أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم منصوري - مزج السياسات الماكرو-اقتصادية لتحقيق الاستقرار الماكرو-اقتصادي وخدمة الأهداف الاجتماعية (1)















المزيد.....

مزج السياسات الماكرو-اقتصادية لتحقيق الاستقرار الماكرو-اقتصادي وخدمة الأهداف الاجتماعية (1)


ابراهيم منصوري

الحوار المتمدن-العدد: 6173 - 2019 / 3 / 15 - 22:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أدى تنامي الوعي لدى الباحثين وصانعي القرار بأهمية تحقيق أهداف الألفية الثالثة المرتبطة بتخفيف الهشاشة والفقر والإقصاء الاجتماعي إلى تزايد الانتباه إلى أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسات الماكرو-اقتصادية، خاصة السياستان المالية والنقدية، في بلوغ أهداف الاستقرار الماكر-واقتصادي دون إهمال المرامي الاجتماعية. وفي هذا الصدد، غالبا ما يتهم الباحثون والسياسيون مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بالاهتمام المفرط بالاستقرار الماكرو-اقتصادي عن طريق الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية الداخلية والخارجية لبلدان الجنوب، مع إغفال واضح لأهمية الإنفاق العام الرامي إلى تقليص معدلات الفقر وتنمية التعليم وتحسين الخدمات الصحية وتمكين المرأة.

1. الحرية الاقتصادية والعدالة التوزيعية من منظور مؤسسات التمويل الدولية:

يرى خبراء صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في هذا الإطار أن تحقيق الاستقرار الماكرو-اقتصادي ليس هدفا في حد ذاته، بل وسيلة ضرورية لتحقيق نسب نمو مرتفعة لا يمكن تخفيف معدلات الفقر بدونها؛ وإلا فإن حكومات البلدان النامية ستجد نفسها في وضعية تعيد فيها توزيع الندرة (Redistribution de la pénurie). ويبدو من خلال هذا التحليل أن خبراء مؤسسات التمويل الدولية إنما يأخذون برأي الاقتصاديين الليبراليين حتى النخاع من أمثال عالم الاقتصاد الأمريكي المُنَوْبَل Milton Friedman الذي يذهب إلى أن الحرية الاقتصادية يجب أن تسبق العدالة الاجتماعية لأن الأولى هي التي تدفع بعجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، وبالتالي فهي التي تمكن من خلق الثروة التي بدونها لا يمكن للدولة أن تقوم بإعادة توزيع الكعكة القومية لصالح الفئات الهشة.

يقول ملتون فريدمان في هذا الصدد: "أي مجتمع يضع العدالة الاجتماعية نصب أعينه قبل الحرِّية لن يحقق أيا منهما. أما المجتمع الذي يعتبر الحرية سابقة للعدالة التوزيعية فسيحقق جرعات أكبر منهما" (“A society that puts equality before freedom will get neither. A society that puts freedom before equality will get a high degree of both” ).

2. تعليق أولي على ترتيب الحرية الاقتصادية والعدالة التوزيعية:

يمكن القول تعليقاً على الحكمة الفريدمانية المذكورة أعلاه إن الاهتمام المفرط بالاستقرار الماكرو-اقتصادي من لدن صائغي ومنفذي السياستين المالية والنقدية في سياق يتسم بمعدلات فقر عالية لن يخدم لا النمو الاقتصادي ولا تخفيف الفجوة بين الفقراء والأغنياء. ويعني هذا بالطبع أن تفاقم الفقر لن يخدم التنمية المستدامة في شيء طالما أن الفقر لا يهدد السلم الاجتماعي فحسب وإنما يعتبر أيضاً عدواً لدوداً للبيئة لأن الفقراء ينحون إلى تدمير البيئة والتنوع البيولوجي (Biodiversité) المحيط بهم من أجل ربح دراهم معدودات تعينهم على كسب قوتهم، والمثال الأحسن تعبيراً في هذا الإطار يتجلى في تدمير الغابات التي تساهم بقسط أوفر في جلب الأمطار إلى الأرض، ومن ثمة توفير الموارد المائية والمواد الغذائية لبني البشر.

ولهذا فإن نسبتي الفقر والنمو الاقتصادي مترابطتين، خاصة على المديين المتوسط والطويل، ومن ثمة فإن الاعتناء بالاستقرار الماكرو-اقتصادي يجب أن يتم في بيئة تتميز بنسب فقر معقولة، وإلا فإن الدول الفقيرة لن تتمكن لا من تعزيز نمو اقتصادياتها ولا تخفيف حدة الفقر ولا هم يحزنون. ففي المغرب مثلا، فرضت مؤسسات التمويل الدولية برنامجها التقويمي منذ 1983/1982، إلا أن ذلك البرنامج المشؤوم تم تنفيذه في سياق يتسم بارتفاع معدلات الفقر، مما ساهم في تباطؤ النمو الاقتصادي والتحاقن الاجتماعي وتدني الخدمات الاجتماعية، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والتشغيل، مما أفضى إلى ما نعيشه اليوم من شتى ضروب التقهقر في الخدمات الأساسية.

