها و أن تسهر على إبقاء ميزان القوى لصالحها على الدوام عبر تكثيف التعبئة العمالية . يجب منذ البداية، كما في الاعتصام،تناول مسألة الدفاع الذاتي تناولا جديا. يجب تنظيم هذا الدفاع انطلاقا من لجان الإضراب وفرق حراسة الإضراب التي ستشكل نواة المليشيات العمالية. وعن هذه المليشيات سيتولد الجيش البروليتاري الذي لا غنى عنه للدفاع عن الإضراب وعن الثورة فيما بعد.

هكذا لا ينفصل القيام بدعاوة لأجل الاعتصام داخل المنشآت ولأجل لجان إضراب عن استراتيجية سياسية، وهو ليس مجرد تكتيك نضالي عمالي فعال. إن شن اضرابات مع الاعتصام وانتخاب لجان الإضراب حاليا هو أفضل تحضير لانتصار الإضراب العام القادم عبر خلق الإطار التنظيمي الذي يجعل إحتواءه مستحيلا. كما أنه يهيئ العمال لأخذ زمام أمرهم بأيديهم في مجتمع اشتراكي ذاتي التسيير.


--------------------------------------------------------------------------------

17- أخطار الإندماج في الدولة الرأسمالية
حتما ستترافق الأزمة التي نشهدها اليوم مع تواترات متنامية بين العمال ومنظماتهم النقابية، وذلك لسببين. أولهما أن البورجوازية ستعمد إلى كل ما بوسعها لإستعادة ما تنازلت عنه للحركة العمالية خلال حقبة التوسع الاقتصادي الطويلة بعد الحرب العالمية الثانية. ليست هذه السياسة خاصة ببلجيكا بل تتجلى في كل البلدان الرأسمالية المتطورة لاسيما بأوروبا الغربية، وذلك كيفما كانت الحكومات القائمة في تلك البلدان. هكذا نرى الحكومات تُغير على حقوق المعطلين وعلى ربط الأجور بالأسعار وعلى التأمين على المرض، الخ. بكامل الوضوح تُبين سياسة الرأسماليين هذه للعمال أن النظام لم يعد يطيق الاستجابة لأقل مطلب عمالي، لأنه سيضر مباشرة بالتوازن الاقتصادي للرأسمالية. وهكذا لا يستطيع النظام البقاء على قيد الحياة سوى بتكثيف استغلاله لأغلبية السكان على نحو يجعل الشأن الاقتصادي والشأن السياسي ينصهران أكثر فأكثر في كتلة واحدة. وبالفعل شيئا فشيئا يغدو إرضاء الحاجات الأساسية للعمال غير قابل للتحقيق في النظام الرأسمالي ولمواجهة هذا الوضع أصبح بناء حركة نقابية كفاحية مهمة ملحة.

لابد من نظرة تتجاوز أزمة الرأسمالية لتحيط بالتغيرات الحاصلة في الرأسمالية نفسها وبآثارها على العمل النقابي. لم تعد المنظمات النقابية في مواجهة رأسمالية منافسة حرة، وبالتالي فلن تستطيع الإستفادة من مزاحمة محتملة بين مختلف أرباب العمل قصد شن حركة إضراب. إننا في طور الرأسمالية المتأخرة Tardif شديدة التمركز عبر الشركات متعددة الجنسية والهولدينغات والكارتيلات والتروستات [4] … التي تتحكم في كل الحياة الإقتصادية والسياسية وتملي إرادتها على الدول.

كل من يعتقد بحياد الدولة إنما ينخدع ويخدع العمال. لكن القيادات النقابية الحالية، بفعل طبيعتها الإصلاحية، تتآلف مع الدولة كما هي. ويستفيد أرباب العمل والبورجوازية الكبيرة من ذلك ويبذلون كل الجهد لإدماج النقابات في الدولة. ها هنا على وجه الدقة يتحدد مستقبل الحركة العمالية والحركة النقابية. فإذا واصلت هذه الحركة إندماجها في الدولة البورجوازية وقبلت الإشتراك في اللعبة الرأسمالية ترتب عن ذلك خضوع عالم الشغل بمجمله لمستلزمات الرأسمال. يستهدف أرباب العمل إقبار العمل النقابي المباشر لإفقار الحركة النقابية كل جوهرها الطبقي وكل ما قد تنطوي عليه من جوهر معاد للرأسمالية.

إن هدف البورجوازية الناتج عن سياسة الإندماج هو تحويل المنظمة النقابية إلى أداة تسيير وقناة توصيل لتدجين الشغيلة. وعلى نحو حتمي يناقض هذا الإدماج المصالح الأساسية للطبقة العاملة. إنه، في سياق الأزمة الرأسمالية الحالية العنصر المحرك لسياسة أرباب العمل الرامية إلى تحميل العمال أعباء الأزمة.

ماذا تستعمل البورجوازية لمحاولة إدماج النقابات في الدولة؟ ثمة أولا المزايا لفائدة المنظمين نقابيا وحدهم، حيث يدفع لهم أرباب العمل منحة. وهذا يشجع نمو ذهنية من نوع خاص: فالعامل لا يلتحق بالنقابة بهدف التنظيم والدفاع عن حقوقه بوجه رب العمل بل للتعاقد على تأمين اجتماعي. وهذا ما يكمن خلف أداء منحة للمنظمين نقابيا لأن دفعها مشروط بالتزام السلم الاجتماعي. وعلى سبيل المثال هاكم بندي السلم الاجتماعي الخاصين باللجنة الثنائية الوطنية لصناعة الزجاج (فرع زجاج النوافذ)، مع العلم أن الوضع شبيه في كل القطاعات المهنية.

البند الأول: حرصا على مناخ علاقات طيبة وتعاون بناء تتفق الأطراف الموقعة على ما يلي:

أ)تلتزم الأطراف باحترام الاتفاقيات الجارية وظروف العمل العامة المقبولة.

ب)لا تلجأ الأطراف إلى التوقف الجماعي عن العمل أو إلى الإغلاق ما لم يسبقهما تطبيق مسطرة التصالح العادية وتسليم سابق إعلام قانوني. وفي حال الإضراب أو الإغلاق ستضمن صيانة المعدات والمنتجات وفق السوابق المعلومة [5].

ج)لا تلجأ الأطراف إلى التوقف الجماعي عن العمل أو الإغلاق، حتى المسبوقين بالمسطرة العادية للتصالح والإعلام القانوني، قصد الحصول على مزايا تنظاف لتلك الواردة في الإتفاقيات الجارية.

ويشترط بخصوص المنحة النقابية ما يلي: مشغلو قطاع «زجاج النوافذ» التابعة لـ C.P.N.I.U. يمنحون لـ A.S.L.B. «الصندوق الإجتماعي» المشار إليه في البنذ الثالث المساهمة المحددة في اللجنة الثنائية الفرعية ما دامت المنظمات النقابية تحترم الشروط المحددة في البند الأول.

وعند الإقتضاء يجتمع مكتب C.P.N.I.U. للتصالح أثناء النصف الأول من ديسمبر لبحث حالات مخالفة الشروط المحددة في البند الأول وتعيين العقوبات المحتملة (مثلا عدم أداء مساهمة الباترونا للعمال المشاركين في إضراب بري).

الأمر جلي إذن: تؤدي المنحة ما دامت المنظمات النقابية ملتزمة بالشروط المحددة في اتفاقية السلم الإجتماعي. أما تلك المنحة فقد وجب تسميتها منحة الخنوع وليس المنحة النقابية. لا يدفع أرباب العمل سوى بقدر التزام المكتب النقابي والممثلين النقابيين موقفا «بنّاء» وتمكنهم من تفادي كل إضراب، لاسيما البري، وتدجين جيوشهم لاحترام النظام الرأسمالي وليس رفضه.

