أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مقداد مسعود - غرفة دستويفسكي... الجهد السردي في روايتيّ(سقف من طين) و(شمس بيضاء باردة) للروائية كفى الزعبي















المزيد.....

غرفة دستويفسكي... الجهد السردي في روايتيّ(سقف من طين) و(شمس بيضاء باردة) للروائية كفى الزعبي


مقداد مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 6202 - 2019 / 4 / 16 - 00:24
المحور: الادب والفن
    


غرفة دستويفسكي..
الجهد السردي في روايتيّ (سقف من طين) و(شمس بيضاء باردة)
للروائية كفى الزعبي ..
مقداد مسعود

ما أن أنتهيت ُ من قراءة (شمس بيضاء باردة) حتى عدت ُ لأقرأ ثانية روايتها الأولى (سقف من طين)،التي قرأتها منذ سنوات،ولو كانت لدي بقية رواياتها لفعلت ُ الشيء نفسه،في تنضيد المتجاورات السردية لمعرفة التجاوز الإبداعي في جهد الروائية كفى الزعبي، أما الآن فستحاول قراءتي المنتجة تجسيرا سرديا بين الروايتين.
(*)
أثناء قراءتي (شمس بيضاء باردة) سلّط عليّ اسم عائشة، تحفيزا بقراءة ثانية لروايتها الأولى (سقف من طين)،فشخصية عائشة في (سقف من طين ) لايمكن أن ينساها قارىء يناصر المرأة،فهي نموذجا للمرأة الشجاعة، وقد رسمتها المؤلفة، رسما ميدانيا، ولم تلقنّها خطبا أيدلوجيا حول تحرير المرأة، بل جعلتها تبث أحاسيسها الصادقة للتخلص من هيمنة نسق الفحولة، يتم تحرير المرأة اقتصاديا من خلال أداة التحرر/ الاستقلال: ماكنة خياطة تجلس خلفها عائشة، أو شهادة جامعية تحملها شماء ومريم وفاطمة، وحين تتأزم وضعية شماء في بداية عامها الدراسي وتنتكس من جراء العسر الاقتصادي للعائلة، تشجعها عائشة على الصمود الأكاديمي (لو كنت ُ تعلمتُ وحصلت ُ على وظيفة لما كنت ُ أسرب لك النقود الآن سرا، ولكنتُ حرة التصرف بما أجني،ولما استطاع زوجي أن يمنعني من ذلك /50)..ثم توجه عائشة خطابها لأمها (وستدركين أنني محقة عندما تتخرج وتحصل على وظيفة...أنها على مرأى من الناس ستكون عونا لك ولأخواتها..)
وحين تزوجت الخيّاطة عائشة (ازداد تقشف أسرة الأم،فقد قطع الدخل الذي كانت تجنيه من الخياطة،ولم يبق سوى العيش على القليل الذي يدره تضمين باقي الأرض/ 42) وبحكمة واجهت جلافة طباع زوجها الذي اعتدى عليها وطردها مرتين،وتمعنت في تردي أحوالها لكنها احتملت ثم استطاعت عائشة أن تمسك الثور من قرنيه: (وتكون المحرك لزوجها البسيط ، وبالفعل فقد استطاعت فيما بعد بحكمتها أن تتعايش معه،بل وأصبحت الموجه له في حياته وعمله..)
