أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبد الحسين شعبان - الهوّية والتنوّع: الواقع والمستقبل















المزيد.....



الهوّية والتنوّع: الواقع والمستقبل


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6219 - 2019 / 5 / 3 - 21:18
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


* أكاديمي ومفكّر عراقي – نائب رئيس جامعة اللاّعنف، له العديد من المؤلفات في مجالات الفكر والقانون والسياسة الدولية والأديان والمجتمع المدني والثقافة والأدب.
مدخل
يشغل موضوع الهويّة والتنوّع الثقافي حيّزاً غير قليل في حقول الثقافة والفكر والفلسفة وفي دراسات علوم السياسة والقانون والاجتماع، فالأمر لا يتعلّق بمنطقتنا ومجتمعاتنا فحسب، بل إنه أصبح شغلاً شاغلاً حتى للمجتمعات المتقدّمة التي اعتمدت مبادئ المواطنة والمساواة، وخصوصاً في ظلّ التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أحرزته تلك البلدان، وإذا بنا نفاجأ بموجة جديدة ونبرة عالية تعود للتشبث بالخصوصيات والهوّيات الفرعية، وذلك عشيّة وبُعيد انهيار الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي وانتهاء عهد الحرب الباردة (1947-1989) وتحوّل الصراع الآيديولوجي العالمي من شكل إلى شكل آخر، وسبب ذلك يعود إلى المعاني التي تخلقها الهوّية ويقوم عليها التنوّع الثقافي الذي هو بالأساس متنوّع ومتعدّد بل ومتغيّر .
وإذا كانت رياح التغيير قد انكسرت عند شواطئ البحر المتوسط لعدم استكمال مستلزماته، إضافة إلى اعتبارات دولية وإقليمية، لكن الهويّات الفرعية انتعشت وتنامت ومعها اتسعت دائرة التنوّع الثقافي، حيث شهدت منطقتنا حراكاً متنوّعاً وشدّاً وجذباً، وإيجاباً وسلباً، ناهيك عن تداخلات خارجية وتوتّرات داخلية، سواء من الجهات المتنفّذة الحريصة على إدامة هيمنتها واستعلائها أو ما يقابلها من ردود فعل تتّسم بالانغلاق وضيق الأفق وضعف الرغبة في العيش المشترك.
ولذلك يبقى موضوع الهوّية والتنوّع الثقافي يستحق البحث والتدقيق باعتباره موضوعاً راهنياً ومستقبلياً، ولاسيّما من زاوية مقاربته فكرياً وعملياً فيما تتعلق بالتعدّدية والاختلاف، علماً بأن التنوّع والاختلاف ظاهرتان لصيقتان بالاجتماع البشري منذ أن وجد الإنسان، وقد لازمتاه كخصيصتين عضويتين لا فكاك منهما. فالناس تتنوّع احتياجاتهم وطموحاتهم وآمالهم وأهدافهم وأفكارهم وأديانهم وثقافاتهم وتقاليدهم، وهذا التنوّع يتراوح بين التوازي والتلاقي وبين التضاد وصولاً للصراع، كما أن الناس يختلفون في نظرتهم للحياة وفي تحديدهم للحقوق والواجبات وتوزيع الموارد والثروات وفي التعبير عنها، وذلك استناداً إلى التنوّع الذي يؤدي إلى الاختلاف .
الهوّية والتنوّع
إذا كان الاجتماع الإنساني يقوم على التنوّع والاختلاف، فهذا يعني وجود هوّيات متعدّدة ومختلفة في كل مجتمع فردياً وجماعياً، علماً بأن الغالبية الساحقة من المجتمعات هي متعددة الثقافات، ويرتبط مستقبل التنوّع ارتباطاً وثيقاً بالهوّية، وقد أخذ بُعداً أكثر اتساعاً من قبل ، سواء على المستوى الداخلي أم على المستوى الدولي، في إطار المجتمعات المتعدّدة الهوّيات والكيانات، خصوصاً في أسلوب التعاطي معها وفي إدارة التنوّع ، فحيثما تكون هذه الإدارة سليمة ناجحة فإن التوافق والتعايش يكون السمة الغالبة لهذه المجتمعات، وعلى العكس من ذلك، فإن الفشل في إدارة التنوّع يقود إلى الصراع والاحتراب فيما بينها، الأمر الذي يضعف كل هوّية فيها، ناهيك عن إضعافها كمجتمعات وهدر طاقتها وتبديد ثرواتها.
البعض يعتبر التنوّع الثقافي حالة إيجابية بحد ذاتها، لأنها تمثّل تعدّدية ثقافية مختلفة، سواء على المستوى العالمي أو على المستوى المحلّي، في حين يعتبر آخرون إن الفوارق الثقافية تكمن في جذور الكثير من النزاعات الخارجية والداخلية والتي جرّت إلى حروب طويلة ومعتّقة أحياناً، لاسيّما تلك التي ارتبطت بالهوّية بمعناها الضيق الذي يقود إلى التعصّب والتطرّف، بزعم الأفضليات أو ادّعاء احتكار الحقيقة، ومثل هذه الاحتمالات زادت بسبب العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام، الأمر الذي عاظم من حدّة التوتّرات ومن التشبّث بالهوّيات الخصوصية، لاسيّما ذات الطابع الديني أو الإثني التي أصبحت مصدراً محتملاً للنزاع .
فهل التنوّع مصدر خطر أم عنصر تفاعل وتواصل؟ وهل كان سبباً للصراع والاحتراب أم عامل غنى وإثراء؟، وبقدر ما يمكن تشخيص الواقع القائم فإن محاولة استشراف آفاق مستقبلية تبقى في غاية الأهمية، خصوصاً في تحديد خط السير إزاء المستقبل بغض النظر عن المنعرجات والالتواءات ووعورة الطريق وضبابية الرؤية أحياناً.
ومثل هذا الأمر ينعكس على الهويّة أيضاً ، خصوصاً بتولّد شعور لدى مجاميع سكّانية بالاضطهاد والتمييز، وهو ما يدفعها للتشبث بهويّتها، بل والإغراق فيها على نحو قد يقود إلى تشظّي الدولة الوطنية وتفتيت المجتمعات المتنوّعة والموحّدة وليست الواحدة ، وهو ما يمكن أن تستثمره القوى الخارجية وتنفذ من خلاله لتحقيق مشاريعها التسيّدية.
وكان الصراع قد انفتح كونياً بعد موجة التغيير في أوروبا الشرقية بين هوّيات "كبرى وصغرى"، وهويّات "تابعة ومتبوعة" وهويّات "عليا ودنيا"، وهويّات "قويّة وضعيفة"، رغم ميلي إلى تسميتها "هويّات فرعية" أي خاصة و"هويّات كليّة" بمعنى عامة أو شاملة، الأمر الذي عرّض بعض الكيانات الكبرى والمقصود بذلك (الدول والمجتمعات المتعدّدة الثقافات) إلى التصدّع والتآكل، خصوصاً بتبلور بعض خصوصيات الهويّات الفرعية، التي وجدت الفرصة مناسبة للتعبير عن وجودها وكيانياتها بعد طول انتظار وكبت وشعور بالغبن والحرمان، ناهيك عن "ضعف المواطنة" بسبب سياسات الإقصاء والتمييز والتهميش وعدم المساواة. وأدّى هذا المتغيَّر إلى انقسام دول وانفصال كيانات ظلّت "متّحدة" لسنوات طويلة أو هكذا بدت الصورة.
ولعبت العولمة دوراً مهمّاً في تشجيع ذلك، وخصوصاً إذا كانت الكيانات الكبرى عامل تحدٍّ للقوى المتنفّذة والمتسيّدة في العلاقات الدولية، وهو ما وفّر ظروفاً موضوعية، وإنْ كانت لأغراض وحسابات خاصّة أحياناً، لبروز الهويّات الفرعية، لا سيّما في ظلّ ارتفاع رصيد فكرة حقوق الإنسان ومبادئ المواطنة والمساواة، وهو ما كان غائباً في ظلّ الأنظمة الشمولية والاستبدادية.
وأصبح الإقرار بالتعدّدية والتنوّع الثقافي والقومي والديني واحترام حقوق الهويّات الفرعية وخصوصياتها مسألة كونية، شجّعت المجموعات الثقافية المختلفة على المطالبة بحقوقها وكيانياتها الخاصّة، من خلال بيئة دولية داعمة وظروف مناسبة موضوعياً وذاتياً، وهكذا ارتقى جدل الهويّات وصراعها أحياناً، إلى مصاف نزاعات كبرى وحروب أهلية، وترك ندوباً وجراحات وحواجز تاريخية واجتماعية ونفسية، ازدادت حدّة وتنافراً في السنوات الأخيرة، على الرغم من وجودها في السّابق إلاّ أنه لم يكن منظوراً أو ظاهراً في ظل الدولة المركزية "الصّارمة" والنظام الشمولي، العمودي، ذو الصلاحيات التي تكاد تكون مطلقة.
