أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة عرابي - المكتبةُ وطنُهُ.. والكتُبُ أصدقاؤه















المزيد.....

المكتبةُ وطنُهُ.. والكتُبُ أصدقاؤه


أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 6196 - 2019 / 4 / 9 - 13:47
المحور: الادب والفن
    


المكتبةُ وطنُه. .والكتُبُ أصدقاؤه
أسامة عرابي
يُمثّل الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام القاهرية..متعدِّد المواهب خالد السرجاني (1960_2014) ظاهرة فريدة في الثقافة العربية، لا المصرية فحسب؛ بفضل نقائه الباهر، واستقامته الفكرية والسياسية، ووضوح رؤيته النظرية، وانتصاره للجوهر العقلاني والديالكتيكي في سيرورات الحياة المتجددة، والممارسة التاريخية الحية، وهو ما بدا لنا جليًّا في مواقفه العامة تجاه قضايا الوطن المصيرية، ومشاركته في ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011؛ لإرساء آليات جديدة للبناء الديمقراطي، والحيوية الاقتصادية الكفيلة بانتشال البلاد من وهدة الركود الاجتماعي، ونشوء مجتمع مبدع ماديًّا وثقافيًّا يضمُّ منتجين أحرارًا..أوما لمسناه من دعواته إلى ترسيخ حرية صاحبة الجلالة – الصحافة - وحيوية تحريرها من ربقة الوصاية الأمنية والسياسية التي تكبِّل خطواتها، وتشلُّ فاعليتها، وتنقية قانونها من المواد السالبة للحرية، مشدِّدًا على أهمية التعدُّد والتنوع داخلها؛ لتغدو منبرًا ديمقراطيًّا يؤكِّد حرية التعبير، واستقلالية الكاتب. وبوسع مَنْ كان يُتابع صفحتيْه اللتيْن كان يُشرف عليهما في جريدتي"المصري اليوم" و"الأهرام" من بعدُ، ويُواكب من خلالهما شئون الصِّحافة المصرية وشجونها، أنْ يُدركَ مدى إيمانه الراسخ بحق الأفراد في اعتناق ما يروْنه من أفكار دون تدخُّل من أحد، وممارسة الحقِّ في حرية التعبير، وفي القلب منها، حرية البحث عن المعلومات، ونقلها بأي طريقة كانت دون التقيُّدِ بالحدود الجغرافية، كما نصَّت على ذلك المادة 19 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، والمادة 19 أيضًا من "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية". لذا ظلَّ أنموذجًا مُلهِمًا لشباب الصحفيين؛ نظرًا إلى تكوينه الفكري والسياسي المؤصَّل، وثقافته العريضة ، وإتقانه لغة الحياة والعصر والمستقبل، التي هي لغة الخلق والتحوُّل. وعلى هذا النحو، مضت كتاباتُه في جريدة "الجمهورية" التي عمل بها في مبتدأ حياته الصحفية، ثمَّ في صفحة "الحوار القومي" و"الصفحة الثقافية" بجريدة الأهرام، وفي جريدة "التحرير"، ومن قبلُ في جريدة "الدستور" في طبعتها الأولى؛ عندما رأس "قسم الأخبار" بها عام 2005. ولعل مَنْ قرأ أو اطلع على كراسته التي كتبها عن الجزائر والصراع الدموي الذي طبع عام 1988 علاقة"جبهة الإنقاذ الإسلامية" بقيادة عباسي مدني وعلي بلحاج مع"نظام جبهة التحرير الوطنية الحاكمة"، ثم ما نشأ إبَّان الحرب الأهلية الجزائرية من معاركَ طاحنةٍ طالتِ الجميعَ مجتمعًا ومؤسساتٍ، وانقسام الحركة الإسلامية الجزائرية بين "جيش الإنقاذ الإسلامي" و"الجماعة الإسلامية المسلَّحة"، يدرك عمق الرؤية التي وسمت تحليل "خالد السرجاني" لطبيعة هذا الصراع، وأن الحركات الإسلامية لم تكن تجسيدًا لقيم المجتمع العربي المنشود، بقدر ما كانت تعبيرًا عن خطاب سياسي يُؤسِّس لنظام استبدادي، يستمدُّ شرعيته من المُقدَّس الإلهي/ العجائبي. وبذلك آمن خالد السرجاني طَوال حياته بأن الثقافة موقف ورسالة، وأن بمقدورِها مؤازرة الولاءات المشتركة لدعم المؤسسات الديمقراطية على المستوى القومي، وبناء هُوية سياسية عامة تربط بين بني وطنه. وبذلك نتحرَّر من المواضعات الجائرة التي تؤدي إلى الصراع التناحري بين المصالح المتعارضة؛ ليُمسي التطوُّرُ الحرُّ للفردِ شرطًا شارطًا للتطوُّرِ الحرِّ للمجموع، عبر عمليةٍ ديناميكيةٍ تنهضُ على تجذير مطالب جماهيرِنا الشعبية. من هنا؛ تغدو الحقيقة إما نتاجًا لخلقِ الفردِ لذاتِه في تشابهٍ مع الفنِّ، وإما قول الحقيقة بوصفِها فضيلة اجتماعية على نحو ما يذهب ميشيل فوكو. فالحقيقة- كما يؤمن خالد السرجاني- ليست مجموعة من المعارف النظرية، ولكن طريقة حياة..