أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - ورشة نقد تناقش “قصة عشق كنعانية” للروائي صبحي فحماوي















المزيد.....


ورشة نقد تناقش “قصة عشق كنعانية” للروائي صبحي فحماوي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6196 - 2019 / 4 / 9 - 01:54
المحور: الادب والفن
    


ورشة نقد تناقش “قصة عشق كنعانية” للروائي صبحي فحماوي
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في “دار الفاروق” في نابلس تمت أول أمس مناقشة رواية “قصة عشق كنعانية” للروائي “صبحي فحماوي”، وقد افتتح الجلسة الروائي “محمد عبد الله البيتاوي” قائلا:
نتناول في جلستنا اليوم رواية لروائي فلسطيني يعيش بعيدا عن وطنه, روائي سبق وان كتب أكثر من عشر روايات مؤثرة, إنه الروائي”صبحي فحماوي”، وتأتي رواية “قصة عشق كنعانية” حسب وجهة نظري في قمة قائمته الروائية، إذ يغوص الكاتب في التراث والتاريخ والأساطير وقصص الحب الكنعانية، والملفت في الرواية وجود هذا الكم من النصوص التي تنثال من عالم الأساطير والملاحم، وهذا يكشف الستار عن الوجود الحضاري والثقافي على أرض كنعان، أرض فلسطين.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الشاعر “جميل دويكات” قائلا:
في البدء أقول إن مثل هذه الرواية ترفع مكانة الرواية العربية عامة والفلسطينية خاصة، لما فيها من ملاحم وأساطير، فنجد أنفسنا أمام ما انتجه اسلافنا بشكل روائي حداثي معاصر، فالقارئ يندفع إلى التعرف أكثر على عالم الأدب الكنعاني بعد أن يقرأ هذه الرواية، والجمال الابداعي فيها يكمن من خلال المزج بين الاسطورة والأدب الروائي وهذا ما يبهر القارئ، والجمع بين ما حدث في فلسطين قديما وما يحدث الآن، وفيها نجد اللغة واضحة وسلسة وسهلة وتتماثل مع اللغة الأسطورية، حيث يقول مخاطبا الإلهة الكنعانية عناة..ربة الطهر والزواج المقدس، التي تتبدى له من بين الأساطير الكنعانية، في صفحة 8 من سرديته، فيجعلنا نتوه خالطين الواقع بالأسطورة:
“أيها الطيف الجميل! أنت! من أنت؟ من تكونين يا شعاع جمال أخاذ، يطل من أغصان الغابة الإلهية؟ قولي، كلميني! بالله عليك أن تكلميني! ولو كلمة واحدة! ولو حرفاً! أريد منك ولو همسة، تشعرني أنني في عِلمٍ، ولست في حلم! يكاد الخيال أن يقتلني يا امرأة.. أعيش كل عمري خيالاً، خيالي حقيقة، وحقيقتي خيال. خيالك يتجسد أمامي حقيقة، وحقيقتك أمامي مجرد خيال.. قولي.. ناشدتك بالله أن تقولي!”
وهناك مجموعة من الصور الأدبية التي ترتقي بالرواية فتمنحها جمالية اضافية، وإذا ما دخلنا إلى أحداث الرواية، يمكننا القول اننا امام عالم روائي فسيح واسع، حتى أنني وجدت فيها أكثر من رواية.
ثم تحدث الاستاذ سامي مروح فقال:
نحن أمام عمل ابداعي بالتأكيد، واعتقد انه العمل الروائي الأول الذي نناقشه بهذا الكم من الاساطير، فهو يأتي حفيداً لنهج روايات جورجي زيدان التاريخية، متطوراً بكونه يستخدم الأسطورة القديمة ويمزجها بالحاضر في الوقت ذاته ، إذ تقول عناة في صفحة 8 من الرواية:
” نعم أنا عناة ، ابنة الإله إل، وابنة الإلهة عشيرة، وأخت الرب بعل.. أنا.. لا أعرف من أنا! أنا تائهة بين عناة الماضي، وعنة الحاضر، وعناء المستقبل…”
وهذه المعرفة التي تمزج الواقع بالأسطورة أعطت استمرارية للأحداث وحيوية للشخصيات، وبقاء للمكان، واعتقد أنه بهذه المعطيات تكمن اهمية الرواية..
