أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رشيد اوبجا - الحق في الاختلاف و ثقافة الاختلاف : مدخل إلى العدالة الثقافية















المزيد.....


الحق في الاختلاف و ثقافة الاختلاف : مدخل إلى العدالة الثقافية


رشيد اوبجا

الحوار المتمدن-العدد: 6181 - 2019 / 3 / 23 - 16:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقديم :
يعتبر الحق في الاختلاف من ركائز الديمقراطية ، إذ لا يمكن التأسيس لمجتمع ديمقراطي تسود فيه حقوق الإنسان بدون الاقتناع بالدور المحوري للحقوق الثقافية للشعوب ، من تم تكريس التعددية الثقافية التي ناضلت من أجلها مجموعة من الحركات الاجتماعية و كذا الشعوب الأصلية . و من ثمار ذلك صدور إعلان اليونيسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي سنة 2001 ، و " إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية " الذي اعتمدته الجمعية العامة في 13 شتنبر من سنة 2007 .
لقد أصبح موضوع العدالة الثقافية يفرض نفسه في الآونة الأخيرة لدى نشطاء الحركة الحقوقية ، و يعد مدخلا أساسيا في مقاربة إشكالية العدالة في الفلسفة السياسية المعاصرة ، كما هو الحال بالنسبة ل ويل كميليكا على سبيل المثال لا الحصر .
و ساهمت مدارس من داخل الأنتربولوجيا في تكريس التعددية الثقافية ، من خلال التأسيس لمبدأ النسبية الثقافية " كخطاب مناوئ لأطروحات الانتروبولوجيا الاستعمارية .
سنحاول في هذه الورقة أن نجيب عن الأسئلة الآتية :
• كيف قاربت الفلسفة السياسية المعاصرة موضوع العدالة ؟
• هل يمكن الاقتصار على مسألة توزيع الخيرات المادية " في التأسيس للعدالة الاجتماعية ؟ أم أن هناك خيرات أخرى لا تقل أهمية ( الخيرات السياسية ، الخيرات الثقافية ، الرمزية ...الخ ) ؟
• ما هي أسس و مرتكزات الحق في الاختلاف ؟ و ما المقصود بثقافة الاختلاف ؟
• هل هناك اعتراف بالتعددية الثقافية في العهود و المواثيق الدولية ؟

