أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - الحسين أخدوش - التربية العقلانية الحرّة أفقا لتخطّي عدمية المقرّرات الدراسية















المزيد.....

التربية العقلانية الحرّة أفقا لتخطّي عدمية المقرّرات الدراسية


الحسين أخدوش

الحوار المتمدن-العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 16:01
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


التربية العقلانية الحرّة أفقا لتخطّي عدمية
المقرّرات الدراسية


الحسين أخدوش

لقد فقد التعليم عندنا، في مجمله، الهدف، بل وفقد معه كلّ وسيلة ناجعة لبلوغه! فأن تكون التربية العامة غاية في ذاتها وليست البرامج، وكذلك أن يكون المربّي ضروريا لهاته الغاية وليس كما الحال عليه اليوم، أي كمجرد موظف بسيط يتقاضى أجرا مقابل عمل روتيني يستنزفه؛ كلّ ذلك يعني أنّ التعليم كما يمارس لدينا لم يعد رهانه تربية النشء، وهذا الأمر هو ما يتعامى عنه المسئولون القائمون على شؤون التعليم والتربية.
إنّ ما ينقصنا الآن هو المفهوم الأخلاقي والعلمي للتربية، وحتى إذا توفر هذا التصوّر سوف يلزم عنه تكوين مربين ذوي تربية حقيقية؛ أي أصحاب عقول متفوقة ومتميزة تثبت قيمتها وإمكاناتها في كل الظروف بكلماتها وحتى بصمتها. وهذه العقول المتميّزة لا يمكنها أن تتربّى وتنشأ بدورها دونما ثقافة حرّة وعقلانية، ثقافة حقيقية وحية، ناضجة ومفعمة بالحياة، وليس كما نصادف الآن في اغلب مؤسساتنا التربوية والتعليمية، حيث التقنوي والبروقراطي تسيّد المشهد واستأسد على الجميع في ظلّ غياب ملحوظ لذوي العقول الحرّة (المثقفون الأحرار).
المربّون منعدمون عندنا، أو يكادون، لأنّ شروط وجودهم واشتغالهم تكاد تكون منعدمة، إن لم تنعدم أصلا؛ إلاّ إذا ما استثنينا القلّة القليلة التي لا تزال تقاوم إغراءات السلطة والمال والجاه. إنّ الشرط الأول لكل تربية ناجحة منعدم اليوم (أقصد الخيال/الإبداع) سواء في مؤسّساتنا العمومية، أو حتى الخصوصية التي اتخذت الربح المادي صنمها الوحيد وجعلت من معيار النتائج ونقط الامتحانات مؤشراتها الوحيدة للجودة؛ ولهذا انحطّت المؤسسات التعليمية ومعها الثقافة المغربية إلى المستويات التي نلاحظها ونعيشها اليوم.
في الواقع، إنّ ما يقوم به التعليم، حليا، هو مجرّد عملية ترويض عنيف للصغار والأحداث والمراهقين، لكي يكونوا صالحين للاستغلال بالنسبة للنسق الاجتماعي والسياسي والثقافي القائم. أمّا التربية الإبداعية والتحرّر الأخلاقي الإيجابي والتربية الخيالية والرياضية والفنية، فكلّ ذلك ليس مهما بالنسبة لعمليات التدجين الواسعة للمتعلّمين في فصولنا الدراسية كما لو كنا لا نزال عصر ما بعد القرن العشرين وما بالك بالقرن الواحد والعشرين!؟
لا يعلّم نسقنا التربوي التفكير النقدي واستعمال المنطق السليم في التحليل والمعالجة، كما لا يربّي على الحرية في اتخاذ القرار والإبداع الجمالي والتصوير الخيالي الفني؛ لكنّه بالمقابل ظلّ وفيا للحفظ وحشو المعلومات واجترار المضامين وتكرار النصوص. ولتجاوز هذه الكارثة، فيما أعتقد، لا يتطلّب الأمر الكثير من التنظير الفارغ ولا الكم الهائل من الدراسات البحثية حول الظواهر السلبية التي اجتاحت منظمتنا التعليمية مؤخّرا، وإنّما التركيز على الأهم وبجهد أقل. فما هو هذا الأهم الذي لا يحتاج سوى جهد أقل؟
يمكن للفاعلين التربويين أن يختلفوا كما يحلوا لهم في النظريات التربوية والبيداغوجية المختلفة، لكنّهم، فيما اعتقد، لن يختلفوا على بعض القضايا التربوية البسيطة، التي اعتبرها بمثابة المهمات الأساسية التي لا بد لها من مربين جيدين:
أولا؛ يلزم عن كلّ تعليم مفيد الحرص على تعليم المتعلمين كيفية إجراء الملاحظات بأعينهم، لتنمية ذكائهم البصري بتعويد أعينهم على المشاهدات المنهجية وتمييز الألوان وإدراك الانسجام والتشتت الذي يطبع الأشياء الموجودة في محيطهم المباشر من ثم غير المباشر في مجال العلوم الإحيائية والتجريبية. (اسمي هذه المسألة تنمية الذكاء البصري).