ومن أهم ميزات هذه الرواية، هو جود الكنعاني على هذه الأرض، واستمرارية تواجده وتفاعله وانتاجه للأدب والاساطير على مدار أكثر من خمسة الآلف عام، وإذا ما توقفنا فقط عند عدد الأساطير الحاضرة في الرواية، يمكننا القول أن فحماوي يمتلك معرفة هائلة في الأساطير وقد استطاع صياغتها بهذا الشكل الجميل وتقديمها لنا بشكل رواية، وهنا يكمن ابداع الكاتب، في الجمع بين الأسطورة والمعاصرة..
وإذا ما اخذنا الجوانب الأخلاقية في الرواية.. مثلاً؛ (عدم زواج دانيل من أخته ايزابيل) يمكننا استنتاج رقي الجانب الديني والقانوني والأخلاقي في المجتمع الكنعاني، واعتقد ان بحث دانيال عن حلفاء وتجواله على اكثر من منطقة جغرافية في الممالك الكنعانية إذ كانت كل مدينة مملكة، تضم حولها سبع قرى..وكل قرية مملكة تضم في أبعادها سبع خرائب، مفردها خربة.. وهذا التضامن يشير إلى انفتاح الكنعاني على الممالك الكنعانية الأخرى.
ثم تحدث الناقد “محمد شحادة” فقال:
يتضح من أحداث هذه الرواية أن الكاتب على اطلاع واسع، شمولي ودقيق بآثار فلسطين وتراثها، فإن ذكر المواقع باسمائها القديمة الغارقة في القدم، والغوص في تفاصيل دقيقة، مثل “بيسان… بيت سان…بيت الإله سان ” لدلالة على علمه واحاطته بالجغرافيا والأساطير والملاحم والأحداث التاريخية.
ويأتي كهف النطوف، الواسع الذي يعتقد أنه أول ما سُكن على وجه الأرض من قبل الكنعانيين الذين تطوروا باستخدامه منذ عصر الإنسان الأول إلى العصر النطوفي..حيث أن الإنسان الذي كان يعيش على الصيد، صار يعيش في مغارة، ويربي ماشية، ويجمع الماء في بئر يسمى بئر النطوف.. وبئر النطوف الموجود في كثير من البقاع الفلسطينية حتى اليوم، يؤكد على ذلك، فالكهف والذي يقابه عصر (الفايكنغ) الأوروبي الشمالي، المتطور إلى العصور الوسطى والتي جاء الكنعانيون فعلموا أهلها البنية التحتية للحضارة، ولا وقت لتفصيل هذه المعطيات.. والسارد ذكر واد النطوف كما هو، فبدا وكأنه عالم آثار حقيقي، إذ تقول عناة :
” فنحن الكنعانيين ، ما زلنا نعيش حياتنا في كل الساحل والمرتفعات والوديان، وداخل كهوف النطّوف، وتحت الأرض.. لقد تراجعنا إلى المغارات.. هدم الأعداء البيوت على ساكنيها، فحمتنا مغارات النطّوف ، وجعلتنا نبقى ونستمر..”
وهنا يدخلنا الكاتب في الصراع القائم بيننا وبين الاحتلال على المكان، فهم حولوا وغيروا واد النطّوف إلى مستوطنة (كريات نطافيم)، وكلمة كريات كانت هي كَرْيَتْ، أو قرية..بلهجة أهل شمال فلسطين…كما كان يرسم ناجي العلي: (أنا أبو كاسم من كريت كلكيلية) وهو ينطق (القاف كافاً) فيكون أبو قاسم من قرية قلقيلية…كل هذا يعطي الرواية أهمية في تأكيد الوجود والتفاعل الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.