ليست المنحة النقابية الوسيلة الوحيدة لإدماج الحركة النقابية. نشير على سبيل المثال إلى بعض نقاط السلم الاجتماعي الموقع خلال تجديد مختلف الإتفاقيات الوطنية والمهنية والمحلية. قد يتبدل أسلوبها لكن مغزاها واحد: «خلال إضراب غير نظامي (أي أثناء مدة الاتفاقية) يتوجب على المكتب النقابي وعلى ممثليه ألاّ يدخروا جهدا وأن يستعملوا تأثيرهم على العمال لإستئناف العمل ومن ثمة إعادة إقامة علاقات إجتماعية طيبة».

يمكن ضرب أمثلة عديدة عن سياسة الإدماج: فتلك حال سياسة التشاور في صناعة الصلب وفي الغاز وفي الكهرباء حيث يلتقي بانتظام حول الطاولة كل من أرباب العمل والحكومة والمنظمات النقابية… أي دوما إثنان مقابل واحد. ونشير أيضا إلى الإتفاقيات الجماعية المهنية وبين المهن طويلة المدة (سنتين أو ثلاث أو أكثر) ومشاركة النقابات في وضع تشريع الشغل والمشاركة في هيئات تشاور عديدة.

يمكن القول بكامل الصراحة إن النضال ضد إدماج الحركة النقابية يمر عبر نضال من أجل الديموقراطية النقابية وضد البيروقراطية على كافة المستويات، وعبر بناء حركة نقابية كفاحية. ذلك هو حاليا السبيل الوحيد لبقاء الحركة النقابية. يتوجب على المناضلين، في سياق الأزمة التي ستتفاقم في السنوات القادمة، أن يختاروا بين خطين نقابيين: خط التشاور والادماج من جهة وخط النضال الطبقي المعادي للرأسمالية من جهة أخرى. الأول يُفضي حتما إلى إفلاس وانحطاط ثم موت الحركة النقابية. والثاني هو الكفيل وحده بتقويم الحركة النقابية وفتح طريق نحو مجتمع اشتراكي. إنه الطريق الذي اخترناه رغم الأوصاف التي تُطلقها البيروقراطية النقابية على المناضلين الكفاحيين وأكثرها رواجا التطرف اليساري وتشتيت الصفوف ومعاداة النقابة.

إن كان النضال ضد الإدماج في النظام الرأسمالي هو محور قوة النقابة الكفاحية، فإن هذا النضال بدوره يمر عبر ترسيخ ديموقراطية نقابية على كافة المستويات. لذا فإن النضال لأجل الديموقراطية النقابية هو أيضا نضال سياسي بالأساس.


--------------------------------------------------------------------------------

18- تعبئة العمال بواسطة التنظيم الذاتي
الاعتقاد بأن نداء المكتب النقابي للإضراب كاف لتتم الاستجابة هو اعتقاد طوباوي، وهو كباقي اليوطوبيات لا يفضي سوى إلى هزائم. وذلك دليل نزعة عفوية. فحتى في أفضل الحالات، إذا جرى تنفيذ الإضراب على نحو صائب، لن يتسم لا بالحيوية ولا بالتصميم المطلوب. لا يمكن فرض إضراب بتعليمات صادرة من فوق أو من المكتب النقابي. يجب إعداد العمال للإضراب خاصة وأنهم لا يرون دوما خطر خوض معركة فعلية ولا إمكانيتها. حدث ذلك مرارا وسمعنا مسؤولين يقولون «العمال لا يريدون المعركة وهم عاجزون عنها وقد أفسدهم مجتمع الاستهلاك.» يجب القول إن هذا النوع من الحجة غالبا ما يُستعمل تبريرا لسياسة الأمر الواقع وستارا لتحميل العمال مسؤولية الإخفاقات دون الاعتراف بالذنب. والدافع هو غياب إرادة النضال لدى المسؤولين أنفسهم وتهربهم من القيام بأي إعداد له. إن أسرع السبل وأكثرها فعالية نحو إرتقاء وعي العمال هو كذلك التنظيم الذاتي. يتوجب على المناضلين الطليعيين تطويره وضمان انتشاره بالدعاوة قصد قيادة العمال نحو انتخاب لجنة عمل (أو يقظة، فالاسم لا يهم) تمثل قدر الإمكان مختلف قطاعات المنشأة. وجليّ أنه يجب، قبل انتخاب هكذا لجنة، المرور بالجموع العامة بالمنشآت لما لها كذلك من دور هام في تحسيس العمال للمعركة القادمة. لكن انتخاب اللجنة هو النقطة الأساسية في تسارع إرتقاء وعي العمال ونضجه.

أول مهام هذه اللجنة أن تدرس سوية مع المكتب النقابي أو قسم منه الوضع الملموس الذي يعيشه العمال (وهنا أيضا لابد من تمثيل اللجنة للأغلبية كي يكون ثمة فعلا تنظيم ذاتي وبناءً على هذا التحليل واعتبارا لمستوى وعي العمال، يجب القيام بكل ما يوقظ ذلك الوعي: جموع عامة ومظاهرات، الخ. وتكمن مهمة أخرى لهذه اللجنة في إعداد الرأي العام باخباره بكل ما يجري حبكه في المقاولة. مقررات ندوات صحافية وبيانات دون إغفال الاتصال بمنشأت أخرى. باختصار تتلخص مهام لجنة العمل في الإعداد النفسي والعملي للمعركة واضعة بذلك أسس لجنة الإضراب القادمة.

يمكن الإعتراض بكون هذا العمل لا يستلزم بالفعل إنتخاب لجنة وبأن المكتب النقابي قادر على الإضطلاع به. سنجيب، بناء على التجربة، أن الإنتقال إلى انتخاب هذا الجهاز يمثل في حد ذاته موقفا أوليا بالنسبة للعمال، إنه يوقظ الأذهان ويحسس الرأي ويفهم كل عامل، منظم أوغير منظم، أنه يدخل طور التعبئة. و علاوة على ذلك ينبع الدور المحفز للجنة من كونها تجعل العمال يحسون بأن النضال الجاري نضالهم وبأنهم يديرونه من أوله إلى آخره. عندما يصبح الوضع أشد حرجا ويتوجب إتخاد قرار الاضراب، لا يحق للمنظمة النقابية ولا للمكتب النقابي ولا حتى للجنة العمل أن تقرر شنه. وحده الجمع للعمال يمكن أن يتخذ مثل هذا القرار. أمّا الإقتراع ذاته فيجب اختيار توقيته على نحو جيد يتيح إدراك أكبر عدد من الرفاق لطبيعة المعركة الواجب خوضها. يجب إتخاذ القرار حسب درجة حرارة الجموع العامة، مثلا عندما تثير التدخلات المطالبة بالإقدام على تحرك موجة تصفيقات حارة أو حسب مواقف العمال في أماكن العمل وعدد النقاشات في المنشأة، الخ. وعلى سبيل المثال، وباعتبارنا عشنا هذه التجربة، نعيد رسم تسلسل الأحداث في الأيام الأولى بعد إعلان إغلاق فرن Glaverbel-Gilly.

