أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبة الله إبراهيم - الوجودية في مسرح مصطفى محمود















المزيد.....

الوجودية في مسرح مصطفى محمود


هبة الله إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 6176 - 2019 / 3 / 18 - 01:22
المحور: الادب والفن
    


تأثر الدكتور مصطفى محمود كغيره من الكتاب والمفكرين بالتيار الوجودي في ستينيات القرن العشرين،حيث نجد ذلك واضحا في كتاباته آنذاك، كما يظهر مثلا في كتابه "الله والإنسان"الذي أثار جدلاً كبيراً، انتهى بمصادرته وحظر نشره واتهامه بالكفر والإلحاد، كذلك كتاب "الأفيون"، ومضمونه أن الدين أفيون الشعوب، متأثرا بقول "كارلماركس"، بالإضافة إلى مسرحياته التي كتبت في تلك الفترة، وخاصة مسرحيةالزلزال التي كتبها عام 1963.
ولقد مر "مصطفى محمود" بالعديد من المراحل الفكرية والفلسفية التي أثرت بشكل واضح بكتاباته في كل مرحلة، بداية من تأثره بالفكر الوجودي، مرورا بمرحلة الشك واليقين، ثم تلك المرحلة التي تجلت فيها النزعةالفلسفية الصوفية.

ومن المعروف عنه متابعته الجيدة أثناء عمله في الصحافة في ستينيات القرن الماضي، لكل أنواع الفنون والأعمال المسرحية والسينمائية، وقد شاهد أثناء تلك الفترة فيلم "محاكمات نورميبرج"، وكتب نقداً عن شخصية الديكتاتور النازي هتلر ومدى استبداده، وجاء المقال مصاحباً برسم للفنان "رجائي"، كان عبارة عن صور صغيرة تمثل الشعب المصرى، ومعهم صورة صغيرة للرئيس الراحل "جمال عبدالناصر"، فصدرت الأوامر بوقفه عن الكتابة في الصحافة. وكان ذلك من أهم أسباب اتجاهه للكتابة المسرحية ، وفي خلال ثلاثة أشهر كتب ثلاثة مسرحيات، هى: "الإنسان والظل – الزلزال - الإسكندر الأكبر".

وفي مسرحية الزلزال أقدم"مصطفى محمود" على إدانة مادية العالم وتكالب البشر على جمع المال والمتعة، حتى يأتى الزلزال، ويظن الأبطال أنهم مقبلون على الآخرة، ليبدأوا فى اكتشاف الوهم الذى كانوا يلهثون وراءه. وفيها تظهر لديه نزعة وجودية إنسانية فلسفية، تدرجت فيها أحداث الدراما بتراجيديا أخاذة، ركزت على حالتين مختلفتين، حالة حب الدنيا، وحالة الإنسان في الآخرة، وهو يرى الدنيا على حقيقتها، وأنها لا تمثل له شيئاً.

والأدب الوجودي يتصف بوجه عام بالتوتر والغموض، فهو أدب إشكالي يريد أن ينبه القارئ إزاء مشكلاته، ولا يزعم بأنه قادر على حلها. ذلك أن المشكلات نفسها، تبدو في رأي الوجوديين غير قابلة للحل. ومن ثم ينشغل الأدب الوجودي بالصدى الميتافيزيقي والأخلاقي للسلوكيات الإنسانية، انطلاقاً من التسليم بأن كل مصير، هو مصير خاص. وأن لكل إنسان حقيقته الخاصة. وأن أي مرجع خارج عن الإنسانية، لا يستطيع أن يحدد للإنسان مصيره. وتبقى وظيفة الأديب في أن يضع شخوصه في صميم المشكلة، وأن يترك لها تلمس طريقها من خلال معاناة التجربة اليقظة. ومع ذلك لم تتخذ الوجودية في تأكيدها على المصير الإنساني، شكلا تأمليا غيبيا يعزل نفسه عن الإطار الحياتي الواقعي. بل تقوم على إثارة مشكلة الإنسان المصيرية ضمن واقعه المعيش. ومن هنا كان رفضها الشامل للعلاقات البرجوازية القائمة على التعصب والحواجز الدينية والقومية والطبقية. واستطاع هذا الاتجاه الرافض أن يتخلص نسبياً من الشوائب العاطفية الرومانسية، ليواجه مصير الإنسان ضمن مجال واقعه المعاصر، وأحياناً أفقه المنتظر.‏

ولو اتخذنا مسرحية الزلزال مثالا تطبيقيا على وجودية مسرح مصطفى محمود، سوف نجدها تناقش بقوة فكرة الوجود والعدم، الأخلاق واللاأخلاق. تبدأ أحداثها في حياة أسرة عادية، ولكن أفرادها يعيشون حياة منهارة، حياة برجوازية عفنة، لا يجتمع أفرادها إلا على المصلحة المشتركة، وجميعهم غارقون في الصراع والأطماع والحرب المادية العنيفة، باستثناء شخص واحد، هو الدكتور "أحمد"، الرجل المثالي الذي يريد أن يخدم الآخرين، ويجعل من الطب مهنة إنسانية.. وفجأة ينهار العالم الذي يعيشون فيه بدون أن يعلم القارئ عن سبب حدوث ذلك على وجه الدقة، فكل شيء تهدم، وتقع الكارثة فوق الجميع بما فيهم الدكتور أحمد، الذي يحمل في شخصيته معنى الخير والمثالية، فلا يتبقى منهم سوى أطفال العائلة.