ونجد في الرواية أسماء الآلهة الكنعانية والشخصيات التاريخية والاسطورية وهذا ما يجعل القارئ يعيش الأحداث وكأنه في العالم القديم…
وهكذا ندرك أن رواية “قصة عشق كنعانية” أعادتنا إلى أجداد مضوا ولم يبق من تاريخهم إلا مغارات نطوفية، وتماثيل وهياكل كلها شواهد على أن هؤلاء مروا من هنا، واقاموا هنا، وأقاموا حضارة وتراث فني وأدبي وزراعي وصناعي وتجاري، وتركوا جذوراً لا يمكن لأي قوة أن تمحوها، وما يحسب لصبحي فحماوي في هذا العمل الأدبي أنه يمزج القديم بالحديث، ويجمع بين الأحداث، فيمزج حدثا غارقا في القدم مع حدث في زمن آت وما بينهما، وهذا ما يجعل القارئ يتوقف متفكرا فيما جرى في غابر الزمان وما يجري الآن. أما في اللغة فهي لغة سليمة التعبيرات والتراكيب، سهلة المفردات متنوعة المعاني، واضحة الترابط فيما بينها من عبارات.
ثم تحدث الشاعر عمار خليل فقال:
“قصة عشق كنعانية” لصبحي فحماوي تربط الماضي، بالحاضر، بالمستقبل.. وهنا تكمنُ الروعةُ في هذه الروايةِ ، ليس في شكلها وحَسْب ولا مضمونها ولا انسيابية سرديتها فقط، بل في القدرة الذهنية للكاتب على أنْ يجعلْ هذا الكمَ الهائلَ من الأساطير والملاحم في خدمة الزمن بكل أوقاته ماضيا/ حاضرا/ مستقبلا، فالكاتبُ بقي في مرحلة الوعي الكامل، وظل مستدعياً الزمان والمكان بكل تفاصيلِهما الممكنة واللامكنة . إذ يسرد في صفحة 11 على لسان الإلهة عناة:
” لدى متابعتي خطواتك يا عمر، وثقت من جديّة بحثك، وصدق معاناتك، التي صارت توأم معاناتي ، فقررت أن أقدم لك دليلاً واحداً على كينونتنا المجيدة.” فيقول لها:
أن تظهري عليّ أنا، وليس على أحد غيري، هذا كرم منك يا مولاتي، وتقدير قد لا أستحقه! يا إلهي، هل أنا حقاً في حضرة الخاطبة المنتصرة السعيدة، مصدر الخير والعناية، الرحيمة عناة؟ لو اقتربتِ مني يا سيدتي، لتمنيت أن أضعك في قلبي، وأقدم روحي رخيصة على مذبحك.. تماماً كما يقدم أطفالنا المقاومون للاحتلال اليوم أرواحهم رخيصة للوطن! ولكن ماذا ستقدمين لي؟ خذيني معك إلى النور، إلى الخصب الذي قرأت عنه، إلى الماء الطاهر النقي، غير الملوث بحضارة الديمقراطية القاتلة التي نعيشها اليوم!” فتقول عناة ربة الطهر الكنعانية:
” سأقدم لك يا عمر مخطوطات كنتُ قد دفنتها تحت الصخر، مثبتة تحت هذا الضريح الأيمن، داخل عتمة المغارة. اقرأها، فستعرف كل شيء.”
ترى كيف استطاع الكاتب إقناعنا وإدخالنا في عوالم هذه الرواية ، حتى كدنا أن نصدق وجود عمر بيننا، وأن نرى عناة الطاهرة تمشي مع الأيائل في مساحات الربيع ومع الغمام الأبيض .
لم تكن الرواية من أجل التاريخ وحسب بل من أجل إنشاء ذلك العمق الممتد في ملايين الأعمار لأناس هم آباؤنا الأوائل وجذورنا الخمائل ، فنجد أننا “نحن هنا من قبل أن تكونَ هُنا” . في هذه الرواية والتي هي حبلى بالشبق الدلالي والمعنوي، أحتار كيف يمكنني أن أمرَ بكل طرقها الكنعانية المطرزة، والمعبدة بأساطير وملاحم يجهلها مجمل الكنعانيين الجدد، ولعل هذه الحالة ناتجة عن غياب الوعي التاريخي والحضاري لدى الإنسان الفلسطيني العربي ، فهي حالة وعيٍ وانسلاخ وجداني وشعوري عن تاريخنا العميق والمعتق بنبيذ الخليل وآفاق بيسان، ومعابد وطرقات أورسالم، وحصون شكيم …وهذا المضمون ربما أراده الكاتب من الصراع الكامن بين الخير والشر ، بين الحياة والموت بين (بعل وموت).