كان وقع الخبر على العمال صاعقا رغم تنبيهات المكتب النقابي بصدد إحتمال هذا الإغلاق ورغم التظاهرات المختلفة التي سبقته. جرى الإخبار بقرار الباترونا مساء الجمعة 10 يناير. ويوم الاثنين 13 إنعقد جمع عام إقترح خلاله المكتب النقابي، إحساسا منه بتردد العمال، وقصد إخراجهم من غفلتهم إنتخاب لجنة يقظة. كانت تعبير اليقظة، بالنسبة للمكتب النقابي، هو الأنسب للوضع، فقد وجب بالفعل على العمال التزام اليقظة فيما يخص حماية المعدات ومواجهة هجمات الباترونا الماكرة، كوقف الأفران قبل الأوان. ودعا المكتب النقابي، بتزامن مع انتخابا لجنة اليقظة، إلى إضراب 24 ساعة. قد يقول البعض لماذا الإكتفاء بـ24 ساعة في وضع مأساوي كهذا؟ الواقع أن عمالا كثيرون لم تكن لهم ثقة في إمكان الانتصار نظرا لنذرة الحالات التي تمكنت فيها الحركة النقابية من فرض مواصلة نشاط منشأة ضد إرادة الباترون، لا سيما على مستوى شركة متعددة القوميات.

وخلال أربعة أيام مدّد الجمع العام للعمال إضراب الأربعة وعشرين ساعة. وكان ذلك يطابق الحد الأدنى من الوقت الضروري للجنة اليقظة كي تُحفز ارتفاعا لوعي العمال. وفقط يوم الخميس 16 طالب العمال بالإضراب الشامل. فالى غاية هذا اليوم كان عدد هام منهم يكتفي بالمطالبة بمضاعفة منحة التسريح، لا بل كان بينهم ذوو خطاب إنهزامي يقولون: «نحن مهزومون مسبقا يا رفاق، فلم يتمكن أحد قبلنا من منع الإغلاقات والتسريحات.» كل هذا يبرز بوضوح أنه لو اقترح المكتب النقابي التصويت على قرار الإضراب يوم الاثنين والثلاثاء لما حصل سوى على أغلبية ضعيفة لصالح التحرك ولتمت إعاقة هذا الأخير منذ اليوم الأول. إن المكتب النقابي بنهجه موقفا تكتيكيا أكثر لم يستسلم للإدارة بل إختار أفضل السبل لتحسيس العمال وإعدادهم للمعركة. وأمام جمع عام يوم الخميس 16، حيث طالب مناضلون عديدون بالإضراب العام، صرح المكتب النقابي وهو على يقين من مجاراة العمال له: «أيها الرفاق، إنكم على استعداد لمعركة ضارية ومستديمة، فلكي تضمنوا نجاحها عليكم منذ الآن بانتخاب لجنة إضرابكم لأن مهمة لجنة اليقظة انتهت». هكذا إذن جرى حل لجنة اليقظة وعين العمال، وهم ناضجون للمعركة، لجنة إضراب ضمت طبعا أعضاء عديدين من لجنة اليقظة. إنه في نظرنا، مثال للديموقراطية العمالية والتنظيم الذاتي يبين كيف تمثل هذه الأساليب أنجع وسيلة لتطوير نقابة كفاحية وحفز وعي معاد للرأسمالية لدى العمال.


--------------------------------------------------------------------------------

19- الرقابة العمَّالية
نعلم عن دراية أن الخطب ونشر الأفكار لا يكفيان لإقناع العمال بضرورة النشاط الثوري، رغم أنه لا غنى عن هذا العمل الدعاوي. قِوام الأمر هو إيصال العمال إلى مستوى وعي أرقى عبر ممارسة النضال الطبقي. في هذا المنظور بالذات تحتل الرقابة العمالية مكانة مركزية.

هذا المطلب الذي يبدو جديدا لجيل الشباب له مع ذلك تاريخ طويل في الحركة العمالية وقد أثبت قيمته خلال الثورة الروسية عام 1917. ويجب إعتباره إحدى أهم أهداف النشاط العمالي وذلك لأسباب عدة:

1.يتيح للعمال تجاوز مستوى المطالب الآنية بربط هذه الأخيرة ببرنامج معاد للرأسمالية يمهد الطريق نحو الاشتراكية. 2.يكشف في أعين العمال جسامة التبذير والفوضى الرأسمالية، مبينا بذلك مدى ما يتعرضون له من استغلال. 3.يمثل مدرسة حقيقية تهيئ كافة العمال للتسيير الذاتي في المجتمع الاشتراكي القادم. 4.يمثل تدخلا عماليا مباشرا في المنطق الرأسمالي معيدا فيه النظر كليا.

«الرقابة العمالية مطلب إنتقالي وإصلاح بنيوي معادي للرأسماللية بامتياز. إذ ينطلق هذا المطلب من انشغالات أوسع الجماهير لإيصالها إلى خوض نضالات ترفض عمليا النظام الرأسمالي والدولة البورجوازية. لأن الرقابة العمالية هي بالذات نوع المطالب التي لا يمكن للرأسمالية أن تدمجها ولا أن تهضمها مثلما تمكنت من إدماج كل المطالب الآنية في ستين سنة الأخيرة وهضمها (رفع الأجور ويوم العمل من ثماني ساعات مرورا بالتشريع الإجتماعي والعطل المؤدى عنها)». (أرنست ماندل. الرقابة العمالية –نشر دفاتر "اليسار الاشتراكي و الثوري").

تمثل الرقابة العمالية إذن إحدى مطالب الحركة العمالية الأكثر شمولا. إن تطبيقها، ولو على نطاق محدود، يُعري الإستغلال الرأسمالي وفوضاه رافعا بذلك وعي العمال الطبقي. وفور تطبيقها تفرض الرقابة العمالية على الشغيلة مطالب أساسية كتخفيض وتائر العمل وتقليص وقت العمل والاعتراض على البطالة، الخ. وهذا أمر في غاية الأهمية. هكذا تكشف تدريجيا للعمال كل مظالم حياتهم اليومية وتُعودهم على فرض حق اعتراضهم (الفيتو في مختلف المجالات عبر النشاط المباشر، سواء داخل المنشأة أو في المجتمع عامة يتوجب على المناضلين الطليعيين أن يدركوا أن الرقابة العمالية تدخل مباشرة للشغيلة في أوالية الإستغلال الرأسمالي. فهي مثل انتخاب لجان الإضراب واحتلال المنشآت، تطرح على نحو ملموس مسألة معرفة من هو السيد في المصنع.

وحتما سيطرح تعميم الرقابة العمالية في حال إضراب عام مسألة السلطة كما يحدث عند تعميم لجان الإضراب المنتخبة: من السيد في البلد؟ هذا هو السؤال الذي سينبثق من مركزة لجان الإضراب وطنيا إلى جانب مركزة أدوات الرقابة العمالية في المنشآت والأحياء، الخ. هكذا يساهم تعميم الرقابة العمالية ومركزتها إبان مرحلة إضراب عام في خلق بداية سلطة عمالية بوجه سلطة الدولة البورجوازية ومن ثمة حالة ازدواجية السلطة يتوجب حلها لصالح إحدى الطبقتين المتواجهتين. طبعا يستحيل تحقيق رقابة عمالية معممة في إطار المجتمع الرأسمالي ما عدا في حقبة ثورية. لكن يمكن تحقيق تجارب رقابة تعترض على أسس النظام نفسها على نحو يجعل العمال، سعيا للحفاظ على رقابتهم وتحسينها، يُلغون النظام نفسه.