وهذا يعني إننا قد نشهد قيام كيانات أو دول جديدة على النطاق العالمي وفي منطقتنا أيضاً، وهو بلا أدنى شك سينجم عن انقسام لدول قائمة وتفتتها ، سواءً اتخذ الأمر طابعاً رضائياً ، أي اتفاقياً وسلمياً، أم طابعاً إكراهياً أي بالقوة واستخدام السلاح وبالتدخلات الدولية. ولعلّ هناك من رسم تصوراً لمثل هذا الانقسام وإقامة كيانات جديدة في العالم قد تصل إلى نحو300 دولة في القرن القادم في حين أنها حالياً 193 دولة.
وكان دستور منظمة اليونسكو قد تحدّث منذ وقت مبكّر عن " التنوّع المستمر في ثقافات" وقد وضعت اللجنة الدولية المعنيّة بالثقافة والتنمية تقريراً في العام 1996بعنوان " تنوّعنا الخلّاق"، أشارت فيه إلى ضرورة حفظ التنوّع ذاته وهو ما يتعيّن إنقاذه، لأن "حماية التنوّع" تعني استمراره وقبول التغيير الثقافي، حيث يحتاج التنوّع إلى تعزيزه وتطويره باستمرار بما يمتلك من قيمة روحية وإنسانية.
وبما أن هناك مجموعة واسعة ومتباينة من الثقافات المتميّزة، فإن التنوّع يصبح معها حقيقة واقعة وقائمة ومستمرة، وقد أصبح الوعي بأهمية هذا التنوّع أكثر من قبل وهو ما يمكن أن يتطوّر بالمستقبل، خصوصاً إذا تم إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تواجه العالم، ابتداءً من حماية السلام والأمن الدوليين وتعزيز احترام حقوق الإنسان إلى عدالة النظام الدولي، وما يرتبط بذلك من قضايا البيئة والتصحّر والصحة والتعليم والفضاء والتوسّع السكاني وتوزيع الثروة وغير ذلك.
وكان إعلان مكسيكو بشأن السياسات الثقافية العام 1982 قد تناول السياسة الثقافية باعتبارها " مجموعة الصفات الروحية والمادية والثقافية والعاطفية المتميّزة بكاملها مما يتحدّد به المجتمع أو المجموعة الاجتماعية" ولا يشمل ذلك مجرد الفنون والآداب، بل كذلك أساليب المعيشة والحقوق الأساسية للكائن الإنساني ونظم القيمة والتقاليد والمعتقدات.
وفي ظلّ العولمة وتزايد الهجرة تعتبر التحدّيات لصون الهوّية الثقافية وتعزيز التعايش والحوار، قضية جديدة ومهمة على صعيد العلاقات الدولية والداخلية، وهناك تحدّيات مستحدثة ومتسارعة تواجه التنوّع الثقافي، لاسيّما تلك التي تجد فضاءً رحباً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يضاف إلى ذلك حجم المعلومات المتوفرة والهائلة التي يتم ضخّها يومياً، والذي أحدث طفرة نوعية على صعيد عالم المعلومات والمعرفة، ولاسيّما خلال ربع القرن الماضي وهكذا أصبح التداخل بين الاقتصادات الوطنية، وبين الأسواق ما فوق القومية أقرب إلى الاشتباك الذي لا يمكن فكّه، وانعكس ذلك على التوسّع في العلاقات الثقافية الذي وجد مساحة واسعة من التنوّع لم تكن متوفرة في السابق وقد تكبر لدرجة لا يمكن ملاحقتها أو تحديدها.
ويفترض إن زيادة التفاعل بين الثقافات تؤدي إلى أشكال جديدة من التنوّع الثقافي والتواصل اللغوي سيّما بتأثير التكنولوجيا الرقمية، وبقدر ما يساعد ذلك على حفظ التنوّع من جهة استجابة للتغييرات التي يحدثها، الّا أنه يحتاج في الوقت نفسه إلى حُسن إدارة لهذا التنوّع واتّباع أساليب مبتكرة وجديدة تشق مع التطور الحاصل.
ويعتبر التصادم بين الهوّيات الوطنية والدينية والثقافية المتعدّدة دينياً وإثنياً ولغوياً تحدياً آخر يواجه التنوّع الثقافي، وغالباً ما يتم إضفاء الصبغة الثقافية على المطالب السياسية، لذلك نلحظ محاولة استتباع مقابل سعي للتفلّت من جانب الهويّات الفرعية.
والتحدّي الثالث يتعلّق بحماية الممتلكات الثقافية طبقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1954 واتفاقية العام 1970 بشأن التدابير الواجب اتباعها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، واتفاقية العام 1972 بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي للعالم واتفاقية العام 2001 بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه واتفاقية العام 2003 بشأن صون التراث الثقافي غير المادي .
لقد كان إعلان العام 2001 بشأن التنوّع الثقافي ثم اتفاقية العام 2005 وما بعدها بشأن حماية وتعزيز التنوّع وأشكال التعبير الثقافي التي تناولت التبادلات بين الثقافات التي تشكل تراثنا العالمي والداعية لحفظ الخصوصيات مع الحرص على تنميتها.
إن التفاعل والتداخل والتشابك بين الثقافات يجد من الاستعارات والتبادلات الثقافية أشكالاً مختلفة إيجابية وسلبية، ابتداء من "طريق الحرير" القديم إلى طريق الحرير الجديد الذي يعتبر عنواناً للتواصل الإنساني بين الثقافات والحضارات والبشر واللغات والسلالات والأديان والقوميات المختلفة، ونقيضه هناك تواصل الهيمنة حيث يُراد فرض الثقافات عن طريق الحروب والاستعلاء والعنصرية والاستعمار.
وفي كل الأحوال، فثمة نوع من التبادل والتواصل والتمثّل يحصل بين أمم وشعوب طوعاً أو قسراً، ولكن تأثيراتها ستكون مختلفة ومتناقضة، فالأول سيكون اختيارياً ويقوم على أساس توازن المصالح وتبادل المنافع وينشأ في أجواء من الثقة والتعايش والتواصل والتفاعل والتأثير والتأثر، أما الثاني وإن كان يحدث نوعاً من التفاعل والتشابك فإنه يتم عبر الإكراه والإرغام ويكون بين طرفين غير متكافئين بحيث يُراد لثقافة أن تسود مقابل الثقافة الأصلية التي عليها الانزواء أو الذوبان أو التهميش لحساب الثقافة النافذة.
ويمكن القول أن جميع الأنشطة الإنسانية من الناحية العملية تؤثر على التنوّع الثقافي، لكن آفاقه ترتبط باللغات والتعليم ومضمون الاتصال والتواصل والإبداع والسوق. وإذا كانت هناك حاجة إلى حفظ التنوّع الثقافي العالمي كواحد من مستلزمات التنوّع الثقافي والترويج للتعدّد اللغوي والترجمة والحوار والتنوّع الثقافي، فهو بُعدٌ أساسي من أبعاد التنمية المستدامة، خصوصاً ارتباطه بالقضاء على الفقر والأمية.
وإذا كان الوجه المتوحّش للعولمة تعبيراً عن نزوع القوى الكبرى لفرض الهيمنة، فإن وجهها الآخر، وقد يكون رغماً عن هذه القوى ذاتها يؤدي إلى "عولمة الثقافة" و"عولمة الحقوق الإنسانية" و"عولمة العلوم والتكنولوجيا". ولا شك أن مثل هذه الأمور ستكون لها تأثيراتها مهمة على صعيد المستقبل، خصوصاً إذا ما تحقق قدر معين من المساواة والعدالة في نظام العلاقات الدولية.
الهويّة والثقافة
تعتبر الهويّة موضوع جدل في الأدب السياسي، خصوصاً بجانبه الفكري والاجتماعي والثقافي ، وقد احتدم هذا الجدل إلى حدود كبيرة في العقود الأخيرة ، الأمر الذي دفع شعوباً وأمماً وجماعات لتخوض صراعاً حاداً باسم "الدين" أحياناً وباسم "القومية" أو "اللغة" في أحيان أخرى. وفي كل الأحوال كانت الخصوصية أمراً ملازماً لكل حديث عن الهويّة، إذْ سرعان ما طفحت كيانات وكتل على السطح بعد طول كبت وشعور بالتمييز، في مجتمعات كانت الصورة الواحدية تطغى عليها.