ليست إبستمولوجيا، بل أخلاق. لذلك كان يتمثّل دومًا كلمة جوستاف فلوبير التي وجَّهها إلى الآنسة "شانتيبي" في يونية 1857، وصدَّر بها آلبرتو مانجويل كتابَه المهمَّ "تاريخ القراءة" : "اقرئي كي تحْيَيْ". الأمر الذي دفعه إلى تكوين مكتبة نادرة رَبَتْ من دون مغالاة ولا تزيُّدٍ على ثمانية آلاف كتاب، تحوي كل طارفٍ وتالدٍ في الثقافة العالمية، من كتبٍ ودورياتٍ لا تقفُ عند حقلٍ معرفيٍّ بعينِه، بل تضمُّ أمشاجًا مُنتخَبَة من العلوم الإنسانية والتيارات الأدبية والاتجاهات الفنية؛ وكأني به أحد ورَّاقي الحكم الأندلسي الذي كان يبعثُ بهم إلى بلاد الله، ليجمعوا له "غرائب التواليف" كما قال المؤرخون. كما ضمَّتْ مكتبتُه أيضًا ثروة هائلة من الأفلام السينمائية والأسطوانات الموسيقية العالمية. لا تراه في أي مكان إلا متأبطًا كتبَه، أو متحدِّثًا عن كتبٍ جديدةٍ صدرتْ؛ اقتناها أو سمع أو قرأ عنها، حريصًا على شراء الملحقات الإنجليزية والفرنسية التي تُواكبُ الكتبَ تعليقًا أو إعلانًا، صديقًا صدوقًا لأصحابِ المكتباتِ وبائعي الصحف الذين يزوِّدونه بكل ما تجودُ به المطابعُ، حتى إذا عزَّ على امرئ الحصول على كتابٍ ما، استعان به وبمعارفِه فلا يتأخَّر ولا يتأفَّف، بل يسعدُ ويغتبط. لذا كان خالد السرجاني يستدعي دومًا إلى ذهنه شخصية الكاتب الأرجنتيني العالمي"خورخي لويس بورخس" الذي كان مهووسًا بالقراءة والكتب، فيقرأ أنَّى كان؛ على سطح مكتبة "ميجيل كاني" عندما كان يعملُ فيها، أو في الترام، أو في المقهى؛ حتى أصيب بالعمى، أو كان ذلك من أسباب إصابته بالعمى.. والذي تأسَّى بابن عربي في النظر إلى العالم بوصفِه كتابًا كبيرًا، وعَدَّ الفردوس كأبي العلاء المعري مكتبة هائلة. ومن ثمَّ؛ أضحتِ المكتبة بالنسبة إلى خالد السرجاني وطنًا للحداثة والتنوير، وللتسامح والعدالة، وأمستِ الكتبُ أصدقاءه النبلاء الذين يفزعُ إليهم كلما كان الاستماعُ إليه أحبَّ من الكلام، أو كانت به حاجة إلى التفكير بصوت عالٍ. الأمرُ الذي جعل المكتبة - ذاكرة الإنسانية - تشغلُ لديه حيزًا كبيرًا من الأهمية، ودفعته إلى تأمُّل العلاقة بين الزمن والذاكرة، بعد أن أدركَ أنه إذا لم تكن لك مكتبة، فلن يكون لك مشروعٌ ولاحقيقة. ومن ثمَّ؛ قاده ذلك إلى ضرورة العملِ على أن نُعيدَ الاعتبار لاستقلالية الثقافة، وللمعرفة المستقلّة التي تُرهصُ بما هو قادمٌ وتبشِّرُ به، بمنأى عن مشروعات رجال الأعمال الذين يعملون على محو الذاكرة الوطنية، وطمس الهُوية. وقد عشق خالد السرجاني الفن،ولاسيما السينما، التي رأى فيها الحياة وما يثير الاهتمام، وعلى نحوٍ يعكسُ فهمًا جدليًّا لعنصر الزمن في حياة العمل الفني؛ فلا يؤخذُ الزمن في ارتداده أو امتداده بحيث يذكِّر بالواقع ويُكرِّره، بل يؤخذُ في فعاليته التاريخية بحيث يتكشَّفُ الدورُ التغييريُّ الذي يحمله العملُ الفنيُّ في التأثير على الواقع. فالعلمُ ليس حياديًّا، والسينما كذلك، كما قال جودار، مضيفًا : ويمكنُ للسينما، باستخدامِها بطريقةٍ علميةٍ، أنْ تكونَ سلاحًا. لذلك انحاز خالد السرجاني في متابعاتِه النقديةِ للفنِّ السابعِ، ( وكان قُبيلَ وفاتِه قدِ اختير رئيسًا للمركزِ الصحفيِّ لمهرجانِ القاهرةِ السينمائيِّ في دورتِه الـ 36، التي عُقدت في الفترة من 9 إلى 18 نوفمبر 2014، لكنَّ المنيَّة عاجلته؛ فحرمتنا من عطائه السخيِّ)، انحاز إلى سينما ترفضُ الاستكانة لواقعٍ سلبيّ، وتنقلُ صورة ميكانيكية للواقع، ودافعَ عن سينما مستقلَّةٍ عن الواقع، ولكنها ليست بعيدة عنه، ولا مزيِّفة له في الآنِ عينِه، بل تظلُّ حريصة على صياغة أسسِها الجمالية، وتطوير لغة تعبيرِها السينمائيّ؛ لتلعبَ دورَها المنوط بها في تحريك الوعي لدى المتفرج، وإشعاره بإسهامِه في حلِّ القضية المعروضة. وقدَّم لنا من خلال مقالاتِه هذه، تحليلًا ممنهجًا وموثّقًا لتوجُّهاتِ السينما المِصرية، وما تمورُ به من تياراتٍ وتباينات، وما لحق بها من أزماتٍ أدَّت إلى تعثُّرِها ونكوصِها؛ بسببٍ من الرقابة المتعسفة وصعوبة التمويل وظروف الإنتاج المتردية والحدِّ من حرية التعبير، والشروط القاسية التي يحياها الفنانُ الخارجُ عن المؤسسة الرسمية، والرافضُ لأيِّ مساوماتٍ تضطرُّه إلى الإقدام على ما لا يُريده، مستشهدًا بتجرِبة فنانِنا العالميِّ"شادي عبد السلام" في السياقِ المِصري، وما حدث له من معاناةٍ مع الرقابة ومع رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج السينمائي خير دليل؛ حيث لا يُمكنُ فصلُ الإنتاجِ السينمائيِّ عن مجمل البنية السياسية والاجتماعية القائمة. وبذلك تُضاف كتاباتُ خالد السرجاني إلى كوكبة الدراسات الجادة والمسئولة، التي تنطلقُ من رؤيةٍ علميةٍ محدَّدةٍ، بموقفِها من العالم، وتحمُّسِها للفنِّ الطليعيِّ الذي تُحرِّكُه المغامرة والتجريبُ والبحثُ عن الجديد الذي يُضيف معنًى إلى واقعنا.
أجل..رحل خالد السرجاني قبل الأوان..وخسرنا بفقده إنسانًا نبيلًا ومُفكِّرًا تشي كتاباتُه دومًا باهتماماتِه المتعدِّدة، وبأصالةِ توجُّهِه الوطني، وإفادته من حقولٍ معرفيةٍ شتى.لعل الحياة ضنَّت به علينا؛ لتضمَّه مع الصديقين وشهداء المعرفة والموقف.