لابد من الوضوح في تطبيق هذا المطلب. لا يمكن الإنتقال إلى الرقابة العمالية دون القيام مسبقا بدعاوة ودون نقاشات داخل النقابات، وهذا أمر قابل للتحقيق بقدر ما أدخلت FGTB مطلب الرقابة في برنامجها. لكن ستجري التربية الأساسية على قاعدة تجارب ملموسة سابقة وحالية. هكذا سيتم في البداية كسب الطليعة إلى فكرة الرقابة وبعدها مجموع الطبقة العاملة. لا بد من إدراك أن انتزاع الرقابة العمالية لن يتم بالمفاوضات بين الباترونا والحكومة والنقابة. فكل ما يمكن أن تجلبه هذه الإجتماعات هو تعديلات هامة أحيانا في مجال المعلومات التي ستُقدم داخل مجلس المنشأة. لكن بدورها يجب أن تخضع هذه المعلومات لرقابة العمال في الميدان. ليست الرقابة العمالية مطلبا يقدم لرب العمل فهي لا تطابق هدفه في الربح، إنها مطلب يُفرض بالنضال. وهي تبدأ بخرق قوانين المجتمع البورجوازي وقواعده.

من زاوية النظر هذه، لا تحمل الرقابة العمالية كامل دلالتها سوى في وضع قبل-ثوري، حيث ينتخب العمال ديموقراطيا لجان الرقابة في كل القطاعات الصناعية والبنكية، الخ وحيث تُمركز تلك اللجان، وكذلك في وضع أزمة اجتماعية مستديمة من نوع «ماي الزاحف» في إيطاليا. وعلينا، خارج هذه الفترات، أن نقوم بأوسع دعاوة ونساعد العمال عبر تجارب عملية في الرقابة، تكون بالضرورة محدودة، لكن لا غنى عنها لحفز إرتقاء وعيهم وكفاحيتهم.

نشير في الختام إلى أن الماويين يستبسلون في التشهير الدائم بالرقابة العمالية، إذ يرون أنها مطلب إصلاحي وأنها تخلق أوهاما لدى العمال. يكشف هذا الكلام عن ضيق فكري ويدل عن نقص تام في فهم الديالكتيك الثوري للجماهير. و نترك لينين نفسه يرد على من يعلنون أنفسهم لينينيين: «تؤول كل مسألة الرقابة جوهريا إلى معرفة من المراقب ومن المراقَب: أي من هي الطبقة التي تمارس الرقابة ومن التي تخضع لها. عندنا في روسيا الجمهورية، حيث إشراك الهيئات ذات السلطات المطلقة للديموقراطية الثورية المزعومة يعترف لكبار الملاكين العقاريين و يترك لهم لحد الساعة وظائف الرقابة و حتما ينتج عن ذلك مضاربة رأسمالية جامحة تثير استياء الشعب برمته وفوضى اقتصادية يصونها الرأسماليون قصدا. يجب الانتقال بعزم وبلا تراجع إلى رقابة يُمارسها العمال والفلاحون على الملاكين العقاريين والرأسماليين، وذلك دون خشية الإقلاع في القديم ودون تهيب بناء الجديد بجرأة». [لينين: «الكارثة المحدقة وكيف نتجنبها» ضمن كتاب الرقابة العمالية والمجالس العمالية والتسيير الذاتي – مختارات، أرنست ماندل.]


--------------------------------------------------------------------------------

20- التأميم دون تعويض ولا استرداد وتحت رقابة عمالية
أصبحت التأميمات، إزاء الأزمة الحالية للرأسمالية، أكثر فأكثر راهنية ومحط نقاشات في الحركة العمالية التي تبحث عن وسيلة لصد عمليات الإغلاق والتسريح المتكاثرة بوثيرة مرعبة. لذا يجذر التوقف عند هذا المطلب بتفصيل.

ثمة نوعان من التأميمات: الأول إصلاحي صرف والثاني يندرج في استراتيجية ثورية. إن تأميما يهدف إلى إعادة تقويم منشأة مفلسة بترك حق الرقابة، و من ثمة سلطة القرار والأرباح للباترونا، هو عملية إصلاحية صرف. وغالبا ما يتم في هذه الحالة التراجع عن تأميم المنشأة بعد تقويمها بالمال العمومي. إذن لا يناضل النقابيون الكفاحيون ولا الثوريون لأجل هذا النوع من التأميمات. تطالب الرابطة الثورية للعمال بالتأميم دون تعويض ولا إسترداد وبرقابة عمالية. هكذا تُنزع بالكامل ملكية الرأسمالي ويُمارس العمال، وقد غدوا عديمي الثقة في الدولة البورجوازية أكثر مما في رب عمل خاص، رقابتهم على المنشأة دون تحملهم بالطبع لأي مسؤولية في تسييرها. لأن التسيير العمالي في المجتمع الرأسمالي يجر العمال إلى الظهور كمشاركين في المسؤولية عن كل عيوب النظام. إن أيّ منشأة، وإن كانت مؤممة، لا تُفلت من قواعد النظام الرأسمالي. وتبقى خاضعة لكل تقلبات النظام الرأسمالي نفسه وستتعرض لقانون المنافسة لأن قانون الإكراه الرأسمالي لا يوجد فقط في المنشآت أو القطاع بل في المجتمع برمته وفي كل الشرائح الاجتماعية.

يجب اعتبار برنامج رابطة العمال الثورية بصدد التأميمات وسيلة لوقف سياسة الإعانات والتشاور التي عجزت عن وقف نزيف التسريحات، لا بل على العكس قامت بتسريعه. ففي الواقع جرى استعمال الإعانات لترشيد المنشآت ومن ثمة أدت إلى تسريحات. لذا فليس قوام الأمر تأميم المنشآت المفلسة بل تأميم القطاعات المحافظة على مردودية كصناعة الصلب والتعدين والطاقة والغاز والكهرباء، الخ.

لكن لا يكفي، لضمان مناصب الشغل وإعادة انتشار صناعي، التوقف عند تأميم القطاعات الصناعية. يجب التقدم أكثر ووضع تأميم البنوك على جدول الأعمال وكذا شركات القرض والهولدينغات ودائما دون تعويض و لا استرداد وتحت رقابة عمالية.

هكذا يمكن للصيغة التالية أن تُلخص برنامج رابطة العمال الثورية حول التأميمات: أخذ الأموال حيث توجد لإرضاء حاجات العمال. يتعلق الأمر إذن ببرنامج إصلاحات بنيوية لكنها إصلاحات معادية للرأسمالية أي ذات طابع انتقالي وغير مطابقة لسير النظام الرأسمالي وتفتح المجال لبناء الاشتراكية. وهذا ما لا يفهمه الرفاق الماويون وما يجعل أيضا الاصلاحيين لا يدافعون عن هكذا إصلاحات كما يدل برنامج التأميمات الخجول الذي أعده تحالف اليسار بفرنسا. يجب فهم كامل الدينامية التي يفضي إليها النضال من أجل هكذا تأميمات. تنبع تلك الدينامية من كون التأميمات منتزعة بالنضال و بالتعبئة العامة للعمال وليس بالطريق البرلماني. عندما سيخوض عمال الصلب مستقبلا الكفاح لتأميم قطاعهم سيدركون بالتجربة الملموسة حقيقة الدولة نظرا لحتمية مواجهتها مباشرة. والحال أن فهم دور الدولة هو أرقى مستويات الوعي الطبقي، علاوة على أن كسب تأميم قطاع صناعي ما يحفز آليا كفاحية عمال قطاعات اخرى، حيث سيرون في التأميم وسيلة لوضع حد للفوضى الرأسمالية. وجلي أن هكذا دينامية ستجر الطبقة العاملة برمتها إلى معركة موحدة ضد الأوليغاشية [6] الرأسمالية. تلك أحد أسباب رفض الأحزاب الإصلاحية قبول هذا المطلب الذي تتجاهله الأحزاب التقليدية والبيروقراطية وتتفاذاه منذ المؤتمر الاستثنائي لـFGTB حول التأميمات.

