أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أعظم















المزيد.....


أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أعظم


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1534 - 2006 / 4 / 28 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان القرن العشرين بحق هو قرن الحروب العالمية الكبرى ونهاية الإمبراطوريات، ففيه انتهت الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية ـ الهنغارية والإمبراطوريات الغربية الأوروبية الاستعمارية وأخيراً وليس آخراً الإمبراطورية السوفيتية واندلعت في ذلك القرن حروب عالمية الأولى، والثانية والحرب البارد وحرب فيتنام وحرب أفغانستان الأولى ضد الاحتلال السوفيتي، فيما تميز القرن الحادي والعشرين بسنوات العقد الأول فيه بهيمنة القوة الأعظم على مقدرات العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية وتفاقم الحروب الصغير والمحلية أو الإقليمية التي لاتعد ولا تحصى والتي تميزت بوحشيتها وقسوتها بما أفرزته من مذابح وضحايا ، من الحروب الأفريقية إلى حرب أفغانستان الثانية وحرب العراق الأخيرة وما سينتظره العالم من حروب أخرى تحضر لها الولايات المتحدة الأمريكية بلا شك إن آجلاً أم عاجلاً، سيما ضد إيران وسورية وكوريا الشمالية، ومحاولة خلط الأوراق في المنطقة كلها من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 التي شكلت إنعطافة تأريخية حقيقية في مسار العلاقات الدولية، وأصبح هناك تاريخ ما قبل الحادي عشر من أيلول وتاريخ ما بعد الحادي عشر من أيلول. ولكن لكل حدث أسبابه وجذوره والنفط هو المحرك الأول والسبب الرئيسي في كافة التطورات الدولية اللاحقة وذلك منذ بداية سنوات السبعينات إلى يوم الناس هذا.
ففي عام 1973 أفاقت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة من سباتها إبان حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل، والتي كانت منحازة كلياً فيها لجانب هذه الأخيرة، عندما تجرأت منظمة أوبك للبلدان المنتجة للنفط على تحدي السيد الأمريكي المطلق وأعلنت استعدادها استخدام سلاح النفط للضغط على القوة الأعظم وحلفائها بغية تغيير مسار الحرب التي بدأت تميل لصالح إسرائيل بفضل الجسر الجوي الذي مدته أمريكا بين واشنطن وتل أبيب. كان ذلك التحدي قد أحدث صدمة لم يتعافى منها الغرب إلى يومنا هذا حيث توعد الزعماء الأمريكيون سراً في جلساتهم الخاصة برد الصاع صاعين أو أكثر وتلقين العرب درساً لن ينسوه أبداً. وهذا هو بالضبط ما استغله أسامة بن لادن، بعد أن فهم الدرس جيداً، وصار يحلم ويخطط للقيام بأعمال ونشاطات من شأنها رفع سعر برميل النفط الخام إلى 145 دولار كحد أدنى وقد صدقت نبوءته وصار سعر النفط الخام يرتفع ارتفعاً جنونياً في أعقاب أي حدث أو هزة عالمية تمس الدول المنتجة للنفط وبلغ اليوم الـ 75 دولار للبرميل الواحد والأفق مازال مفتوحاً. أما أزمة القحط في الطاقة وشحة في الوقود في السوق العالمية فهذه هي بداية الطريق سيما إزاء تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط وتصاعد وتيرة العنف والإرهاب في المنطقة، ويكفي أن ننظر لما يجري اليوم في العراق والسودان والعربية السعودية وإيران وأفغانستان ومصر. فالعراق يقف على أبواب حرب أهلية وطائفية غير معلنة، وتزداد تعقيدات الملف النووي الإيراني الذي يدعو للتشاؤم وقد يقود إلى مواجهة عسكرية دامية, وارتفاع معدل العمليات الإرهابية في المملكة العربية السعودية ومصر وغيرها من الوقائع والحوادث التي تتناقلها وسائل الإعلام يومياً.