وفي قراءتي هذه لن أتطرق إلى روعة التفاصيل الأسطورية الكنعانية التي رسمها فحماوي، على الرغم من أهميتها ، ولن أتطرق إلى ذلك الحب العذري المنصهر في الذات الشفيفة الطاهرة بين دانيال وإيزابيل من جهة، وبين دانيال والأميرة فرح ابنة الملك سالم، ملك أورسالم، من جهة أخرى..ولن أتطرق إلى الأسماء بكل مفرداتها الأسطورية وتناصها مع الأسماء الحديثة ، ولكنني سأذكر سطوراً من الحديث الذي دار بين الأمير دايال والأميرة فرح، الأنثى التي امتلكت كثيرا من نواصي الأحداث ..
“فقام دانيال معها، ولكن الأميرة طلبت منه الجلوس، مستبقية إياه وهي تتفوّه بشفتين خمريتين مكتنزتين، تتفتحان عن أسنان ناصعة البياض متساوية في اصطفافها الدقيق كاللؤلؤ البراق قائلة :
” وماذا قال الحكواتي أيضاً ؟” فقال لها وقد شعر أنهما قد بقيا وحدهما على أضواء شموع زيت الزيتون : قال الحكواتي:
كان الربيع أخضر ندياً مزركشاً بالألوان، وأزهار الحنون الحمراء تصبغ خديّ الأميرة الهيفاء، والأميرة تسير بين أزهار اللوز البيضاء، وحيدة بلا رفيق، تائهة لا تعرف الطريق، وكان الضباب يداهم الحقول، ويغلف الأميرة الصغيرة، ويأخذها بالأحضان، ويطير بها من مكان إلى مكان، يلفها، يعصرها، ينثرها ندى على أوراقه الخضراء، فتنتشي بشمها الظباء.”
انتشت الأميرة بكلامه الجميل، وهي تهز رأسها فتتأرجح لآلئ أذنيها الصغيرتين، المعلقتين بطرفيهما المنثنيين بنعومة فائقة، وقد شعرت أن طبيعته القوية في الدفاع عن مصير بعل تحميها، وأن مرحه وهدوءه في نفس الوقت، يؤثران في نفسها ويسعدانها، فازدادت ارتباطاً به لدرجة لا يسهل معها تركه يغادر إلى بلاد، قد يجد فيها من تختطفه منها، واستسلمت لشخصه الجميل، دون انضباط في كبح جماح عواطفها قائلة: “ما هذا الكلام الساحر يا دانيالي؟ لم أكن أتخيلك بهذا الشعور المرهف! لقد أصاب سهمك إحياءً وليس مقتلاً لقلبي! من أين أتيت لتشغلني بك، وإلى أين أنت ذاهب لتنشغل عني؟” فقال لها: لا يملك عاقل أن ينشغل عن أميرة ساحرة الجمال، رزينة العقل، تتقن التصرف في المكان، خاصة إذا كان قلبه خالي الوفاض مثلي. فقالت بصوتها الناعم المنساب كرائحة الياسمين:
” أهو خالي الوفاض؟” فأجابها بلهفة ساخنة:
– بل هو خاو على عروشه، مكتئب حزين. فهمست بِرِقّة:
” ولكنك لم تذكر لي أين كان الوسيم مختبئاً عندما تاهت الجميلة في حقول اللوز والحنّون؟” فقال محزوناً:
كان فارس الأحلام يمتطي حصانه الأبيض، يطير به مع الضباب ، يطارد الخيّالُ خيالها، يبحث عنها بين الجبال والوديان، ولم يكن يعرف أنها غافية بين أزهار الربيع، وعندما التقاها، تماهى معها.غفا الإثنان تحت أزهار شجرة لوز….”
وحديث الحب هذا سيطول.. ولكنني سأمسك بذاك الحبل الرفيع المتين الذي أوثقَ به الكاتب مجمل نصوصه ، تلك الروح الحية في كل تفاصيل هذه الرواية الأسطورية ، تفاصيل شعرت أنها ابنة اللحظة، وابنة المكان، وابنة الواقع الذي نعيش. هنا نغرق في الرمزية الحقة ، نعم تختلف الأسماء ولكنها بذات الصفات والأفعال ، واختلفت العقائد ولكنها بذات التأويل وإنشاء المصالح والرغبات ، واختلف الأرباب ولكنهم ما زالوا في أتون ذلك الصراع الممتد من قابيل إلى آلاف بل ملايين القرابين على مذبحة الظلم والضياع.
