أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - إرهاب ضد الإرهاب














المزيد.....

إرهاب ضد الإرهاب


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6203 - 2019 / 4 / 17 - 02:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك أن ما يسيطر على لوحة الصراع السوري هو الإرهاب والعنف الوحشي الطائش الذي يطال المدنيين والفئات الأكثر ضعفاً منهم (الأطفال والنساء والشيوخ)، وأن السياسة التي حاولت أن تجد لنفسها موطئ قدم في جنيف جرى وأدها. ولا شك أيضاً أن وقف هذا النوع من الأعمال ضرورة وأولوية من وجهة نظر وطنية حريصة على الناس وعلى العمران. ولكن لا شك ايضاً أن التمسك بهذا البند (مكافحة الإرهاب) من جانب وفد النظام السوري في جنيف لا ينبع من حرص على المدنيين أو على العمران السوري، ولا من معاداة أصلية مع الإرهاب. لا يمكن للمرء، مهما تراخى في المعايير ومهما زاد منسوب التسامح لديه، أن يقبل موقفاً ضد الإرهاب من جهة ترمي من الجو براميل متفجرة، بدون أي نظام توجيه، على أحياء سكنية. موقف وفد النظام السوري في جنيف إذن، وببساطة شديدة، لا يتعلق بالإرهاب من حيث هو نشاط إجرامي بدافع سياسي، بل هو موقف ينطوي في حقيقته على هدفين:
الهدف الأول: هو تغطية على الحاجة الملحة في سوريا إلى التغيير السياسي الذي يعني تفكيك نظام الاستبداد وبناء نظام سياسي جديد لا يقوم على احتكار السلطة بما يغذي العصبية العائلية أو الطائفية أو المافيوزية، بل يقوم على مبدأ سيادة القانون وحفظ المسافة بين الدولة وبين السلطة فلا تغدو الدولة ملكية خاصة لأصحاب السلطة ولا يغدو الناس مجرد رعايا عند هؤلاء. هذه التغطية المطلوبة كانت تحتاج إلى صناعة حاجة تفوق في أولويتها وضرورتها أولوية تغيير النظام، وقد جرت صناعة هذه الحاجة التي هي الإرهاب وضرورة وقفه، ويجري في جنيف استثمارها بالقول ينبغي وقف الإرهاب قبل الحديث عن اي تغيير سياسي. هنا يمكن أن يعترض أحد ما قائلاً: بصرف النظر عن تحليل ما أوصل سوريا إلى هنا، نحن الآن أمام حالة يتفشى فيها الإرهاب ويجب وقفه قبل أي شيء. وإن وقفه أهم وأبدى من تغيير النظام. وهذا اعتراض صحيح. لكن يبقى السؤال: كيف نوقف الإرهاب؟ لو افترضنا أننا نملك قدرة سحرية على فرض أمر وقف كل الأنشطة العسكرية من جانب الفصائل التي تقاتل النظام مع مصادرة أسلحتها كافة (أليس هذا هو الإرهاب الذي يقصده النظام؟)، هل يتوقف الإرهاب؟ في الواقع ستكون النتيجة هي انتصار إرهاب على إرهاب لا أكثر. ربما يتوقف قصف المناطق التي تحوي (لا نقول تحتضن لأن المقاتلين من كل الأطراف لا ينتظرون قبولاً من أحد ويفرضون وجودهم حيثما يريدون بالقوة) مقاتلين معارضين، وربما يتراجع عدد الضحايا وحجم الدمار، لكن النظام بعقليته الاحتكارية والعصبوية سوف يشغّل ماكينته "الإرهابية" بكامل طاقتها في محاولة منه لإعادة الأمور إلى سيرتها الأولى. ولن تستطيع عقلية كهذه أن تدرك أن هذه محاولة مستحيلة. وما بين هذه الاستحالة والعجز الأكيد عن إدراكها سوف تعيش سوريا إرهاباً جديداً لن يتأخر في توليد الإرهاب المضاد من جديد.