فكرت الولايات المتحدة الأمريكية بجدية تامة قبل ثلاث عقود في وضع برامج وسيناريوهات محكمة للسيطرة الفعلية المباشرة على نفط الشرق الأوسط ولو كان ذلك بالقوة العسكرية لأن حياتها وصناعتها واقتصادها ومصالحها الحيوية، هي وباقي دول الغرب الحليفة لها، مرهون بسلامة الإمدادات النفطية وتعتمد اعتماداً كلياً على نفط هذه المنطقة التي تضم تحت ترابها أكثر من ثلثي الاحتياط النفطي العالمي وعلى نحو خاص في السعودية والعراق ومعهما إيران وباقي دول الخليج.
في 21 آب 1975 وزعت شعبة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي على أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس وثيقة تحت عنوان:" الحقول النفطية في الشرق الأوسط كأهداف عسكرية: دراسة جدوى" لكنها وجدت طريقها إلى أدراج الأرشيف إنتظاراً لتنفيذها عندما يحين الأوان لذلك، خاصة بعد توقف حظر تصدير النفط من جانب أوبك قبل عام ونصف إثر إنتهاء حرب أكتوبر بيد أن لا أحد من المسؤولين الأمريكيين المتعاقبين على الحكم في الإدارات المتتالية نسي تلك الوثيقة ولم تغب عن بال أي منهم. فلقد سبق لجيرالد فورد الذي أعقب ريشارد نيكسون المستقيل من منصبه بعد فضيحة ووترغيت، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي الشهير آنذاك هنري كسينجر، أن أعلنا أمام الملأ والرأي العام العالمي والإعلام الدولي عن عزم أمريكا ، عندما ترى ذلك ضرورياً، على غزو الحقول النفطية عسكرياً إذا ما تعرضت قدراتها الصناعية والعسكرية للضرر أو التهديد. وقد أشارت وحدة الأبحاث إلى أن مثل هذا التدخل العسكري إذا تم فسوف لن يكون نزهة مريحة أو سهلة. لأن تلك الخطة تحتاج لنشر أربع فرق عسكرية مدججة بالسلاح ومؤللة تضم ما بين 60 ألف إلى 120 ألف عسكري مدرب ومهيأ تماماً لأداء مثل هذه المهمة الخطيرة حيث سيضطرون للبقاء هناك لفترة طويلة غير محدودة الأمد لحماية المنشآت النفطية المحتلة، بل وربما سيكونون مرغمين على استبدال طاقم العاملين في تلك الحقول من أبناء المنطقة بعمال وفنيين وتقنيين أمريكيين . كما تتطرق الخطة العسكرية الآنفة الذكر إلى ضرورة إرسال فرق كوماندوس من القوّات الخاصة للقيام بعمليات تخريب لخلق حالة من الهلع والاضطراب تمهيداً للغزو دون المساس بالمنشآت نفسها، بيد أن الدراسة لم تتطرق إلى القدرة الدفاعية والإمكانات القتالية للدول النفطية المعنية بخطة الغزو وهي العربية السعودية وإيران إلى جانب العراق المحتل اليوم لكنه القادر على خوض مقاومة مسلحة يشارك فيها الشعب بكل مكوناته وأطيافه وقومياته إذا ما أمرته مرجعياته السياسية والدينية. لم تكن هناك قوى مسلحة غير نظامية موزعة في كافة القارات عند صياغة خطة التدخل العسكري في بداية السبعينات، كما هو الحال اليوم مع تنظيمات كالقاعدة وحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وباقي الميليشيات الإسلاموية المسلحة في آسيا الوسطى والشيشان والبوسنة والخليج والباكستان وأفغانستان والتي لايمكن أن تستسلم للمحتل الأمريكي من دون قتال حتى الموت والمعروف عنهم أنهم لايهابون الموت بل يطلبوه ويسعون إليه. علاوة على تنامي رأي عام عالمي مناهض لخطة الغزو والعدوان العسكري بإسم حماية