نعم اختلف التفكير فنادراً ما نجد من يقول أنه يعتمد في زراعته للقمح والشعير وغيرها على ال ( بعل) رب المطر أو( بعل ) رب الخصب والنماء، أو( يم، الإلهة الأم) ربة الماء إلى آخر تلك المعتقدات القديمة ، بل أصبح لكل منا رباً على هواه ، مختبئاً بداخله ، يستحضره حيث شاء ويستره حيث شاء . وبقي الصراع إذ يقتات الكبير على الصغير فهل لنا سبيل للنجاة .
وهنا في نهاية هذه الكلمات أعود إلى أول كلمات الروائي صبحي فحماوي، لألخص ما أراده من شخصية “عنات”، ربة الطهر والزواج المقدس، وما أريد من قول عناة..
“أنا.. لا أعرف من أنا! أنا تائهة بين عناة الماضي، وعنة الحاضر، وعناء المستقبل”

وتحدث الأستاذ “سمير عودة”فقال:

هذه الرواية تأخذنا إلى أحداث تاريخية ماضية، وفي نفس الوقت تجعلنا نتوقف ونفكر فيما يجري الآن في فلسطين، وكأن الكاتب من خلال وصفه وحديثه عن أرض كنعانية يقول لنا هذه هي فلسطين الجميلة، هذه المرأة الفلسطينية الجميلة، فنجد الطبيعة الفلسطينية، الغزال الفلسطيني (الحيوان الوطني) الذي سرقه الاحتلال وجعله رمزا للبريد الإسرائيلي.
الرسالة التي تحملها الرواية تتمثل في الانتماء بقوة إلى الجغرافيا والتراث الثقافي والحضاري الكنعاني، والرسالة الثانية تتمثل في وحدة أرض كنعان، فعندما ذهب دانيال لطلب المساعدة من ملك اوغاريت كان الراوي يؤكد على وحدة المكان ووحدة الأرض والشعب في مواجهة الغزاة، والجمالية الفنية في الرواية تمكن في “عمر” عالم الآثار الذي يعيدنا إلى الحاضر في كل فصل من فصول الرواية. إذ يقول :
” يقف الملك الكبير وهو ينهي حديثه مع الأمير دانيال:” نحن لا نسعى لطلب شخصي بقدر ما نطلب مغنماً حضارياً للوطن العربي الكبير.” ص 174
وتحدثت الروائية “خلود نزال” فقالت: نحن أمام رواية تاريخية تصور عالماً من العشق والخصب الكنعاني الذي يمثله (بعل)، والمحبة الطاهرة التي تمثلها (عناة)، والكراهية التي ينفذها (موت)، والزراعة والصناعة والتجارة. تحدث الكاتب عن المدن الفلسطينية ايام الكنعانيين فذكر الخليل وأورسالم واريحا ووصف الحضارات والتقدم والمدنية فيها من صناعة الانسجة ودباغة الجلود وغيرها. كما ذكر قصة العملة المعدنية الشاقل والذي تختلف تسميته حسب اللهجات الشمالية والجنوبية، من “الشاقل…الشاكل..الشيكل..”وكيف ان تسميته جاءت من دمج كلمتين (شاق ، ال) الاله ال الذي لا يمنحك اياه الا بالمشقة.