سؤال العدالة في الفلسفة السياسية المعاصرة :
يعتبر سؤال العدالة من الموضوعات الكلاسيكية في الفلسفة ، كما أصبح تيمة بارزة في الفلسفة السياسية المعاصرة ، و قد عرف سجالا حادا بين عدة مدارس فلسفية أبرزها : مذهب : " اللبراليين " بزعامة جون راولز ، و تيار " الجماعاتيين " كما هو الحال عند " مايكل ساندل ، و ألسدير مكنتاير ، وشارل تايلولر ...الخ .فإذا كان المذهب الأول يعطي الأهمية القصوى للحقوق الفردية ، فإن المذهب الثاني ينتصر للحقوق الجماعية .
إن ما يمكن نعثه ب " البراديجم التوزيعي " كان الجذر الموضوعي للاختلاف الحاصل في التصورات الفلسفية التي قاربت موضوع العدالة ، فمن جهة تدافع مجموعة من النظريات عن التوزيع العادل للخيرات المادية كمحدد أساسي لتكريس العدالة ، كما هو الحال بالنسبة للمذهب المساواتي ، و نظرية الحد الأدنى عند كل من " مارتا نوسباوم " و" أنغليكا كوربس " ، و كذا النظرية الماركسية . و من جهة أخرى يدافع المذهب اللبرالي عن العدالة بمضمون سياسي .
هذا السجال الفلسفي الذي دارت رحاه في الفضاء الأنجلوساكسوني ، تفاعلت معه مدرسة فرانكفورت ، فقد قام " يورغن هابرماس " بإعادة صياغة كلا التصورين ( اللبرالي و الجماعاتي ) استنادا إلى أعمال فرانك مشلمان " ، و بالتركيز على تصورات المذهبين معا " للمواطن و الحق و طريقة تصورهما لطبيعة تشكيل الإرادة السياسية "
من خلال منظوره التشاوري اعتبر هابرماس أن التصورين معا لم يتناولا المضمون البينذاتي للحقوق التي تطالب بالاحترام المتبادل للحقوق و الالتزامات في شروط الاعتراف المتماثلة . " 1
لقد أثر هذا التصور بشكل كبير في تلميذ هابرماس أكسيل هونيت ، و لو أنه ينهل من فلسفة هيجل ، إذ طور منظوره للاعتراف ليجعله (براديجما ) أساسيا في تناول موضوع العدالة خاصة في كتابه الصراع من أجل الاعتراف the Struggel for Recognition .
وقد تمكن هونيت من بلورة ما سماه ( العدالة بوصفها تحليلا للمجتمع ) . و لا يهتم في تصوره للعدالة باستخلاص القواعد و المبادئ المعيارية التي نقيس على أساسها الشرعية الأخلاقية للنظام الاجتماعي ، بل يهتم كثيرا بتحليل العلاقات الاجتماعية في أفق كشف الأمراض الاجتماعية التي تهدد تماسك الجماعة ..." 2
إن الحق في الانتماء إلى الجماعة ، في نظره ، و كذا الاعتراف في المجتمعات الحديثة حق من حقوق الفرد . فهو يفهم كل أنماط النزاعات الاجتماعية ، حتى تلك القائمة على أساس توزيع الخيرات و الترواث ، بوصفها نزاعات معيارية و صراعا من أجل الاعتراف .
لم يسلم تصور" أكسيل هونيت " من سهام نقد " نانسي فرايزر " ،محاولة البحث عن الحلقات المفقودة في نظريات العدالة، من أجل إعادة بناء عدالة متشبعة بقيم إنسانية. ولذلك استوجبت استراتيجية فريزر تفكيك البنية الرأسمالية والكشف عن ماهيتها. وبهذه الاستراتيجية تسعى إلى ” إدماج الأفضل من سياسة إعادة التوزيع مع الأفضل من سياسة الاعتراف(الصراع من أجل الاعتراف) و الصراع من أجل إعادة التوزيع الاقتصادي. 3
من جهته حاول " راينر فورست 4 أن يبلور بديلا مغايرا يتخطى هفوة عدم استحضار السياق عند اللبراليين ، و يتجاوز ، في الآن نفسه ، مشكلة تضخيم السياق عند " الجماعاتيين ". و في هذا الإطار سيعد فورست رسالته في موضوع سياقات العدالة : ما وراء النزعتين اللبرالية و الجماعاتية " . 5
لقد قارب راينر فورست إشكالية العدالة في علاقتها بمفاهيم أخرى من قبيل : التسامح ، وحقوق الإنسان ، و الكرامة ، و العدالة العالمية و السلم ، و الحق في التبرير .
إن مسألة السلطة ، هي جوهر العدالة عند فورست ، فلا معنى لتوفير حد أدنى من العيش أو توزيع الخيرات بين المواطنين ، مادام هناك غياب للمشاركة بين أفراد المجتمع في توزيع معايير السلطة و تحديد السياسات . هكذا ، فإن التصور البديل للعدالة عند " فورست ينبغي أن يتجاوز مفهوم الخيرات المادية إلى " الخيرات السياسية " ، من تم فإن المطلوب في التفكير السياسي المعاصر للعدالة الانكباب على معالجة السلطة كسؤال مركزي للعدالة " . 6
و يقترح منظورا بديلا ينبني على نقد علاقات التبرير ، لضمان كرامة الإنسان كفاعل و مشارك في نظام التبرير . علاوة على اعتبار سلطة التبرير حق يتوجب أن يتمتع به كل مواطن . 7
إذا كان راينر فورست يؤسس لتصوره للعدالة من خلال براديجم التبرير" محاولا التركيز على السلطة ( سلطة التبرير و المشاركة في وضع المعايير ) ، محاولا تجاوز المحدد القائم على توزيع الخيرات المادية إلى مسألة الخيرات السياسية ، فإن هناك تصورات أخرى انطلقت من مسألة التوزيع العادل للخيرات الرمزية من ضمنها الخيرات الثقافية . و يعد ويل كميليكا 8 أبرز مدافع عن هذا التصور.