المصالح الحيوية والحق في شن الحرب الوقائية أو الاستباقية والتي تعارض المشاريع العسكرية الأمريكية في العالم خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، واعتراض المنظمات الدولية التي تنادي بتطبيق القواعد والقوانين والأعراف الدولية، وكلها تقف ضد عقيدة الحرب الوقائية. وهكذا تجد أمريكا نفسها أمام خيار مؤلم وخطير إذ يتعين عليها أن تدوس على كل العقبات التي ذكرناه أعلاه وإحكام السيطرة العسكرية المباشرة على آبار النفط تحت ذريعة منع وقوع آبار النفط الضرورية لحياة الغرب، وأسلحة التدمير الشامل الفتاكة ، بين أيدي الجماعات " الإرهابية" الإسلاموية المسلحة، ومحاولة منع الدول المارقة من امتلاك أسلحة التدمير الشامل والسلاح النووي خاصة، أو إيجاد بدائل للطاقة وأسلحة أخرى متطورة جداً قادرة على الحد من تأثير الأسلحة الموجودة لدى خصومها التي من شأنها مس المصالح الحيوية الأمريكية إذا ما تركت بدون رد. وبعد التدقيق في الوثائق الإعلامية المتعلقة بهذا الشأن تبين أن هناك مقال صدر في يناير كانون الثاني 1975 في مجلة كومنتري بقلم ر.دبليو تيوكر تحت عنوان:" النفط: مسألة التدخل العسكري الأمريكي المحتمل" ، كان ومايزال يحتل ذاكرة وأذهان وعقول المحللين والخبراء السياسيين في واشنطن بعد مضي ربع قرن على نشره. يركز تيوكر في مقاله على الخطوة الأولى للخطة العسكرية المتعلقة بالسيطرة المباشرة على النفط السعودي كمثال نظراً لصعوبة التدخل في كل مكان وفي آن واحد لذا يعتقد صاحب المقال أن من الأفضل التحكم أولاً بالنفط السعودي ومن ثم العراقي أو العكس ومن ثم يجري التخطيط بهدوء وتأني لإحكام السيطرة بنحو أو بآخر على النفط الإيراني. فالمنطقة المقصودة بالدراسة تمتد من الكويت إلى قطر مروراً بالساحل الشرقي للسعودية وجنوب العراق وشماله الغنيين بالنفط أي منطقة يزيد طولها على الـ 600 كلم وتنتج أكثر من 50 بالمائة من مجمل إنتاج منظمة أوبك وأكثر من 40 بالمائة من الاحتياط العالمي لدى السعودية وما يماثله من الاحتياطي لدى العراق وكذلك الاحتياط النفطي الإيراني.
تطرقت الدراسة المشار إليها إلى عامل خطير ينهش في جسد المنطقة ونسيجها الإجتماعي ألا وهو عامل التباين السني ـ الشيعي وما يمكن أن يفرزه من صراع طائفي يسهل استغلاله وتأجيجه . لذا أشارت الدراسة إلى سهولة تحريك وتوجيه شيعة السعودية الذين يقطنون المناطق الشرقية للمملكة وهي المناطق الغنية بالنفط ويشكلون غالبية العاملين في القطاع النفطي كأيدي عاملة لدى شركة آرامكو وأغلبهم من الفقراء والمحرومين من المناصب العليا والمراكز الحساسة في الدولة مثل الجيش والشرطة والمخابرات والوزارات إلى جانب تعرضهم بين الفينة والأخرى لتعسف وظلم واضطهاد الوهابيين المتشددين الذين يكفرونهم ويتهمونهم بالخروج عن الدين والسنة النبوية وبالتالي يمكن للأمريكيين استثمار هذا الوضع كما توصي الدراسة وتدعو للتحالف مع شيعة السعودية لصد المتشددين التكفيريين السنة والوهابيين ممن يعتنقون أيديولوجية وأفكار سيد قطب وعبد الله عزام وبن لادن والظواهري والطالبان لاسيما بعد نجاح الولايات المتحدة الأمريكية النسبي لتشكيل تحالف مع شيعة العراق لإطاحة نظام صدام حسين