أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - البابا شنودة و... برينتون تارانت














المزيد.....

البابا شنودة و... برينتون تارانت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6178 - 2019 / 3 / 20 - 08:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اللّهمّ تقبّلْ في فردوسك الأعلى شهداءَنا في نيوزيلاندا، وأحسِنْ عزاءَ ذويهم المكلومين. تلك الفجيعةُ الإرهابية "العِرقية" الخسيسة قدّمت لي برهانًا جديدًا على صحّة الفكرة التي أكتبُ فيها منذ عشرين عامًا: “نقصُ الحبِّ أصلُ كلِّ شرور العالم.”
وهذا مقالٌ عجيب. لأنني مُضطرةٌ أن أجمعَ فيه بين ما لا يجتمع. "الحُبُّ" الذي يكادُ أن يكون مطلقًا، و"البُغضِ" الذي يكادُ أن يكون مُطلقًا، كذلك. 17 مارس، ذكرى رحيل رجل طيب هو قداسة البابا شنودة، الذي كان "الحُبُّ" نهجَه، فاستوجب أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ليتربّع على عرش الخلود؛ ولا يُنسى. وقبل أيام للأسف دخل التاريخَ شخصٌ بائسٌ من خوامل البشر، اسمه "برينتون تارانت"، استرالي إرهابيّ ملحد، أهدرَ دماءَ خمسين مسلمًا مُسالِمًا في لحظة صلاة لله وورع داخل المسجد في نهار الجمعة، بدعوى التخلص من العِرق العربي ذي المعتقد الإسلامي. وهنا درسٌ جديد علينا تعلّمُه. مثلما نواجه الإرهابَ والتطرّف الديني في مجتمعاتنا الإسلامية، على الغرب مواجهة التطرف العِرقي في مجتمعاته.
يُذكّرُنا البابا شنودة بالملك النجاشي ملك الحبشة، المسيحيّ العادل الذي أكرمَ وفدَ المسلمين الذين هاجروا إليه هربًا من جبروت قريش مع أتباع الإسلام، "الدين الجديد"، آنذاك. وحين مات الملك النجاشي قال الرسولُ عليه الصلاةُ والسلام للصحابة: “"مات اليومَ رجلٌ صالحٌ، فقوموا وصلّوا على أخيكم."
كان قداسةُ البابا شنودة رجلا استثنائيًّا امتلك نواصيَ الجمالِ كلَّها. امتلكَ ناصيةَ اللغة والأدب؛ فكان شاعرًا مبدعًا، فيلسوفًا وكاتبَ مقال رفيعَ المستوى. وامتلك ناصية الوطنية؛ فكان نِعمَ المصريّ الشريف الذي أحبَّ بلاده وتحمّل الكثيرَ من أجل استقرارها ووحدة صفّها. وامتلك ناصية الرحمة والمحبة؛ فكان نِعم الأب المُعزّي لأبنائه. وامتلك ناصيةَ الحكمة والسياسة؛ فعرف دائمًا كيف يُحوّل أحزانَ الأقباط لفيض من المحبة لإخوانهم المسلمين، وحتى للمسيئين منهم. وامتلك ناصية التنسّك والتقشّف، فاعتكف في الدير سنوات لا يبرحه، ليحيا للصلاة والتأمل. مردّدًا قولته الشهيرة: "لا أريدُ شيئًا من هذا العالم، لأن العالمَ أفقرُ من أن يعطيني شيئًا." عاش بهدوء ورحل بهدوء كما يليق برجل دين صالح، حمل حبَّ الله في قلبه، فأحب كلَّ خلق الله. تمامًا مثلما كان يعظ أبناءه بهدوء، لا يخلو من خفّة ظِلٍّ وسرعة خاطر في الرد على تساؤلات الناس ومشاكلهم، وامتصاص همومهم تلك التي عرف دائمًا كيف يُبسّطها في عيونهم؛ مُحوّلاً أنظارهم نحو السماء التي فيها العدلُ والرحمة والعزاء عمّا يلاقي المظلومُ على الأرض من ظلم الإنسان للإنسان. ولأن مصرَ نبعُها لا ينضب، فقد عوّضنا اللهُ برجل لا يقلُّ حكمةً ووطنيةً: قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي وأد الفتن في مهدها وحمل لواء الوطن في أحلك اللحظات وأعسر المحن، انتصارًا لمصر واستقرارها ووحدتها.