العدالة من منظور التعددية الثقافية :

ينظر كميليكا إلى التعددية الثقافية باعتبارها مفهوما للالتزام السياسي ، إذ تضمن مبادئ الحرية الفردية و المساواة " من خلال ضمان حقوق الأقليات القومية و الشعوب الأصلية . و خلافا للتصورين السالفي الذكر ( اللبراليين و الجماعاتيين ) ، فإن كميليكا يحاول أن يوسع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي ، إضافة إلى مستواها الفردي .9 ويرى أن التعددية الثقافية محدد أساسي لبناء نظام ديمقراطي ؛ نظام يتجاوز المنظور الفرداني في مقاربة المسألة الثقافية فإذا قسنا مؤشرات الأساس الديمقراطي في الغرب مثل الحرية الثقافية و السلام و الرخاء الاقتصادي ، نرى أنه لم تتقدم أي من الدول التي سلكت طريق التعددية الثقافية إلى الحرب الأهلية أو إلى الفوضى أو واجهت انقلابات عسكرية أو عانت من انهيار اقتصادي ، بل على العكس كانت أكثر المجمعات سلاما و استقرارا و رخاء على الأرض 10

لعل من أوائل من طرحوا مسألة العدالة اللغوية في حقل الفلسفة السياسية نجد " فيليب فان باريس " ، من خلال مجموعة من الدراسات و الأبحاث أبرزها كتاب العدالة اللغوية من أجل أوربا و العالم " 11
و الذي أكد فيه غياب العدالة ذات الصلة بالتنوع اللغوي ، خاصة باستحضار هيمنة اللغة الانجليزية .
و يرى أن العدالة اللغوية تقوم على المرتكزات الآتية : 12
 الاعتراف بالتنوع اللغوي داخل حدود الدولة و التأكيد الرمزي للمساواة بين اللغات .
 تبني لغة مشتركة تحقق التواصل بيم جميع مواطني الدولة ، أطلق عليها ( اللغة الوسيطة ) .
 امتلاك مواطني الدولة المقيمين في أقاليم الأقليات الشجاعة ، و التواضع لتعلم اللغات الحية المرسمة وفق مبدأ الجهوية في تلك الأقاليم .
 تبني مبدأ الجهوية اللسانية الذي يقوم أساسا على الاعتراف بحق كل جماعة لغوية في استخدام لسانها داخل حدود اقليمها .

التعددية الثقافية و الحق في الاختلاف :

