أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - وليد الحلبي - على البساط المتحرك














المزيد.....

على البساط المتحرك


وليد الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 6212 - 2019 / 4 / 26 - 03:08
المحور: كتابات ساخرة
    


لم تكن تفصل بيني وبينه سوى طاولة عليها فنجانا قهوة وكأسا ماء، مال نحوي وهمس:
-"هل عندك للسر مكان"؟
أجبت بالعبارة التقليدية:
"بئر عميقة".
ولما كنت أعرف أنه يعمل سكرتيراً لرئيس وفد عربي في الجامعة العربية، وبما أن وظيفة السكرتير هي أمانة السر، فقد اقتنعت بأن ما سيقوله لي هو بالفعل أبو الأسرار.
قال - وهو يزداد مني اقتراباً، وعيناه تجولان في جميع الاتجاهات خشية أن يكون أحد من رواد المقهى قد أرخى أذنيه لما سيقول:
– : "هل تعلم بأن الرياضة الوحيدة التي يمارسها رؤساء الوفود العرب في النادي الرياضي المخصص لهم في مبنى الجامعة هي رياضة المشي على السير المتحرك، ورغم أن الصالة الرياضية تحفل بشتى أنواع الأجهزة الرياضية الحديثة، إلا أن أجهزة السير المتحرك هي الوحيدة التي تستخدم من قبل أولئك الرياضيين، لدرجة أن إدارة النادي تحتاط لحالات العطل المتكرر للأجهزة – بسبب كثرة استخدامها – وذلك عن طريق تخزين أجهزة حديثة في المستودعات لحين الطلب، في الوقت الذي ما زالت فيه باقي الأجهزة الرياضية جديدة لم تمس".
ابتعدت عنه بعد أن كنت قد ألصقت أذني بفمه، وأجبته بصوت سمعه حتى الناس الذين هم خارج المقهى:
-" تباً لك، هل هذا هو السر الذي استدعيتني لتخبرني به بينما هو بديهية يعرفها القاصي والداني"؟.
حاول أن يكمم فمي بكلتا يديه، لكنني انطلقت كمن أصابته لوثة في عقله:
-"يا أخي، اتق الله، تلوم رؤساء الوفود، الذين هم عبيد مأمورون، على هذا الأمر، غير دارٍ بأن جميع الحكومات العربية تمارس السير على البساط المتحرك منذ عقود وعقود من السنين وهي تجرُّ وراءها شعوباً ليس لها خيار سوى التمسك بأذيال قادتها وهي ترفع صورهم،،، فهل ما تفوهتَ به من كلام يرقى إلى مرتبة السر مع أن الأطفال يعلمونه منذ زمن؟، ولو أن الوضع استمر على هذه الحال لقلنا: أمرنا إلى الله، فقد ينزل هؤلاء عن البساط المتحرك في يوم من الأيام وتنطلق القافلة ولو بسرعة السلحفاة، إلا أن المضحك في الأمر أن بعض هؤلاء – نظراً لبدانتهم إلى درجة الترهل – قد تتباطأ سرعتهم دون سرعة الجهاز، فيرجعون إلى الخلف، ثم يحاولون زيادة سرعتهم للتوافق مع سرعة البساط، فيبدأون باللهاث، وينتهي بهم الحال إلى الإرهاق ومن ثم تلاشي قدرتهم على السير، فيسقطون وراء الجهاز، مسقطين معهم الجماهير التي عجزت عن إيجاد بديل لها سوى التعلق بأذيال هؤلاء الخائبين. أيضاً لو بقي الحال على هذا المنوال لاسترجعنا وحوقلنا، لكن المبكي أن بعضهم – بسبب سقوطه واستمرار غيره في المسير حتى ولو في نفس المكان – فإنه يعمد إلى قطع الكهرباء عن أجهزة زملائه، فيتوقفون مثله، أو يقوم بتسريع حركة أجهزتهم لكي يلهثوا ويسقطوا مثلما سقط هو".
