|
شم النسيم - عيد الفرح والخلود
عبدالجواد سيد
كاتب مصرى
(Abdelgawad Sayed)
الحوار المتمدن-العدد: 6217 - 2019 / 5 / 1 - 05:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شم النسيم - عيد الفرح والخلود شم النسيم عيد مصرى قديم ، يقترب عمره من عمر الأهرامات تقريباً ، بدأ الإحتفال به سنة 2700ق.م ، فى عصر الدولة القديمة ، وإسمه شمو يعنى تجدد الزروع ، وقد أضيفت كلمة النسيم فى العصر العربى فأصبح شم النسيم ، وأصبح يوحى بمعنى تجدد الهواء ، وليس تجدد الزروع ، لكنه وفى كل الأحوال ظل يحمل المعنى الذى قصده المصريون القدماء وهو عيد الربيع ، إذ كان يُحتفل به فى شهر مارس مع بداية الإعتدال الربيعى ، حيث كان الناس يخرجون إلى ضفاف النهر والحقول، ويأكلون الأسماك المملحة التى إحتفظوا بها صالحة للطعام ، والبيض الذى تخرج منه الطيور ، طعامهم الرئيسى ، والخضروات التى تخرج من الحقول ، وخاصة البصل والخس. وعندما إعتنقت مصر المسيحية ، واجه شم النسيم أول تحد حضارى كبير، كان يمكن أن يلقى به فى سراديب التاريخ ، حيث كان الإحتفال به فى شهر مارس يتصادف مع فترة الصوم الكبير، التى تسبق عيد القيامة المسيحى ، وبالتالى فلم يكن مسموحاً بالأكل والإحتفال ، كما جرت العادة فى شمو أو شم النسيم ، لكن رجال الكنيسة فى القرن الرابع وجدواً حلاً لهذه المعضلة ، وتقرر ترحيله إلى الأمام ، من مارس إلى إبريل ، ليقع يوم الإثنين ، مباشرة بعد الإحتفال بعيد القيامة فى يوم الأحد الذى قام فيه المسيح ، وفقاً للمعتقد المسيحى ، على أساس أن الفرق بين مارس وإبريل ليس كبيراً، فكلاهما يقع فى فصل الربيع، وهكذا إرتبط العيدان ببعضهما البعض، عيدالقيامة وعيد شم النسيم ، وتجاوز شم النسيم أول عقبة كبرى فى زحفه الطويل عبر العصور. وفى العصر العربى واجه شم النسيم تحد جديد، فلم يكن للعرب الأوائل سياسات واضحة تجاه المصريين/الأقباط ، وقد تراوحت سياستهم بين شدة ولين، وإنصهار ونفور، وإستمر ذلك حتى قرار الخليفة المعتصم سنة 218 هـ بتسريح الجيش العربى وتجنيد الأتراك ، وما ترتب عليه من نزوح العرب إلى القرى وأستقرارهم بها وتزاوجهم بالمصريين على نظاق كبير وبداية إختلاط العادات والتقاليد، ومع ظهور جنس تركى حاكم جديد غير الجنس العربى ، وتحديداً فى العصر الإخشيدى ، بدأت الإحتفالات المصرية القديمة تعود إلى الحياة ، وعلى رأسها الإحتفال بشم النشيم. وفى العصر الفاطمى بلغ إحياء الإحتفالات المصرية القديمة ذراه ، وعلى وزن المثل، فتش عن المرأة ، يمكننا أن نقول فتش عن السياسة ، فقد كان الفاطميون عرباً منفيين ، إعتمدوا فى قيام دولتهم على الغرباء ، خاصة على قبائل البربر والأقباط، ولذا ، وبقدر الإمكان ، فقد كانوا ملزمين برد الجميل ، وإندمجوا فى حياة السكان الأصليين وشاركوهم عاداتهم وتقاليدهم ، وإحتفلوا معهم بأعيادهم الإجتماعية القديمة ، وهكذا عاد عيد الغطاس ، ووفاء النيل ، وشم النسيم إلى كامل الحياة ، يحتفل به الشعب والخلفاء. وفى العصر المملوكى ، ورغم قسوة المماليك وبربريتهم أحياناً ، فقد إستمر إرتباطهم بالأرض المصرية وأعيادها وتقاليدها ، فقد كانوا أيضاً أقلية عسكرية من الغرباء ، وماكان يمكن أن ينفصلوا تماماً عن الأرض التى آوتهم وجعلت منهم ملوكاً ، لذا فقد إستمر الإحتفال بالأعياد المصرية القديمة ، وشارك فيها السلاطين وخاصة وفاء النيل ، والذى كان إحتفالاً مشهوداً يسمى بكسر السد ، أو كسر سد الخليج ، حيث كان يتم فتح سد المقياس بجزيرة الروضة ، إعلاناً بوصول فيضان النيل ذراه . وظل الغطاس وشم