وهنا، نجد المؤلف يزج بشخصيات المسرحية في مواقف وجودية، يجب عليهم خلالها أن يختاروا خلاصهم بملء إرادتهم الحرة، وبكامل مسؤوليتهم عما تستتبعه قراراتهم. فبعد وقوع الزلزال في نهاية الفصل الأول، نجد كل شخصية من شخصيات المسرحية تقف حائرة أمام ماحدث، وما سيكون عليها أن تواجهه.. أغلبهم يبحث عن مخرج أو مفر، وعلى النقيض من جهة أخرى، نجد نفيسة أخت الدكتور أحمد وهي تتمنى الموت لنفسها ولكل من حولها، فوجودهم في حياتها هو سبب مأستها من وجهة نظرها، وهنا نتذكر ما قاله"سارتر" على لسان أحد أبطاله "إن الجحيم هو الأخرون".

نفيسة:"مش عايزة أعيش. ومش عايزة حد يعيش. عاوزة أموت. وعاوزة كل الناس اللي في الدنيا تموت. أنا مش بحب حد. ومفيش حد بيحبني".

كذلك يلمس القارئ ملامح الموقف الوجودي من جدوى الوجود والعدم، وفكرة الحرية، وذلك في الحوار الذي دار بين الدكتور أحمد وأخيه مراد:

أحمد: واللي إحنا فيه ده دلوقت حلو قوي عاجبك؟

مراد: على الأقل أحرار..

أحمد: أحرار في إيه؟ أحرار في إننا نتجول بين أربع حيطان؟ أحرار في إننا ماناكلش؟ أحرار في إننا منشربش؟ أحرار في إننا نختار الموته إلى نموتها بالسكتة أو الجوع أو بالعطش؟

مراد: أحرار في إننا نتجول في العالم كله..

أحمد: وهو فين العالم؟ العالم بقى جهنم. بقى أرض حرام ممنوع فيها المرور لأي آدمي على قيد الحياة. إحنا دلوقت زي اللي بيرقص على كباية. زي اللي واقف على شعرة بين نار قدامه ونار وراه. كل حريته إنه يتمشى رايح جاي على الشعرة دي لغاية ماتقع بيه وتنتهي الحكاية..

ويتضح لنا عند قراءة الزلزال، تأثر "مصطفى محمود" بمسرح "سارتر"، فنجد تشابه ما بين البطل هنا والبطل السارتري، البطل الوجودي لابد أن يكون حراً، ولكي يكون حراً يجب أن يفلت من أية تحددية، سواء كانت هذه التحددية وراثية أم اجتماعية، ويجب أن يكون ممنوحاً كل حرية، وأن تنبثق الحرية من داخله ومن أعماقه. فيقول سارتر في هذا أيضا: "نريد أن نضع على المسرح مواقف معينة تلقي الضوء على المظاهر الرئيسية لوضع الإنسان حتى يشارك النظارة في الاختيار الحر الذي يقوم به الإنسان في تلك المواقف". وهو ما نجده ظاهرا أمامنا في مسرحية الزلزال.

والجدير بالذكر أن المسرحية قد أثارت جدلا واسعا من النقاد عند عرضها لأول مرة في الستينيات، فهي منافية لكل ما يعرف عن قوانين الدراما، فهي خالية من الأحداث ماعدا حدث واحد وهو "الزلزال".

وكما قال الدكتور "لويس عوض": "هي مناقشة فلسفية أو شبه فلسفية عن ماهية الحياة وماهية الموت، وعن علاقة الإنسان بالإنسان، وعن الخير والشر وعن الطبيعية البشرية والوهم والحقيقة. فهي أشبه بمونولوج أخلاقي ميتافيزيقي يلقيه الطبيب المثالي على أسرته وعلى القارئ أو المتفرج، وتقطعه من حين لآخر تعليقات هؤلاء الوضعاء المحيطين به، حتى تحل اللحظة الأخيرة ونسمع بهم جميعا وقد هلكوا في طوفان السيل، وهم يحاولون النجاة مما لا نجاة منه. حتى هذا الطبيب المثالي يهلك أيضا، ولكنه على خلاف كل هؤلاء الأشرار والتافهين يهلك وهو يحاول إنقاذ أطفال الأسرة، وقد بقوا وحدهم على وجه الأرض بعد هذا الدمار الشامل كأنهم رمز الإنسانية الجديدة، وكأنهم المقابل الحديث لنوح وزوجته في الفلك بعد الطوفان".



#هبة_الله_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبذ ثقافة الاحتقار


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبة الله إبراهيم - الوجودية في مسرح مصطفى محمود