(*)
في(سقف من طين) مستويان من السرد: في حيازة السارد العليم: سرد وامض ٌ مخبوء، يغبن حياة طويلة عريضة عميقة عاشتها مريم في لينينغراد ويمحقه بلقطة عودتها إلى وطنها(انطلقت السيارة تنقلها إلى المطار مسرعة، جلست بجانب النافذة المعروفة لديها جيدا تتراكض مسرعة إلى الوراء كأنها السنوات تجمعت في تلك الليلة. تجمعت في ليلة واحدة وباتت تتسارع من على طرفي الشارع إلى الخلف استمرت السيارة بسيرها. وكانت مريم تترك عمرا قضته في هذه المدينة يمر، يبعد ويصغر ليتحول في النهاية إلى نقطة سوداء ترقد ساكنة في المكان وفي ذاكرتها) مابين القوسين هي الأسطر الأولى في الصفحة الأولى من (سقف من طين) وما بين المسطور بمثابة إيماءة للسرد المخبوء المعلّق القار في سكينته في ذاكرتيّ المدينة ومريم .ثم سيدخل السارد العليم في وجيز مسردة عامة سريعة بسعة صفحة وثلثيّ الصفحة التالية . في المرقة الثانية (2) يتراجع السرد إلى زمن ماض، ويتسع قوس السرد من المفرد الوجيز لسيرة مريم وهي تعود بعد سنوات إلى بلدها، إلى عائلة مريم المتكونة من والدها العاجز وأمها التي تنفر من زوجها العاجز، وأخواتها وأخيها الوحيد قاسم .إذن بداية الرواية هو نهايتها كزمن روائي، وبداية زمن مريم الخاص يبدأ في الصفحة الأخيرة من الرواية / ص110
ما لم تقله مريم لنا حياتها في لينينغراد / سانت بطرسبورغ، ربما هو المسرود ستسرده في رواية كفى الزعبي(لودميلا والثلج)
(*)
للعنونة وظيفتها الإشارية كدلالة على مدلول يمكن إمساكه مضمراً أو صريحا داخل النص – بشهادة أستاذنا محمود عبد الوهاب - والعنوان كإشارة يحفزنا لإمساك الدلالات بدءاً من دراسة بنية العنوان(أفقيا) إلى التجوّل (عموديا) داخل الحقل السردي.وقد استوقفني العنوانان (سقف من طين ) و(شمس بيضاء باردة)، والعنونة الرئيسة هنا هي بنية ولكنها ليس بنية نهائية، هي بنية صغرى، وهي نصيص، ويمكن أن نضيف بنية مقفلة، تحتاج مفتاح قراءة ما يليها، وما يليها هي البنية الكبرى/ النص. إذا البنية الصغرى/ العنوان (بنية أفتقار،يغتني بما يتصل به..) والمتصل هنا روايتان : الأولى(سقف من طين) نشرتها المؤلفة في 1998والثانية (شمس بيضاء باردة) 2018 .
*نلاحظ أن العنوانين يشتركان ضمن مخطط الصورة نحو الأعلى : سقف / شمس
*والعنوانان هنا يبثان شحنتها كاملة حتى لدى القارىء العادي، فالسقف الطيني يبث هوية اجتماعية، تموضع البيت طبقيا من البيوت الفقيرة، أما الشمس البيضاء الباردة فتحيل قراءتي المنتجة إلى(حنا مينا) في روايته(الشمس في يوم غائم)..فالشمس هنا لا تمنح دفئا، وربما أيضا تحيليني إلى شمس أقاصي الشمال التي تآلفت معها المؤلفة كفى الزعبي ..إذن العنوانان : سقف / باردة : يحفزان فعل القراءة على القيام بنزهتين سرديتين في فضائيّ روايتي المؤلفة الزعبي .
(*)
البيوت الطينية مصيرها متأهب، بسبب الأمطار، وسوف ينهار أحد البيوت على رجل عائلة في القرية.مهيمنة الرواية (سقف من طين )، وبطلها المحوري المضاد هو الذل المجتمعي، الذي من (فضائله) تشجيع شماء على انتاج مثنوي سؤالاتها
*سؤالها الأول تسدده نحو بيروقراطية السلطة (لماذا قوانين الحكومة التي توجب دفع مبلغ سترده لك فيما بعد؟)
*وسؤالها الأول المكرر وهو السؤال الرئيس هو سؤالها الوجودي الذي تسدده إلى لا أحد وهو السؤال الضرورة، سؤال المسحوقين في التراتبية المجتمعية، وهو السؤال المتعدد في الواحد:
(لماذا هم بهذا الفقر،لامخرج سوى الأرض البائسة التي لايملكون غيرها/58)
(لماذا أبوها مريض وغير قادر على العمل؟)
(لماذا رزقهم الله بهذا الأخ؟)
(لماذا سافر)
(لماذا عائشة تزوجت من أخي زوجته)
ثم تزدحم الأسئلة في ذاكرة شماء، وهي لا تسأل بصيغة (ماهو؟) بل.. (لماذا؟) لأن الصيغة الأولى تستهدف التفسير، أما الثانية فتقع على مسؤوليتها التغيّر،أو في الأقل التحفيز الذي ينتقل الفقر فيه من الدفاع إلى الهجوم، وبشهادة مظفر النواّب
( ما أقبح الفقر حين يدافع !).