حاول الكاتب توظيف الرواية في جعل التاريخ شاهداً على حضارات عظمى، من تاريخ منطقتنا العربية في مراحلها التاريخية المختلفة عبر مزبج من التاريخي والأسطوري وكيف أنه في الاتحاد والتكامل بين المجتمعات العربية تنشأ حضارة راقية. لكننا أحيانا نشعر بوجود مشكلة في الناحية الفنية للرواية إذ نسمع مثلاً في عالم غابر سحيق مضـى تعابير ومصطلحات مـن أيامنا هـذه، أو ما قبلها بقليل ويلاحظ أيضا أن السرد كان يصبح مسرحيا في بعض الاحيان فنجد اننا امام راوٍ يهيء لنا المشهد المسرحي واصفا المسرح وممثليه مدرجا حوارا طويلا بين اثنين من ابطال روايته. كما عمد الى تداخل ما يفترض أن يكون واقعياً بما هو خيالي منذ البداية، كما نرى في كلمة الإهداء التي قال فيها الكاتب «إلى ولدي عمر الذي اكتشف كهف عناة المتوج بالكنعانيات». وهنا يسعى الكاتب إلى إيهامنا بوجود مخطوطات اكتشفت فعلاً. وتحت عنوان «مخطوطات كنعانية مذهلة» يقول مستهلاً «السر لا يبقى سراً.. وهذه المخطوطات الكنعانية التي اكتشفتها وأخفيتها طوال هذه المدة لم أعد قادراً على إبقائها في أدراجي تاركا ايانا في حيرة إن كانت هذه المخطوطات موجودة فعلا ام انها من خيال المؤلف المحض؟ في الختام، يتحدث عمر عن الحاضر بوضوح، بعد أن كان حديثه عنه مقنّعا نوعا ما، فيقول تحت عنوان «تعقيب» مخاطبا القارئ على عادته، بعد كل فصل تقريبا:
«تصور أنني اكتشفت هذه المخطوطة التي تبدأ أحداثها وتنتهي في غزة في هذه الأيام التي يشهد فيها أطفال غزة.. أبشع هجمة وحشية في التاريخ تندرج تحت مسلسل إسكات التاريخ الفلسطيني..الخ

ثم تحدث “رائد الحواري” قائلا:

تكمن اهمية الرواية في تغريبها للحدث الاسطوري والملحمة، وهذا ما يدفع بالقارئ ليتقدم من الأدب الكنعاني والأدب في بلاد الرافدين، وهذا بحد ذاته انجاز للرواية وللسارد الذي حببنا وجعلنا نقدم من تلك الانجازات الأدبية والثقافية، وتكمن جمالية الرواية في تقديم بعض الاحداث بشكل رمزي وهذا ما جعلنا نربط بين الاحداث الاسطورية والقديمة وما يجري اليوم على أرض فلسطين، واضاف، أن اللغة المستخدمة في الرواية خاصة تلك التي تتماثل مع الألواح الطينية التي كتبها اجدادنا يعد عملا ابداعيا بحد ذاته، فهو يجمع بين التراث الاسطوري والمعاصرة معا.
مفهوم الفينيقي الكنعاني
في رواية “قصة عشق كنعانية” عمل السارد على تأكيد وجودنا وإنجازاتنا الحضارية من خلال هذا المقطع:
” قال لي عدد من أصدقائي الأثينيين: إن أشرعة سفنكم الأرجوانية ترفرف من بعيد، مثل طائر الفينيق الأرجواني اللون، الذي يستمر يرفرف عالياً في طيرانه دون توقف. فصرنا نسميكم بالفينيقيين!” فقال نبيل بن عمري ضاحكاً : نحن ندينك على هذه التسمية، فلقد غيرَتْ معاملُ سفنك في جبيل اسمنا الكنعاني، وحولته إلى فينيقي!”
ليست الفكرة في معرفة معنى اللون الأرجواني بقدر معرفة المكانة والقدرة التي وصل إليها أجدادنا الأوائل، وعلى الأماكن التي أثروا فيها بثقافتهم وحضارتهم.
استمرار وحيوية الكنعاني
يعمل السارد على تقديمنا أكثر من تاريخنا، ليس لمجرد المعرفة، بقدر تقديمنا من المستقبل، فهو يستخدم التاريخ ليكون ركيزة للحاضر ومن ثمة نستطيع الانطلاق بقوة وثبات نحو المستقبل، مزودين أنفسنا بمكانتنا السابقة في الحضارة الإنسانية، فنحن لسنا (عابرين) في التاريخ، أنما أصلاء فيه لقوله: “”فلقد التقيت في صيدا تجاراً من بلاد الغال، قالوا إنهم مفتونون بإلهنا ال ، وإنهم سموا بلادهم الغال (فرنسا اليوم) ، نسبة إلى إله الكنعانيين ال، ويومها قدموا له القرابين مثلنا، وبعد أن سجدوا وتعبدوا، ناموا في فراش الهيكل. وعندما عادوا، أخذوا إلى بلادهم تماثيل ال، ليعبدوها ويتباركون بها.” ولقوله: “فأطل ابن عمري برأسه من بين الجلوس ، وعيناه الخضراوان تبرقان بقوله: كثير من الإغريق يدينون للإله ايل، فالمقاتل الشرس أخيل هو على دين ايل. وسمّته أمه تيمناً بأن يكون أخاً للرب إيل.إنه أخ ايل”
” وهذه مدينة نابول، نسبة إلى نابو ايل”
لقد اجتهد “عمر” وقدم هذه الفكرة لتدفعنا إلى الامام متجاوزين حالة الخبو التي نمر بها.
