أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الحادي عشر














المزيد.....

شام-الفصل الحادي عشر


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6202 - 2019 / 4 / 16 - 21:12
المحور: الادب والفن
    


مجرّد إستعادة ذكرى تلك الأيام يُشعل صدري بحنين غامض. وجه آرسيني الوسيم الجدّي، لهجتها الحلبية الصحيحة، ودون تلك الأخطاء التقليدية التي يقترفها الأرمن في العادة.

كنت أضع ثيابي المدنية في كيس وأذهب إلى مطعم «الكهف» الذي كان يبعد عن حديقة السبيل بمقدار بصقة.
هناك كانوا يسمحون لي بالإختباء في غرفة صغيرة كي أبدل ثياب الطالب الضابط، التي كنت أرتديها خوفاً من دوريات الشرطة العسكرية، فهم يتعرّفون علينا بسهولة.
هل كان شعرنا القصير؟ لون جلدنا؟ أم تصرفاتنا الخائفة؟ لا أدري.

أعود بعد لحظات ناسياً وضعي العسكري، لأهوي بإرهاقي على كراسي مطعم الكهف.
كم كان جميلاً استبدال نواصي مدرسة المشاة الجرباء بروائح أشجار وورود حديقة السبيل! أو متابعة أرسيني وهي تلج باب المطعم بفستانها الأزرق المزنّر بالأصفر حتى تكاد تودي بصوابي.

ماذا جرى لها الآن في زمن القتل هذا؟ ماذا جرى لمطعم الكهف الذي كنّا نلفظ إسمه الفرنسي، والذي كان يعجّ بالناس والحياة؟ ماذا بقي من السبيل، شارع بارون، ثكنة هنانو وحلب؟

عدت مرّة من مشواري إلى الكهف، وبعد ساعة مجون مع آرسيني في بيت مستعار من أصحابي الأردنيين، لأرى عدداً كبيراً من الزملاء مجتمعين في الساحة العامة. عرفت أنهم مضربين فأضربت معهم.
جاء ضباط وأمرونا أن ننسحب إلى المهجع فلم ننفذ الأمر.
هدّدونا بمحكمة عسكرية فلم نتراجع.
«ياجماعة ما هي القصة؟». سألت الزملاء.
أحد الضباط المدربين قال، في لحظة غضب، أن دورتنا دورة مخنثين، لذا قررنا أن نضرب حتى يعتذر منّا. المفاوضات والتهديدات استمرت حتى ساعات الصباح المبكرة، ولم تعد رجلاي تحملانني.

لحسن الحظ انتهى الإضراب بالنصر، حينما طلّ علينا الضابط واعتذر، قبل أن يتدخل جنرالات المدرسة المرعبين.
والجنرالات يذكرّونني بحكاية فؤاد الراشد.

فؤاد عرفته منذ أيام القامشلي، حينما كان يُقدم عروضه المسرحية على مسرح المركز الثقافي الواقع تحت سينما شهرزاد، قادماً من الحسكة، سويّة مع فرقتة المسرحية.
بعد العرض كان يجلس في مطعم «إيشو» وحوله عدد من الأصحاب والمعجبين ليسكر.
علاقته بالسكر بدأت في وقت مبكر كما هو واضح. بعدها يقول أنه حينما يملأ هذا (ويشير إلى رأسه) فأنه يجب أن يفرّغ هذا (ويشير إلى ما بين ساقيه)، وسرعان ما يركب الحنطور الواقف في الشارع ليتجه إلى دار البغاء. تلك الدار التي كانت تثير حسد شبان باقي مدن الجزيرة.

