أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الطفلة والطير الجارح















المزيد.....

الطفلة والطير الجارح


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6214 - 2019 / 4 / 28 - 21:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كيفين كارترKevin Carter مراسل صحفي من جنوب أفريقيا، قام بالعديد من التحقيقات الصحفية في المناطق الساخنة من العالم، وقام بتصوير أعمال العنف في جنوب أفريقيا وكذلك آثار الحرب في السودان ونتائجها المرعبة في إنتشار المجاعة. ومن الصور العديدة التي التقطها في حياته القصيرة، ما سمي فيما بعد بصورة "الطفلة الجائعة والنسر". هذه الصورة تعتبر واحدة من أكثر الصور عنفا وتعبيرا عن ما يسمى بكارثة المجاعة، حيث نرى طفل هزيل، مرهق بشكل واضح ، يقعى على الأرض محني الرأس، يعيش لحظاته الأخيرة منتظرا الموت وحيدا، يراقبه على بعد خطوات طير جارح، جائع بدوره ينتظر اللحظة الملائمة للإنقضاض على الجسد الهزيل. وقد أثارت هذه الصورة، كما هو متوقع، زوبعة من التعليقات منذ بداية نشرها لأول مرة في صحيفة نيويورك تايمز يوم 26 مارس 1993، وبعد ذلك أخذت الصحف الكبرى في جميع أنحاء العالم نشر الصورة لتوضيح الآثار المترتبة على الحرب الأهلية في جنوب السودان. ووصلت مئات الرسائل من القراء يستفسرون عن مصير الطفلة، كما أن العديد منهم أتهم المصور بتقاعسه بعدم مساعدته للطفلة المحتضرة، مفضلا أخذ صورتها. هذا البريد الإحتجاجي الضخم كان بمثابة محاكمة علنية لكيفن كارتر الذي اعترف بأنه انتظر حوالي عشرين دقيقة لينشر النسر جناحيه ليأخذ صورة أكثر قوة تعبيرية، غير أن الطير الجارح بقى ساكنا ينتظر.
وبعد ذلك بعام، في 12 أبريل، عام 1994، رن الهاتف في مكتب كيفن كارتر بجريدة نيويورك تايمز، وكان صوت "نانسي بورسكي" محررة الصور الأجنبية في نيويورك تايمز لإعلام كارتر بنيله أرفع جائزة في التصوير الصحفي وهي جائزة بولتزر للصورة في فئة الريبورتاج. وبدأ النقاد مرة أخرى حملتهم الضارية ضد هذا النوع من الصحافة والتي في رأيهم تتاجر بالعواطف والأحاسيس البشرية من أجل زيادة المبيعات. ووصل الأمر أن صحيفة "تامبا باي تايمز" اليومية في فلوريدا Tampa Bay Times اتهمت كارتر بالقسوة وإنعدام الإنسانية : "إن الإنسان الذي يعدل عدسته من أجل الحصول على إطار أفضل للمعاناة، ربما يكون أيضًا أكثر إفتراسا من الصقور الجارحة".
ولد كارتر في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا في 13 سبتمبر 1960، ونشأ في حي نظيف تسكنه عائلات الطبقة المتوسطة المخصص للبيض. وعندما كان طفلاً كان يرى في بعض الأحيان غارات الشرطة لأعتقال السكان السود الذين كانوا يعيشون قريبا من تلك المنطقة، وكان يسائل والديه، وهما من عائلة كاثوليكية "ليبرالية"، كيف يمكنهم تحمل مثل هذا الظلم الذي يتعرض له الإنسان الأسود، وأتهم والديه مرارا بأنهم "متقاعسين" عن الوقوف ضد الأبارتايد والتفرقة العنصرية. بعد المدرسة الثانوية، ترك كارتر دراسة الصيدلة في الجامعة وتم ضمه إلى الجيش، ومن أجل تجنب قسم جيش المشاة، إنضم إلى قسم القوات الجوية، مما أدى به إلى البقاء أربعة سنوات في الخدمة العسكرية. وذات يوم في 1980 شهد كارتر نادل أسود يتعرض للإهانة في قاعة الطعام من قبل مجموعة من الجنود البيض، ولم يتحمل الموقف المهين ودافع عن الرجل مما أدى إلى تعرضه بدوره للضرب بشدة والإهانة من قبل المجندين الأخرين. بعد ذلك ترك كارتر الجيش بدون إذن محاولاً البدء بحياة جديدة. واشتغل ك "دي جي a radio disc-jockey " في إحدى محطات الراديو تحت إسم "ديفيد"، غير أن هذا الأمر إتضح بأنه أصعب مما كان متوقعا. بعد فترة وجيزة، عاد كارتر من أجل إنهاء فترة الخدمة العسكرية المطلوبة.