والهيمنة دون عناء يذكر على النفط العراقي والتحكم به إنتاجاً وتوزيعاً واستثماراً بعد تقديم هذا البلد في سلم الأولويات في سياق الخطة العامة على كل من السعودية وإيران . ويذكر صاحب الدراسة أن بوسع واشنطن كسب ود وتعاطف هذه الفئة من السكان السعوديين لو عرضت عليهم استقلال الإقليم الشرقي للسعودية وتكوين إمارة مستقلة شرط الموافقة على التواجد العسكري الأمريكي المباشر بذريعة حماية تلك الإمارة الصغيرة والهشة من الأطماع الخارجية والإقليمية المحيطة بها على غرار إمارات الخليج الصغيرة الأخرى وحماية الآبار النفطية المتواجدة فيها والحيوية استراتيجياً لأمريكا. وتمضي الخطة الأمريكية إلى ابعد من ذلك، فهي تنوي خلق تحالف شيعي أكبر يضم شيعة المنطقة كلها لتكوين منظومة شيعية حليفة معتدلة تقف في وجه المد الأصولي الإسلاموي التكفيري والتدميري الذي يتبع أساليب الإرهاب والعنف الأعمى ويخوض حرب إرهاب ضد المصالح الغربية داخل الغرب وخارجه وفي كل مكان في العالم . كان مجرد التحدث بمثل هذا الخطاب يعد نوعاً من الهذيان قبل الحادي عشر من أيلول 2001 بيد أنه بات حديث الصالونات ويطرح رسمياً وإعلامياً للنقاش اليوم كما لو أنه أصبح من المسلمات الممكنة والمحتملة والمقبولة وموضوعاً للسجالات السياسية والعسكرية داخل مراكز الدراسات والأبحاث وداخل الحلقات الخاصة للخبراء والسياسيين والعسكريين في واشنطن وهذه الأخيرة تنوي، إن آجلاً أم عاجلاً، تغيير النظامين الإيراني والسعودي عندما تحين الفرصة المناسبة خاصة بعد نجاحها النسبي في تغيير النظام العراقي بحرب عدوانية دون أن تخسر الكثير سوى بضعة مئات من الجنود وبضعة مليارات من الدولارات القادرة على استرجاعها وقتما شاءت . في ديسمبر 2002 اعترف منظر اليمين المحافظ الجديد الأمريكي ريشار بيرل في حديث صحافي أجراه معه مراسل صحيفة الفيغارو الفرنسية رونو جيرار قائلاً :" النظام في العراق سيسقط حتماً وآمل أن يستبدل بنظام يمثل تمثيلاً حقيقاً مكونات الشعب العراقي المتنوعة وأن يمتلك مؤسسة ديموقراطية حقيقية وبرلمان منتخب بالرغم من أنها لن تكون ديموقراطية على غرار ما هو موجود عندنا في الديموقراطيات الغربية العريقة التي تشكلت خلال بضعة قرون من التجارب والخبرات والمعاناة . أما فيما يتعلق بالعربية السعودية فأعتقد أن السعوديين سيفهمون الدرس خاصة بعد ما حدث في الحادي عشر من أيلول وسوف يقومون بأنفسهم بالتعديلات والإصلاحات المطلوبة منهم بأنفسهم وتغيير سياساتهم التي قادت إلى انتشار التطرف والتشدد الأوصولي الإسلاموي العنيف عبر العالم وهم يتعرضون لضغوط كبيرة بهذا الاتجاه وقد فهموا أن سياساتهم الماضية التي سمحت بتنامي العنف خارج أراضيهم قد ارتدت عليهم ولم يعد بوسعهم السيطرة على العناصر المنفلتة، وإذا لم ينجحوا في كبح جماح من كانوا صنيعتهم فستكون لنا سياسات أخرى وبدائل أخرى أكثر نجاعة ونحن قادرون على ذلك. في حين تأمل الولايات المتحدة الأمريكية أن يحدث تغيير جذري في إيران من الداخل فالمعارضة الداخلية والخارجية تتنامى وعزلة إيران الدولية في تزايد مستمر ولدينا كافة الخيارات بما فيها استخدام القوة". إذن الصعوبة تتمثل الآن في العقبة الإيرانية الكأداء.
