أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الثاني عشر















المزيد.....

شام-الفصل الثاني عشر


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6209 - 2019 / 4 / 23 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


آه، لو أستطيع كنس قمامة هذه المدينة! لم أقلها بكلمات، بل فكّرت هكذا، حينما قارنت بين القامشلي ودمشق. كيف أجرؤ على قول رداءات عن القامشلي، وأنا مازلت مغرماً بها، رغم كل الغبار والحرّ والمحظورات.
حسناً، دمشق لم تكن نظيفة كثيراً، لكن لا يمكن بحال إجراء مقارنة.

كنت محبطاً، ذاك الصيف، ليس بسبب تلك المقارنات بين مدينتيّ، نعم، فدمشق صارت مدينتي أيضاً، بل حملت أيضاً إخفاقات السنة الأولى في دمشق.
نتائج الإمتحانات كانت كارثية، وتطلّب مني مجهود هائل حين أرادت والدتي أن تفهم. شرحت لها كيف أنني لم أهتم بدراسة اللغة الإنكليزية لأنني سأغيّر الى كلية الفنون الجميلة.
«هل يجب الذهاب إلى الجامعة لتتعلم الرسم؟». «أنت، طيلة عمرك، تعرف كيف ترسم». هكذا كانت تتساءل باستغراب.

وتعقّد الأمر أكثر حين بدأت صديقاتها بطرح الأسئلة حول دراستي. ربّاه! كيف تُترجم كلية الفنون الجميلة إلى الكردية؟ وكيف يمكن إختصار الأمر إلى مكان أتعلم فيه الرسم فحسب؟ سيهزّزن رؤوسهن وسيسخرن مني أمام أزواجهن في المساء.

توفيت والدتي بعد ربع قرن ولم تعرف تماماً ماذا فعلتُ، كلّ تلك السنوات، في دمشق.

كنت أيضاً محبطاً لأنني فشلت في إجتذاب أي أنثى، في محيط الكيلومترات القليلة التي كانت مجالي الجغرافي في المدينة التي لم تتعب فيروز من الغناء عنها والتغني بها، بل كنت أنظر بعين الحسد إلى كل تلك الفتيات الشهيات وهنّ يتغنجّن بصحبة شبّان لا ينقصن عنهّن جمالاً.

نجاحي الشخصي الأهم كان في مجال الكتابة الصحفية، بدليل، أن البعض كان يقرأ لي في القامشلي. يا للمفاجأة! لا أقصد أنهم لا يقرأون في القامشلي، لأنهم كانوا دوماً يفعلون. المفاجأة أن يوقفني أحدهم ليثني عليّ.

نجحت أيضاً في الإبتعاد عن الوشاة في دمشق، وما أكثرهم، وعن تلك المكائد الخبيثة، والعداوات التي كان يحيكها المثقفون لبعضهم البعض، لأنني، ببساطة، لم أكن أسعى إلى تغيير العالم، كما كانت خططهم الـ «أنا» الكبيرة.

أنا مجرّد شاب قامشلاوي ليس له مآثر تُذكر، ولست ملاكاً بأجنحة.
حينما عدت إلى دمشق، أردت أن أفعل شيئاً بخصوص بؤس ثيابي، فاستثمرت ثروة صغيرة في بنطالين ينتهيان بسعة فاضحة ويرفران كجناحي نورس، وتسريحة شعر جديدة.

كنت قد تركت شعري يسترسل دون أن يشذبّه حلاّق، فذهبت إلى مصفف الشعر، خريج صالونات باريس «عبد».
هكذا كان يٌعرّف نفسه من خلال الكلمات القليلة التي كان يتبادلها مع زبائنه، خلافاً لكل مصففي الشعر في العالم، الذين لا يتوقفون عن الثرثرة.
لا أعرف إن كان عبد من خريجي باريس، لكنني لاحظت ذاك الولع الفجّ بالمباهاة، في كل المجالات. فالأطباء كانوا يكتبون نصوصاً طويلة على شاراتهم اللوحية، ذاكرين مجمل كليات الطب التي مروا بها، والإختصاصات التي نالوها، مع ذكر أسماء المدن والبلدان والمعاهد التي يُدرّسون فيها. أية أبّهة!
حتى بائع الفلافل كان قد كتب على زجاج فترينته في طلعة الطلياني «فابيان، أخصائي الفلافل من ألمانيا».
أو تُقابل أحداً فيسارع إلى تقديم نفسه «المهندس فلان»، أو بروفسور الجامعة الذي يسبق إسمه بكلمة دكتور.
في القامشلي كنّا أكثر تواضعاً.
مصفف الشعر عبد جعلني أشبه واحداً من الشبان الذين كنت أغار منهم. جزّ في البداية شعر الناصية الذي غطّى جبهتي وترك رأسي في فوضى، ثم اكتفى بجعل شعر الأطراف والرقبة على شكل درج، وأخيراً شذّب السوالف، لكنه تركها كثيفة وذكورية.