لعلّ واحداً من أسباب "انتعاش" مسألة الهويّة إذا جاز التعبير هو تفكّك الأنظمة الشمولية، وشعور بعض الكيانات الخاصة "بالانعتاق" وتطلّعها ليكون لها شكلاً من أشكال الاستقلالية والخصوصية التي تجمعها وتعطيها كيانها الخاص، لا سيّما بعد تهميش وإلغاء ومحاولات صهر بمزاعم شتى، الأمر الذي قد يكون وراء اندفاع الكيانات والهوّيات الفرعية، الجزئية، في البحث عن طريق جديدة لتحقيق ذاتها والتشبّث بخصوصياتها بعد طول "عداء" أو شعور "بالاستصغار" أو "فوقية" و"استعلاء" عانت منه، وقد تسبّب الفعل ومن ثم ردّ الفعل، في خلق فتن ونشوب حروب أهلية وتهجير قسري وإبادات، تارة بحجة "الحفاظ على الهويّة" التي يُراد اختراقها، لا سيّما الهوّيات الكبرى، وتارة بزعم "تحقيق الهويّة" والتمسّك بها، خصوصاً للهوّيات الفرعية، التي يراد تذويبها أو إخضاعها!
وإذا كانت تحدّيات الهويّة داخلياً أساساً مستمراً لاحتدام الجدال والسجال والصراع، حيث ظلّ الموقف من الحقوق والحريات، وبخاصة من مبدأ المساواة التامة والمواطنة الكاملة، وهما ركنان أساسيان من أركان الدولة العصرية، هو العامل الحاسم في الاحتدام والتناقض والتناحر أحياناً، فإن التحدّيات الخارجية لم تكن بعيدة عن ذلك، لا سيّما تداخلاتها وتأثيراتها المختلفة، وبالطبع فقد استثمر العنصر الخارجي إثارة النعرات وتأليب البعض على البعض الآخر، والتدخّل بحجة حماية هذا الفريق أو ذاك، لا سيّما للكيانات الفرعية، خصوصاً إذا شكّلت الكيانات الأساسية ذات الصفات العامة، عنصر تحدٍّ للقوى المتنفّذة والمتسيّدة في العلاقات الدولية، التي بإمكانها التأثير عليها، وذلك بالعزف على هذا الوتر الحساس للهوّيات الفرعية، التي ستضعف الكيانات الكبرى، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "كلام حق يراد به باطل"!، لا سيّما إذا تعرّضت وحدة الدولة للتمزّق والمجتمع للتشظي! .
ولكن هل يمكن الحديث عن "هويّة ثابتة" أو "متكاملة" أو دون تغيير، باعتبارها معطىً ساكناً وسرمدياً، حتى وإن كانت بعض عناصر الهويّة قابلة للثبات مثل الدين أو اللغة؟ أم أن الهويّة بشكل عام تخضع لنوع من التغيير في الفهم أولاً وفي التفسير ثانياً، وحتى لو بقيت الأصول قائمة، فان بعض عناصر الهويّة مثل العادات والفنون، فإنها تتطوّر وتكون أكثر عرضة للتغيير حذفاً أو إضافة، لا سيّما علاقتها مع الثقافات والهوّيات الأخرى تأصيلاً أو استعارة، وهذه لا تأتي دفعة واحدة بالطبع، بل تتم عملية التحوّل بصورة تدرّجية، تراكمية، طويلة الأمد، والأمر ينطبق على تفاعل وتداخل الهوّيات، خصوصاً من خلال عناصر التأثير القوية سياسياً وثقافياً واقتصادياً.
وبسبب التراكم السلبي ونظرة الاستصغار إلى الهويّات الفرعية وعدم الإقرار بالتنوّع الثقافي والحقوق التي ترتّب عليه فإن شعور هذه الأخيرة كان فادحاً، في حين شعرت بعض الهوّيات الكبرى، العامة في محاولة الهويّات الفرعية التمسّك بخصوصيتها، وكأن هيبتها بدأت تتصدّع بحكم الثقافة الاستعلائية السائدة، أو من حاول توظيفها لخدمة أغراض سياسية محدّدة، سواءً كانت دينية أو إثنية أو طائفية أو غير ذلك، الأمر الذي ساعد على الانكفاء من جهة والتشرنق أو التعصب والانغلاق وضيق الأفق إزاء الآخر من جهة أخرى، خصوصاً حين أدى ذلك إلى تفكّك الدولة أو قاد إلى هشاشة وحدتها الوطنية في ظل المعادلات الجديدة، وبخاصة للتكوينات المختلفة.
وبدلاً من طلب الاستكانة أو الخضوع أو محاولة التسيّد من جانب الهوّيات الكبرى أو من يدعي تمثيلها من الفئات المهيمنة على الهوّيات الفرعية، الذي كان ناجماً عن الشعور بالتفوّق أو الأغلبية أو ادعاء الأفضليات، فإن نزعات رفض التعايش وعدم الرغبة في التواصل كانت قد تمت بالمقابل وكرّد فعل لمحاولات الهيمنة أو فرض الإرادة وعدم الامتثال لمبدأ المساواة، وبالطبع فإن الأساس الفكري والاجتماعي لمثل ذلك النهج، إنما ينجم عن سياسة عدم الإقرار بالتنوّع والتعددية والحق في الاختلاف، وتتّجه مثل هذه السياسة وردود أفعالها صوب العزلة والقطيعة، بدلاً من التعايش والمشترك الإنساني.
الثقافة إذاً هي الوعاء الذي يستوعب الهويّة ويجسّدها، وهي التي تعبّر عن الشعور بالانتماء، فالثقافة هي توالف بين القيم المتراكبة والمتفاعلة مع الآخر أيضاً، لا سيّما إنسانياً، ومع التقاليد والعادات، التي تعكس سلوك وحياة الناس وهذه بالطبع متنوّعة وليست واحدة، ولكنها يمكن أن تكون موحّدة في إطار المشترك الإنساني.
كما أنها مثل الكائن الحي الذي يخضع لقوانين التطور الحياتية ذاتها، وهي تمثّل رؤية شاملة للعالم تتجلى أو تتجسّد فردياً أو مجتمعياً في المفاهيم والقيم وظواهر السلوك والممارسات المعنوية والعملية والحياتية، توحّدها اللغة، وإن تنوّعت تنوّع فئات المجتمع من حيث مواقفها الاجتماعية والفكرية، بما يشكل الخصوصية الثقافية والقومية العامة في المجتمع .
بهذا المعنى فالثقافة هي مجمل أساليب المعيشة في حياة الشعب اليومية، التي تشمل عناصرها المترابطة في نسيج متكامل، الرؤية العامة، والقيم والمبادئ، والمفاهيم، والتقاليد، والعادات، والمعتقدات، والمقاييس والمعايير، والممارسات، والأعراف، والقوانين، والأمثال، والمروّيات، والمناقب الأخلاقية، والقواعد السلوكية اليومية .
قد يكون الاهتمام بالهويّة والتنوّع الثقافي في العقود الأربعة الماضية ناجماً من تراجع دور الآيديولوجيات، لا سيّما بعد انخفاض منسوب الصراع الآيديولوجي منذ نهاية عهد الحرب الباردة في أواخر الثمانينات، أو تحوّله من شكل إلى شكل آخر، خصوصاً بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، وصعود الإسلام كعدو تقليدي للغرب بعد سيادة عهد "الليبرالية" الجديدة سياسياً واقتصادياً، التي ارتبطت موجتها الجديدة بظاهرة العولمة، لا سيّما في ظل الثورة العلمية – التقنية، خصوصاً في مجال تقنيات الاتصال والمعلومات، وسعت للهيمنة على السوق الدولية على مستوى الكرة الأرضية.
ولعلّ هذا التوّجه ارتبط بفكرة النظام العالمي الجديد، الذي اتّسم بمنطق السوق وتسليع مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية، وإزالة الحواجز أمام انتقال رؤوس الأموال والسلع وخصخصة المؤسسات الاقتصادية وإلغاء ملكية الدولة لها، وتحكّم الشركات "فوق القومية" في السياسة الاقتصادية الدولية، وسعي المحافظون الجدد في الولايات المتحدة إلى جعل سلطة السوق مقدّسة، وتحطيم كل العوائق التي تعترض طريقها، سواء كانت دولاً أم حكومات، مجتمعاً مدنياً ومنظمات غير حكومية، أو غيرها .
وهكذا أخذ دور الثقافة يتعاظم، سواءً لدى الفرد أو الشعب أو الأمة أو الدولة، ويزداد تأثيرها على السياسة والاقتصاد على حد سواء، خصوصاً بعد أن سعت العولمة لتسليع الثقافة بهدف تحطيم منظومة القيم الخاصة بـ"الهويّات"، الأصغر، الفرعية، بعد سيادة الهوّيات الكبرى أو الهويّة الأكبر، من خلال تعميم نمط الاستهلاك والفردانية، لا سيّما في العلاقة بين القوى المتسيّدة والنافذة في العلاقات الدولية وبين الأمم والشعوب والدول الصغيرة.