توفير الذريعة للتغيير في إيران:
وضعت وزارة الدفاع الأمريكية خططاً وسيناريوهات لتدمير المنشآت النووية الإيرانية تحت عنوان" كومبلان 8022 " منذ شهر نوفمبر 2003 أي بعد بضعة اشهر من غزو العراق وتضمنت الخطة توجيه ضربات شاملة ضد أي دولة مارقة أو تتصرف كأنها خارجة على القانون الدولي كإيران. وبالرغم من أن خطر القنبلة النووية الإيرانية ليس آنياً فلقد قدر الخبير النووي برونو تيرتير من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية بأنه ليس بوسع إيران صنع قنبلة نووية قبل عام 2009 في حين قدر المسئولون العسكريون الأمريكيون أن إيران تحتاج ما بين 5 إلى 10 سنوات لصنع قنبلة نووية وكان ذلك قبل إعلان إيران نجاحها في تخصيب اليورانيوم واستكمال دورة الوقود النووي دون مساعدة خارجية وتمكنها من التكنولوجيا النووية المتقدمة لذلك قدر خبير البرنامج النووي الإسرائيلي، وكان اقل تفاؤلاً ،أن المهلة التي قدرها تقل عن ثلاث سنوات وبالتالي فإن إسرائيل تتحسس الخطر الإيراني أكثر من غيرها لقربها الجغرافي، فمن الذي سيهاجم إيران أولاً إسرائيل أم الولايات المتحدة الأمريكية.
إن أي هجوم عسكري إسرائيلي على بلد إسلامي بأهمية وحجم إيران سوف يضع واشنطن في وضع محرج إزاء العالم الإسلامي سيما الدول الحليفة لها لذلك ستحاول واشنطن في الوقت الحاضر حث إسرائيل على عدم التدخل المباشر بيد أن هذا لايمنع الأمريكيين من إثارة الشغب والبلبلة والأعمال الإرهابية والتخريبية داخل إيران بواسطة عملائها المنتشرين في المنطقة والذين أصبحوا قريبين جداً من الأراضي الإيرانية بحكم تواجد الموساد غير المعلن داخل الأراضي العراقية اليوم كجزء من قوات التحالف الدولي من خلال جنسيات أخرى أوروبية وأمريكية وغيرها. هذا إلى جانب الصعوبات التقنية التي ستواجه إسرائيل إذا ما ارتأت ضرب العمق الإيراني جواً وإن قصف المنشآت الإيرانية ليس بالسهولة التي وجدتها تل أبيب في 7 حزيران سنة 1980 عند قصفها لمفاعل أوزيراك النووي العراقي من الجو. ففي حال قررت إسرائيل توجيه ضربة جوية لإيران سوف يتعين على طائراتها من طراز أف 15 و أف 16 قطع مسافات بعيدة لاتقل عن 1600 كلم وتصل إلى 2800 كلم للذهاب فقط ومثلها للإياب وبالتالي سيكون محتماً على تل أبيب تأمين مساعدة أمريكية لامناص منها لتزويد طائراتها بالوقود جواً والحال أنها لاتمتلك سوى خمس طائرات صغيرة لحمل الوقود من طراز س 130 هيركول وهي غير كافية للبقاء في الجو للطائرات الـ 50 إلى 70 قاصفة ومقاتلة إسرائيلية المحلقة لمدة ست ساعات على الأقل بغية إنجاز هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر، من هنا لابد لإسرائيل اللجوء إلى الدعم والمساندة الأمريكية اللوجستيكية للقيام بهذه المغامرة.