ترفّع البابا شنودة، رحمه الله، عن الصغارات والدنايا؛ فتجاوز عن سخافات أطلقها في حقّه متطرفون فارغو العقل فقيرو الروح. وكان يمنع أبناءه من الغضب لأبيهم الروحي ورمزهم الدينيّ. حتى حين كان ينفجرُ الأمرُ في إحراق كنيسة أو قتل مسيحيين كان يردد على مسامعنا قولته: "كلّه للخير"، ثم يُصليّ للمسيئين طالبًا من الله ألا يُقيم عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. وكانت كلمته الشهيرة للمسيحيين: "اغفروا"، تُحوّل الأحزانَ إلى محبة وتسامح ورقي.
رفض التطبيع مع إسرائيل، ومنع شعبَه من زيارة القدس قائلا: "لن ندخل القدسَ إلا مع إخواننا المسلمين بعد تحريرها." حملَ مصرَ في قلبه لأنه أجاد قراءتها بعمق خلال دراسته تاريخَ مصرَ الفرعونيّ والقبطيّ والإسلاميّ، ثم التاريخ الحديث. وكان يحثٌّ أبناءه على دراسة التاريخ قائلاً إن المعرفة والإيمان والعلم لا تكتمل بغير الخبرة. والخبرةُ لا تتكوّن من تجارب الإنسان وحسب، بل عبر الاستفادة من تجارب الآخرين؛ بتأمل التاريخ بما يحمل من خبرات السالفين، مُردّدًا البيت الشعري: "مَن وعَى التاريخَ في صدرِه/ أضافَ أعمارًا إلى عمرِه."
عمل على بناء كنائسَ "مصرية" للمسيحيين في المهجر؛ حتى لا تذوبَ هُويتهم المصريةُ القبطية في هُويات مهاجرهم التي يعيشون فيها. فكأنما بهذا يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبناء مصر المهاجرين وبين وطنهم؛ فلا يبرحونه مهما طالت الخيوطُ وتشعّبت وتشتتت في أرجاء الأرض.
في أكتوبر، 2011 قال البابا شنودة: "إن كانت أمريكا ستحمي الكنائس في مصرَ، فليَمُت الاقباطُ وتحيا مصر." ولأنني لم أشرُف يومًا بلقائه، أقولُ له اليومَ في رحلته للأبدية: يا قداسة البابا إن مصر، بعد الله، هي التي ستحمي كنائسَها كما تحمي مساجدها وهياكلها. مصرُ وشرفاءُ مصرَ سيحمونها، أولئك الذين لم يفرِّق بينهم شيطانٌ ولا مُغرِض طوال عمرها المديد العريق على هذا الكوكب. فنَمْ مستريحًا، وانعمْ بفردوس السماء، لأنك أهلٌ لذلك. "الدينُ لله، والوطنُ لَمن يُحبُّ الوطن”.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدبُ … حين يحمينا من المزورين | عن الصفحات الكاذبة
- هنا أسيوط … والذي مصرُ تعيشُ فيه
- على هامش ((تصويب)) الخطاب الديني
- البابا فرنسيس في دار زايد … على خُطا القديس الأسيزي
- صخرةُ العالم … وسوطُ السجّان
- إكليلُ غار للجميلة: سميحة أيوب
- قال الرئيس: مسيحيو مصر ليسوا أقليّة!
- عينا -نوال السعداوي- … في وهج الشمس
- أحبّوا … مثل طفلٍ ضرب قدمَه بسهم
- المركز الكاثوليكي المصري … صخرةُ الفنون الرفيعة
- ذكرياتي مع الكتاب ... في معرض القاهرة الدولي للكتاب
- تحت السرير … مع أفروديت وهيرا
- كيف خدعتُ أمي ... لقراءة الكتب الممنوعة
- أبطالٌ ... أخطأهم سهمُ الشهادة
- مقالي عن ثورة يناير والإخوان الذي منعه (اليوم السابع) | “هل ...
- من مصر… الرئيسُ يُطلقُ طائرَ المحبة
- في فِقه الدهشة… وقتلها!
- حملة 100 مليون صحة … شكرًا لدهشتي
- في الإمارات … مسجدُ مريمَ أمَّ عيسى عليهما السلام
- المصحفُ في بيتي …. جوارَ البتول


المزيد.....




- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - البابا شنودة و... برينتون تارانت