هل الهويّة مفتوحة أم مغلقة!؟
ربّ سائل يسأل، كيف تتشكّل الهويّة؟ هل هي ثابتة وكاملة وبالتالي مقفلة غير قابلة للتطوّر أم أنها متغيّرة ومتحوّلة ومفتوحة وقابلة للإضافة والحذف!؟ واستكمالاً لهذا السؤال يلوح دور الإرادة للفعل أو للمعطى التاريخي الذي يقبل التطور والتراكم والتفاعل مع غيره، حيث تتمثل الهويّة في عناصر معرفية ونسق معتقدات وقيم ومعايير، وعلى الرغم من محاولات العولمة تحويل الثقافة إلى سلعة يتم تداولها على نطاق واسع، وخاضعة لسوق العرض والطلب والاحتكار، فإنه يمكن القول إن هناك ثلاث مستويات لتشكيل الهوية، فهناك:
المستوى الأول – الفردي، فلكل فرد هويته وخصوصيته.
وهناك المستوى الثاني – الجماعي أو المجتمعي أو الجمعي "الجمعوي" كما تسمى مغاربياً، وهي تمثّل المشترك للجماعة الإنسانية.
أما على المستوى الثالث فهو المستوى الوطني والقومي.
وفي كل الأحوال فان هذه المستويات الثلاث تتحدّد بنوع المواجهة، اتفاقا أو اختلافاً مع الآخر، لا سيّما الذي تواجهه قرباً أو بعداً، وهو ما يذهب إليه محمد عابد الجابري .
نجم صراع الهوّيات عن نزاعات اجتماعية – اقتصادية، لا سيّما في إطار العلاقات الدولية، خصوصاً علاقة البلدان المتقدمة صناعياً بالدول النامية، حيث تحاول الأولى ترويضها وتطويعها ونهب مواردها، وأحياناً يتخذ احتدام الهوّيات شكل صراع متنوّع، فيما يتعلق بنمط الحياة والسلوك ومنظومة القيم، حتى وإنْ اتّخذ شكلاً دينياً أو لغوياً أو قومياً، لكنه يُمثّل من حيث الجوهر محاولات لفرض الاستتباع وإملاء الإرادة من جانب القوى الكبرى، ومقاومة وممانعة من القوى الصغرى.
وهناك نوع آخر من الاحتدام في الهوّيات، ينجم عن نزاعات إثنية أو دينية، وأحياناً تتداخل هذه النزاعات التي تكاد تكون سائدة حالياً في المجتمعات المتخلفة أو البلدان النامية أو ما يمكن أن يطلق عليه مجتمعات الأطراف أو بلدان الجنوب الفقير، بسبب ضعف الدولة المركزية من جهة وشحّ الحقوق والحرّيات وعدم تحقيق المساواة التامة والمواطنة الكاملة من جهة أخرى، لا سيّما في دول متعدّدة الأعراق والقوميات والإثنيات والأديان والطوائف، فسرعان ما تندلع الصراعات بين من يدعي تمثيل القومية الكبرى أو الدين السائد أو النافذ أو الطائفة الأكبر من موقع السلطة ومن خارجها أحياناً، وبين "أقليات" أو فئات مُستبعدة أو مهمّشة، فيستعين كل طرف بثقافته السائدة، عندها يندلع العنف ويحتدم الصراع وتتباعد الكيانات وتكبر الهوّات.
قراءة الماضي مستقبلياً
كان الاعتقاد السائد حتى وقت قريب وقبل الموجة الأخيرة لانبعاث الهوّيات في الثمانينات بأن الصراع بين الهوّيات يكاد يختفي في المجتمعات المتقدّمة، وخصوصاً الذي اتّخذ بُعداً (استئصالياً وإقصائياً) عنفياً وعسكرياً ومسلحاً، وحتى لو بقيت بعض ظلاله أو استحضر تاريخه، فإنما يتم ذلك على صعيد الفكرة والسياسة والتاريخ والمصالح الاقتصادية، لا سيّما بعد إسدال الستار على جوانبه المأسوية، حيث شهدت أوروبا، اتحاداً متميزاً ونافذاً أساسه المصالح الاقتصادية والمنافع المتبادلة وثقافة التسامح والتعايش والتعاون، بعد اعتماد مبادئ المواطنة واحترام حقوق الإنسان، لكن هذا الصراع ما زال مستمراً ومتصاعداً في البلدان النامية، وبعض بلدان الكتلة الاشتراكية سابقاً، وإنْ لم يختفِ كلّياً في البلدان المتقدمة، بما فيه دول الاتحاد الأوروبي ذاتها، وهو ما جرى التعبير عنه بأشكال جديدة وما حاولنا أن نعرضه كمدخل لهذه الدراسة.
ولعلّ مثال كندا ومطالبات إقليم الكيبك بالانفصال خير دليل على ذلك، علماً بأنه أكبر المقاطعات الكندية مساحة وثاني مقاطعة من حيث عدد السكان وعاصمتها مدينة كيبك وأهم مدنها مونتريال ولغتها الفرنسية وقد جرت محاولات الانفصال منذ العام 1980، في استفتاء عام، لكنها لم تحرز النتائج المرجوة.
أما إسبانيا فإن إقليم الباسك المؤلف من 17 منطقة للحكم الذاتي، والتي تؤلف ثلاث مقاطعات، والذي يقع في شمال إسبانيا فإنه يطالب بالانفصال، هو الآخر. والأمر يشمل كاتالونيا التي قرّرت إجراء استفتاء للاستقلال في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 وعاصمته برشلونة ويضم نحو سبعة ملايين ونصف المليون إنسان على الرغم من اعتراض مدريد وعدم اعترافها بشرعية ودستورية ما تقوم به .
ويمتدّ الأمر إلى فرنسا، حيث تطالب جزيرة كورسيكا بالاستقلال (وهي رابع أكبر جزيرة في البحر المتوسط). وفي العام 1960 كانت قد تشكلت حركة مسلحة انفصالية وقامت بمهاجمة مباني حكومية، لكنها تخلّت عن ذلك في العام 2013 وتوجهت للمطالبة بالانفصال سلمياً ومدنياً وفقاً للقانون.
وفي إيطاليا يطالب إقليم فينيتو بالانفصال وتعتبر مدينة البندقية "فنيسيا" أكبر مدنه وأسباب الانفصال اقتصادية، لكن الدستور الإيطالي يقف حجر عثرة حتى الآن أمام هذه المطالبات. ومشاكل أوروبا ولا سيّما منطقة البلقان تعجّ بالتنوّع الثقافي والإثني والديني والسلالي واللغوي.
وفي بلجيكا التي تتألف من قوميتين رئيسيتين هما الجماعة الفلمنكية والجماعة الوالونية، فالأولى تدعو إلى توسيع الفيدرالية القائمة منذ العام 1993 إلى كونفدرالية تمهيداً للانفصال، ويعيش الفلمنكيون في الشمال في حين أن الوالونيين يعيشون في الجنوب، وفي حين أن لغة الفلامكيين هي الهولندية، فإن لغة الوالوانيين هي الفرنسية، أما إقليم بروكسل العاصمة فهو مختلط ومزدوج اللغة، وللعاصمة بروكسل ثقل ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
يؤلف الوالونيون (الفرانكفونيون) نحو 4 ملايين نسمة في حين أن الفلمنكيين يؤلفون نحو 6 ملايين نسمة ويبلغ معدل الدخل السنوي للفلامنكيين 34 ألف يورو سنوياً، في حين يقابله للوالونيين نحو 25 ألف يورو سنوياً، ونسبة البطالة لدى الفلامنكيين أقل منها لدى الوالونيين. وبهذا المعنى يصبح هدف الأغلبية تحقيق الاستقلال، خصوصاً وأن الأسباب الاقتصادية تقف إلى جانب الاختلافات الثقافية، حيث أن معظم الثروات الاقتصادية تأتي من إقليم الفلامند، وقد تتعرض الوحدة البلجيكية الحالية إلى التصدّع، وهي الآن مهدّدة بالتقسيم إلى دولتين، وقد يكون بينهما طلاق بائن.
وكان أول تغيير سلمي قد حصل بعد حركة التغيير التي شملت أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات بين التشيك والسلوفاك، ولكنه كان طلاقاً مخملياً وبالتراضي والسلم. ففي العام 1993 قرر ممثلو التشيك والسلوفاك فكّ الارتباط الذي كان قائماً تحت اسم جمهورية تشيكوسلوفاكيا، واختاروا الحل السلمي بالتفاهم، ثم إنهاء الفيدرالية القائمة بينهما وإعلانهما كجمهوريتين مستقلتين (جمهورية التشيك وجمهورية السلوفاك).