ذهب في منحة إلى موسكو، وحصل على شهادة الإخراج المسرحي، مستبدلاً العرق بالڤودكا. وبعد عودته استقر في دمشق وعمل في مسلسلات تلفزيونية، أحدها (حاولت عبثاً استحضار اسمه) كان قد فرغ من تصويره مباشرة قبل التحاقه بمدرسة المشاة. حاز المسلسل شهرة كبيرة، وكان يُعرض بينما كنّا في الدورة.
ذهب فؤاد، مرّة، في إجازة لزيارة عائلته في الحسكة، ولم يلتحق بالدورة يوم السبت، ولا حتى يوم الأحد. وكان أسمه يُذاع من مكبرات صوت المدرسة كل يوم، يطلبون منه مقابلة نائب مدير المدرسة.

يوم الاثنين مساءً، جاء فؤاد مترنحاً يقف بصعوبة على رجليه، فساعدناه بالإستلقاء على سريره. وسرعان ما زعقت مكبرات الصوت مرّة اخرى تطالبه بالمثول حالاً أمام نائب مدير المدرسة.
أصبنا بالرعب جميعاً. أيقظناه بصعوبة بالغة، وبدأ ريمون يخبره بضرورة الذهاب إلى الإدارة.
«بوّلوني»، زعق فؤاد، فحملته أنا من جهة، وريمون من الجهة الثانية، ليقف هناك قرب النباتات والأشواك التي حرقتها الشمس، وقال «ساعدوني». نظر إلّي ريمون متردداً، فساعدته.
تبوّل كثيراً ولمدة خلتها لن تنتهي. التحق بنا مجموعة اخرى من الزملاء، ورتّبنا سيناريو لقصة، قد تخفّف من عقوبته المنتظرة، مفادها أنه كان في الباص بطريق العودة من الحسكة، وفي استراحة الرقّة تناول طعاماً تسمّم منه على الفور، فقام بعض الرقّاويون بالعناية به لمدة يومين، وهذا ببساطة سبب التأخير.
لقّناه القصة وصار يكرّر وراءنا الكلمات حتى وثقنا به، بينما ركبنا يتّجه إلى مبنى الإدارة.

وقفنا على باب نائب المدير بعد أن أدخله الحارس وسمعنا المدير يصرخ فيه «أين كنت؟»، فصرخ فؤاد بذات الطريقة «سكران يا سيدي!».
توّقعنا أن يسحب نائب المدير مسدسه مباشرة ويثقب جمجمة فؤاد، لكننا سمعنا صوت قهقته عوضاً عن ذلك.
ثم خفتت الأصوات في حوار طال بعض الوقت. حينما خرج فؤاد أخيراً، لم يكن سكرانا كما قبل دخوله، وأخبرنا أن الحديث مع نائب المدير دار عن المسلسل، وأنه (نائب المدير) أراد أن يستبق الأحداث ليخبر زوجته، المتابعة الجيدة لذاك المسلسل، فرفض لأن ذلك سيخالف عقده مع إدارة التلفزيون.

بعد إنتهاء الدورة فُرز فؤاد إلى المسرح العسكري، وأعاد الكرّة ثانية، حينما ذهب لإستقبال زوجته الروسية في ميناء اللاذقية، لينام في الفندق لعدة أيام، بعد أن شرب كل الڤودكا التي أحضرتها زوجته.

حياته انتهت بعد ذلك بسنوات على نحو مأساوي، حينما كان وحيداً، مهجوراً من الزوجة والأصدقاء. مات في غرفته، غارقاً في حمّام دم، بعد أن بتر قضيبه بسكين.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شام-الفصل العاشر
- شام-الفصل التاسع
- شام-الفصل الثامن
- شام-الفصل السابع
- شام-الفصل السادس
- شام-الفصل الخامس
- شام-الفصل الرابع
- شام-الفصل الثالث
- شام-الفصل الثاني
- شام-الفصل الأول
- سأطهّر المنطقة أولاً
- فصل جديد من رواية «كوبنهاون»
- الطيران مع «آنا»
- مرّة اخرى، القامشلي
- هنريك، ملك الدانمارك
- اوصماني برو
- معمارية متحف لوڤر أبو ظبي
- فصل من رواية «كوبنهاون»
- البازلّاء
- البعوض وحشرات اخرى


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الحادي عشر