حاليا، ونحن إزاء أخطر أزمة رأسمالية لما بعد الحرب، يجب على الطبقة العاملة وطليعتها، إن هي أرادت تفادي تحمل تكاليف فوضى أرباب العمل، أن تناضل لأجل التأميمات تحت رقابة عمالية. ولذا وجبت عليها القطيعة مع السياسة التقليدية لمنظماتها القائمة على التشاور والتعاون. لا يمكن حل أزمة الرأسمالية سوى بإقامة مجتمع اشتراكي، ولأجل ذلك يجب الدفاع عن برنامج واضح معاد للرأسمالية وإلاّ فإن الهمجية الرأسمالية، أي الفاشية، ستنقض مُجدداً على الحركة العمالية. «إن شتى أنواع الثرثرة حول عدم «نضج» الشروط الموضوعية للإشتراكية ليست إلاّ حصيلة الجهل، أو ضربا من الخداع الواعي. فالمقدمات الموضوعية للثورة البروليتارية ليست ناضجة فحسب، بل أخذت تتعفن. بدون الثورة الاشتراكية في الفترة التاريخية القادمة، تتعرض الحضارة الانسانية بكاملها لخطر الكارثة. كل شيء مرهون بالبروليتاريا، أي بطليعتها الثورية في المقام الأول. إن الأزمة التاريخية التي تعاني منها الانسانية تتلخص في أزمة القيادة الثورية. (تروتسكي البرنامج الإنتقالي).


--------------------------------------------------------------------------------

21- الجبهة النقابية الموحدة
يفهم العمال، عبر التجربة والوعي المكتسب خلال المعارك، حاجتَهم المتنامية إلى الوحدة. ويتبينون أنَّ أزمة الرأسمالية الراهنة تجعل تلك الوحدة ضرورية أكثر من ذي قبل، وأن الإنقسام النقابي عقبة في هذا الطريق وضرر لمعاركهم. وفي هذا الصدد تمثل الاتفاقيات الجماعية واللجان الثنائية مشكلا فائق الأهمية. وفعلا فإن أوالية الإتفاقيات الجماعية وبنيتها تجعل المصادقة عليها مشروطةً بتوقيع الأطراف الممثلة أي أنه بعبارة أخرى، لا يمكن توقيع الاتفاقية إذا رفضت إحدى النقابات اقتراحات الباترونا أو تلك الخاصة بالمصالح الاجتماعي (قاضي الصلح). هكذا تُجبر طريقة الإتفاقيات الجماعية المنظمات النقابية، بعد كل الضجيج الدعاوي، على الإتفاق وتوقيع الاتفاقية سوية. إذن يفرض هذا على النقابيين منذ البداية إيجاد موقف مشترك حول الاتفاقية وإلا أفلتت المزايدة من عقالها وتشتت العمال وتضاعفت التوترات بين نقابيي مختلف المنظمات النقابية. لذا فمن مصلحة العمال ومن الأفضل لوحدتهم أن يصوغوا سوية مطالبهم خلال جمع عام بدل أن يتصارعوا مستعملين دعاوة ضخمة وبعدها يقومون بتوقيع نفس الإتفاقية جماعيا.

بالنسبة للمناضلين النقابيين الكفاحيين يجب تحقيق الجبهة المشتركة في العمل الملموس، أي في ظل احترام الجميع للقرارات المتخذة في الجمع العام الموحد. ومن يخرق هذه القرارات يكون عرضة للنقد ومطالبا بتقديم كشف حساب للعمال. تلكم هي الطريقة الأمثل من ناحية المنطق والديموقراطية وحتى الفعالية. إننا نفهم اشتغال الجبهة النقابية على النحو التالي: الإرتكاز على العمل المباشر المعادي للرأسمالية وليس على الخمول والتعاون الطبقي. والحال أن الجبهة المشتركة كما هي سائرة اليوم، جبهة بيروقراطية يمينية تخدم مصالح البيروقراطية الإصلاحية. فلنتناول الأمثلة الأخيرة لسياسة الجبهة المشتركة. أولا رفضت CSC لأسباب متنوعة المشاركة في المظاهرة التي دعت إليها FGTB يوم 13 مارس 1976. وفي شهر شتنبر من نفس السنة خلال هجوم الحكومة و FEB على ربط الأجور بالأسعار دعت بعض الفيدراليات الفالونية إلى إضراب لمدة 24 ساعة. ربما اعتبر البعض ذلك تداركا لخطأ 13 مارس. و آنذاك أصرت FGTB على الاكتفاء بتوقفات جزئية عن العمل مرفقة بمظاهرات. لكن لم تتم المبادرة قط إلى اجتماع كل مندوبي الجبهة المشتركة الممثلين لمهن عديدة. ولا ريب أنه كان من شأن هذا الاجتماع أن يُمثل خطرا على البيروقراطيات النقابية. وتكررت نفس الحالة بالكامل على وجه التقريب خلال تحركات فبراير ومارس 1977 ضد خطة Egmont لحكومة Tindemants.

يحق لنا إذن أن نطرح السؤال التالي: هل يقتصر تحقق الجبهة المشتركة على مواقف يمينية (مثلما كان الأمر عند إلغاء التحركات لأجل السُّلّم المتحرك في شتنبر 1976 أو عند رفض وضع خطة لمواجهة خطة Egmont في مارس 1977) مستبعدا الدفاع عن مطالب العمال عبر النضال؟

مرة أخرى يجب على المناضلين النقابيين، خاصة من اختار النقابة الكفاحية، أن يُطوروا هذه الجبهة المشتركة على قاعدة واقعية، وذلك بالدفع إلى عقد جموع عامة مشتركة في المنشآت على المستوى الجهوي والمهني وما بين المهن وكذا خلال مؤتمرات بين المهن في الجبهة المشتركة.

ستكون معارضة الجبهة المشتركة دليلا على ضيق الأفق وغياب أي فهم لتركيب الحركة النقابية وبنيتها. لا يجب نسيان أن كلاّ من الاتحاديين النقابيين ببلجيكا FGTB وCSC يضم قرابة 50% من العمال المنظمين نقابيا وبالتالي أن نضالا فعالا ضد الحكومة وأرباب العمل لا يمكن أن يجري إلاّ في إطار الجبهة المشتركة. ويمثل التغاضي عن هذا الواقع جريمة بحق وحدة العمال وتخليا عن الدفاع عن مصالحهم بدوافع حزبية.


--------------------------------------------------------------------------------

22- الحزب والنقابة
على الدوام كانت العلاقات بين الأحزاب والنقابات في مركز نقاشات فائقة الأهمية في الحركة العمالية، سواء لدى المناضلين الثوريين أو لدى النقابيين. وإلى يومنا هذا لا يزال الفهم السياسي والنظري لهذه العلاقات في مركز خلافات الرابطة الثورية للعمال ليس فقط مع الاصلاحيين (الحزب الشيوعي البلجيكي PCB، الحزب الاشتراكي البلجيكي PSB) والبيروقراطية النقابية بل أيضا مع المجموعات الماوية. من هنا تنبع أهمية التوقف لحظة عند هذه المشاكل الجوهرية لإلقاء نظرة تاريخية موجزة على المسألة.