(*)
العائلة الفلاحية في (سقف من طين ) تعاني مثل ثلاث مصادات من داخلها العائلي
*أب قعيد الفراش
*سلطة الأخ الأوحد المجرد من أي سلوك سوي
*التصاهر القروي، والذي نطلق عليه بلهجتنا العراقية (كصه بكصة) أي أن يتزوج أحدهم ويزوّج أخته لصهره
الأب طريح الفراش شبه ملغى، ينوب عنه في التسلط هو قاسم ولده الوحيد، الذي يريد الاستحواذ على كل شيء له وحده، لكن اهم مافي سلطته الاستبدادية، أنها ترتخي ما أن تتنازل العائلة له
(*)
الأب ميت في حياته، ومحتقرٌ من قبل الأم، في (سقف من طين)(60) وعلى ذمة السارد العليم(81)
(*)
في (شمس بيضاء باردة) سنكون مع عائشة ثانية، لاعلاقة لها بعائشة الأولى سوى الاتصال التسموي فقط .فعائشة (سقف من طين) تجسد نموذجا لشخصية رئيسة للبنت البكر التي تمتلك حسا اجتماعيا يؤهلها لتكون حكيمة البيت التي تجيد تصنيع التوازنات المجتمعية داخل بيت أهلها ثم في بيت الزوجية، أما عائشة (شمس بيضاء باردة) فنحن مع عائشة بلهاء وستكون ضحية البطل اللامبالي : راعي.
(*)
تحاول قراءتي المنتجة الإستعانة ببعض الإشارات المرورية التالية المبثوثة في الفضاء الروائي :
*العنوان/ 266
*الشخوص والبطل
*الأب
*الأم
*عائشة
*شبح الرجل الميت/ 252/ ثم شبح أحمد بعد انتحاره / واحمد والبطل وزوجة احمد/ 281/ 282/ 283
*المدير
*صاحبة الحانة
*أرملة أحمد
*مازن

*ما يريده البطل /196
*البطل واللغة /237
*ملخص الرواية /168/ 189/192
*الفرق بين البطل وأحمد/195/ والبطل ومازن/ 197/198/203/204
*الفرق بين أحمد ومازن/208
*البطل من وجهة نظر مازن/ 216/217/218/221
*أحمد من خلال أحمد بحضور البطل/218- 219
*زوجة أحمد من خلال البطل/ 257
*البطل وزوجة أحمد/257
*حضور أحمد في كوابيس البطل/ 242
*مؤثرية انتحار أحمد على البطل: الضحك /45
*سرد بجهوية ٍ أخرى /169 وهو سرد بمكياج يلطخ الأب كريكاتيرية
*سرد وتدوير السرد /241/ 240
*سرد المتكلم المشارك/ الشخصية المحورية : هو منولوغ على طول الخط
*البطل مشكلته مع ابيه / وأحمد ...مع أمه ؟/170/ 178/193
*شبح العجوز/ 181
(*)
السرد
*منولوغ متقطع للبطل
*سرد أحمد
*سرد مازن
*سرد كاذب/ 203
(*)
(أرى شمساً بيضاء باردةً، تزحف ببطء كأنها في نزهة طويلة مملّة،كأنها أرملة تغنّي للعبث/ 266)..هنا إستعارة تأنسن الشمس، وتشحن المفردات بطاقة سالبة : فالزحف لا يعني المباغتة، والنزهة لا إمتاع ولا مؤانسة فيها والمرأة عاطلة الأنوثة
(*)
الشخوص كلهم مرايا ترينا البطل اللامسمى في الرواية. إذن البطل هو الشخصية المحورية، وبالطبع تباينات بين (البطل) وسواه من الشخوص، فلا هو امتداد لهم ولا هم يكتملون به .شخصيا ما تعاطفت مع هكذا البطل إنهزامي، ترك والده يخصيه إلى هذا الحد،التخلف العقلي لدى عائشة، استغلها جنسياً، حتى حملت منه وتواطأ هو وعائلته ضدها، حتى ماتت عائشة بسبب النزف !! البطل يتألم على أشجار الصنوبر(لتتخذ أشكالا هندسيّة/ 131) ولا أدري كيف تسول له نفسه حين يغلّف نفسه بإستعارة لاتليق به!!(أنا شجرة صنوبر ضحيّة للمقص) !! ولايكتفِ بهذا الوعي المزيف الذرائعي، بل يرى نفسه ضحية الجلادة المتخلفة عقليا!! هنا ينفذ صبر القارىء السوي حين يصغي للبطل وهو يأفك هذا الأفك،ثم يعتبر عائشة مرة مقصا وأخرى ساطورا( أو لساطور هوت عليّ به عائشة ذات يوم وقطعت أغصاني) مثل هذا البهتان يشعل الغضب الحق لديّ كقارىء .