أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد درويش - لَو كُنتِ أقل وقاحة .















المزيد.....

لَو كُنتِ أقل وقاحة .


محمد سعيد درويش

الحوار المتمدن-العدد: 6219 - 2019 / 5 / 3 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


" آه يا قَطرة مطر في نيسان ، آه يا مَن نساكِ النسيان"
أصحو فجأة مِن النوم ، أصحو كَمن كان في كابوسًا
أتطلعُ بسرعة على الساعةِ ، وأراها الواحدةِ
وثلاثة وعشرون دقيقة ، أنهضُ فجأة وأزيحُ السَتارة
مِن على النافذةِ ، وأرى المساءُ .
السيارتُ تمرُ بسرعة على الأسفلتِ
المقطورات تمشي واحدة تِلو الآخرى
حيث يُسمح لهم بالسير
في هذه الساعاتُ الأخيرة مِن الليل
أعمدة الإنارة الصفراء ، المقهى في الواجهة المقابلة للشقَّةِ
مفتوحًا ، ثِمة ثلاثة رِجال في الزاوية
ورّجلًا يدفعُ الحِساب ، ورجلان يلعبان الورق
كُشك البقالة مُزدحم نوعًا ما ، البقال يتحركُ بسرعة
يُعبئُ الحليب في أكياس ، ورفيقه يعبئُ البيض والجُبن
الزبائن يرتصون حول الخُبز . الوقت متأخر ، والكُلٌ يُريد أن يُغادرُ
أما أنا فأشعر بأنه مِن الضروري أن أتجول
في الخارج ، أشعرُ أن الجو دافئ ، عكس طيلة النهار
كان حارًا ، كئيبًا ، شوارع مُزدحمة ، طُلاب بلهاء
يظنون أن يهذه الطريقة سيربحون 6 آلاف جُنيهًا شهريًا
عُمال كثيرون وموظفون أرياف يتناوبون على محطات القِطار
ضُباط وجنود وعُمال بنوك ، ثِمة مظاهرة بشرية كُبرى تحدثُ
كُلَّ صباح ، تصفيق وصفير إلى أن تشرق الشمسِ
لكُلَّ مَن يتجول وسط كُلَّ هذا الكم مِن الناسِ
دون أن يفقدُ شيئًا مِن إنسانيته.
*
أغلقُ النافذة وأكتشفُ أنني نسيتُ فِنجال القهوة
ممتلئ حَد النِصف والنصفُ الأخر تملائهُ إبتسامتك
وإبتسامتك حلت محل الشمس المذكورة
في قول الشاعر " نصفُ كأسك فارغ
والشمس تملأ نصفها الثاني " (1)
أتجول بين أربعة جُدران ، هُناكَ كأسين على الطاولة
مازالوا في مكانهم ، في الزاوية مِرآة ، تحتجُ
لأنها لَم تراكِ مُنذُ ثلاثة ليالي وسِتة وعشرون دقيقة
لَم تراكِ وأنت تسريحن شَعرِك أو تضعين أحمر الشفاة
مُنذُ زمن بعيد كُنتُ أحسدُ مِرآتِك لأنها كانت تراكِ عارية
لا بأس بهذا ، جُدران غُرفتي تحتجُ لأنكِ غادرتِ
دون أن تترُكِ لي ورقة تشرحي فيها الأمر
أعرفُ أنني لديَّ تصرفات غريبة نوعًا ما
ربما غريبة بطريقة أكثر مِن العادية
مثلًا أغلق هاتفي ، أو أفعلُ وضع الطيران
وعلى السرير أتسألُ لماذا لَم يتصل بيَّ أحد !
أحذفُ تطبيق الواتساب ثلاثة أو أربع مرات يوميًا
أقوم بإلغاء تنشيط حِساب الفايسبوك
مرة في الصباح ومرة في المساء وستة مرات بينهم ! .
تُساعدني السجائر في التفكير بشأن الإقلاع عَن التدخين
أشياء كثيرة تحدثُ لي يوميًا تتسمُ بالغرابة الأكثر مِن العادية
لكن أعتقدُ أن الشيء الوحيد الذي فعلته دون أن أندم عليه
دون أن أتراجعُ فيه ، دون حتى أن أشعر أنه غريب
هو أنني أحببتك ، وأُحبك .
*
الساعةُ الآن الواحدةِ والنصف
مازلتُ أنتظر أن يرن هاتفي
مازلتُ أنتظر أن أسمعُ نغمة رسالة الواتساب
تقولين " إشتاقتُ لكَ " فأكسر الكاف فورًا .
أمسكُ هاتفي ، ثلاثة مُكالمات فائتة
مِن رقم غريب ، أدققُ في أخر ثلاثة أرقام
878 ، أحاولُ أن أتذكرُ صاحبه ، ربما يكون صديق قديم