كتب ماركس في المقرر الذي صوت عليه مؤتمر تأسيس الأممية الأولى بجنيف عام 1864: «ولدت النقابات من الجهود العفوية لعمال يناضلون ضد الأوامر الاستبدادية لرأس المال قصد إزالة أو على الأقل تخفيف نتائج تلك المنافسة التي تستعر بين العمال. كانوا يريدون تغيير شروط العقد بحيث يستطيعون على أي حال الإنتشال من وضع العبيد» بيد أن النقابات، حسب هذا المقرر «مقتصرة على ضرورات النضال اليومية وعلى مناوشات ضد الغصب المتواصل من جانب رأس المال، أي باختصار في مسائل الأجرة وساعات العمل. وليس هذا النشاط شرعيا فحسب بل ضروريا. ولا يمكن التخلي عنه طالما استمر النظام الحالي». لنا هنا لمحة عن ميلاد النقابات وهدفها الأصلي.

هكذا إذن اضطر العمال، بوجه قوانين البورجوازية التي تعزلهم وبوجه قوانين «سوق العمل» التي تجعلهم عبيدا، ولتفادي التنافس على العمل، إلى إيجاد الوسائل التنظيمية لتوحيد الطبقة العاملة في وجه مستغليها. هكذا استهدفوا الحد من نتائج الاستغلال في انتظار إلغاء النظام الرأسمالي نفسه. إن النقابة من بين المنظمات التي تمكنت، بقدر تطورها، من رفع قدرتها الهجومية في النضال الإقتصادي ضد أرباب العمل. لكن منذ تلك الحقبة وضح المقرر: «تنشغل النقابات حصرا على نحو مفرط بالنضالات المحلية والآنية ضد رأس المال. ولا تعي كفاية كل ما بوسعها القيام به ضد نظام عبودية العمل المأجور نفسه. لقد ابتعدت كثيرا عن حركات أشمل وعن النضالات السياسية».

أدركت الأممية الأولى ضرورة الدور السياسي للنقابات ومن ثمة طرحته بوضوح. فحسب الأممية الأولى لا يجب على النقابات أن تقاوم هجمات أرباب العمل فقط، بل أن تكون أيضا مركز تنظيم الديموقراطية العمالية بدعم الحركة السياسية العامة التي تستهدف التحرر الاجتماعي للعمال. إنها إذن تقترح إقدام النقابات على خطـوة إضافية، خطوة العمل السياسـي.

لكن في العقود التي تلت،وبالتحديد، عند إنشاء الأممية الثانية (1889) ظهر رأي مناقض تماما: رأي الفصل الشامل بين الشأنين الاقتصادي والسياسي أي الفصل بين النضال النقابي اليومي والنضال السياسي الاشتراكي. كان لابد لهذا الفصل أن يؤدي إلى نزعة نقابية صرفة لدى المناضلين، ويحصرهم في النضال الاقتصادي لأجل مطالب آنية إلى هذا الحد أو ذاك، بينما الشخصيات المرموقة «تمارس السياسة» في البرلمان. نرى أن هذا الفصل كان قائما على خط سياسي جوهري هو الاصلاحية. وقد أسسته الأحزاب العمالية الكبرى آنذاك، أي الاشتراكية الديموقراطية الألمانية والحزب الاشتراكي الفرنسي الذي كان جيل غيد Guesde أحد كبار ممثليه. وقد أدى الصراع الذي اندلع في ألمانيا بين الماركسيين وأنصار باكونين إلى خط إصلاحي إلى هذا الحد أو ذاك إذ تنقاد قيادة الحزب للنقابات، حيث كانت النقابات ضد الإضراب العام السياسي وقام الحزب بإزالته كليا من برنامجه. ومن جراء هذا لم تعد النقابات تُعتبر بمتابة منظمات تدريب الطبقة العاملة على النضال الثوري. ولم يعد أحد يعتبر الإضراب العام سلاحا سياسيا و ثوريا.

ويعود فضل محاربة هذا التيار إلى روزا لوكسمبورغ، التي كتبت بعد تحليل الثورة الروسية عام 1905 كراس «الإضراب الجماهيري والحزب والطبقة». تنتقد روزا موقف من يعتبر الدفاع عن مصالح العمال الآنية المهمة الوحيدة للنقابة. وكشفت خطأ الحكم المجرد على الإضراب العام وقياس جدوى الإضراب العام بناء على الأخطار. تقول روزا «إن فحصا موضوعيا لأصول الإضراب الجماهيري من زاوية نظر الضرورة التاريخية هو وحده الذي يتيح تناول المشكل ونقاشه أيضا وليس التقييم الذاتي للاضراب العام من زاوية نظر الأماني» وتُبرز في تحليلها للثورة الروسية لعام 1905 طبيعة العلاقات بين الحزب والنقابة قائلة: «فور انفتاح حقبة نضال ثوري أي فور ظهور الجماهير على ساحة المعركة يتوقف تشتت النضال الاقتصادي وكذا الشكل غير المباشر البرلماني للنضال ويصبح النضال السياسي والنضال الاقتصادي كلا واحدا وتنمحي ببساطة الحدود المصطنعة بين النقابة والحزب السياسي بما هما شكلين للحركة العمالية منفصلين ومتباينين تماما. لكن ما يراه الجميع في الحركة الثورية موجود أيضا كحالة واقعية في المرحلة البرلمانية. ليس ثمة نضالان مختلفان للطبقة العاملة، نضال اقتصادي وآخر سياسي، ليس ثمة غير نضال طبقي واحد يجنح معا إلى الحد من الاستغلال الرأسمالي في المجتمع البورجوازي وإلى إلغاء المجتمع البورجوازي.» نلاحظ إذن أن النقابات لا تُمثل غير طور من نمو الحركة العمالية وكذا مصالح مجموعات معينة داخل الطبقة. يترتب عن ذلك وجوب قيام الحزب بالتوجيه السياسي للإضراب و للنضال و من ثمة للنقابة، وإلاّ تم الإنحباس في طوق السياسة الاجتماعية الضيق، مما يفضي إلى قبول النظام الرأسمالي نفسه. والحال أن على كل مناضل لأجل بناء مجتمع اشتراكي أن يُلغي المجتمع الرأسمالي ويرفضه على الدوام. لذا يجب بناء حزب ثوري والنضال في إطاره لأن الحزب يمثل كما قال البيان الشيوعي لماركس وإنجلز: «المصالح المشتركة لكل البروليتاريا ولكل درجات تطور النضال الطبقي ومصلحة الحركة العمالية بمجملها أي الهدف النهائي، تحرر البروليتاريا.»

لا يمكن أن ينسى المناضلون النقابيون هذا الهدف النهائي وعليهم أن يدركوا أن النقابة غير كافية لبلوغه.