أما الهدف الثاني الذي ينطوي عليه تمسك النظام السوري بترتيب البنود وبمناقشة موضوع الإرهاب أولاً، فهو إخماد تمرد السوريين ووضعهم ثانية تحت القدم العسكرية قبل التوجه لهم بالقول: ماذا تريدون الآن؟ وما هي البنود التالية التي تريدون مناقشتها؟
حين يتحدث وفد النظام السوري عن الإرهاب وأولوية وقفه، فإنه يفترض نفسه خارج الدائرة كأنه جهة موضوعية ناطقة باسم الأبرياء وباسم الحضارة والعدل ضد الإرهاب. هذا بحد ذاته نوع من الجرأة وقوة العين لا يتمتع بها إلا من تمرّس طويلاً في زج الأبرياء وأصحاب الرأي في السجون دون أي ضمانات من أي نوع، محرومين حتى من الحق في الحياة، والقول من ثم إنه لا يوجد لديه في السجون السورية معتقلون سياسيون بل مجرمون. فقط من يمتلك هذه الخبرة يمكنه أن يقتل في كل مكان من بلده وبصورة عشوائية، ثم يقف أمام العالم أجمع بلبوس حضاري وعلماني ليقول إنه يقاتل الإرهاب نيابة عن العالم.
لو حاول أحدنا أن يتجرد بقدر الاستطاعة عن ميوله السياسية وأهوائه ومستبقاته، وأن ينظر إلى ميدان الصراع اليوم في سوريا، لن يمكنه أن يرى الصراع في سوريا على أنه صراع دولة ضد الإرهاب، كما يحاول وفد النظام في جنيف أن يصور الصراع الدائر في سوريا. سيجد أن جهتي الصراع يستخدمان الإرهاب في سياق مسعاهما السياسي. ولاسيما بعد أن انزاحت قوى التغيير عن خط الثورة الأولي وباتت قوى إسلامية متفاوتة في تشددها، وتسعى إلى التغيير نحو نظام إسلامي متخلف لا يقل سوءاً عن النظام السوري الحالي، بل هو أسوأ منه. إن غياب المشروعية السياسية للنظام وللقوى الإسلامية التي تواجهه اليوم لا يترك في يد اي منهما وسيلة لفرض نفسه على المجتمع سوى العنف والإرهاب.
إن النظام السوري، مثله في ذلك مثل كل الأنظمة التي تفرض نفسها بالقوة سواء في إطارها الوطني أو على مستوى عالمي كأمريكا، يرى الإرهاب في كل ما يهدد سيطرته فقط، أكان ما يهدد هذه السيطرة عملاً عسكرياً أم سياسياً أم ثقافياً. ويبدو لناظريه أن كل فعل يصدر عنه ويعزز سيطرته إنما هو حق وفعل سيادة. وعليه فإنه حين يطالب النظام بوقف الإرهاب فإنه يقصد في الحقيقة وقف كل عمل عسكري أو سياسي أو حتى ثقافي يهدد سيطرته، أي إنه باختصار يطلب إعدام المعارضة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلد العابر للسياسة
- النساء في الثورة السورية
- من الذي قلع عين الرئيس؟
- حزب السيارة الزرقاء
- عميد مغلق وباب مفتوح
- الطبيب المسكين وفخامة الجريح
- يا حيوان ليش ما قلت انك -منهم-؟
- تموت وتاكل غيرها
- موت الرواية
- أرض الألغام
- عزلة المنكوبين
- الاغتصاب
- العلويون والثورة السورية
- سلعة العداء للامبريالية في سوق العالم الثالث
- صادق جلال العظم، تراجيديا مفكر
- حسين العودات، النهضة العربية المفترضة والهمّ المزدوج
- الصراع القطبي
- النظام السوري: افتراق السياسة عن القيم
- في علمانية اللاعلمانية
- عقدة نقص الدولة الفلسطينية


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - إرهاب ضد الإرهاب