بناء كلية الفنون المُطلّ على ساحة التحرير لم يكن جميلاً على الإطلاق. بُني بتأثير العمارة المتقشفّة في البلدان الإشتراكية، إلا أن الساحة التي كان الماء يتطاير فيها حول ذاك العمود الحجري في وسطها، والذي كنّا نسمّيه «القضيب الملتوي على نفسه»، أضفت رونقاً على الفضاء كلّه.

مشوار الباص اليومي من حي الأكراد كان يتطلب تغيير باصين. باص ركن الدين، ثم النزول عند السبع بحرات. والسبع بحرات كانت الأجمل من ساحات دمشق، قبل أن تتعرض ساحة الأمويين إلى كل تلك المساحيق الباهرة لتتبوّأ المركز الأول.
بناها الفرنسيون، وهم من بنوا أحلى وأمتن أبنية وشوارع دمشق، تخليداً لذكرى الكابتن قائد الجندرمة الذي قُتل على يد بعض السوريين.
بقي أسمها السبع بحرات لدى الدمشقيين، رغم كل الأسماء الرسمية المختلفة إعتباراً من الفرنسيين، مروراً بفترة الإستقلال وحتى بعد حرب تشرين عام ١٩٧٣.

من هناك آخذ باص القصاع مارّاً في شارع بغداد وافر الأشجار ذي الإتجاه الواحد، والذي ينتهي في ساحة التحرير.
أحضرني شارع بغداد، بحادث طريف.
سمحت الحكومة في تلك السنة بإستيراد سيارت التاكسي الصفراء من طراز «دودج»، الأمريكية، لكن المصنوعة في كندا (كنّا قد قاطعنا أمريكا منذ ١٩٦٧)، وكان لهذه السيارت غمازات إشعار حين تغيير المسار إلى اليمين أو اليسار، وكانت الأولى من نوعها في شوارع دمشق.
سائق تاكسي «غمز» نحو اليسار فضربته سيارة اخرى. خرج سائق السيارة الاخرى مزمجراً، شاتماً، وغاضباً، فقال له سائق التاكسي ببراءة ورافعاً يديه أنه كان يغمز، ليصرخ الآخر «اي شو إيدك مكسورة؟».

أغبطني لقاء مدرّسينا الذين كانوا من رواد الفن التشكيلي في البلاد، محمود حمّاد، فاتح المدرّس، إلياس زيّات، نصير شورى وآخرين. أسماء كنت أعرفها جيداً، وها أنا ذا أتتلمذ على أيديهم.

سطح الكلية كان فسحتنا المهيبة.
في البداية كنّا نصعد إليها خجلين قليلاً من طلاب السنوات الأقدم، فلم نكن في الواقع سوى أغرار. قام هؤلاء بالإستخفاف بنا وسارعوا إلى اقتناص الأجمل من فتيات دفعتنا.
لكننا، شيئاً فشيئاً تعلمنا منهم بعض الحيل.
كنّا نطلب القهوة من «أبو رياض»، صاحب الكافتيريا التي تحجز مساحة على السطح، ونطلق دخان السكائر من أفواهنا، ونلتهم الفتيات بعيوننا. أو نغادر مجال الكافتيريا إلى السطح الفسيح، لنلحس خيوط أشعّة شمس تشرين.
عقدت بداية صداقات مع بعض الزملاء، مع مهيار الملوحي، منذر حبّاب، غسّان سلق وآخرين، علاوة على دفعة قامشلاويين (جوزيف آحو، جاك جوخدار وإلياس كبّابة). كنت أتحدّث أيضاً مع وضاح الدقر، عصام ميروز زوجة نصر الدين البحرة حينذاك وجاد الله أحمد.
هؤلاء كانوا الأكبر سنّاً في دورتنا وكنّا نتعامل معهم باحترام شديد.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شام-الفصل الحادي عشر
- شام-الفصل العاشر
- شام-الفصل التاسع
- شام-الفصل الثامن
- شام-الفصل السابع
- شام-الفصل السادس
- شام-الفصل الخامس
- شام-الفصل الرابع
- شام-الفصل الثالث
- شام-الفصل الثاني
- شام-الفصل الأول
- سأطهّر المنطقة أولاً
- فصل جديد من رواية «كوبنهاون»
- الطيران مع «آنا»
- مرّة اخرى، القامشلي
- هنريك، ملك الدانمارك
- اوصماني برو
- معمارية متحف لوڤر أبو ظبي
- فصل من رواية «كوبنهاون»
- البازلّاء


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الثاني عشر