ولكن الأمر يختلف عن التجربة اليوغسلافية والتجربة السوفيتيية اللتان كانتا مأسويتين ودمويتين بامتياز وجاءتا بعد حروب طاحنة وتركتا مرارات وعذابات لا حدود لها على الجماعات المتنازعة بغضّ النظر عن حقوق الأطراف وتجاوز البعض عليها ومحاولة هضمها. وقد انقسم الاتحاد السوفييتي السابق إلى 15 جمهورية لا تزال تداعياتها وآثارها تبرز بين الحين والآخر، ولعلّ الأزمة الأوكرانية حالياً مشكلة جزيرة القرم ذات الكثافة السكانية من أصول روسية ليست بعيدة عنها، إضافة إلى حروب جورجيا وجمهوريات آسيا السوفيتيية السابقة.
أما يوغسلافيا السابقة فقد تمزقت إلى 6 كيانات وجرت بينها حروب وصراعات بعضها لم يتدخل على صعيد العلاقات التاريخية بين مكوّناتها الثقافية والدينية والإثنية والاجتماعية أو تداخلاتها الدولية، ناهيك عن هدر حقوق الإنسان وأعمال إبادة جماعية كما حصل في كوسوفو، إضافة إلى البوسنة والهرسك.
أما تجربة اسكتلندا في إطار المملكة المتحدة، فقد كانت رغبة أقسام كبيرة من سكان اسكتلندا الانفصال، لكن الاستفتاء الذي جرى في 18 أيلول (سبتمبر) 2014 كانت نتائجه 55% لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة، الأمر الذي بسببه استقال الزعيم القومي الاستكلندي أليكس سالموند من قيادة الحزب الذي يدعو للانفصال، وهناك في العديد من البلدان المتقدمة مطالب انفصالية أو استقلالية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الهويّة والخصوصية، لكن طريقة معالجتها كما رأينا تختلف عن معالجة البلدان النامية التي غالباً ما لجأت إلى الحروب والنزاعات المسلحة والرغبة في الاستئصال والإقصاء، ناهيك عن اتهامات متبادلة وارتكابات وتجاوزات بلا حدود.
وبشكل عام كان ديدن الأنظمة اللاّديمقراطية وبخاصة في البلدان النامية هو اللجوء إلى الحلول العنفية أو العسكرية أو المسلحة في معالجة موضوع انبعاث الهوّيات، حيث شهدت احتدامات حادة ومعارك كبرى تحت راية الهويّة وهو ما حدث في أمريكا اللاتينية ويحدث في آسيا وأفريقيا، واستمرّ على نحو حاد في العراق والسودان الذي انفصل جنوبه في العام 2010 في استفتاء شعبي صوّت سكان الجنوب لصالحه بنسبة زادت على 98% بعد صراع مرير ودموي وخسائر مادية ومعنوية وبالأخص في الجانب البشري وتعطيل التنمية، كما تشكل إقليم تيمور الشرقية بقرار دولي قضى بانفصاله عن إندونيسيا لاعتبارات تتعلّق بالهوّية أيضاً وارتباطاتها بالمواطنة وهكذا يستمر الأمر في الصومال وأفغانستان وغيرها حيث تتقدّم الهوّيات الفرعية على الهويّة الجامعة.
ولعلّ الحديث عن أكثر من "عراق" أصبح مبحثاً يكاد يكون دائماً على طاولة التشريح الدولي وفي الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات السياسية والاستراتيجية والأمنية منذ عقود من الزمان، وخصوصاً خلال الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988 وما بعدها ولاسيّما بعد غزو الكويت العام 1990 وحرب قوات التحالف ضد العراق العام 1991، وتعاظم الأمر بعد الاحتلال العام 2003، لاسيما وكان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قد طرح "مشروع تقسيم العراق" وحاز على موافقة من الكونغرس العام 2007.وعلى الرغم من الدثار السميك من القوة والقمع الذي تغلّف به الصراع في السابق، لكنه سرعان ما انفجر، خصوصاً بإقرار صيغة المحاصصة الإثنية- الطائفية التي كرسها بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي منذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي 2003 وما أعقبه من توزيع للمناصب والامتيازات.
واتّخذت تلك المشاريع ذرائع جديدة فتارة باسم "الواقعية السياسية" وأخرى لضرورات "إنهاء العنف"، وثالثة اتّشحت "بالرداء الإثني أو المذهبي"، وفي كل الأحوال فهذه وتلك، كانت تهدف إلى تقريب فكرة التقسيم من الواقع، وجعلها فكرة مقبولة واقعياً، باعتبارها "أحسن الحلول السيئة"، لا سيّما في ظل التشظّي والاحتراب وأعمال الإرهاب والعنف، وعادت المشاريع إلى الواجهة بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" للموصل في 10 حزيران (يونيو) العام 2014، حيث ظهرت مرّة أخرى وبقوّة فكرة الأقاليم التي هي أقرب إلى مشاريع التقسيم منها إلى مفهوم الفيدرالية المعروف دولياً، وكان التعبير الأكثر وضوحاً هو استفتاء إقليم كردستان للاستقلال عن العراق (25 أيلول/سبتمبر 2017) وردود الأفعال التي رافقته وأعقبته.
والأمر مطروح اليوم بحدّة في سوريا من جانب الأوساط الدولية المتنفّذة بغض النظر عن أهداف حركة الاحتجاج والمطالب الشعبية العادلة والمشروعة التي ابتدأت سلمية في 15 آذار (مارس) العام 2011، والتي دخلت عليها عناصر مختلفة، بما فيها قوى إرهابية مثل "تنظيم القاعدة" ووليدها "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) و"جبهة النصرة"(جبهة أحرار الشام لاحقاً) وتسميات مختلفة، بحيث تحوّل الصراع عنفياً ودموياً، وبدت الحرب التي تستمر منذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه الدراسة، وكأنها "مصارعة على الطريقة الرومانية"، لا تنتهي إلاّ بمقتل أحد الفريقين المتصارعين، ووصول الفريق الآخر إلى درجة من الإعياء تقترب من الموت. وترافق ذلك بصراعات وجدل، تعكّز على هويّات ما قبل الدولة، مثل: هويّات فرعية :سنّية وعلوية ودرزية ومسيحية وكردية وغيرها، الأمر الذي ينذر عند تفجرّها بانهيار الدولة السورية وتبدّد وحدتها.
ويحتدم موضوع الهوّية في اليمن على نحو شديد، خصوصاً بارتفاع رصيد الهويّات الفرعية على حساب الهويّة الوطنية العامة، حتى بدت الهويّة المذهبية للحوثيين "أنصار الله" والهويّة الجهوية للحراك الجنوبي الداعي لإعادة القديم إلى قدمه (ما قبل الوحدة العام 1990) الأساس في التعامل، خصوصاً بإضعاف الدولة وضعف المواطنة بالأساس، وزاد الأمر تعقيداً بعد التدخّلات الإقليمية، وخصوصاً ببدء الحرب واستمرارها طيلة أشهر طويلة وقاسية.
وفي ليبيا حيث الانفلات الأمني وغياب الدولة والتمترس بالهويّات المناطقية، تعود الرغبة إلى نظام الفيدراليات الثلاثي، ولاسيّما حين يكثر الحديث عن توزيع الثروة والسلطة، بما يقترب من دويلات، بجيوش وعلاقات خارجية ومحاولة بيع للنفط والاستحواذ على بعض مصادر الثروة.
وعلى هذه الشاكلة تعرّضت الدولة الوطنية وبسبب سياسات الاستبداد إلى التمزق والتشظّي، وصعود هويّات فرعية، خصوصاً بضعف المواطنة والمساواة، والأمر يشمل لدرجة أقل مصر وتونس، حيث كان دور الجيش بارزاً في إنجاز عملية التغيير وحافظ ذلك إلى حدود كبيرة على الدولة وصان أجهزتها ومرافقها ومؤسساتها.
وباستثناء ما حصل من معارك البوسنة والهرسك والصراع بين الصرب والكروات والمسلمين والمسيحيين، وما حصل بين روسيا والشيشان وفي جورجيا وألبانيا وأوكرانيا وهي كلّها خرجت من عباءة الأنظمة الشمولية، فإن تعايش الهوّيات أمرٌ معترف به ومصان قانوناً وممارسة، وأخذ يشكل جزءًا من الثقافة المشتركة ذات الأبعاد الإنسانية، حتى وإن ظهرت مشكلات جديدة إثر الهجرة الواسعة وبعض الأعمال الإرهابية، التي شهدها الغرب وصعود تيارات يمينية متطرّفة وتوجهات شعبوية لا تعترف بخصوصية الهويّات الفرعية، وخصوصاً فيما يتعلّق بـ: اللاجئين والمهاجرين المتحدّرين من أصول وثقافات أخرى.