النسيم ، خلف المشهد ، ولكن على قيد الحياة . وإستمر نفس الحال فى العصر العثمانى ، مع تراجع عام فى روح مصر المرحة ، وغلبة الإحتفالات الدينية على المشهد الإجتماعى. ومع العصر الحديث، عاد شم النسيم إلى الحياة ، ولكنه فقد صديقاه القديمان ، الغطاس ووفاء النيل، واللذان سقطا فى سراديب التاريخ ، رغم محاولات إحيائهما بأشكال جديدة ، وأكمل شم النسيم زحف العصور وحيداً ، ثم إكتسب صديقاً جديداً ، هو الإحتفال برأس السنة الميلادية ، أو رأس السنة الجديدة ، والذى أصبح ، ونتتيجة لنزعة التغريب التى صاحبت نشأة مصر الحديثة ، من أهم الأعياد الإجتماعية التى يحتفل بها المصريون بكل أطيافهم وطبقاتهم ، وهكذا إجتمعت أعياد الفرح فى العيد القديم ، شم النسيم ، والعيد الجديد، رأس السنة الميلادية ، واللذان أكملا معاً الطريق حتى السبعينات من القرن الماضى ، أيام متميزة من الفرح فى حياة المصريين، ولكن ومع تلك السبعينات، بدأ الإحتفال بالسنة الميلادية الجديدة يترنح أمام ضربات الإسلاميين ، الذين بدأوا فى السيطرة على الوعى المصرى منذ ذلك الحين، وإستطاعوا تحويل مصر من مدينة مزدانة سعيدة ، إلى قرية حزينة تلبس السواد ، وتراجع الإحتفال بالسنة الميلادية الجديدة تدريجياً إلى الفنادق والكافيهات ، بعدما كان قد وصل حتى إلى الطبقات الشعبية ، والتى كانت تسهر تلك الليلة حتى الصباح ، بينما صمد شم النسيم مع كل الطوائف والطبقات ، بل تجاوز دوره الإجتماعى وأصبح أيضا لاعباً سياسياً وقاهراً للإسلاميين ، والذين كلما زادوا به تشهيراً وتكفيراً ، كلما إستمر الناس فى الإحتفال والخروج وأكل الفسيخ والبصل والبيض ، حتى بدا وكأن لاشئ قادر على قهر شم النسيم ، وكأنه قد أصبح عيداً للفرح ، وللربيع ، وللخلود !!! عبدالجواد سيد
#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)
Abdelgawad_Sayed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ مصر فى العصور الوسطى - تأليف ستانلى لين بول - ترجمة عب
...
-
مصر الحديثة وصراع الهوية
-
تعديلات الدستور وأغلال العثمانيين والمماليك
-
المرأة السعودية ، صراع الحرية والتغيير
-
رسائل العام الجديد
-
تداعيات التاريخ والصراع فى اليمن
-
إغتيال خاشقجى والعالم والمملكة السعودية
-
نبيل النقيب ، ضحية جديدة لمحاكم التفتيش المصرية
-
الجامعة العربية والشرق الأوسط والمتوسط
-
بوتين وإغتيال الثورة السورية
-
مختصر تاريخ اليونان القديم
-
قانون يهودية إسرائيل وصراع الخير والشر فى الشرق الأوسط
-
صلح وستفاليا والشرق الأوسط والمستقبل
-
سبينوزا- ضمير العصر الحديث
-
تعريب التعليم - مزرعة الإرهاب
-
الإنتخابات السيساوية وخيانة الثورة المصرية
-
مثقفى الشهرة وتعطيل التطور
-
لماذا يجب أن نكره الثورة الإيرانية؟
-
محمد بن سلمان ورائف بدوى
-
مصر بين البدوى والفلآح
المزيد.....
-
وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع
...
-
تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
-
السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس
...
-
زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
-
الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا
...
-
الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
-
تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
-
أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
-
كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
-
تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|