أو أحد الأصدقاء في العمل ، أو ربما يكون رّجلًا مِن الصعيد
إنتهت وردية عمله الليلية ويشعرُ بالوحدة ، يمتلكُ دقائقُ مجانية
ويظنُ أن هذا رقم إمرأة مطلقة تبحث عَن رجل جاد
آه صحيح ، أفكرُ في أن أعرض على شركات شبكات المحمول
بأن تدرسُ الحالة الإجتماعية والعاطفية قبل أن تُعطي دقائقُ مجانية
لعملائها ، أنا – في أيامُ الوحدة – أشعرُ بالسخافة والسخرية معًا
مِن تِلكَ الهدايا ، لأنني ليس لي أحدًا أكلمه
والسخرية نابعة مِن الآلم ، لا سخرية إلا بآلم .
رسالتين في البريد الإليكتروني ، واحدة للمنظمة السياسية
والآخرى للمؤسسة الثقافية ، لا أجيب عليهم
حيث قطعتُ العمل معهم ، لأنهم في الحقيقة أولاد إمرأة وسخة
أتجولُ بين " الفايسبوك " ، و " تويتر "
ألقي نظرة هُنا هُناكَ ، على أشياء تافهة .
*
الساعةُ الثانية إلا عشرة دقائقُ
هُناكَ كثير مِن الكلمات في المُعجم
يمكنني أن أستخدمها لأتكلم عَنكِ
أو عَن حُبي لكِ ، كلمات كثيرة وبكل اللهجات
لكن في الحقيقة " كُلَّ اللغات ترجمة رديئة "(2)
في وصفُ حُبي لكِ
أو في وصف عيناكِ ، وأيضًا في وصفُ الخرابُ بداخلي
الكلمات تخدعنا أحيانًا ، وفي الغالب نحنُ نحب ذلك
نحنُ نُحب أن نسمع الكلام الذي يجعلنا نشعرُ بأننا رائعون
رغم عِلمنا بأننا لسنا كذلك ، ولن نكون كذلك
نحنُ نكتُب كُلَّ يوم ستة قصائدُ للحب
وسبعة للحُزن وثمانية للحرب ، وتسعة للحبيبة وحدها
رغم كُلَّ هذه القصائدُ ، لا نشعرُ بالحُب ولا يُشفى فينا الحُزن
ولا تموت الحرب ، ولا تأتي الحبيبة كما نكتُب .
نكتُب المزيد مِن الكِذب
حتى الحُب هو كِذب ، حين رأيتُ السماء تلمعُ في عيناكِ
كان كِذب ، حين رأيت غمازتك بدت ترقصُ على خذيكِ
حين غازلتِك ، كان كِذب . حين عانقتك ونمتُ
كان كِذب ، إذا أنني أستيقظتُ ذاكَ المساء إياه وأكتشفتُ أنني عانقتُ نفسي .
*
أسمعُ صوت إذاعة القاهرة
تدقُ الآن الساعةُ الثانية
صحيح ، كُنتُ أودُّ لو أن تكوني موجودة في تِلكَ الساعة !
أودُّ لو كُنا – أنا وأنتِ – نجلسُ على الطاولة تحت المروحة والتِلفاز في الزاوية
نتعاركُ على مَن يمسك ريموت الكنترول ، لكننا نكتشفُ الحل الأنسب
هو أننا نحبُ الأفلام الفرنسية ونجلُس نتفرج فقط .
لكنني الآن وحيدًا ، أجلسُ على حافة الأريكة
أمس وأنا عائدًا إلى البيت ، سقط المطرُ مِن السماءِ
مطرة في نيسان ! كُنتِ تشبيهين حقًا ذلك المطر
وسط درجات حرارة مرتفعة وسط موسم الصيف الكئيب
ورقة التقويم الميلادي المُعلقة على الحائط
تفزعني كُلَّ يوم ، كُلَّ صباح
حيث أرى على الأوراق البيضاء
أسماءُ الشهور الصيفية
أفتحُ النافذة وفي العمارة التي أمامي
أرى على أحبال الغسيل
الملابسُ الصيفية ، أدخُل الشَقَّة
أفتحُ خزانة الملابس ، لا أرى المعطف الكحلي
ولا " الكوفية" الرمادية ، الأشياء الشتوية
سأفتقدها لموسم كامل . حَسنًا سأحولُ أن
أتحمَّلُ درجات الحرارة المرتفعة مع نوبات الإكتئاب
التوتر والزِحام مع الميول الإنتحارية
خرابُ القلب مع غلاء فاتورة الكهرباء
لأن المراوح تشتغل لأربعة وعشرون ساعة
لكن ذلك سيعوض عَن فاتورة سخان الكهرباء
لسنا بحاجة بأن نُدفئ المياه .
*
الساعةُ الآن الثانية والنصف
أفتشُ في مكتبتي عَن كِتاب أقرأه