وإذا كانت ظاهرة الهويّات الفرعية والتنوّع الثقافي قد انتعشت في العالم وفي أوروبا أيضاً، فإنه يمكنني أن أسجّل ظاهرة مختلفة ومتميّزة، بل معاكسة للمسار السائد الذي يقود إلى التشظي والتفتّت، وهي ظاهرة الوحدة حيث توجّه الألمان نحو الوحدة بالتحاق ألمانيا الديمقراطية بألمانيا الاتحادية بعد الإطاحة بجدار برلين، على عكس الدول الموحّدة التي تشظّت وانشطرت وتصارعت هويّاتها، وربّما نشهد في وقت لاحق مثل هذا الميل الكوري، لاسيّما بعد التقارب والتفاهم الأولي الذي حصل في لقاء القمة بين الزعيمين الشمالي والجنوبي كيم جونغ أون ومون جاي-إن.
الهويّة إذاً وعي الإنسان وإحساسه بذاته وانتمائه إلى جماعة بشرية قومية أو دينية، مجتمعاً أو أمة أو طائفة أو جماعة في إطار الانتماء الإنساني العام، وحسب حليم بركات "إنها معرفتنا.. بما، وأين، ونحن، ومن أين أتينا، وإلى أين نمضي، وبما نريد لأنفسنا وللآخرين، وبموقفنا في خريطة العلاقات والتناقضات والصراعات القائمة"!؟ .
الهويّة بهذا المعنى هي مجموعة السمات الثقافية التي تمثّل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها، والتي تجعلهم يُعرفون ويتميّزون بصفاتهم تلك عمّا سواهم من أفراد الأمم والجماعات الأخرى. وقد تتطور الهويّة بالانفتاح على الغير، وقد تنكمش، تتحدد أو تتقلص، تنحصر أو تنتشر، لكنها دون أدنى شك تغتني بتجارب الناس ومعاناتهم وانتصاراتهم وآمالهم، وهذه المسألة تتأثر سلباً وإيجاباً بالعلاقة مع الآخر .
الهويّة حسب أدونيس ليست معطىً جاهزاً ونهائياً، وإنما هي عمل يجب إكماله دائماً ، والتغيير هو الذي يطبع الهويّة وليس الثبات، والتفاعل بحكم علاقة الإنسان بالآخر، وليس الانعزال، ولا يتعلّق الأمر بالقضايا السياسية حسب، بما فيها المواطنة وحقوقها، بل إن المسألة تمسّ بالصميم الجانب الثقافي، وهذا الأخير بقدر كونه معطىً مرتبطاً بالماضي والمستقبل، فإن الجانب السياسي له علاقة بالحاضر، الراهن، القائم، أما جوانب الهويّة الخصوصية الثلاث فلها علاقة بالأرض والتاريخ والجغرافيا (الزمان والمكان) مثل علاقتها بالثقافة المشتركة السائدة في الأمة، وأخيراً علاقتها بالكيان القانوني لوحدة الوطن والأمة (اتحادهما في دولة مثلاً).
إن جدل الهوّيات لا يعني بالضرورة الصراع بينها، بقدر ما هو حالة صراع واتحاد، احتدام واحتواء، وعلاقة تمثل وتعلّم، رغم المغايرة وعدم التجانس والاختلاف، إنها حالة نفور وتكامل أحياناً، ومثل هذا التنوّع في العلاقة، لا سيّما الاختلاف، يؤكد التلازم بين الثقافة من جهة، والتعدّدية والتنوّع من جهة أخرى، فهويّة طالبان مثلاً وفقاً لمنطقه حسب أدونيس: ليس إمكاناً وإنّما هو المتحقق، وهويّـته إذن جاهزة مسبقاً، مكتملة، ومغلقة، كأنه شيء بين الأشياء: حجر، أو فأس أو سيف... هكذا تريد القوى المتعصبة أن تضع هويّة الإنسان وراءه وليس أمامه، هويّة مغلقة وليست مفتوحة، متكوّنة وكاملة، وليست قابلة للإضافة والحذف، أي أنها أقرب إلى الثبات وعدم التغيير، فلا وجود للتراكم والتطور ووفقاً لهذا المنطق، فإن الآخر لا وجود له، غائب، عدو .
يمكن القول إن لا ذات بلا آخر، فلا ذات دون تأثير وتأثّر، وحين تكون الهويّة من القوة والفاعلية تكون أكثر ثقة بالنفس، وأكثر استعداداً للانفتاح على الآخر وأكثر حيوية في التعاطي والتلاقح معه .
الثقافة تشمل طريقة حياتنا كلها، وأخلاقنا، ومؤسساتنا، وأساليب عيشنا، وتقاليدنا، حيث لا حدود لتفسير العالم، وإنما سعي لإعطائه شكلاً خاصاً به .
العالم، لا سيّما في ظل العولمة أرخبيل مفتوح تتلاقى فيه الشعوب وتتمازج، فمثلاً رغم السمة الغالبة للمجتمع العربي لغوياً وإثنياً ودينياً (العربية – الإسلامية) لكنه كان ملتقى القوميات والإثنيات والثقافات مثل: البابلية، والأشورية، والفينيقية، والفارسية، والهندية، والتركية، والكردية والزنجية، وإضافة إلى الإسلام هناك المسيحية واليهودية، وتمازجت هذه الثقافات والأديان المتنوعة في كلِّ إنساني وثقافي واحد، لكنه متعدّد، وتآخت اللغة العربية مع اللغات الأخرى وتفاعلت واقتبست منها، فناً وأدباً وفكراً، إذ كان "العقل اليوناني" أحد مرتكزات الفكر الفلسفي العربي زائداً "النقل الإسلامي"، ولعبت الترجمة دوراً مهما في توسيع دائرة الثقافة العربية، المتعددة، محل الواحدية، وكانت الأندلس امتداداً خلاّقاً لبغداد .
لقد تغيّرت خصائص الثقافة اليوم بفعل المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خصوصاً في ظل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فالتلفزيون والكومبيوتر والانترنيت ساهمت مساهمة كبيرة في هذا التغيير، ولعلّه بقدر التقارب الذي أحدثه، فقد جعلت التمايز والخصوصيات، سمة مميزة للهويات والثقافات المختلفة، حيث تسعى الشعوب لاكتشاف أساطيرها ورموزها وترسيخ ذاكرتها وتعزيز لغتها الخاصة، وبالخصوص عندما تخشى من التذويب أو الإقصاء، وقد حفّزت العولمة مثل هذا التهديد، خصوصاً عندما جعلت العالم كله "قرية واحدة" هي أقرب إلى "سوق" واحدة، فالهوّيات الطرفية (العالمثالثية) وقفت ضد هويات الهيمنة، والهوّيات الفرعية في الدولة الواحدة، سعت للتشبث بخصوصياتها إزاء محاولات الإقصاء والتهميش.
يتعذّر الحفاظ على الهويّة والتنوّع الثقافي بأساليب القمع والطغيان والانعزال، فهذه الممارسات تؤدي إلى تصحير الهوّيات، وبدلاً من الانفتاح والتواصل والتعدد، تؤدي إلى الانغلاق والانكفاء والتوقع، ومثلما لكل إنسان لغته، فله هوّيته التي تتعزّز بالانفتاح مع الآخر، فردياً أو جماعة، وقد يكون الإنسان يحمل أكثر من هويّة، بمعنى أنه عربي أو كردي أو تركماني، مسلم أو مسيحي أو غير ذلك، لكن هويّته العامة عراقية، وكذا الحال لمن عاش في المنفى، فرغم احتفاظه بهوّيته، فقد يكون قد أضاف إليها هويّة مكتسبة.
وهنا يُثار تساؤل مشروع: هل المكان هو الذي يحدد الهويّة؟ أم أن الهويّة التي تكوّنت وترسّخت واكتسبت كيانية مستقرة تظهر على نحو جلي في بيئتها الحقيقية، حيث المكان والاستمرار والتفاعل، وحيث اللّغة والدين وغيرهما من العناصر التي هي أقرب إلى الثبات، في حين أن العناصر الأخرى تتعزّز وتغتني باستمرار بالإضافة والحذف والتواصل بين الحضارات والتلاقح بين الثقافات فردياً أو مجتمعياً!
الثقافة العليا التي تمحو الثقافات الأدنى أو تهّمشها هي ثقافات غير إنسانية، ولا هويّة خارج الإنسان، حيث يتحدّد أفق الهويّة بالانفتاح والتقدم بلا حدود أو نهايات، وهو أفقٌ مفتوح للتحرر من قيود الواقع. إنه أفقٌ رمزي، يوحّد بين البشر، على أساس المشترك الإنساني.
وإذا كان الإلحاح على الهويّة العمودية في ظروف تاريخية معيّنة أمراً مشروعاً، وضمن حدود التحرّر من الاستعمار والهيمنة الخارجية، إلاّ أن الاستمرار في هذا الإلحاح خارج تلك الظروف، يصبح خطراً على الهويّة ذاتها، حيث يؤدي إلى الانكماش والانكفاء والانزواء، فالتعدّدية والتآلف من سمات الهوّيات المفتوحة التي ترفض الصهر والاستتباع مثلما ترفض الهيمنة والتسيّد، وتتشبث بالمعرفة وليس الهيمنة، بالموضوعية والعقلانية، وليس الانعزالية والانغلاقية، هي التي ينبغي أن تطبع سجال الهويّات، وهو ما استهدفه الباحث عندما شرع بكتابة كتابه "جدل الهوّيات في العراق" ، حيث وضع الواقع أمامه وحاول نقدياً ومن خلال قراءة جدلية للمكوّنات والكيانات الموحدة، المتعددة، العامة والفرعية، صياغة علاقة أساسها المشترك الإنساني، باقتراح حلول حقوقية – إنسانية، من خلال فـكرة المواطنة ونبذ الطائفية .