--------------------------------------------------------------------------------

23- جدوى حزب ثوري
لا يمكن أن تكون النقابة غاية في ذاتها، بل فقط كما أكد تروتسكي: «إحدى الوسائل المستعملة في مسيرة الثورة البروليتارية». النقابات هي المنظمات القاعدية للطبقة العاملة، ولذا يجب أن تظل منظمات جماهيرية،لازمة للطبقة العاملة في النضال اليومي ضد الاستغلال الرأسمالي. لكن ليس بوسع النقابة أن تُعوض الحزب الثوري، فهي لا تمثل كل الشرائح الاجتماعية المستغلة من طرف الرأسمالية ومنشطرة حسب المنشآت والقطاعات المهنية والجهات، الخ. ثمة عنصر آخر بالغ الأهمية يُبرر ضرورة الحزب الثوري، هو أن العمال لن يصلوا بواسطة النضال الاقتصادي بمفرده إلى وعي طبقي وإلى تحصيل تكوين سياسي وكذا فهم المهمة التاريخية للطبقة العاملة. والواقع أن مراكمة كامل التجربة التاريخية للطبقة العاملة، السابقة منها والحالية، ليس من وظائف النقابة ولا يمكن أن يقوم به غير الحزب. كما ندرك عبر التجربة أن النضال السياسي أشد تعقيدا من النضال الإقتصادي. أمّا مهمة الحزب الثوري فهي تجميع كافة الشرائح المستغلة بالمجتمع وتحقيق إنصهار المثقفين الثوريين والمناضلين العمال. ويوصل الحزب إلى هؤلاء التجربة التاريخية للنضال الطبقي، مع هدف دقيق هو قلب المجتمع البورجوازي واستبداله بمجتمع اشتراكي. هذه مهمة شاقة لأن العدو يحوز سلاحا ممركزا: الدولة البورجوازية التي بيدها وسائل الإعلام الجماهيري (صحافة، راديو، تلفزة) ووسائل ثقافية وتقنية ووسائل مالية. وتحافظ على هذا كله بقوة ممركزة: الجيش والدرك والشرطة. هذه المركزة البورجوازية سبب آخر هام يدعو لبناء حزب ثوري. تجب مجابهة الدولة البورجوازية بمنظمة طليعية قادرة على جرد الحصيلة وتقييم موازين القوى ورسم المنظورات وقيادة العمال في الاتجاه الصائب بتقديم المطالب اللازمة، بدون هكذا منظمة تعجز الطليعة عن استنتاج الدروس من الأحداث واستخلاص النتائج اللازمة لتطبيقها. ومن جهة أخرى لا غنى عن منظمة طليعية ممركزة للنضال ضد الهيمنة الإيديولوجية البورجوازية التي تمارس تأثيرها بقدر ما يكون المناضلون معزولين.

مهمة الحزب والحالة هذه أن ينظم البروليتاريا لأجل بناء مجتمع اشتراكي، ولهذا يلزمه برنامج مرتكز على المطالب الآنية التي تجعل النقابة ضرورية وعلى المطالب الانتقالية التي تُفضي بالعمال، إنطلاقا من تجربتهم الملموسة وانشغالاتهم، إلى رفض منطق النظام الرأسمالي نفسه. هذا هو دور الحزب الثوري وجدواه كما وصفهما تروتسكي في «البرنامج الانتقالي»: «ينبغي مساعدة الجماهير، في سيرورة نضالاتها اليومية، لإكتشاف الجسر الواصل بين مطالبها الحالية وبرنامج الثورة الاشتراكية. ينبغي أن يتمثل هذا الجسر في مجموعة مطالب انتقالية، تنطلق من الظروف الحالية، ومن الوعي الحالي لدى أوسع شرائح الطبقة العاملة لتفضي إلى خلاصة واحدة وحيدة هي استيلاء البروليتاريا على السلطة.»


--------------------------------------------------------------------------------

24- الاستقلال النقابي عن الأحزاب السياسية
إن المقصود بالحديث عن الاستقلال النقابي إزاء الأحزاب السياسية، هو وجوب استقلال المنظمة النقابية تنظيميا عن الأحزاب وليس حيادها السياسي. شهدنا آنفا خطر الإقتصار على المطالب الآنية وعلى ما هو اجتماعي. كما أن الإستقلال عن الأحزاب لا يعني منع المناضلين النقابيين من الانخراط في حزب سياسي عمالي حسب اختيارهم. ويجب أيضا توضيح أن الإستقلال لا يعني منع هؤلاء المناضلين من الدفاع داخل المنظمة النقابية عن تصورات حزبهم السياسي سواء تعلقت بالمطالب أو بأشكال النضال. وهذا من جهة أخرى ما يجعل الديموقراطية النقابية ضرورة فائقة: يجب إتاحة حرية التعبير لكافة المناضلين النقابيين. ووحده الجمع العام للعمال، يتخذ بعد النقاش موقفا ويحسم كل المشاكل المعروضة عليه، نقابية كانت أو اجتماعية أو سياسية أو تنظيمية. يجب على المنظمة النقابية أن تنمو وتدافع عن مصالح الحركة العمالية بالاعتماد حصرا على أوسع ديموقراطية. والحال أنّ خضوع المنظمة النقابية تنظيميا لحزب ما لا يترك مجالا لديموقراطية سليمة، فالنقابيون مجبرون بقوة الأشياء على إتباع الخط السياسي للحزب. إن منظمة نقابية مستقلة عضويا عن كل حزب سياسي، وتكون مجالا لمواجهة حرة وأخوية بين مختلف تيارات الحركة العمالية بناء على انضباط وديموقراطية داخلية، بوسعها وحدها أن تأتي بتجديد للطبقة العاملة. والمقصود طبعا بالانضباط هو ذاك الذي يتيح للجميع حرية الكلام والنقد وتكوين الاتجاهات، ويتجلى في ممارسة عبر احترام قرارات الجمع العام للنقابيين. أمّا الديموقراطية الداخلية فيجب أن تكون ضمانة ضد العصبوية وأداة لمراقبة القادة ومنعهم من اتخاذ قرارات اعتباطية ومتسلطة كالتي غالبا ما تصدر عنهم حاليا.

يجب التأكيد على أن المطالبة بالاستقلال النقابي لا تنطوي على عداء منهجي للأحزاب السياسية. هذا هو في كل الأحوال موقف الرابطة الثورية للعمال وهو الموقف الوحيد المتّسق بالنسبة لمنظمة ثورية. نحن نقف ضد نزعة اللامبالاة السياسية داخل النقابات، التي تحصر النضال النقابي في نضال اقتصادي. لكن يجب بالضبط أن يتيح الاستقلال النقابي أوسع ديموقراطية داخلية ومن ثمة أكبر تعبئة للقوى الكادحة وبالتالي أكبر تسييس للعمال. إنها نقطة أساسية يجب أن يدركها النقابيون الذين اختاروا نضالا نقابيا كفاحيا. لا سيما أن الاستقلال النقابي ضروري على نحو خاص في بلجيكا. فالمنظمتان النقابيتان الكبيرتان FGTB وCSC، اللتان تضمان 70% من عمال البلد، هما مرتبطتان فعليا بـ PSB وPSC وهما حزبان مدعوان غالبا لممارسة الحكم سوية. يجب إذن التمسك بموقف صارم في مسألة الاستقلال النقابي في بلجيكا أكثر من أي بلد آخر لأن الارتباط بأحزاب حكومية ينطوي دوما على خطر الاندماج في الدولة الرأسمالية. طبقا لهذه الفكرة يجب على مناضلي FGTB أن يناضلوا لأجل انسحاب منظمتهم النقابية من العمل الاشتراكي المشترك، الذي يجمع PSB والتعاضديات والتعاونيات و النقابة، مع إمكان التحالف الظرفي حول أهداف معينة في جبهة وحيدة مع الأحزاب الاشتراكية والتعاضديات الاشتراكية وكذا باقي الأحزاب العمالية. كما يتوجب على مناضلي CSC أن يطالبوا منظمتهم بالقطيعة مع CUP – PSC .

فبحضور هذين الحزبين يجب إذن ربط مطلبين: الاستقلال النقابي الكامل واللامشروط إزاء الدولة والاستقلال التنظيمي إزاء الأحزاب السياسية، وهذا المطلب الأخير مرتبط بنضال ضد البيروقراطية النقابية. ولا يمكن الحصول على الديموقراطية النقابية على المستوى العام إلاّ بفرض هاذين المطلبين واحترامهما.

ختاما نقول إن تجربة الحركة العمالية تبرهن أن لا وحدة نقابية بدون هذا الاستقلال عن الأحزاب. أمّا النقد السياسي فنحن لا نرفضه لكن من الجلي أنه يجري في المجال السياسي وليس النقابي. وتجب إضافة أن نقد النقابات يعود إلى الأحزاب السياسية باعتبارها تُمثل التنظيم الأسمى للطبقة العاملة من أجل تحررها من الإستغلال الرأسمالي وبناء المجتمع الاشتراكي. وبهذا المعنى فإن «النقابات هي مدارس للاشتراكية» كما قال ماركس.