بعد أن شهد العملية الإنتحارية التي قام بها الجناح المسلح لمنظمة الكونجرس أو المؤتمر الوطني الأفريقي ANC وهي تفجير في شارع الكنيسة Church Street - شارع ضخم يصل طوله إلى 26 كيلومترا - في بريتوريا عام 1983 مما أدى إلى قتل 19 شخصا وجرح ما يقارب المئتين، قرر كارتر أن يصبح مصورا صحفيا، لينقل ما يراه من العنف والفقر إلى العالم.
بدأ كارتر العمل كمصور للأسبوعيات الرياضية في العام 1983، وفي 1984 انتقل للعمل في صحيفة "جوهانزبرغ ستار Johannesburg Star" مصرا على فضح وحشية سياسة الاضطهاد والتفرقة العنصرية - الأبارتايد. كما كان كارتر أول من قام بتصوير أسلوب الإعدام علنا بالحرق المسمى "Necklacing" في جنوب أفريقيا بأواسط الثمانينيات. وكان الضحية الذي التقط له الصور يسمى "ماكي سكوزانا"Maki Skosana ، عاملة في أحد المصانع عمرها 24 عاما وأم غير متزوجة لطفل عمره خمسة سنوات. وقد اتهمت ماكي بكونها عميلة لشرطة الأبارتايد وسببت في إغتيال أربعة من المناضلين الشباب ضد التفرقة العنصرية. وفقا للجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا فإن ماكي سكوزانا هي أول ضحية لهذا النوع من العنف ثم بث حرقها حية مباشرة على التلفزيون. الإعدام بالإطار هو ممارسة الإعدام بدون محاكمة والتعذيب من خلال وضع إطار سيارة مطاطي مليء بالبنزين على صدر الضحية والذراعين وإشعال النار فيه . قد يستغرق الضحية 20 دقيقة للموت ، ويعاني من حروق شديدة في هذه العملية. وقد استخدم المجتمع الأسود الإعدام بالإطار من أجل معاقبة أعضائه الذين كانوا ينظر إليهم على أنهم متعاونون مع حكومة التفرقة العنصرية. وكان من بينهم رجال شرطة سود ومستشاروا المدينة وغيرهم، وكذلك أقاربهم و شركائهم. وغالبا ما يتم هذا الإعدام باسم المؤتمر الوطني الأفريقي، على الرغم من أن الهيئة التنفيذية للمؤتمر الوطني الإفريقي أدانت ذلك بشدة. كان كيفن كارتر أول من صوّر عملية إعدام علنية من هذا النوع في جنوب أفريقيا في منتصف الثمانينيات.و قد تحدث لاحقاً عن هذه الصور: لقد روعت مما كانوا يفعلون و صدمت مما كنت أفعله. ولكن بعد ذلك بدأ الناس يتحدثون عن تلك الصور ... ثم شعرت أن أفعالي لم تكن سيئة على الإطلاق. أن تكون شاهداً على شيء فظيع كهذا لم يكن بالضرورة أمراً سيئاً. وقد راودته الشكوك حول دور الإعلام ومسؤوليته في إنتشار هذا العنف، حيث أن الرسالة القوية التي يريد إرسالها الذين يقومون بهذه الإعدامات ستكون ذات مغزى فقط إذا حملتها وسائل الإعلام ونشرتها مباشرة على الملأ. وقد كان السؤال الذي يؤرقه ويطارده هو "هل كان هؤلاء الأشخاص سيتعرضون لخطر الإعدام بالإطار، إذا لم تكن هناك تغطية إعلامية ؟"
وفي التسعينات يكون مع مجموعة من أصدقاءه من الصحفيين، Ken Oosterbroek, Joao Silva Greg Marinovich ناديا للتصوير الصحفي " Bang-Bang Club "، هدفه فضح النظام العنصري وممارساته اللاإنسانية.