ثانيا؛ يلزم عن كلّ تعليم مفيد الحرص على تلقين مبادئ التفكير النقدي، وذلك بإتباع طرق ومناهج تربّي لدى المتعلم إثارة السؤال في ذهنه والبحث له عن جواب أو أجوبة محتملة، في أفق بلورة تصوّر شخصي للمسائل والمشاكل المطروحة له. ولتنفيذ هذا المبدأ، يلزم تجنب البرامج التي تركّز على المضامين والمحتويات إلى البرامج النقدية التي تسلك طريقة طرح المشاكل والبحث عن الحلول الممكنة. وسوف يعلّمنا هذا النهج كيف نعلّم المتعلم أن يفكر من تلقاء ذاته.
ثالثا؛ يلزم عن التعليم الناجح أن يعلم الناشئة كيف تتكلم وتكتب لأجل تمكينهم من أدوات الإبداع التواصلي والبلاغة واستعمال الحجج فيما ينتجونه من خطابات مكتوبة أو شفهية. وفي هذه المسألة تحديدا، يلزم الحسم في الفوضى اللغوية القائمة باعتماد لغات الأم في البداية (العربية والأمازيغية في مناطق الأمازيغ)، واعتماد اللغات الأجنبية بعناية ودقة، خاصة الانجليزية حتى يتمكّن المتعلّم من أداة التواصل العالمية، ويمكن أن تبقى الفرنسية والاسبانية لغتان اختياريتان نظرا لاعتبارات جيواستراتيجية نعلمها جميعا.
ويبقى الهدف من هذه المهمات الثلاث إكساب المتعلمين ثقافة منفتحة ومبدعة، قوية وعلمية وإجرائية في نفس الوقت؛ فأن يتعلم المتعلّم أن يرى ويلاحظ يجعله تعوّد عينيه على الهدوء والصبر على ترك الأشياء تأتي إليه. وفيما يخص تعلّمه للتفكير الذاتي، فذلك ما سوف يجعله يتمرّن على تعليق الحكم وعدم التسرّع في إصدار الأحكام الجاهز، بالتالي يقطع مع الدوغمائية والوثوقوية ويتمرّن على الإحاطة بالجزء وفهمه في إطاره الكلي. أمّا التمرّن على الكلام والكتابة، فلسوف يكسبه أدبا تواصليا رقيقا وعقلانيا إجرائيا يفيده في حياته العملية بحسن الإنصات والحوار، كما سيجعله قادرا على التقدّم في مساره الجامعي باستخدام لغات العلم والاقتصاد (خاصّة الانجليزية)، دونما الانفصال عن لغته الأم (الأمازيغية والعربية).
اعتقد أنّ هذه المهمّات الثلاث ستكون بمثابة مدرسة النجاح الحقيقية اللازمة لمجاوزة عدمية الجهل والتجهيل السائدين في مجتمعنا. أقصد بذلك إمكان الحديث عمّا يمكننا تسميته ب "المدرسة التمهيدية الأولية لحياة العقل"، حيث التركيز أولا على تعلّم ألاّ يستجيب المتعلّم فورا لأي إغراء إلاّ بعد التفكير فيه ونقده وامتلاك القدرة على التعبير عن موقفه تجاهه بوضوح، ومن ثمّ تملّكه لكيفية استثمار غرائزه ووجدانه للانخراط الفعال المبدع في محيطه الخاص والعام دون أن تكبحه وتمنعه قوى الجهل والعدمية من عملية التطوير الفعّالة.
باختصار أن يتعلّم كلّ متعلّم ما يلزمه القيام به من تلقاء عقله، ثمّ يعرف كيف يقرّر بإرادته العقلية التصرّف إزاء الوضعيات التي تعترضه، ومتى يعلق قراراته بشأن ما لا يستطيع فهمه بعد بحرية بالتروّي في الفعل والتبصّر في الفكر. ومتى بلغت تربيتنا هذا الهدف عندها فقط نستطيع نعتها بالتربية الحقيقية التي نحسبها عقلانية وأفقا تنويريا لمجاوزة عدمية الجهل والتجهيل السائدين في سياقاتنا الثقافية.



#الحسين_أخدوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة التربية وسؤال الحرية
- مسألة التوفيق بين أفلاطون وأرسطو عند الفارابي
- تركة الجابري


المزيد.....




- الحرس الثوري يُهدد بتغيير -العقيدة النووية- في هذه الحالة.. ...
- شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس
- -سرايا القدس- تعلن سيطرتها على مسيرة إسرائيلية من نوع -DGI M ...
- تقرير للمخابرات العسكرية السوفيتية يكشف عن إحباط تمرد للقومي ...
- حرب غزة: لماذا لم يطرأ أي تحسن على الأوضاع الإنسانية للغزيين ...
- كيف تُقرأ زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن؟
- الكرملين: الدعم الأمريكي لكييف لن يغير من وضع الجيش الأوكران ...
- مسؤول إيراني: منشآتنا النووية محمية بالكامل ومستعدون لمواجهة ...
- بريطانيا توسع قائمة عقوباتها على إيران بإضافة 13 بندا جديدا ...
- بوغدانوف يؤكد لسفيرة إسرائيل ضرورة أن يتحلى الجميع بضبط النف ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - الحسين أخدوش - التربية العقلانية الحرّة أفقا لتخطّي عدمية المقرّرات الدراسية