أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - دبيب المخمل!..















المزيد.....

دبيب المخمل!..


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 6193 - 2019 / 4 / 6 - 02:34
المحور: الادب والفن
    


دبيب المخمل..
.................
قصة قصيرة
...................
دب الى حيث لا يمكنه الصعود. كانت رائحة القهوة التي تملكت حواسه وهو يستنشقها، تنبعث من جيولوجيا متخفية في راسب رأسه. كان شعوره أشبه بمن أدمن عقارا نفذ حتى آخر محتجز فيه، أو منتبذ. أما الجدارة، بما وهب له من قدرات، في تلك اللحظة، قد تدنى منسوبها.
كل شيء في جسده صار أنفا، في جوفه قلبا. وكان جديرا بهذا العبق النادر، حين يذله مختارا، أو يجاوره رفيقا، وأن لا يفكر إلا بهذا المعتزل، الكهفي العميق.
من الغرفة المجاورة، سمع قرار صوتٍ باكٍ، ثم ما فتأ أن تحول لجواب. وضع أذنيه في علبة هواء غرفته، بحثاً عن مصدر الصوت. سكن منصتاً. ثم حين تهيئ للذهاب نحو مصدر الصوت، وقبل أن يبلغ باب الغرفة، لم يتلقَّ شيئا.
شعرَ أن شيئاً ما، كان يلهث، وصوتاً يردد دعاءً، كأنه يلوذ من عدمية متناهية، لملاذٍ في دمه، من برد سقيم، كأن ديكاً، يطلق صيحته كلما سمع صوت رصاص في ناحية من الأرض.
جاء النهار، وجاء ضوء، من لوح زجاجي محمول من السماء، يلف جو الغرفة. وعند ملامح تبدلت فجأة، تذكر أنه بقي طوال الليلة الماضية مؤرقاً، تُجْفلُ الهواجس جسده. كما لم يتذكر، كيف، ولماذا، ومن أين، خرج منه كائن اللون الاخضر، الذي لا يُشترى وده، بفلس من طينٍ أبدا، مع أن هذا الكائن المخضر، الذي يختفي تحت الجلد، يملك ريموت كنترول الهواجس في الرؤوس. الكائن، وقد أنتعل حذاءيه، قبل الفجر بقليل، ليسلمه للنوم أخيرا.
في الصباح كان ينتظر مسترخٍ. مفكرا بحروفٍ مفككة، وبأصابعٍ مرتجفة، عما سيكتبه بعد تناوله للقهوة. وأن عليه أن يتحرر من كل خوف، وعما قد أحدثته الرصاصات في تلك الليلة البهيمة.
وكان أحساس فيه، يعطيه الإشارة بأنه، مع ما يحسه من سلام غير متوقع، يجعله مفكك العظام، تحت جلد متشنج، بالكاد يحركه . يهمس وكأنه يكلم آخر:
ــ " أدر وجهك ".
وعميقاً ، كأنه يحرض الآخر على الاحتفاظ بوجوده. يقول مفكرا: "عليك أن تلامس كل شيء. حتى الرائحة التي تخرج من باطن جسدك، لحظة الفرح، أو في لحظات الخوف، أو النوم حزيناً ".
وكان يقرأ لرواية في كتاب قديم، فقد صفحتيه الأولى والثانية مع الغلاف. عندما أشار كاتب الرواية الذي لا يعرف أسمه، يقول على لسان سيدة في أيام حدادها :
ــ " زوجي العزيز: أنت على حق، أن تموت بهذه الكيفية. هناك اشخاص محظوظون حين تمسهم أشعة الموت، أو يخترق الرصاص أجسادهم، ولا يحزنون. هكذا، كم أود لو أموت أيضا ". وشيء من هذا القبيل فكرت فيه بسرها:
ــ " أنام مساء، ولا استيقظ في الصباح التالي ".