لكن لا شيء جديد هُنا
كُلَّ الأحداث هُنا أعرفها ، لكن حسنًا مِن الممكن أن أكتُب
وأخلق أحداث جديدة ، لكنني أرى الأحداث التي أكتبها
مملة ومثيرة للسخرة بالنسبة لي ، أتناولُ الدفاترُ الخاصة بيَّ
مِن دُرج المكتب ، أفتحها ، أقرأُ بعض القصص التي كتبتها
أشعرُ بالخجل ، وأتمنى لو كان معي مسدسًا في تِلك اللحظة
كي أطلق النار على رأسي فورًا
أتناولُ عُلبة السجائر ، أجد سيجارة واحدة فقط
أشعرُ بالفزع ، أنهض فجأة وأمشي نحو النافذة أفتحها بسرعة
ألقي نظرة على البقال ، أجد الأبواب مُغلقة
أضعُ يدي على رأسي ، أكتشفُ أن شعري كثيف جِدًّا .
" غدًا عليك أن تذهب للحلاق "
أسمعُ صدى تِلك الجملة التي قُلتيها لي
ليلة الخميس الفائت .
أغلق النافذة وأطلق زفرة
ثُمَّ أشعلُ السيجارة وأتحركُ نحو المطبخ
المعالق وسخة ، الأطباق أيضًا
أكواب كثيرة مُلقاه على الأرض
زُجاجة كونياك وعُلب سجائر فارغة
أشتمُ فيكِ لأنكِ تركتي المطبخ بهذا الشكل
بهذه الفوضى ، لكنني أكتشفُ أنني أحبُ فوضويتك
ما أبله النِساء اللواتي يهتمن بالنظام ، يضعن الملابسُ
في الدولاب ، ويضعن الأطباق على حاملة الأطباقِ
أنني أحبُّ فوضويتك
وأحبُّ الفوضى في قلبي التي بسببك
*
الساعةُ الآن تقترب مِن الثالثة
أدلف الحمَّام كي أغسلُ وجهي
أفتحُ الباب وألقى حمالة صَدرك الحمراء
أمامي ، هذا الشيء قد يقتلني أكثر مِن
الناووي الخاص بــ" كم جُنغ يون"
ألعنك ، وأقول
" الساقطة ، آخذت ثيابها كُلها
ونسيت هذا الشيء ، حقيرة ! " .
أغسلُ وجهي ثُمَّ ألتفت إلى الحمالة ثانيةٍ
وتثقبني القشعريرة ، أمسحُ رغوة الصابون مِن على وجهي
ثُمَّ أخرجُ مِن الحمَّامِ ، كي أكتشفُ وحدتي
أكتشفُ أيضًا أنكِ نسيتِ أشياء آخرى غير حمالة صَدرك تِلك
نسيتِ رائحة عطرك ، وأغنيتك المفضلة وفستانك الأزرق
على الغسالة وتركتي الثياب كُلها متسخة
أنا لا أعرف كيف أشغل هذه الغسالة ، الغريبة
وأيضًا لا أعرفُ كيف لي أن أُقطع البطاطس
أشعرُ بالجوع ، حَسنًا
أفتحُ دُرج التسريحةِ
ألقى كِتاب طبخ
يحملُ عنوانًا مؤنث ، أخجلُ مِن نفسي
أطلقُ زفرة وألعنك للمرةُ الثالثة
*
الساعةُ الثالثةِ والنصف
عليَّ أن أنتظرُ أربع ساعات
حتى أشتري سجائر ، أتسألُ ماذا لو كُنتِ هُنا الآن
كُنتُ ممكن أن أتحدثُ معكِ عَن فوائدُ الشوكولاتة مع القهوة
وأنها أفضل نِظام غِذائي ، كُنتُ مِن الممكن أن أتحدثُ معكِ
عَن كُلَّ كِتاب قرأته ، وعَن كُلَّ فِلم شاهدته ونستمعُ الموسيقى
معي أغاني كثيرة ، كثيرة جِدًّا ، فرنسية وإيطالية وغيرها
لو كُنتِ أقل وقاحة
كُنتُ مِن الممكن أن آكُلُ شفتاكِ بدلًا مِن السيجارة
كُنتُ مِن الممكن أن أُعانِقك بدلًا مِن أن أظلُ أقرأ
في كِتاب طبخ !
لو كُنتِ أقل وقاحة
كُنا سنكون حبيبان إلى الأبد .
أن الآن سأغدو للنوم
وسأصحو حين تشرُق الشمس
وسأحلمُ بكِ ، وسأمارسُ معكِ الحُب
سأنام لأنني لا أملك سجائر
ولأنكِ تمتلكين كم كبير مِن الوقاحة تجعلك تتركين قلبي لثلاثة ليالي
وساعتين وعشرون دقيقة

(1) محمود درويشٌ (2) فرانز كافكا



#محمد_سعيد_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لَو كُنتِ أقل وقاحة .


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد درويش - لَو كُنتِ أقل وقاحة .