الهويّات والآيديولوجيا!
في كتابه "موسيقى الحوت الأزرق" يناقش أدونيس فكرة الهويّة ويستهلّ حديثه بالعبارة القرآنية التي تضيء بقِدَمِها نفسه، حداثتنا نفسها على حد تعبيره، وأعني بها التعارف، أي الحركة بين الانفصال والاتصال في آن، من خلال "روية الذات، خارج الأهواء" وبخاصة الآيديولوجية، ويمكن أن نضيف الدينية والقومية وغيرها، بمعايشة الآخر داخل حركته العقلية ذاتها، في لغته وإبداعاته وحياته اليومية.
وبعد أن يستعرض أدونيس أركيولوجية الغياب المعرفي العربي على خارطة المعرفة الإنسانية وهو ما أشارت إليه على نحو صارخ تقارير التنمية البشريـة في العقد الأخير، لا سيّما شحّ المعارف ونقص الحريات واستمرار الموقف السلبي من حقوق الإنسان وبخاصة حقوق المرأة والأقليات وغيرها، يطرح سؤالاً حول سبل الخروج من هذا الغياب، ويسأل أيضاً ولِمَ هذا الغياب؟ لا سيّما بتمثّل ذلك نقدياً ومعرفياً، من خلال معرفة الآخر بمعرفة ذاتنا معرفة حقيقية، ولعلّ الخطوة الأولى التي ظل يركّز عليها في كتابه الممتع والعميق، هو كيف يمكن أن يصغي بعضنا إلى بعض !؟
هذه الرؤية تستند إلى إحلال الفكر النقدي التساؤلي، محل الفكر التبشيري الدعائي، حيث يصبح الوصول إلى الحقيقة التي هي على طول الخط تاريخية ونسبية، وصولاً يشارك فيها الجميع رغم تبايناتهم إلى درجة التناقض أحياناً، وهذا يعمّق الخروج إلى فضاء الإنسان بوصفه أولاً، إنساناً، ويدفع الذات إلى ابتكار أشكال جديدة لفهم الآخر ثانياً، وثالثاً يكشف لنا إنّ الهويّة ليست معطى جاهزاً ونهائياً، وإنما هي تحمل عناصر بعضها متحركة ومتحوّلة على الصعيد الفردي والعام، وهو ما يجب إكماله واستكماله دائماً في إطار منفتح بقبول التفاعل مع الآخر.
هل الهويّة جوهر قائم بذاته، لا يتغيّر أو يتحوّل؟ أم هي علاقة تجمعها مواصفات بحيث تكوّن معناها وشكلها؟ وبالتالي لا بدّ من تنميتها وتعزيزها وتفعيلها في إطار المشترك الإنساني، الأمر الذي يتخطّى بعض المفاهيم السائدة، ذات المسلّمات السرمدية السكونية لدرجة التقوقع، وينطلق إلى خارج الأنساق والاصطفافات الحتمية، من خلال قراءات مفتوحة تأخذ التطور بنظر الاعتبار عناصر تفعيل وتعزيز وتحوّل في الهوّيات الخاصة والعامة.
وإذا كانت ثمّة تحولات تجري في الهويّة على صعيد المكان – الوطن، فالأمر سيكون أكثر عرضة للتغيير بفعل المنفى وعامل الزمن وتأثير الغربة والاغتراب، وهكذا فإن الزمان والمكان (الزمكان) لهما تأثير كبير على التغييرات المتراكمة التي تحدث على الهويّة، خصوصاً تفاعلها مع هوّيات أخرى.
بهذا المعنى لا يكون اختلاف الهوّيات أمر مفتعل حتى داخل الوطن الواحد، إذا كان ثمة تكوينات مختلفة دينية أو إثنية أو لغوية أو سلالية، ناهيكم اختلاف الهوّيات الخاصة للفرد عن غيره وعن الجماعة البشرية.
ولعلّ هناك علاقة بين الشكل والمعنى التي تتكوّن منها الهوّيات الفرعية – الجزئية الخاصة وبين الهوّيات الجماعية العامة ذات المشتركات التي تتلاقى عندها الهوّيات الفرعية للجماعات والأفراد، حيث تكون الهويّة العامة أشبه بإطار قابل للتنوّع والتعدّدية، جامعاً لخصوصيات في نسق عام موحد، ولكنه متعدّد وليس آحادي، فمن جهة يمثل هويّة جامعة ومن جهة أخرى يؤلف هوّيات متعدّدة ذات طبيعة خاصة بتكوينات متميزة أما دينياً أو لغوياً أو إثنياً أو غير ذلك، فالشكل ليس مسألة تقنية، حسب أدونيس وإنما هو مسألة رؤية.
إن الحديث عن هوّيات فرعية، أو خصوصيات قومية أو دينية، لأقليات أو تكوينات، يستفز أحياناً بعض الاتجاهات المتعصبة دينياً أو قومياً فهي لا ترى في مجتمعاتنا سوى هويّة واحدة إسلامية أو إسلاموية حسب تفسيراتها وقومية أو قوموية حسب أصولها العرقية ونمط تفكيرها واصطفافات طبقية كادحيّة حسب آيديولوجياتها الماركسية أو الماركسيوية، أما الحديث عن حقوق وواجبات ومواطنة كاملة ومساواة تامة وحق الجميع في المشاركة وتولّي المناصب العليا دون تمييز بما فيها حقوق المرأة وحقوق متساوية للأديان والقوميات، فهي تصبح في الواقع العملي ليس أكثر من مؤامرة ضد الأمة والدين، تقف خلفها جهات إمبريالية – استكبارية تضمر الشرور للمجتمعات العربية – الإسلامية.
وبهذا المعنى أيضاً لم تسلم حقوق بعض المبدعين في التميّز والاستقلالية والتفكير الحر، واعتبرت بمثابة انشقاق وخروج على الجماعة، أما في معارضة تفكيرها، فالأمر قد يستحق العقاب والتحريم والتجريم.
وقد كان لمثل هذه الممارسات، لا سيّما بحق الجماعات القومية أو الدينية، أحد الأسباب في اندفاعها باتجاه التباعد والانغلاق وضيق الأفق القومي، وبخاصة إذا تعرّضت للاضطهاد الطويل الأمد وشعرت بالتهديد لهويّـتها، وهو الأمر الذي كان أحد نقاط ضعف الدولة القطرية العربية تاريخياً، خصوصاً في مرحلة ما بعد الاستقلالات.
قد تجد هناك من يدعو لعدم نشر الكلام الذي ينتقد أوضاعنا العربية، لأنه يتحدث عن المساوئ لكي لا يستفاد منها العدو، تحت مبرر عدم نشر الغسيل الوسخ، ولكي لا نسيء إلى صورتنا أمام الآخرين، وينسى هؤلاء "المبشّرون" أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته ولا يعيد له العافية، كما أن التغلّب على العدو يحتاج إلى تشخيص لنقاط ضعفنا والتخلّص من بعض النزعات العنصرية إزاء الآخر في داخلنا، وقراءة واقعنا موضوعياً بروح النقد والنقد الذاتي والاعتراف بحقوق "الأقلّيات" وبالهويّات المتعدّدة، وعدم تجميل صورتنا أمام أنفسنا، خصوصاً إذا كانت صورة البعض كالحة.
وما زال الموقف من المجموعات الثقافية: القومية والدينية وغيرها قاصراً في الكثير من الأحيان، وحتى الاعتراف ببعض الحقوق يأتي كمنّة أو مكرمة أو هبة أو حسنة، حيث تسود تصوّرات مخطوءة عنها، بل إن الكثير من السائد الثقافي يعتبرها، خصماً أو "عدوّاً" محتملاً أو أن ولاءها هشّاً وقلِقاً وسرعان ما يتحوّل إلى الخارج، دون أن نعي أن هضم حقوقها، تارة باسم مصلحة الإسلام وأخرى مصلحة العروبة والوحدة وأحياناً بزعم الدفاع عن مصلحة الكادحين، والقوى العلمانية والمدنية وقيم النضال المشترك وغير ذلك، هو السبب الأساسي في مشكلة "الأقليّات" وليس نقص ولائها أو خروجها على الهويّة الوطنية العامة التي تصبح لا معنى لها بسبب معاناتها، وبسبب نقص المواطنة الفادح والنظر إلى أفرادها كرعايا لا مواطنين من الدرجة الأدنى، وإنْ كان المواطنون ككل مهضومي الحقوق، فإن العبء الذي سيقع على كاهل الأقليات سيكون مركباً ومزدوجاً ومعاناتها كذلك .