وحين حرك جسده قليلا عن الاريكة التي كان يتشبث طارفها فيه، أحس بأنه أصبح خفيفا.. فارغاً وخفيفا، وطافيا. ولو أنه لم ينحنِ للأمام، وكأن عليه أن يتشبث بالأرض، لحلق لسقف الغرفة. وكانت به رغبة أن يتقيأ. لكنه حين خاف أن تنبعث منه رائحة تجعله يكره امعائه، أطلق ضحكة من معدة خاوية. ثم فكر وهو يهز رأسه ليتأكد من أنه موجود فعلا :
ــ " أوه، هذا الموت، لم يكن لائقاً. أنهم مغفلون عندما يقعون في الشرك ".
في تلك اللحظة، وهو يتشبث بالكتاب بين اصابعه بقوة، حين أدرك بأن وقت خروجه للخارج قد حان، رمى الكتاب على الطاولة الصغيرة، من الخشب الصقيل اللماع، عند سرير نومه.
قبل أن يخرج في نزهته المسائية، كما أعتاد أخيرا، سوى ربطة عنقه امام المرآة. وعند شقة تقع عند سلم البناية مباشرة، شم رائحة تلك المرأة البدينة بلونها الحنطي، التي غالباً ما كان يراها مستندة على ظلفة الباب، كلما مرّ قرب شقتها نزولا أو صعوداً. وكان يشعره ذلك، بأنها تنتظر أحداً. كما تجعله يراها وكأنها علبة حلوى مغطاة بورق لامع.
وكان رجلا برأس حليق، وهيأة لملاكم، بكتفيه العريضين، غالبا ما يلتقيه عند النزول، أو عند عودته للبيت. يلتقيان بالنظر وحده، وكأنهما طرفان لا يجمعهما جامع. يداومان على وقع الخطى فقط، من غير يلقي أحدهما على الآخر تحية أو ابتسامة ود.
مع فنجان القهوة الثالث، لم يكن واثقاً من شيء بعد. كان حزينا، كأنما وَلِدَ هكذا. حاول أن يسترخي مع ملامحه، ليعرف كيف يستدل على موضوع يريد التصالح معه، أو يكتب بالتلاؤم معه. وكانت ثمة كلمات تترصده قريبا منه. تتمثل متلألأة بجسدها الصقيل، تنتظر أن يروضها في معترك رأسه لتعطيه قياد نفسها، أينما يريد.
وسط هذا اللهيب الأصفر والأحمر، رن هاتفه الجوال. أضاء عن رقم لا يعرفه. لكنه حين فتحه، استجاب لرقة صوت المتصلة : " ألو ". ولكي ينقطع عن قفرة صمته، تحشرج صوته بدءاً، ثم جاهد على لملمة اطراف نفسه. تنحنح قبل أن يرد " نعم! ". أحس بأن الصوت على الطرف الآخر، أخذ بالتحليق، ولكي يتلائم معه كما يجب، لا بد من التحليق معه. السرب كان يحتاج لرفقة طائر آخر، وآخر، لهذا كان عليه أن يستجيب لهفهفة الهواء الطيب بين حنجرة المتصلة وما يتلو بين شفتيها :
ــ " أنت طبعاً، لا تعرف من أنا، لكن.. "!.
لسبب غامض، شعر، بأن محطة رأسه المقفرة تتهيأ لدخول قاطرة الفقاعة المدهشة . وأن طائر التفاؤل في قلبه، يهم للتحليق استجابة مع تلك الفقاعة اللاهثة.
الصوت الذي كان يخرج وكأنه من علبة مخملية، كشف عن عدم تمسكه أيضا.
كل شيء كان يندفع إلى أمام، ثم ما يلبث، يسقط إلى خلف. كل منها يبسط جسده على لحظة محيط سلام تؤرجحها ريح خفيضة.
سألته، وكان الهواء في فمها لزجاً، محموماً. وثمة رائحة تطلق بين ثانية وأخرى، تثاؤبة من اهتزاز، تربك ضحكة خجولة :
ــ " هل تسمح لي، تطفلي عليك لبعض الوقت "؟!
لم ينتبه لنفسه، حين تحشرج صوته من جديد:
ــ " هل تسمحين، أن أستند إلى حاجز، لأتحمل جسدي، أولاً "!
كان يمتلئ بالأوراق الخضراء والحمراء والبنفسجية، وأن ريقه يبحث عن سائل خريفي بعيد، يسبل عليه جفنين مترددين، نصف مغمضين. غير أن عينيَ اغصان مهتزة في قلبه، كانت تتنزه معه على حليب مزبد.
ــ " حليب طازج، هل هذا فعلا ما تحتاجه إليه الآن "؟
هو لم يقل لها، ما كان يفكر فيه، أو عما كان يشعر به. أحمر وجهه، للحظة، خجلاً، أن يكون مكشوفاً، لمجرد أن الهواء الذي يخرج من حنجرته، قليل الحذق. وكان مأخوذاً بالدهشة، وإن عليه أن يخرج من المَقْلب الذي يجعله على الحافة.
كل شيء بدا مغلقا. والعلبة المخملية، ما تزال تحت مقعده وهو في قطار الضجة اللاهثة. ومع الهدير، كان قلبه يهتز ، كما زجاج في إطار لوح خشبي قديم ومخلخل.
أصوات نقية وقاسية، تستغرق في هيأتها المتطرفة المنعشة، وقتاً، لتغدو رصيفاً أميناً لهبوط وحي المزاج السحري.
في تلك اللحظة بالذات شم رائحة هسهسة، متقطعة الانفاس، وكأنها قطعت آلاف الأميال، لتندس تحت وسادته .
المزاج السحري، كشف، منذ اللحظة الأولى، عن حاجته للتماسك، أمام الحشد المتوهج الذي جاء مع كلمة " ألو " الفارهة، المُلِحة، التي فاجأت ما بداخل العلبة المخملية.
وهو يتباسط مع التجديد، أو خلف خطى القدماء، يمزج عالم الصدمة، بما تقشر في روحه من صحراء استفزاز الخطورة والمطاردات. والعديد من المؤامرات المحاكة في الخفاء والعلن. وكيف كان يعيد، رغم شعوره بالغربة، وصبرا يتحين الفرصة للانعتاق عن ربقة سجنه، للرد بالمحاججة والمواجهة والتماسك الجدي، أمام وجوه تخفي داخلها ما يخدش الطيبة والعفة.
اعتاد، كلما كانت الحلقات تصيبه بالسجن والتفاهة، يناضل للخروج من مضمارها، حتى لو كانت مفروشة بملاءات ناعمة.
لم يكن عليه، وسط هذا الحشد المتماوج، أن يختار علي ما يطير مع الهواء فقط، إنما ما يخرج، مشوشا، ومضطربا، وشهوانيا. ما يقع في الباطن، وتحت دفء الطين، وما خلف الكواليس، وشاشة العرض.
كل ذلك، كان يتطلب منه الشعور بالقدرة على مواجهة الدفء، حين يهزه الوحي، من بين مسامات جسده المشتعل بصقيع البرد. أوحين يُلقي عليه إزارا، من صوف، أو من حرير، لحظة هطول العرق البارد!



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الحبُ بالحواس؟..
- فك الخط !..
- ... وماذا بعد؟!
- للحياء، قدمين عاريين..
- ما لا يمنعُ الضَحكَ، أيضاً!..
- من فرطِ الأرقِ، أحياناً!
- لأشدّ ما يكونُ غزيراً..
- النهارُ مستديرٌ دائماً..
- ما ينفرط!..
- في العالمِ الدقيقِ جدا!..
- نبعٌ من عينين!..
- لسماءٍ باقية!..
- مَيَلانُ الحافّة!
- الغرق المؤثر!...
- في الجذلِ الغابي!..
- في عُزلةِ الانفِراط!..
- إمرأةٌ في لحظة..
- بلا كلمات!..
- مما لا يعوَّضُ!..
- البدايةُ دائماً..


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - دبيب المخمل!..