الثقافة " مجموع السلوكات الاجتماعية و الممارسات التي تتوارثها جماعة أو مجموعة من الأجيال المتلاحقة كتقنيات الأكل و القيم الأخلاقية و العرفية و الدينية و العادات اللغوية و الطقوس ، كما تتجلى في أشكال اللباس و المباني "13
يعرف " رالف بيلز " الثقافة بكونها " أساليب السلوك النمطية التي يتعلمها المرء من خلال عضويته في جماعة اجتماعية " .
و لعل من بين المبررات التي تقدم لتهميش ثقافات الأقليات ، و أحيانا ثقافة أغلبية مواطني شعب معين ،
تنهل من التمييز بين الثقافة المكتوبة و الثقافة الشفوية ، من تم الانتصار لما سمي ب الثقافة العالمة " على حساب الثقافة الشعبية التي يتم ازدراؤها . في هذا الصدد نرى ضرورة التوقف قليلا لتحديد العلاقة بين المعرفة و الثقافة .
إن الثقافة أوسع من حيث الدلالة من المعرفة ، فالمعرفة لحظة من لحظات الثقافة ، هي لحظة إنتاج التصورات النظرية حول موضوعات العالم الخارجي " 14
ليست الثقافة المكتوبة إذن إلا لحظة بسيطة من لحظات التعبير الثقافي ، لكن مع الأسف ، فإن تاريخ الثقافة المكتوبة حظي بعناية فائقة عكس تاريخ الثقافة الشعبية . و يساهم ذلك في تزييف الوعي تجاه ما أنتجته البشرية من تراكمات ثقافية فحين لا يكون في وسعنا أن نكتب تاريخ قسم من التعبير الثقافي لمجتمع و لشعب ما ، فنحن بذلك نفقد قدرتنا – و حقنا في – بناء وعي صحيح متكامل بتراكمه الرمزي ، الأمر الذي ينجم عنه ضعف في مستوى تمثلاتنا له " 15
و يعتبر عبد الله حمودي الثقافة بمثابة مركب يجمع بين " الثقافة العالمة" و" ثقافة معاشة " ، و هذه الأخيرة تشغل دور الوسيط الفعلي المشتمل على الأولى . 16
في هذا الصدد ، ينتقد حمودي الدكتور محمد عابد الجابري لكونه يكتفي بمفهوم ضيق للتراث و الذي " لخصه في الثقافة العالمة ، من دون النظر في العلاقة بين الثقافة و المفاهيم و المساطر التي انبنت عليها الحياة في المجتمعات العربية الحية ، و أساس الكل نظرة قومية للثقافة متأثرة بالتصورات البعثية ..." . 17
يبقى الدرس الأنتربولوجي مرجعية لا محيد عنها للترافع من أجل التعددية الثقافية . و رغم ارتباط الأنثروبولوجيا بالخلفيات الإيديولوجيا و الأطماع الاستعمارية في بداياتها ، إلا أن هناك " أنتربولوجيا مضادة " كما نجد عند ( أشلاي مونتاقيو ) حول أسطورة التفوق العرقي ، و كذا عند هيرسكوفيتش " و" رالف بيلز" و " رالف لينتون " حول النسبية الثقافية باعتبارها حقيقة واقعية ، و هي تدافع عن فكرة الاختلاف و الحق في الاختلاف و الاعتراف بالآخر ، المغاير ، الذي لا يستند إلى تشريطنا الثقافي ، إن على مستوى العقيدة أو على مستوى السلوك ، أو على مستوى الرموز "18
و يحدد هيرسكوفيتش " النسبية الثقافية باعتبارها مذهب فلسفي من مهامه : تقديم نظرة مضادة حول الثقافات ضد النظرة التي تقدمها الأنثروبولوجيا الاستعمارية ، فهي تنشد غاية انتاج أحكام موضوعية ضد
المواقف " الدوغمائية " المطلقة .
ففي الفصل الأخير من كتاب (هيرسكوفيتش) أسس الأنتربولوجيا الثقافية " ، يحاول مقاربة مفهوم الحق في علاقته بالعدالة و الجمال باعتبار امكانية تشكلها و تبلورها في إطار ثقافات كتعبير عن التسامح لا عن نزعة عدمية فهذا المبدأ يعتبر أكبر إسهام للانتربولوجيا الثقافية ، يدفع الإنسان خطوة إلى الأمام في البحث عما يجب أن يكون عليه و ذلك في ضوء الوقائع التي نعرفها عن الإنسان على ما هو عليه في وحدته كما في اختلافاته " .