فكرة الجمال
اعطى الكنعاني الجمال مكانة متميزة، فقد أوجد مجموعة من ربات الجمال، “عشيرة، عناة، عشتار، بدرية” وهذا يشير إلى الطريقة التي نظر فيها الكنعاني للمرأة، فهي ليست مصدر الحياة فحسب، بل مصدر الجمال أيضا، وللجمال أثره ومكانته، وهذا الأمر نجده من خلال الاهتمام باللباس وبالهيئة وبالبيت وبالأدوات التي تستخدم، يقدم لنا السارد هذا الأمر
“ولكن لماذا تعلنين ثدييك المثيرين للغادي والقادم من بعيد ، وأنت العذراء الطهور؟ “
يسألها، فتجيب : لا داعي لإخفاء الجمال، فإن ال هو مصدر الجمال، وهو معطي الجمال، وهذا العطاء، لا يقابل بالإخفاء!” يربط السارد فكرة اظهار الجمال بالإله “ال” الدعوة التي جاءت بها الفكرة تركز على الجمال المجرد أكثر مما تركز على الجنس، فإظهار الثديين يعني إظهاراً للجمال، وليس للجسد، ولا يعني أن الجسد مشاع للآخرين، بل الجمال هو المشاع وهو المتاح وهو الغاية والوسيلة التي يستطيع بها الإنسان ان يتقدم بقوة وحيوية إلى المستقبل.
شعب الله المختار
عبارة يرددها البعض ولها وجود في الكتب المقدسة، لكن من هو هذا الشعب الذي اختاره الله دون بقية الشعوب؟: إنهم الكنعانيون.
“لا شك أن هذه المحبة بين الناس والاحترام المتبادل، وعدم اللجوء إلى العنف، ونبذ الحروب واستبدالها بالعلاقات التجارية، تؤكد أن الكنعانيين هم شعب المختار!” قلب الفكرة ووضعها في مسارها المنطقي والحضاري هو المثير في هذا الطرح، فالذين يحبهم الله هم البناؤون/الفلاحون/العابدون/الأخلاقيون/ اعتقد هذه الفكرة تعطي الكنعاني الذي أبدع وعلم البشرية الكتابة والحروف الابجدية، والذي اخترع أول طابعة في العالم “الاختام الاسطوانية” وعرف الدورة الزراعية، وانتج هذا التراث الأدبي هو من يستحق أن يخصه الله بالتكريم، ليكون “شعب الله المختار” لأن التكريم يعتمد على العمل والاتقان وليس على هبات ليس لها أي مبرر أو منطق تعمد عليه. الرواية من منشورات دار الفارابي، بيروت، لبنان.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عبد الباري خاتمة لفاتحة الطريق
- انهيار الارستقراطية في رواية - شتاء العائلة- علي بدر
- الغربة في ديوان أوراق مسافر -سامر كبه-
- جعفر بشير الشعر والشاعر
- يوميات ميكانيكية علي سفر
- اسراء عبوشي
- المرأة والسياسية عند جاسر البزور وجروان المعاني
- الادارة الفلسطينية
- القسوة في ديوان -خطى الجبل- محمد علوش
- قراءة في ديوان -ما يشبه الرثاء-* للشاعر فراس حج محمد
- الحزن يموت أيضا يوسف شرورو
- الأمير الأحمر مارون عبود
- مناقشة ديوان - مختارات من الشعر الروسي- في دار الفاروق
- حزن فاضل الفتلاوي
- القاهرة الجديدة نجيب محفوظ
- حزن فراس حج محمد في قصيدة -روائحُ العشرينَ الخَرِفة!-*
- سماء الفينيق مفلح العدوان
- مدينة الموتى حسن الجندي
- الفلاح والصحراء في -ثلاث ليال فلسطينية جداً- صبحي شحروري
- الجزائر بين المطرقة والسنديان


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - ورشة نقد تناقش “قصة عشق كنعانية” للروائي صبحي فحماوي