والبطل يعيب على أبيه استغلاله لمال عائشة البلهاء، وينتقد شكوى أبيه الزائفة التي يرى في نفسه ضحية اسراف عائشة في استهلاك المواد التموينية،عائشة التي تنظّف البيت وترعى الجميع، ويرى الأب/ الأصح يدعيّ أنه ضحية عائشة ويمسرّح هذا الأب كلامه حتى يغوي المستمع بالصدق / ص193،الأب يريد مخادعة الناس والبطل يريد مخادعة القارىء أنه ضحية وكلاهما من الكاذبين ولا ضحية سوى البلهاء عائشة والأنكى.. أن البطل السالب يريد مَن يشفيه من عائشة الضحية التي زنى بها وحملت منه، وتوفيت بسبب النزف !! وتشخيص الإبن لحالة الأب تنطبق على الإبن تماما (إنّه الانحياز الحقير إلى الذات،والذي لايعترف بقسوة الأنا تجاه الآخرين،بل لايجد فيها قسوة،لأن هذه الذات ترى نفسها بريئة،وعلى حق.لماذا هي على حق؟ لماذا ترى الأنا ذاتها بريئة؟ لأنها تريد أن تعيش، وهذه الإرادة تمنحها الحق في انتزاع فرصتها في العيش. وإذا حدث تناقض بين هذه الرغبة في انتزاع حق العيش وبين الآخر الذي ينافسها في هذا الحق، فإنها لا تتوانى عن سحقه إن تطلّب الأمر،غير أنهّا تلجأ في أثناء ذلك إلى رسم صورة لذاتها تتسم بالصفات غير المختلف عليها،كي تبرر قسوتها. الصفات التي يسمّونها إنسانية/ 194) وهكذا يفضح السارد العليم شخصية الإبن من خلال شخصية الأب وكلاهما يموهان الواقعي بالمسرحي، فالذات هي الذات نفسها وقد مسرحت/ مكيجت سلوكياتها بقناع التمظهر،الجلاد يمثل دور الضحية الدائمة، الإبن لايريد أن يكون خارج طوق سطوة الأب، لأن ذلك يعني مواجهة الحياة اليومية بلا قناع ..وما بين القوسين،هي أشكالية الإبن / البطل السالب في الرواية، هذا البطل الذي يمسخ الكائن بعيوبه هو (خطر لي أنّ الإنسانية المرتبطة في أذهاننا بالخير والفضيلة مفهوم لا وجود له إلاّ في اللغة فحسب/194) ثم ينقض/ يناقض قوله وهو يوصف قوة أحمد النابعة من علاقته الحبية مع زوجته/ 195 ثم يعلو لديه منسوب الغيرة من علاقة أحمد بزوجته، فيعلن (أريد عشقا كهذا يمنح وجودي أنا تحديدا معنى ما، أريد امرأة تغني،وتشبه الموسيقى....) هو يريد ولا يبحث بل يسأل :أين هي؟ وهو يغبط الناس على تناغمهم مع الحياة وهو يريد مثل ويكتفي بقول الإرادة وليس فعلها،أعني لم يفعّل إرادته الذاتية (أنا أيضا أريد حقيقة كهذه،أنا الذي أستند إلى الهواء. يغويني هذا الحلم: أن أشببهم،أن أغدو طبيعيا مثل سائر خلق الله الطبيعيين /168) كأن البطل يريد أن تسعى إليه الأشياء والرغبات التي يحلمها !!
والبطل لايرى نفسه إلاّ(غريقا ينتظر أحدا ما ليلقي إليه بحبل النجاة /167) وإذا أردنا مناقشته ستغيم حواف المناقشة فهو يتلاعب لغويا بنا هذا البطل السالب بشهادته(فالكلمات التي نقولها ليست تماما ما نريد قوله.والافعال التي نقترفها ليست تماما الأفعال التي نريد، والطريق الذي نسلكه ليس تماما الطريق الذي نريد... كل شيء يبدو شبيها بمانريد لكنه ليس هو.هل نحن نحن،أم نحن نشبهنا فحسب؟) في هذه التخريجات السفسوطائية شحنة عالية من الزئبق الرجراج !!
وهو يستفز الآخرين ليجعلهم يشعرون بالذنب إزاءه!! وهؤلاء الآخرون لادخل لهم بحياته، هو يمر بهم عرضيا ويردهم أن يشعر بذنبهم إزاءه؟! فهو يكذب على الصيدلي، حين يرفض شراء عبوة دواء، وسبب رفضه حسب تلفيقه(أخشى أن أضعف أمامها وأتناولها مرّة واحدة،فلدي ميول شديدة إلى الانتحار/ 238) والدافع وراء كذبته هذه هو كالتالي (...انتظرت أن يعبّر بطريقة ما عن إحساسه بالذّنب)!! لماذا يطالبهم بهذا الشعور؟ مادخلهم به؟ يبدو هذا البطل السالب شخصية استعراضية تثير التقزز لديّ كقارىء، وهو الرجل الذي أرتكب الزنى مع عائشة البلهاء،ثم أراد التخلص منها وبمعاونة عائلته، هذا اللامكترث بأحد يعتبر الجميع هم الذين يدفعون المنتحر إلى قتل نفسه !! البطل السالب يوجز لنا مهيمنة الرواية وهو يبئرها من خلاله (أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرء في هذه الحياة هو أن يكون شخصا مهتما بالثقافة، يعيش فقيرا ومعدما في مجتمع رجعي ينبذه/ 168)
لايمكن اعتبار البطل من المعدمين فهو معلم لديه راتب لكنه لايواظب على الدوام ومدمن على الخمر،ويسرف في شراء الكتب
(*)
يرى المفكر في الروائي دستويفسكي إننا نحن معشر البشر تمضي حياتنا منطفئة في (حيز مترب ضمن غرفة ضيقة) وأن هذا الحيز،يتحول قيدا يعيق خطواتنا وأحلامنا. والسؤال هنا أي نوع من البشر الذين يقصدهم دستويفسكي؟ من تكرار قراءتنا لدستويفسكي، نجده وهو يفكك الذات الإنسانية من خلال سردياته الكبرى، نراه يحثنا على تلمس جماليات الوجود والموجود فهو يناصر الإنسان بطريقة غير مباشرة، بل من خلال فيوضاته الإبداعية، ويطالب وعينا الفردي أن يتخلص من كل مقبوحات هذه الغرفة، التي أثلها لنا(المجموع الاجتماعي) وليس المجتمع، فالأول هو الذي يخرّب حياتنا بأواليات متراكبة وهو الذي يؤثل أنظمة كمفورميا مدّمرة للذات الإنسانية، أما المجتمع فهوبريء من كل هذا الهراء .
مع الكلمة الأولى،في السطر الأول، من الصفحة، يتطير القارىء من الوحدة السردية الصغرى(اللعنة تعرف طريقها إليّ) وهنا يتساءل القارىء : أي لعنة؟ وأي بئيس هذا المتكلم الذي يستقبلنا بهذا الظلام الخانق؟ ولماذا يداهم القارىء، بتقديم الفاعل على الفعل، وهكذا نكون أمام وجيز الوجيز في الرواية كلها : لعنة وملعون ..كأنها أمام نسخة ميتافيزيقة مطورة؟! وهكذا سنعرف أن البطل يبرىء نفسه من كل شيء وأنه ضحية معرفة اللعنة إلى طريقه وهكذا كانت اللعنة تتعقبه وقد اقتنصته الأن وهو في هذا الحيز المترب من الغرفة الضيقة التي يقصدها دستويفسكي...
في القراءة الثانية وما بعدها، سنرى أن غرفة الرجل الميت، توسق الفضاء الروائي كله، والرجل الميت سيتراسل مرآويا مع (راعي) الشخصية المحورية، والتي لايذكر اسمه إلاّ مرة واحدة، ونعرف اسمه منه هو (قلت للمرأة إن اسمي،، راعي،، /6)أعني بذلك أن لا أحد ناداه باسمه في أي صفحة من صفحات الرواية التي لم يتراجع أو يتغيّب عن المشهد السردي، فهو محفوف برعاية مميزة من قبل السارد العليم ومن سواه، أما فاعلية التسمية فهي ملغية في الرواية !! وهو لم يطلبها من أحد كما فعلت الشخصية المحورية في ديوان الشاعر العراقي بلند الحيدر (حوار عبر الأبعاد الثلاثة)*تعود قراءتي للصفحة الأولى/ الغرفة الأولى التي يدخلنا إليها السارد الضمني، وما أن تخبره جارته أن الغرفة التي استأجرها، كان يقيم فيها عجوز مكث فيها ميتا لعدة أيامها ولولا الرائحة الكريهة التي انبعثت منها بعد أيام من وفاته، لماعلم بأمر موته أحد، كلام الجارة ستكون له مؤثريته على الفضاء الروائي
نقلا ً عن السارد الضمني(اكتسحت كلماتها الفراغ، وهشمّت فيه آثار ضوء كان يتمدد على جدران البيوت،وفي الطريق، وفي الهواء، وعلى الأفكار،فعاد ذلك كلّه إلى استكانته – كما كان دوما مستكينا – في شحوب يأس ٍ أليف، يأس له رائحة ُ الموت والعفن )..في كلام الجارة شحنة شرسة تتجسد في فعليّ (اكتسحت ..الفراغ)(هشمت..) ثم يتحول الكلام الخاص إلى عام (بقي العالم غارقا في شحوبه،مثل وجه عجوز لم تفارقه ذكرى وحيدة من ذكريات الألم) ثم يتحول العام إلى ذاتي (مثل وجهي أنا).. كما نلاحظ أن السارد الضمني: لا يخاطب القارىء، بل يخاطبه من خلال مخاطبته لأمرأة غير محددة المعالم – ضمن قوس قراءتنا الأولى – ( وأنا أصغي إلى المرأة وعيناك ِ تحدّقان فيّ، وأنا أحدق في العدم/ 5) وهذا السارد الضمني يمتلك أوسع مساحة الكلام في الرواية،بل يكاد أن يكون لسان النص الروائي لوحده ..
(*)
لرواية(شمس بيضاء باردة) منافذ نقدية متنوعة، نوهنا عنها في الإشارات المرورية في الفضاء الروائي.. وهي تستحق أكثر من قراءة نقدية ..فالروائية تعود لموضوعتها في الرواية الأولى أعني العائلة وأشكاليات الذكورة فيها .. لكن ليس في العودة مايمكن ان نعتبره تكرارا، بل تجاوزا سرديا في تطور دؤوب..
*كفى الزعبي في روايتيها
(1) سقف من طين / منشورات اتحاد الكتّاب العرب/ 2000/ نسخة ب يدي أف
(2) شمس بيضاء باردة/ دار الآداب/ بيروت/ ط1/ 2018



#مقداد_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة مبتسمة ... في كتاب جواد هاشم (مذكرات وزير عراقي)
- عافية الرباب : ضوء أزرق .. الشاعرة بلقيس خالد (دقيقتان... دق ...
- قصيدة من ثلاث زوايا
- كيف أكتمل ُ وأنا ينقصني : وطن ؟
- 85 زهرة رمان
- القناع أكثر حرية من الوجه / الشاعر حسين عبد اللطيف في (أمير ...
- تشطير السرد..(رائحة القرفة) للروائية سمر يزبك
- يوم الشهيد الشيوعي العراقي
- تاجية البغدادي : لغة ٌ تحلم ُ بالتفاح
- شمس الما تريد أتغيب ما تصفر
- ديوان : أر باض
- تأجيل الغضب
- تضيء ولا تذوب شموع السطر القصصي جدا..في( شرفة بيتها السعيد) ...
- ديزي الأمير : المدى ومنتدى أديبات البصرة
- محمود أحمد السيد ..مِن خلال حسين الرحال
- الطائر.. ياصديقي / قصة قصيرة / للقاص والروائي محمد عبد حسن
- ديزي ميرزا الأمير : محاولة لمحو النسيان وصدى الأذى
- وقفة قراءة :(المشهد الثقافي في البصرة) للأستاذ عبد الحليم مه ...
- منقبة في مكتبة...
- المفتقد بين قوسين


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مقداد مسعود - غرفة دستويفسكي... الجهد السردي في روايتيّ(سقف من طين) و(شمس بيضاء باردة) للروائية كفى الزعبي