الاختلاف الثقافي و ثقافة الاختلاف :

إن الاختلاف الثقافي ظاهرة وجودية منفصلة عن الذات التي تمارس النقد و التحليل و الحكم ، و يجسد التمايزات الثقافية الناتجة عن تعدد الخصوصيات الإثنو ثقافية و المجالية لمختلف الشعوب و المجموعات البشرية . و يستتبع ذلك اختلاف ثقافة عن أخرى بوصف تلك ظاهرة محسوسة و تشهد بها سمات عديدة في الثقافة نفسها ، أبرزها اللغة و المعتقدات و التاريخ و المنتجات المعرفية و الذوقية من علوم و آداب و فنون ، و كذلك أنماط السلوك و طرق التعبير إلى غير ذلك ..." 19
الاختلاف حسب "جيل دولوز" هو ذلك الوسيط الذي يصل بين المتناقضات و يصل بين الأشياء " بحسب ما تمليه شروط التعدد و التوليف غير المحددة قبليا ، إنه ما يمكن العناصر من أن تتحد ببعضها وتترهن ، و بهذا المعنى ، فهو من حيث هو المسافة و التباعد و التعدد ، وحده ما يجعل الموجود يتحقق ، و من هنا أهميته الأنطولوجية " . 20

و تتأسس فلسفة الاختلاف عند دولوز ، في مجملها ، على سؤال مركزي هو : كيف يكون الإثبات ممكنا دون هوية ؟ و كيف يكون الاختلاف ممكنا دون سلب ؟
في هذا الإطار تستدعي الضرورة تكريس ثقافة الاختلاف كمحدد أساسي و ضمانة رئيسية لتدبير الاختلاف و التعدد الثقافيين . فما المقصود بثقافة الاختلاف ؟
تعني ثقافة الاختلاف الثقافة المتراكمة نتيجة الوعي بالاختلاف و الصدور عن ذلك الوعي ، و دراسته و تحليله ، الأمر الذي يوجد تراكما معرفيا و خبرة إدراكية أو مجموعة من المعارف و الخبرات التي تتألف منها ثقافة نابعة من الاختلاف ." 21
إنها " ما ينتجه الفرد الباحث أو الذات المتأملة حين تقوم بالبحث في الاختلاف الثقافي أو تتأمله و تتخذ موقفا تجاهه 22

الاعتراف بالتعددية الثقافية في العهود و المواثيق الدولية :