الرهانات الاستراتيجية:

ماهي الرهانات الاستراتيجية التي يريد الأمريكيون والإسرائيليون تحقيقها من وراء هذا المخطط الجهنمي؟ هل هو مجرد توجيه ضربات موجعة وتحذيرية لإيران لردعها وتخويفها ؟ أم تدمير منشآتها النووية بصورة تامة أم الاقتصار على تدمير المواقع الأكثر خطورة أي المواقع الاستراتيجية فحسب والمتناثرة هنا وهناك داخل كامل الأراضي الإيرانية الشاسعة والمترامية الأطراف؟ أم المطلوب هو شن حرب شاملة وغزو عسكري مبرمج يهدف إلى إسقاط النظام الإيراني وتحطيم بناه التحتية وقدراته على الرد على غرار السيناريو العراقي والاعتماد على جماعات معارضة مسلحة مناوئة للنظام الإسلامي كمنظمة مجاهدي خلق الموجودة داخل الأراضي العراقي تحت حماية أمريكية بعدما كانت أداة بيد النظام الصدامي المنهار، وكذلك بعض القوى السياسية الإيرانية الموجودة في المنفى ؟ علماً بأن المنشآت النووية الإيرانية محمية بدروع بشرية ومنتشرة داخل المناطق السكنية المدنية في كل المدن الإيرانية ومنها العاصمة طهران وأن معظم منشآتها مدفونة تحت الأرض بعشرات الأمتار أو في خاصرة المرتفعات الجبلية التي يصعب الوصول إليها . توصي الخطة العسكرية الأمريكية بضرورة شل القدرة القتالية للقوات المسلحة الإيراتية التقليدية وضرب وتدمير المعسكرات والثكنات ومراكز السلطة الأمنية والسياسية والاقتصادية ومراكز الاتصالات في نفس وقت ضرب المنشآت مما سيقود حتماً حسب التصورات الأمريكية إلى زعزعة أسس نظام الملالي وتحريض الناس ضده على حد تعبير الخبراء العسكريين الأمريكيين كما جاء في نص الوثيقة العسكرية التي تتضمن الخطة . ولكل واحد من هذه الخيارات شروطه وتكلفته وإمكانيات نجاحه وفشله وخسائره المادية والبشرية . يذكر تقرير حديث آخر صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن أن خبراء الوكالة الدولية للطاقة النووية شخّصوا 18 موقعاً نووياً مؤكداً في إيران فيما قدّر خبراء آخرون عدد المواقع النووية بنحو 70 موقعاً بينما ادّعى الجنرال مصطفى حاج نجار الرجل الثاني في حرس الثورة الإسلامية أن إيران تمتلك 300 موقعاً نووياً وذلك في يناير 2005. وحتى لو كان في هذا التصريح مبالغة كبيرة فليس بوسع إسرائيل لوحدها بما تمتلكه من قدرات عسكرية تقليدية محدودة القيام بمثل هذه المهمة. فغواصاتها الثلاث من طراز دولفين قادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى إلا أنها محدودة القدرة التدميرية ومحدودة العدد حسب تقدير الخبير الاستراتيجي برونو غورسيل . والجدير بالذكر أن إسرائيل اشترت في شباط 2005 أكثر من 500 قنبلة ضد الملا جيء المحفورة والمدفونة تحت الأرض وهي من طراز بلو 109 زودتها بها الولايات المتحدة الأمريكية وبالرغم من ذلك فإن فاعلية تلك الأسلحة والصواريخ والقنابل محدودة بعد أن وضعت على محك التجربة العملية على أرض الواقع عندما استخدمتها أمريكا في حربيها ضد أفغانستان والعراق وكانت محدودة التأثير واقل بكثير مما أحاط بها من هالة ودعاية شبه أسطورية.