#أسامة_عرابي (هاشتاغ)       Osama_Shehata_Orabi_Mahmoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أيام الإمام / البشارة-، أو قلقُ الذّات في مرآةِ التَّاريخِ
- -زمن العشق والجنون-.. أو استعارة القوَّة التَّشكيلية للحياة
- عشتُ مرتيْن..حُريَّة مُتجدِّدة للعقلِ والرُّوحِ والتَّاريخِ
- المؤرِّخ عُبادة كحيلة.. عاش أندلسَ الماضي والحاضرِ بين موسى ...
- محمد سعيد العشماوي... وتحديثُ العقلِ الإسلاميِّ
- جلال أمين في -محنة الدُّنيا والدين في مصر- ازدواجيةُ الطَّبق ...
- في عيد ميلاده الثامن والستين.. محمود درويش.. ربيع التجدُّدِ ...
- الغزالة..خصوصية التجربة، وفرادة طريقها في تذوق الحقائق
- الصقر الفلسطيني -أول أوبرا عربية- لمهدي الحسيني
- في الذكرى التَّاسعة لأستاذ الفلسفة المرموق د.فؤاد زكريا
- حبل الوريد.. ولانهائية المرويّ
- الشَّمندر.. رواية المتعدِّد الإنساني، والمساءلة النَّقدية لح ...
- جدل الحكاية والمكان
- على هامش الرحلة، وإصلاح الجامعة المصرية
- بطل من زماننا
- الكتابة الإفريقية بالخط العربي-عجمي-، ونمو الهوية الثقافية ا ...
- مذكرات الغرفة 8 مع أمل دنقل.. وفروسية أمل دنقل شاعرًا وإنسان ...
- دور التمثُّلات الثقافية والتشكيلات الاجتماعية في التمييز الج ...
- ثقافة الحوار..وحوار الفنون
- مسرح الجُرن..والتنمية الثقافية المنشودة


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة عرابي - المكتبةُ وطنُهُ.. والكتُبُ أصدقاؤه