حملق صاحبي متسائلاً:
-"ومن أين لك بكل هذه الأسرار"؟ قلت:
-"يبدو أنك لا تعرف شيئاً عن الوضع العربي، ولم تقرأ البيانات الحقيقية عن تدني مستوى الإنتاج القومي وانهيار التعليم وإقفال الجامعات وافتتاح السجون ومراقبة المطبوعات وارتفاع نسبة الدين العام وانتشار البطالة والجريمة وإدمان المخدرات والتضخم المالي وتزوير الانتخابات والتوريث السياسي وفساد الذمم وانهيار القضاء وسيادة الوساطة والسمسرة وتفشي الرشوة وتحالف رأس المال مع السلطة وتراجع الأرض المزروعة أمام زحف الإسمنت واستيراد رغيف الخبز وصفقات الأسلحة الخردة والخنوع السياسي للإرادات الغربية والاعتراف بإسرائيل، كل ذلك لم تسمع به؟"، وأردفت: "وبما أن بعض الظن إثم وليس كله، فأنا أشعر بالرضى التام وأنني غير آثم".
انتفض محدثي واقفاً صارخاً فيّ:
-"يا رجل، تملك جميع هذه الأسرار ومازلت حراً طليقاً إلى الآن، وأنا الذي كنت أعتقد أنك – لا مؤاخذة – ساذج وسطحي ومحسوب على السلطة؟"، ولكن – تابع صاحبي –
-" تماسك إذن واسمع هذا السرالذي لن يخبرك به أحد سواي" – وعاد إلى خفض صوته لدرجة الوشوشة- :
-"اعْلَمْ أن بعض رؤساء الوفود يُحضرون معهم عمالة آسيوية لتقوم بالسير بدلاً عنهم على الجهاز المتحرك، بينما يجلسون هم في شرفة النادي يدخنون النرجيلة أو السيكار الكوبي، ويحتسون أكواب الشاي ويثرثرون إلى أن تنتهي مدة التدريب". ثم هز رأسه منتشياً بالانتصارعليّ: "والآن، ما رأيك؟".
هنا أسقط في يدي، وأدركت أن صاحبي هذا قد غلبني بإفشاء ما هو بالفعل أبو الأسرار.
صحوت من تخيلاتي هذه وأنا أسير على البساط المتحرك في النادي الرياضي الذي اعتدت زيارته كل صباح. نظرت حولي،، لا أحد يراني،، أقفلت الجهاز على عجل، وانطلقت عائداً إلى منزلي جرياً على الأقدام، علني بذلك أعوض بعضاً مما قد فات هذه الأمة وهي تسير وراء قادتها بتثاقل وتؤدة على سطح بساط متحرك، بينما الزمن مستمر على حاله، يعد نفسه بالدقائق بالثواني .



#وليد_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -شافيز- والأعمى
- لماذا أخشى على فلسطين أن تتحرر؟
- فلسطين التي أخشى أن تتحرر
- عندما يعيد التاريخ نفسه
- هل الحدود الدولية قدر لا مناص منه؟
- في الطائفية ( Sectarianism)
- الأكراد والبليارد
- الصديق فخري البارودي صاحب -بلاد العرب أوطاني-
- الوحدة العربية: بالقوة؟، ولِمَ لا؟
- الثابت والمتحرك في القضية السورية
- هل هي بالفعل أدوات تواصل؟
- دردشة في السياسة السعودية
- حاولت جهدي أن أكون حماراً ... ونجحت
- الكلمة الطيبة
- مشاهد منسية، من أيام دمشقية +60
- حوثيو العراق!، ودواعش اليمن!
- صدق من قال: الكونغرس الأمريكي أرض إسرائيلية
- جاري صاحب الكيف: علاقة آثمة مع الخليفة البغدادي
- عنجهية فرنسية فارغة
- لا أحد يستطيع معاندة الحكومة،،، يا بُني


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - وليد الحلبي - على البساط المتحرك