--------------------------------------------------------------------------------

25- من أجل حركة نقابية عالمية
منذ بضع سنوات، وتحديدا منذ ماي 68 الفرنسي، تجري تحولات عميقة في الحركة العمالية الأوروبية. وفي مختلف البلدان تضع هذه التغيرات في المقدمة حركات إضراب متشابهة توصف بـ«البرية» والتي يصادف ظهورها انبثاق طليعة ثورية جديدة على الحلبة العالمية تعيد الارتباط بأرقى أساليب نضال الحركة العمالية (رفض المجتمع الرأسمالي، احتلال المصانع، البيع البري، لجان إضراب منتخبة…) إن تدويل النضالات الذي يبدأ اليوم هو نتاج حتمي لتدويل رأس المال و الأزمة الرأسمالية.

سواء أبينا أم كرهنا سوف يكون لوجود السوق المشتركة و لانتخاب برلمان أوروبي سنة 1978 وللاندماج النقدي على المستوى الأوروبي مضاعفات سياسية عميقة. يطرح تدويل رأس المال وإنشاء شركات متعددة الجنسية متزايدة الضخامة مشاكل هائلة على المناضلين النقابيين الطليعيين، ويجعلهم ذلك يدركون كل ما ينتظرهم على طريق تطوير وعي أممي لدى العمال. طبعا تكمن قوة الشركات متعددة الجنسية في تطوير استراتيجية هجوم أرباب العمل على المستوى العالمي ضد العمال بضرب منظماتهم النقابية في المقام الأول لتجميد أي رفع للأجور، وعبر إكثار المصانع في مختلف البلدان تتمكن الشركات متعددة القومية من الرد على الإضرابات بنقل الإنتاج من بلد إلى آخر.

هكذا غالبا ما يجري طلب ساعات إضافية في منشأة غير مضربة لتعويض خسائر الإنتاج الحاصلة في مكان آخر. وقد بلغت الشركات متعددة القومية من الوزن ما يجعلها لا تكثرث بأي كان بما فيه الحكومات البورجوازية. وتقوم بالاستثمار أينما كانت الشروط أفضل والأجور أكثر انخفاضا والنقابات أشد ضعفا والضرائب أقل ارتفاعا.

يجب الاعتراف بتأخر الحركة النقابية عن هذه المركزة الدولية للرأسمال رغم البنيات القائمة على المستوى الأوربي. وعلة ذلك في انحصار الصلات الدولية حاليا في مستوى الأجهزة البيروقراطية وكون العمال لا يعرفون عنها في الغالب سوى ما يرد في الصحافة. لا غرابة اذن في تأخر الحركة النقابية عن مستلزمات الوضع، لا سيما إذا أدركنا ثقل الأجهزة البيروقراطية وعمق ما يشقها من خلافات الأيديولوجية.

لذا فإن للمناضلين الطليعيين دور أساسي. فعليهم حفز المبادرات التي توقظ الوعي الأممي لدى العمال بإدماجهم في تحركات ملموسة على المستوى الأوروبي وتطوير التضامن العالمي في حالة النزاع. إن الأمر الأساسي هو الإنتقال إلى تحركات ملموسة كالتي شهدتها إضرابات ليب Lip بفرنسا (دعم عالمي واسع، إضفاء طابع شعبي على النضال في المستوى الأوروبي، الخ). نجد مثالا مهما لما يمكن تحقيقه منذ الآن في الإضراب ضد إغلاق Glaverbel-Gilly في يناير-فبراير 1975. فقد إتصل عمال المنشأة مباشرة في القاعدة مع عمال Boussois (مصنع زجاج تابع لـ BSN بشمال فرنسا) لتفسير دواعي كفاحهم وعبّر العمال الفرنسيين عن تضامنهم بالتوقف عن العمل يوم 29 يناير، ويوم 06 فبراير أعيد الإتصال لتنظيم مظاهرة مشتركة أمام مقر الشركة متعددة الجنسية في باريس. ويوم 11 فبراير شارك عمال زجاج من شارلروا في المظاهرة التي نظمتها CGT بمفردها ضد الشركة بباريس. لكن لا شك أنّ أهم حدث هو المظاهرة الدولية الكبرى يوم 17 فبراير في ضاحية باريس. فقد جمعت أكثر من 700 عامل بلجيكي وعددا غفيرا من النقابيين الفرنسين، وحتى وفدا ألمانيا من مصانع التروست. واجتاح المتظاهرون مقرات BSN واضطر المدير العام للشركة Antoine Riboud لتقديم تفسيرات أمام أكثر من ألف عامل! منذئذ وعمال Gilly و Boussoisيواصلون علاقات لا تنحصر في صلات بين المكاتب النقابية، بل تعني مجموع العمال بواسطة الجموع العامة.

و كان ثاني مظاهر هذا التضامن الدولي في فبراير 1977 خلال إضراب VRH و هي فرع لـ GlaVrbeL في منطقة شارلوروا . ولمنع النسف الذي قد يقوم به أرباب العمل، قررت لجنة الإضراب المنتخبة في اجتماع عام للمضربين إرسال منشور إلى ألمانيا يطلب من عمال آخرين لدى الشركة متعددة القومية أن يرفضوا كل عمل لـ«كاسري الإضراب» وأن يرفضوا القيام بساعات إضافية وأن يعبروا بذلك عن تضامنهم مع رفاقهم البلجيكيين توضح كل هذه الأمثلة أن بناء حركة نقابية كفاحية على المستوى العالمي وتطوير وعي طبقي أممي يستلزم إقامة علاقات مباشرة في القاعدة بين المناضلين الكفاحيين.

أخيرا لا يمكن التطرق للحركة النقابية العالمية دون الإشارة إلى 12 مليون مهاجر التي تقطن أوروبا الرأسمالية. يتوجب على الحركة العمالية، وفي المقام الأول الحركة النقابية أنْ تدافع بقوة عن حقوق هؤلاء العمال وعن إدماجهم الشامل وعن حقهم في النشاط النقابي والسياسي. وليس الدافع إلى ذلك كون هؤلاء العمال يمثلون إحدى الشرائح الأكثر عُرضة للإستغلال بالمجتمع الرأسمالي وحسب، بل أيضا لأن مجرد حضورهم قد يكون حافزا ثمينا لوعي أممي لدى العمال. لنفكر مثلا في الدور الذي قد يقوم به هؤلاء الرفاق في حال صعود ثوري ببلد كإيطاليا وإسبانيا. ستوفر المرحلة التاريخية المقبلة حظوظا متنامية لانتصار الاشتراكية في هذه البلد أو ذاك بجنوب أوربا، مع مضاعفات فورية في مجموع القارة. فالاشتراكية في بلد واحد طوباوية في أوروبا، أكثر من أي مكان آخر. لذا يجب أن يكون هدف الحركة العمالية، لا سيما المناضلين الطليعيين، هو بناء الولايات المتحدة الاشتراكية بأوروبا حسب تعبير تروتسكي. وفي هذا النضال ستبرز بالكامل جدوى منظمة عالمية كالأممية الرابعة. «ليس للبروليتاريين وطن» كما قال ماركس، فلنُشيد منذ الآن أممية النضالات، أممية العمال لإسقاط أممية رأس المال!

المناضل-ة



#أندري_هنري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة / المنصور جعفر
- حالية نظرية التنظيم اللينينية على ضوء التجربة التاريخية / إرنست ماندل
- العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري / أندري هنري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية - أندري هنري - العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري