أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزى سدره - دقيقتان














المزيد.....

دقيقتان


فوزى سدره

الحوار المتمدن-العدد: 6199 - 2019 / 4 / 12 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


كان حليم يتمتم بعبارات في داخل سريرته .. وهو يودع زوجته الوداع غيرالمرتقب.. من العالم الفاني .. كان يردد "سبحان مُغير الأحوال ..ومُبدد خطط البشر". ربت صاحبه الذي كان يسير بجواره عل كتفه ..عندما رآه يكلم نفسه:
- يا حليم ..أنت راجل مؤمن وهذا ماكتبه الله علينا.
رد حليم:
- نَعَم ْ.. ونِعْمَ بالله .. لوعرف البشر ..ولكن لا أحد يريد أن يعرف .. ده مرض ليس له علاج .
قال صاحبه مستفسرًا في فضول :
- المرحومة كانت مريضة بالمرض إياه ؟
هز حليم رأسه وكأنه يقول نعم .. وردد في نفسه :
- مرض ليس له حل ..عندما لايكشف المرض عن نفسه. فهناك أمراض في النفس أشد ضراوة من أي مرض عضوي فتاك.

مر شريط الماضي ..واسترجع منه أربعين عامًا..عندما تقدم لخطبة زوجته.. لقد أقدم على الزواج ليس لأنه راغب فيه ..بل لأن من حوله من الأسرة والمجتمع أجبروا إرادته على ذلك .. فهو مجتمع يفرض بالعُرف على كل إنسان .. ما هو أقوى من القانون.
أرادوه أن يكمل دينه ..ومن يعصي العرف تكثر عليه الأقاويل والشائعات وتُلفق له الفضائح . سأل حليم نفسه وكان يسألها دائمًا في مسيرة حياته الزوجية : - ما الذي وجده في خطيبته "رضا" وأعجبه حتى قرر أن يتزوجها ؟
رشحوها له طبقًا للمعايير .. تحمل مؤهلًا عاليًا..وهذا دليل على العلم والفهم ورجاحة العقل ..وتعمل بمرتب لابأس به .. سوف تساهم في الالتزامات الزوجية.. وسوف يكون في بيتهم تليفزيون وتليفون .. عندما كانت هذه الأجهزة لاتوجد إلا في بيوت ميسوري الحال.
وأبوها موظف في وزارة المالية.. يحمل كل يوم الجريدة في يده ذهابًا وإيابًا من وإلى العمل ..والجريدة تمرعلى كل موظفي القسم .. حتي ترجع إلي قواعدها سالمة.
إنه يتذكر كل هذا الكلام الذي ملؤوا به أذنيه عند ترشيحها له .. والذي ختموه بكلام جميل عن الأخلاق والأدب .. أما الباقي فعلمه عند الله .. وكما يقول المثل الشعبي "الزواج بطيخة" وأنت وحظك.
مر الأسبوع الأول من الزواج .. ومع الأيام تكشف المستور .. ضغط .. سكر .. أزمات .. عدسات ملونة ..أدوية بدأت تظهر في أركان المنزل .. رضي حليم بالواقع وقال لنفسه :
- من منّا ليس به مرض في هذه الأيام؟
يريد حليم أن يعيش ..لاسيما وقد شرف المولود الأول .. وأعقبه الثاني والثالث .. وتغير بعدها كل شيء وتكشف كل شيء.
إن زوجته اسم على غير مسمى .. إنها كزوجة الصياد المتمردة في قصتها المعروفة .. لا تقنع بشيء ولا ترضى بشيء ..فهي مصابة بداء مريع؛ داء البخل .. حتى أنه كان يردد في نفسه : لو كان البخل امرأة فهي زوجته ..كان يُشبهها بقصة الرجل الذي طلب من الله أنه إذا لمست يداه أي شيء.. أصبح ذهبًا.
لم يكن البخل في الأموال فقط ..بل امتد لكل شيء ؛ في الطعام والملابس وحتى النظافة ..
فلم يعرف بيتهم ضيوفًا ولا زوارًا.. لأن مصاريف وتكلفة الضيافة تصيبها بصداع تعمل له حسابات وتجمع فيه الأرقام.
رضي حليم بكل هذا ..رضي أن تجمع زوجته المال بكل الطرق .. تعمل الجمعيات المتعارف عليها في المجتمعات المصرية..وشهادات استثمار وودائع .. حتى أصبحت عميلًا مشهورًا في كل البنوك ..تعصر مرتب زوجها لتحصل منه على النصيب المخصص للبنوك . .وكانت دائمًا ماتحثه على أن يبحث عن عمل إضافي؛ حتي يؤمن حياتها وحياة أولاده من بعده.
علي الرجل أن يؤمن حياة الأسرة من بعده؛ ليجدوا شيئًا يُذكرهمْ به.. لأن قاعدة الحياة أن الرجل يموت قبل المرأة.
كانت تُذكره دائمًا :
- شوف فلان مات وترك الشيء الفلاني لزوجته وولاده بيتمرغوا فيه ..وفلان مات . يا حسرة لم يترك غير الديون .. شوف مراته بتدعي عليه ليل نهار مايشوفش راحة في آخرته زي ما سابهم على الحديدة.
لقد جعلت الموت يلاحقه وكان هو يقول: زوجتي أرسلت ملاك الموت خلفي ليقبض علي في أية لحظة.
حتى تثبتت تمامًا في ذهن حليم قاعدة أن الرجل يموت قبل زوجته.
- عمرك شفت واحدة ماتت قبل جوزها ؟ إلا في حالات استثنائية !!
وقف حليم ينظر للواعظ الذي كان يرثي زوجته ويهمس وراءه في داخله:
- كانت زوجة فاضلة.
يردد حليم في داخله :-
- نعم كانت زوجة فاضلة.
الواعظ : - وأم فاضلة.
- نعم وأم فاضلة.
- لم تترك فرضًا من فروض الدين إلا مارسته
- نعم لم تترك طقسًا إلا مارسته.
- وكانت تُحسن إلى الفقراء.
- نعم وكانت كريمة مضيافة.
- وكل الناس تشهد بحكمتها وضيافتها للغرباء .
- نعم كل الناس وحتى أنا.
- وكانت تحب زوجها وتخاف على أمواله.
- نعم وقد تضخمت أموالي.
- إنها تستحق الفردوس.
- نعم تستحق .
وعندما انتهى الواعظ .. كاد حليم أن يصرخ ويقول :
- ارحم يارب ..سترك علينا .
أفاق حليم عند نهاية الشريط .. ووقف عند المرحلة الأخيرة في الدفن .. وتمتم في سره :
- مايراه الله غير ما يراه الناس .. الله يرحمك يازوجتي .. لقد كنت مظلومة مقهورة من نفسك.



#فوزى_سدره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلة في أرض الأحلام
- ورقة من مذكرات مهاجر
- الحنين للوطن
- قاتل بالصدفة
- حكاية زواج
- مهاجر على باب ناشفيل
- الواقعية السحرية في سردية أنا وكتبي وكلبي للمبدع فوزي سدره
- (12) عام جديد
- (11) أنا والأدباء
- (10) حكايتى مع الكتب
- (9) محكمة الضمير
- (8) أنا وكتبى
- (7) ميتشو صديق ميكو
- (6) لماذا الإيذاء
- (5) عودة ميكو وفضائحه
- (4) الإحساس الضائع
- (3) هل للإنسان أن يختار طريقه
- بالقراءة تُقاس حضارة الشعوب
- البحث عن الوفاء


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزى سدره - دقيقتان