هناك شبه إجماع في واشنطن يتكرس يوماً بعد يوم مع تصاعد التهديدات والحرب الكلامية بين طهران وواشنطن، حول ضرورة القيام بعمل وقائي ضد طهران كما ذكرت ذلك مجلة كوادرينال ديفونس رفيو المتخصصة في عددها الصادر في الفصل الأول من عام 2006 والتي ناقشت السبل والإمكانيات والوسائل المختارة لإنجاز تلك الهجمة الاستباقية وناقشت المجلة تأثيرات وعواقب وتبعات شن حملة جوية مكثفة ضد المنشآت النووية الإيرانية. فهناك 120 قاصفة مهاجمة معدة لضرب 5000 موقع وهدف عسكري استراتيجي في مهمة واحدة. المنظّر المتشدد في اليمين المحافظ الجديد ريشار بيرل دعا إلى توجيه ضربة شاملة ومكثفة متواصلة دون توقف لمدة 24 ساعة لاتترك لإيران أن تستعيد أنفاسها وتستعد للرد بالمثل فيما قدر بعض القادة في البنتاغون أن تدمير كامل المنشآت العسكرية والدفاعات الجوية الإيرانية هو الذي يجب أن يتحقق أولاً لتعطيل وتحجيم الردود الانتقامية الإيرانية ضد القوات الأمريكية وإسرائيل كما سبق وأن حدث مع صدام حسين في حرب الكويت عندما تعرض للقصف لكنه تمكن من الرد ولو بصورة محدودة جداً ضد إسرائيل.
سيكون هناك ما يشبه الأيام الأولى للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 إثر إطلاق الصواريخ العابرة للقارات البعيدة المدى التي أطلقت من السفن والبارجات الحربية وحاملات الطائرات ب 1 و ب 2 و ب 52 الرهيبة وكذلك استخدام القنابل الموجهة المعروفة باسم القنابل الذكية وطائرات الشبح من طراز أف 117 الجاثمة في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي والقواعد الأمريكية الموجودة في قطر وبريطانيا وكلها قريبة من إيران أما الأساطيل البحرية الأمريكية التي تجوب البحار فسوف تدخل اللعبة لمنع الإيرانيين من غلق مضيق هرمز وضرب ناقلات النفط التي تبحر في الخليج العربي ـ الفارسي لما لذلك من تأثير كارثي على اقتصاديات أوروبا الغربية والدول الصناعية وقد نوه بعض الزعماء في الإدارة الأمريكية إلى أن واشنطن لن تتردد في استخدام القنابل النووية التكتيكية من طراز ب6ـ11 المزودة بصواريخ قادرة على تدمير أهداف مدفونة تحت الأرض على عمق مئات الأمتار كما جاء في خطة كومبلان 8022 رغم مخاطر مثل هذه الخطوة واعتراضات الرأي العام العالمي المتوقعة وردود فعل الشارع الإسلامي والتضامن المفترض حدوثه فيه إذا تعرضت إيران لعدوان بالقنابل النووية التكتيكية وقد يتطور التضامن النفسي والعاطفي إلى مواجهة حضارية شاملة بين الإسلام والغرب وهو ما لاتتمناه دول الغرب الأوروبية والآسيوية كاليابان والصين وروسيا أما البديل للضرب عن بعد فهو الاشتباك العسكري المباشر بما ينطوي عليه من مخاطر بشرية أكبر في الجانب الأمريكي ويتمثل البديل للحرب عن بعد بإنزال قوات خاصة بواسطة الطائرات السمتية داخل الأراضي الإيرانية للقيام بمهمات التخريب والتدمير للمنشآت النووية والعسكرية والبنى التحتية ووسائل الاتصالات. فما هي القدرات الدفاعية الإيرانية الفعلية غير الكلام الإنشائي والخطابات الرنانة التي يتفوه بها الزعماء الإيرانيوم من قبيل قطع ايدي المعتدين وضرب المصالح الإمريكية في كل مكان وإرسال انتحاريين إلى داخل الأراضي العراقية بالآلاف؟ لاتوجد لدى إيران قدرة حقيقية لوقف ودفع الحملة الجوية فمقاوماتها الجوية ضعيفة ودفاعاتها الجوية المضادة للطيران مقتصرة على صواريخ أرض جو وصواريخ مضادة للصواريخ وكلها أسلحة روسية الصنع معروفة بمحدودية فعاليتها رغم التحسينات التي أجريت عليها بعد أن باعتها موسكو لطهران مثل صواريخ تور أم 1 التي قد تشكل خطراً محدوداً على القاصفات الأمريكية أو الإسرائيلية لكنها لاتمنع حدوث الحملة الجوية. كما باعت روسيا لإيران بطاريتي صواريخ تعادل بطاريات الباتريوت الأمريكية نظرياً وهناك صواريخ أرض جو طراز 5300 وكلها تسدد ضربات موجعة لكنها غير ناجعة لوقف أو صد الهجمات الجوية الأمريكية المدمرة.