إن هذا الموقف القاصر من الإقرار بالتنوّع والتعدّدية القومية والإثنية والدينية واللغوية ودلالاتها الثقافية يقوّم الإنسان لا بوصفه إنساناً، له حقوق وواجبات معروفة في الدولة العصرية، بحقوق المواطنة، وإنما باعتباره مصنّفاً بصورة جاهزة كـ "انتماءً "، أي هو يحوّل الإنسان إلى سياسي رغماً عنه، سواء أراد أو لم يرد، أي سياسي برأس إثني أو قومي أو ديني أو مذهبي، وهكذا يتحوّل الإنساني إلى سياسي، وهذا الأخير إلى حقل من التجارب والنزاعات والحروب والعنف تبعاً للمصالح السياسية والمادية، لا سيّما الأنانية الضيقة، فتهيمن الأهواء والنزعات على العقول وتظهر الوحشية عند الممارسة، ويغيب كل ما هو إنساني.
وفي أحيان كثيرة تستخدم القوى الخارجية هذه الثغرات والعيوب والنظرة الاستعلائية القاصرة في مجتمعاتنا، للتغلغل فيها لتشتيت الهويّة الجامعة والعزف على الهوّيات الخاصة لدرجة التعارض والتصارع مع المشترك الإنساني، ليس هذا فحسب، بل إن السلوك الاستعلائي لا يقتصر على البلدان المتخلّفة، فهناك تظهر نزعات الهيمنة ومحاولات إملاء الإرادة، حتى في المجتمعات المتقدمة، على الرغم من التراكم الطويل في ميدان احترام حقوق الإنسان، ففرنسا بلد الحريّات ضاقت فيه قوى عديدة يمينية ومتشدّدة ذرعاً بهويّات المهاجرين وثقافاتهم، كردود فعل لبعض الأعمال الإرهابية التي حصلت فيها، ومال الاتجاه لوضع قوانين تتجاوز على الخصوصية الثقافية العامة والخاصة، والأمر لا يتعلق بخلع الحجاب فحسب، بل شهدت مظاهر عنف ضد الأجانب، إضافة إلى اتجاهات تمييزية في العمل وفي الشارع وغيره.
إن الفكر اليقيني المطلق، هو فكر إمحائي لا يؤمن بالآخر، ويريد إلغاء الفروق داخل المجتمع بكياناته ومكوّناته وأفراده وسجن التعددية وإقصاء الخصوصيات، والأكثر من ذلك يريد إلغاء تاريخ مكوّنات بحيث يلعب فيها مثل كرة عمياء تتدحرج في طريق أعمى وبأيد عمياء .
إن التعصّب والعصبيّة هما اتجاهان إلغائيان لمن لا يتعصّب لهما، ولعلّ جدل الهوّيات يكشف إن اختيار الصراع بدل التعايش، والصدام بدل الحلول السلمية سيكون تأثيره ضاراً وخطِراً على الهوّيات الكبرى مثل الهوّيات الصغرى، وهذه الأخيرة إن لم يتم احترامها وتأمين حقوقها المتساوية ستكون عنصر ضعف كبير ويتّسع باستمرار على مستوى الهويّة والدولة، إذْ لا بدّ من إتباع طريق المعرفة وشراكة الناس في المسؤولية والبحث عن الحقيقة وعن المعنى، سواءً عبر الهوّيات الفرعية – الجزئية أو من خلال الهوّيات الأوسع والأكبر، ولكن بانسجام مع الهويّة العامة، التي لا تستقيم كينونتها وحقوقها إلاّ باحترام الهوّيات الفرعية وخصوصيتها على مستوى الجماعات أو الأفراد .
وبتقديري إن الميل الأكثر وضوحاً والذي ينسجم مع سمة العصر هو انبعاث وتجدد الهويّات الخاصة والفرعية وحرص المنتمين إليها على تنميتها وتفعيلها وزيادة مشاركتها وتعزيز دورها، سواء كانت قومية أم ديناً أم طائفة أم لغة أم سلالة أم خصوصية مجتمعية، جهوية أم مناطقية، لأنها تمثّل شعور الإنسان الفرد والجماعة، بأن ثمة اختلاف بينه وبين الآخر وإن مثل هذا الاختلاف يجعله متميّزاً عن الآخر ومتقارباً مع من يشاطره الشعور بالانتماء إلى هويّة خاصة أو "كيانية متمايزة عن غيرها" تحت عنوان قومية أو أصل إثني أو ديني أو مذهبي أو لغوي أو عشائري أو جهوي أو غير ذلك.
ومثل هذا الشعور بالانتماء إلى الهويّة المشتركة يمكن أن يتعاظم في المستقبل، بحيث تتعدد وتتنوّع وتتمايز الهويّات المختلفة، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو على المستوى العربي وفي كل بلد أيضاً.
وأعتقد أن الموجة التصادمية التي شهدناها خلال العقود الأربعة الماضية، خصوصاً بعد انهيار الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية ستأخذ بالانحسار ويتقلص مداها، وأن القيم الكونية المشتركة مثل الحرية والمساواة والسلام والعدالة والشراكة والمشاركة والتسامح ستتطوّر وتتعزّز، ولاسيّما بتفاعل الهويّات وتداخلها واتّساع المساحات المشتركة فيما بينها، خصوصاً حين تستطيع الهويّات الخاصة والفرعية التعبير عن نفسها بحرية وعلى أساس التكافؤ والمساواة، الأمر الذي سيسهم في إقامة علاقات مختلفة فيما بينها وفقاً للمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
وسيكون سدى هذا التوجّه ولحمته الإقرار المتبادل بالتنوّع والتعدّدية والاعتراف المتساوي بحقوق الهويّات المختلفة وخصوصياتها وفقاً للقيم المشتركة، فلم يعد بالإمكان في عالمنا المعاصر قبول الأفكار والمفاهيم العنصرية والفاشية والاستبدادية والدكتاتورية والامبريالية.
وإذا كان الوضع الدولي، رغم ما عليه وما له، قد اتسم بدينامية وحيوية عشية الألفية الثالثة بفعل ارتفاع شأن القيم الديمقراطية وإعلاء قدر الإنسان وحقوقه باعتبارها القيمة العليا، بغض النظر عن محاولات توظيفها وتسييسها ، فإن القوى المتنفّذة في العلاقات الدولية مثلما في السابق فهي في الحاضر أيضاً وفي المستقبل ستحاول حرف مسار التغيير أو احتوائه أو منعه من تحقيق أهدافه، لكن مثل هذا المسار الجديد قد انطلق وحتى وإن أبطأ أو تعثّر أو تأخّر لكنه يتّجه إلى الأمام .
وقد حاولت أنظمة وآيديولوجيات وقوى وجماعات دينية وسياسية في السابق التنكّر للتنوّع وحق الاختلاف والهويّات الخاصة والقيم الإنسانية المشتركة، سواءً باسم القومية أم الدين أم الآيديولوجيا، لكنها جميعها فشلت في إلغاء التنوّع والاختلاف وإقصاء الهويّات أو تهميشها إلى ما لا نهاية، لأنها صفات لصيقة بالبشر .











نشر هذا البحث في كتاب " ما وراء الشرفة" (أوراق تستشرف مستقبل العلوم والمعارف الإنسانية) ، بيت الزبير، مسقط (عُمان)، الطبعة الأولى ، 2019.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين إشكاليتين - دويلات داخل الدولة وأزمات داخل الأزمة
- الاجتهاد في الإسلام والوعي بالتاريخ
- الاستثمار في التربية على السلام واللّاعنف
- نخشى العسكر أم «نلوذ» بهم؟
- عبد الرحمن اليوسفي - -الإجماع- حين يكون استثناء
- أخلاقيات التضامن الإنساني
- النساء والتطرّف
- «إسرائيلية» الجولان
- من يقرأ الدين بطريقة خاطئة سيتوصل إلى حاضر ومستقبل خاطئ
- مأزق ال «بريكست»
- اليسار والسترات الصفراء
- الأكراد و«حوار العقلاء»
- أتحفظ على مصطلح -المكوّنات- فالدولة هي اتحاد مواطنين أحرار ل ...
- أمريكا اللاتينية.. من اليمين إلى اليسار والعكس
- جار الله عمر كبرياء التواضع
- انحسار الديمقراطية
- شعبان يحاضر في اتحاد الحقوقيين العراقيين
- كوبا «الثورة والدولة» في دستور جديد
- حين يكون القضاء «بخير»
- الإمارات و«دبابات» البابا


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبد الحسين شعبان - الهوّية والتنوّع: الواقع والمستقبل