تنص المواثيق الدولية على الحقوق اللغوية و الثقافية للشعوب ومن ضمنها الأقليات القومية و الشعوب الأصلية ( أقلية كانت أو أغلبية ) .و تنص المادة الثانية من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق و الحريات المذكورة في هذا الاعلان ، دونما تمييز من أي نوع ، و لاسيما التمييز بسبب اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي سياسي أو غير سياسي ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو المولد أو أي وضع آخر " .
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، فيقر في المادة الأولى بحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي .
عرفت المنظومة الحقوقية الدولية تقدما ملحوظا في الآونة الأخيرة في إقرار الحقوق الثقافية في شموليتها ، و طبعا ، كان ذلك نتاج نضالات الشعوب ، و ترافع ممثلي الشعوب الأصلية و منظمات المجتمع المدني أمام المؤسسات الحقوقية الدولية .
فقد عرفت سنة 2011 صدور إعلان اليونيسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي ، و تؤطره أربعة محاور أساسية . فالمحور الأول يهم موضوع الهوية و التنوع و التعددية ، و التنوع الثقافي حسب الإعلان بمثابة تراث مشترك للإنسانية جمعاء. و يخلص المحور الأول إلى أن التعددية الثقافية هي الرد السياسي على واقع التنوع الثقافي .
أما المحور الثاني فيتعلق بالتنوع الثقافي و حقوق الإنسان ، فهذه الحقوق ضمانة لتكريس التعددية الثقافية ، كما أن الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان .
و يعنى المحور الثالث بعلاقة التنوع الثقافي بالإبداع ، بينما يؤطر المحو الرابع مسألة التنوع الثقافي و التضامن الدولي .
و من مكتسبات الحراك الحقوقي الدولي " إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية " و الذي اعتمدته الجمعية العامة في 13 شتنبر من سنة 2007 .
و يؤكد الإعلان على مساواة الشعوب الأصلية مع الشعوب الأخرى ، و إقرار حق جميع الشعوب في أن تكون مختلفة مع احترامها بصفتها هذه . فهذا الاختلاف و التنوع هو بمثابة تراث مشترك للإنسانية .
إن " سيطرة الشعوب الأصلية على التطورات التي تمسها و تمس أراضيها و أقاليمها و مواردها ستمكنها من الحفاظ على مؤسساتها و ثقافتها و تقاليدها و تعزيزها ، و من تعزيز تنميتها وفق تطلعاتها و احتياجاته " .
و تكمن أهمية التنوع الثقافي و تكريس حقوق الشعوب الأصلية ، حسب الإعلان ، في مساهمة معارف و ثقافات الشعوب الأصلية في تحقيق التنمية المستدامة و المنصفة للبيئة و في حسن إدارتها .
و تنص المادة الثانية من الإعلان على أن الشعوب الأصلية و أفرادها أحرار و متساوون مع سائر الشعوب و الأفراد ، و لهم الحق في أن يتحرروا من أي نوع من أنواع التمييز في ممارسة حقوقهم ، و لاسيما التمييز استنادا إلى منشئهم الأصلي أو هويتهم الأصلية " .
و للشعوب الأصلية و أفرادها الحق في عدم التعرض للدمج القسري أو لتدمير ثقافتهم ( المادة 8) .
و يقر إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية على ضرورة التزام الدول بالقيام بتدابير فعالة لتكريس حقوق الشعوب الأصلية و منع التمييز ضدها .
كما نص على الحق في ممارسة الشعوب الأصلية لتقاليدها و عاداتها ( المادة 11) ، وكذا ممارسة و تنمية و تعليم تقاليدها و عاداتها ( المادة 12 ) ، علاوة على الحق في إحياء و استخدام و تطوير تاريخها و لغاتها و تقاليدها الشفوية و فلسفاتها ، و نظمها الكتابية و آدابها ، و نقلها إلى أجيالها المقبلة ...( المادة 13 ) .

خاتمة :

من خلال ما تقدم ، نخلص إلى أن العدالة الثقافية تكتسي أهمية بالغة في التأسيس لمجتمع المواطنة و الديمقراطية . تجد فيه جميع الثقافات و اللغات حقها في إطار المواطنة اللغوية و الثقافية الذي يتأسس على " التوزيع الثقافي و اللغوي
لأفراد المجتمع على قاعدة الاعتراف بالمساواة في الحقوق و الواجبات ، و على أسس تعاقد ثقافي – لغوي بين الدولة و المواطن . 23

غير أن مطلب الحق في الاختلاف و التعددية الثقافية ليس بالأمر اليسير ، فغالبا ما تعيقه توجهات فكرية محافظة ، أو تصورات تنهل من مرجعيات قومية ضيقة ترى الاختلاف باعثا على التفرقة .
و الدليل على ذلك ما عرفه ملف الأمازيغية في المغرب ، في بداياته و لا يزال ، من تهميش و تضييق و قمع .
و رغم دسترة الأمازيغية في دستور 2011 كلغة رسمية إلى جانب العربية ، إلا أن هذا الترسيم ظل موقوف التنفيذ لارتباطه بشرط صدور القانون التنظيمي للأمازيغية الذي لم يرى النور بعد . و يؤكد ذلك استمرار العقليات المحافظة و الشوفينية في تدبير السياسات العمومية ، و التي تقف حجر عثرة أمام التقدم .


هوامش المقال :

- محمد الأشهب ، فلسفة الحق عند هابرماس منشورات كلية الآداب ، جامعة محمد الخامس، الرباط - أكدال ، سلسلة ندوات و مناظرات رقم 156 ، ص 184
2- محمد الأشهب ، الحق في العدالة في الخطاب الفلسفي المعاصر ، مؤلف جماعي ما العدالة ؟ معالجات في السياق العربي ، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات ، ص 139
3- عزيز الهلالي ، عزيز الهلالي ، من الاعتراف إلى التبرير… حوار نقدي بين نانسي فريزر وأكسيل هونت وراينر فورست ، ثقافات.
فيلسوف ألماني ، من رواد الجيل المعاصر لمدرسة فرانكفورت . - 4
5- مذهب في الفلسفة السياسية ، ظهر في أمريكا في بداية التسعينيات و يشير لمجموعة من المفكرين ( ساندل ، مكانتاير، شارل تايلور...) ، و يؤكد على دور أهمية الجماعة في صقل الروح الوطنية كيفما كانت هذه الجماعة ، و قد انتقد هذا المذهب تصور راولز اللبرالية بشدة .
6- محمد الأشهب ، " العدالة في سياق التبرير عند راينر فورست " مداخلة قدمت لأول مرة بالألمانية في معهد الدراسات المتقدمة بلشتنبرغ كوليغ بجامعة غوتنغن سنة 2014 و قدمت باللغة العربية بمدينة أكادير سنة 2017.
7-Rainer Forst, Justification and critique , translated by Ciarm Cronim ,Polity press ,2014
8- فيلسوف كندي ، نال شهادة الدكتوراه في جامعة أكسفورد سنة 1987 ، من مؤلفاته :" اللبرالية و المجتمع و الثقافة و " المواطنة متعددة الثقافة " و القومية ، التعددية الثقافية و المواطنة " ، و أوديسا التعددية الثقافية " ... الخ.
9- أحمد عزوز و محمد خاين ، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي بين شرعية المطلب و مخاوف التوظيف السياسوي، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات ، ص 16.
10- ويل كميليكا ، أوديسا التعددية الثقافية : سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع " ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 378 ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب ، الكويت ص186
11- Linguistique Justice for Europe and for the World(Oxford: University Press , 2011)
12- أحمد عزوز و محمد خاين ، مرجع سابق ، ص 17-18
13- سليم دولة ، ما الثقافة ، منشورات المستقبل ، ط2 ، الدار البيضاء 1990 ، ص 41
14- ع الإله بلقزيز ، في البدء كانت الثقافة ، نحو وعي عربي متجدد بالمسألة الثقافية ،إفريقيا الشرق ، الدار البيضاء ، 1998 ، ص 44
15 - ع الإله بلقزيز ، مرجع سابق ، ص 47
16 - عبد الله حمودي ، الرهان الثقافي و هم القطيعة ، إعداد و تقديم محمد زرنين ، منشورات جامعة محمد الخامس أكدال الرباط ، دار توبقال للنشر ، الطبعة الأولى ، الدار البيضاء ، 2011 ، ص 11
17 - عبد الله حمودي ، المرجع نفسه .
18- سليم دولة ، مرجع سابق ، ص 62
19- سعد البازعي ، الاختلاف الثقافي و ثقافة الاختلاف ، المركز الثقافي العربي ، ط2 ، الدار البيضاء ، 2011 ، ص 13
20- عادل حدجامي ،فلسفة جيل دولوز عن الوجود و الاختلاف، دار تبقال للنشر ،سلسلة المعرفة الفلسفية ، الطبعة الأولى 2012 ، ص 198
21- سعد البازعي ، مرجع سابق ، ص 9
22- سعد البازعي ، مرجع سابق ، ص 10
- 23 - أنظر : مبارك حنون ، الوضع اللغوي بالمغرب في أفق العولمة : نحو إيكولوجيا لغوية ، مجلة فكر و نقد ، العدد ، 1999



#رشيد_اوبجا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلقات حول النوع الاجتماعي- الجندر - الحلقة 3 مقاربة النوع و ...
- حلقات حول النوع الاجتماعي ( الجندر ) الحلقة 2 النوع الاجتماع ...
- حلقات حول النوع الاجتماعي ( الجندر ) 1 تقديم حول ماهية النوع ...


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رشيد اوبجا - الحق في الاختلاف و ثقافة الاختلاف : مدخل إلى العدالة الثقافية