الرد الإيراني إذن سوف لن يكون عسكرياً فحسب بل سيدور على جبهات أخرى مثل جبهة النفط وضرب المصالح والمراكز والممثليات الأمريكية في المنطقة وبشكل خاص تلك الموجودة داخل العراق وما أكثرها وما أسهل الوصول إليها بفعل التلاحم القائم بين بعض القوى والميليشيات المحلية الموالية لإيران في العراق ومثيلاتها في دول أخرى كالكويت والبحرين والعربية السعودية التي قد تشعل ثورة من العنف المسلح داخل المنطقة برمتها وتحرق الأرض تحت أقدام الأمريكيين كما تقول الدعاية الإيرانية المضادة والتي سوف تمس إسرائيل بالضرورة عن طريق حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ويمكن أن تصل إلى عمق بلدان الخليج وتزعزع استقرارها وأمنها إذ من السهولة بمكان شن حرب عصابات أوحرب مدن ولا ننسى أن إيران تمتلك صواريخ شهاب 3 البعيدة المدى القادرة على الوصول إلى إسرائيل لكنها لا تستطيع منع الجيوش الأمريكية وأسلحتها الفتاكة من تدمير إيران . ولكن إذا كان بوسع الأمريكيين تحقيق الدمار المادي فهل يمكنهم استئصال المعرفة والخبرة الإيرانية في المجال النووي المحفوظة في الرؤوس والوثائق ولو تم تدمير المنشآت المادية والسؤال الذي سيبقى مطروحاً هو: إلى متى تأمل أمريكا تأخير وعرقلة البرنامج النووي الإيراني ؟ الحل يكمن في إرادة وعزم وإصرار المجموعة الدولية جعل المنطقة المعروفة بالشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وهذا يشمل إسرائيل بالطبع بعد توفير الضمانات الأمنية المطلوبة لجميع الأطراف والسماح للجميع باستخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فقط كإنتاج الطاقة الكهربائية وغير ذلك تحت إشراف ومراقبة ورعاية مجلس الأمن والأمم المتحدة فهل ستتمكن المجموعة الدولية من ذلك؟



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أشبه اليوم بالأمس هل دقت ساعة إيران بعد العراق؟
- العراق : بعد ثلاث سنوات من السقوط هل حان وقت تقديم الحسابات؟
- ماذا يخبيء لنا الغد في العراق؟
- العراق: تشاؤم أم تفاؤل؟
- العراق وأمريكا: إنعطافة تاريخية؟
- حكومة وحدة وطنية أم حكومة إستحقاقات انتخابية رسالة إلى رئيس ...
- من سيحكم العراق؟
- إلى أين يسير العراق... نحو الهاوية أم باتجاه نهاية النفق؟
- التهميش الاجتماعي أبعاد الظاهرة ودلالالتها
- العراق: تحديات الأيام المقبلة الدستور،المحاكمة،الانتخابات، و ...
- قراءة في كتاب: المذبحة تحت المجهر «الهولوكوست
- جورج دبليو بوش رئيس مسكون بلعنة العراق
- أمريكا ومعضلة دول محور الشر
- الاستقطابات المميتة في العراق
- المعلن والمخفي في السياسة العراقية
- كتاب العراق وأمريكا وحافة الهاوية
- آفاق الحرب العالمية لمكافحة الإرهاب
- المفارقة العراقية
- دروس في الإخراج السينمائي
- العراق بين الآمال والقلق


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أعظم