في مارس 1993 قام كارتر برحلة إلى السودان مع زميله جواو سيلفا João Silva، وحين كان بقرية "أيود" سمع صوتا ضعيفا لأنين طفلة صغيرة هزيلة، كانت الطفلة قد توقفت عن الزحف لبرهة وهي في طريقها إلى مركز لتوزيع الطعام، فيما كان يجهز آلته التصويرية وعدساته لإلتقاط الصورة، حط نسر بقربها، ذكر كارتر لاحقاً أنه انتظر نحو 20 دقيقة آملاً أن يفرد النسر جناحيه من أجل أن يلتقط أفضل صورة ممكنة، لكنه لم يفعل. بعد أن التقط الصورة قام بطرد النسر بعيداً، وشاهد الطفلة تستكمل زحفها نحو المركز. قال كارتر بأنه إلتقط الصورة، لأن عمله هو "التقاط الصور" فقط ومن ثم المغادرة، كما أنه من المعلوم أنه كان محضورا على الأجانب عموما لمس الأطفال وذلك بسبب الأمراض المعدية. ولا شك أن قصة كيفن كارتر وقصة هذه الصورة تعود بنا إلى الإشكالية التي تحدثنا عنها مرارا وهي علاقة الصورة بالواقع، وما معنى نشر هذا النوع من الصور؟ فكما قلنا سابقا، هذه الصورة من أعنف الصور التي يمكن أن يشاهدها الإنسان وهو يتصفح جريدته مع قهوته الصباحية، وهدفها بالدرجة الأولى هو إثارة العواطف والأحاسيس لعدة دقائق، ذلك أننا لا نعرف تفاصيل القصة ولا الظروف الموضوعية التي أخذت فيها هذه الصورة. ولم نعرف كل الحقيقة حول هذه الصورة إلا بعد ثمانية عشرة عاما، وذلك بواسطة التحقيق الذي أجراه ألبرتو روجاس Alberto Rojas، عام 2011، وهو صحفي يعمل في صحيفة "إل موندو"El Mundo اليومية الإسبانية، حيث عاد إلى قرية أيود، وهي القرية التي أخذ فيها كارتر الصورة في جنوب السودان. حيث ألتقى روخاس بعائلة الطفل وأكد بأن الطفل لم يكن بنتا، بل ولد اسمه "كونغ نيونغ"، وشهد سواره الأبيض للتعرف على هويته والدليل على أنه كان تحت حماية المنظمات الإنسانية الدولية، وأن الطفل كان على مسافة عدة خطوات من والدية الواقفين في الطابور إنتظارا لحصتهم اليومية في المساعدات الغذائية، وأنه كان قد تم الاعتناء به بالفعل من قبل مركز الطوارئ التابع لمنظمة أطباء العالم Médecins du monde على بعد بضعة أمتار من مكان الصورة. ووفقا لكلمات والده، فقد نجا الطفل في هذه الفترة من الموت جوعا ولكنه مات في عام 2007 بمرض الملاريا.
لقد كان كيفن كارتر يعاني من الإحباط والإكتئاب، وقد حاول الإنتحار عدة مرات قبل أخذه لهذه الصورة، نتيجة ما شاهده من أعمال القتل والعنف والظلم. وقد زاد من تشاؤمه وهبوط معنوياته موت صديقه كين أوستربروك Ken Oosterbroek في 18 أبريل 1994 ربما برصاصة طائشة لأحد جنود الخوذات الزرق Casques bleus بينما كان يقوم بتحقيق في حي من أحياء السود township of Thokoza.
وبعد 3 أشهر من تسلمه الجائزة، في صباح يوم 27 يوليو، 1994 قاد كيفين كارتر سيارته إلى قرب نهر برامفونتاينسبروي، وهو نهر صغير يقطع الضواحي الشمالية لمدينة جوهانسبرغ وهي منطقة اعتاد أن يلعب فيها حين كان طفلا صغيرا، وقام بتوصيل العادم إلى داخل السيارة تاركا المحرك مشغلا، وتوفي متسمما بأول أكسيد الكربون عن عمر ناهز 33 عاما. وترك رسالة مقتضبه قبل إنتحاره كان نصها كما يلي:
"أنا آسف جدا جدا. لكن ألم الحياة يفوق متعتها بكثير لدرجة أن المتعة أصبحت غير موجودة... أنا مكتئب .. بدون هاتف .. نقود للإيجار .. نقود لإعالة الطفل .. نقود للديون .. نقود !!! ... تطاردني ذكريات حية من عمليات القتل والجثث والغضب والألم ... لأطفال يتضورون جوعاً أو جرحى، من المجانين المولعين بإطلاق النار، أغلبهم من الشرطة، من الجلادين القتلة .. ذهبتُ للإنضمام إلى كين إن كنت محظوظاً لتلك الدرجة".
‏« I am depressed… without phone… money for rent… money for child support… money for debts… money!!!… I am haunted by the vivid memories of killings and corpses and anger and pain… of starving´-or-wounded children, of trigger-happy madmen, often police, of killer executioners… I have gone to join Ken if I am that lucky.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدسة والمسدس
- المصور والصحفي والجنرال
- الإختناق
- اللامنتمي كنموذج
- التصوير وضمور الضمير
- عودة إلى عالم الصور
- الفن المعاصر
- أدب وفن وبطيخ
- عبادة الشيطان
- الفأر الأبيض والتفاحة
- بكائية
- حافة الهاوية
- زلزلة الساعة
- الرئة المثقوبة
- شهوة الفراغ
- الثواني المطاطية
- الأشياء المفترسة
- التعويذة والفيل الأزرق
- الليل المثقوب
- ثورة الملل


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الطفلة والطير الجارح