3. التدفقات المالية بين المركز والمحيط: مَنْ يُمَوِّلُ مَنْ؟

منذ بداية تمانينيات القرن الماضي عندما فرضت مؤسسات التمويل الدولية على بلدان العالم الثالث حزمة سياسات تقشفية قاتلة في إطار ما بات يسمى ببرامج التقويم الهيكلي (programmes d’ajustement structurel) بمكوناتها الطلبية والعرضية (Demand and Supply-Side Components)، والتي لم تكن تتوخى إلا إعادة الاستقرار في الحسابات الماكرو-اقتصادية بما فيها رصيد موازنة الدولة (Solde budgétaire) والرصيد الجاري لميزان الأداءات (Solde courant de la balance des paiement ) ونسب التضخم ومعدلات الصرف الحقيقة (Taux de change réels)، تم إقصاء ممنهج للأهداف الاجتماعية ضمن منظومة البرامج الماكرو-اقتصادية. وطبقا لهذا السلوك الموغل في استقرار الأرقام الماكرو-اقتصادية، يبدو أن برامج التقويم الهيكلي تلك لا تصبو إلا إلى حث حكومات البلدان المتخلفة إلى اقتصاد مزيد من العملة الصعبة التي بدونها لن تستطيع الوفاء بأداء ما بذمتها من الديون الخارجية بشقيها الثنائي والمتعدد الأطراف، حتى أن كثيرا من الباحثين بدؤوا يستفسرون بجدية: "من يمول من؟" (Qui finance qui ?).

ويعني هذا التساؤل بالطبع أن التدفقات المالية بين بلدان المركز والمحيط (Centre et péripéhrie) قد عوكست تماما لصالح البلدان المتقدمة وعلى حساب الأقطار المغضوب عليها علماً أن الأولى يجب عليها في الحقيقة أن تدفع للثانية ما بذمتها من ديون لقاء ما هيمنت عليه من موارد الجنوب في الحقبة الاستعمارية وما بعدها وما أفسدته في هذه البلدان نتيجة لتدمير التنوع البيولوجي، أو ما يصطلح عليه بالدين الإيكولوجي (Dette écologique ). وهذا ما دفع ببعض الباحثين وزعماء دول إلى حث حكومات بلدان الجنوب على الامتناع عن الالتزام بأداء الديون المجحفة لبلدان المركز.

4. إدماج الأهداف الاجتماعية في السياسات الماكرو-اقتصادية: الأهمية القصوى لتجسير البحوث والسياسات العامة

لا يتناطح عنزان على أن برامج التقويم الهيكلي المفروضة على بلدان الجنوب لا تهتم بتاتا بكل ما هو اجتماعي، بل زادت الطين بلة لما عمقت الفقر والإقصاء الاجتماعي وأهملت قطاعات اجتماعية حيوية كالتعليم والصحة والتشغيل، حتى أصبحنا على ما نحن عليه اليوم من تدهور اجتماعي محبط في شتى المجالات. وفي هذا الصدد، سيفهم القارئ الكريم أننا لا نلقي المسؤولية كلها على مؤسسات التمويل الدولية، بل إن حكومات بلدان الجنوب تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية في ما حصل قبل وبعد أزمة المديونية الخارجية التي عصفت بها. إن هذه الحكومات المتخلفة بكل بساطة لا تتعلم من الأخطاء التي تراكمها عبر الزمن، أي بلغة علماء الاجتماع والسياسة أنها لا تملك ذرة من التعلم الاجتماعي (Social Learning).

لم تبدأ مؤسسات التمويل الدولية التفكير في إدماج الأهداف الاجتماعية مع الاستقرار الماكرو-اقتصادي والنمو الاقتصادي الكلي إلا في السنوات القليلة الماضية، خاصة في إطار ما اصطلح عليه بتسهيلات تقليص الفقر وتعزيز النمو (Poverty Reduction and Growth Facility). إلا أن إدماج الأهداف الاجتماعية مع مرامي النمو الاقتصادي والاستقرار الماكرو-اقتصادي لا يعني بتاتا إدخال هذه الأهداف بشكل أعمى ضمن الإطار الماكرو-اقتصادي المصاغ سالفاً، بل يتعدى ذلك إلى الاطلاع العلمي الرصين على مكامن الالتقاء والتنافر بين الأهداف الماكرو-اقتصادية والاجتماعية والروابط السببية بين السياسات الماكرو-اقتصادية والبرامج الاجتماعية في الاتجاهين معاً، خاصة على المدى البعيد.

كما أن إدماج الأهداف الماكرو-اقتصادية والاجتماعية في بوتقة أكثر تجانساً يستدعي انتقاء أمثل لأدوات السياسة العامة (Policy Instruments) مع التركيز على اختيار تزمين أفضل للإصلاحات اللازمة (Timing of Reforms). ولذلك فإن عدم التجانس (Incohérence) في هذا الإطار لن يخدم لا تخفيف الفقر ولا النمو الاقتصادي المستدام.

يتضح مما سبق ذكره أن إدماج الأهداف الاجتماعية ضمن برنامج ماكرو-اقتصادي متكامل، خاصة مع مزج مثالي للسياستين المالية والنقدية (Optimal Policy Mix)، يستدعي استهلاكا عقلانيا لعلوم شتى في المضامير الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمؤسساتية والرياضياتية والإحصائية وغيرها، عوض الاكتفاء بوضع سياسات عوجاء لا تفكير فيها ولا تمحيص. ومن هنا تتضح أهمية التعليم والبحث العلمي المرتكزين على تجسير البحوث والسياسات العامة (Bridging Research and Policy)، والذي بدونه ستستمر البلدان المتخلفة في تنمية تخلفها عوض التنمية الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لتحسين مستوى العيش وبناء رأسمال بشري مبتكر وخلاق.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن تجسير البحوث والسياسات العامة لن تقوم له قائمة إلا بتجديد النخب وتمكينها من تحمل المسؤولية. إن البلدان التي يحكمها أشباه الجهلاء لن تنتج إلا الفقر والإقصاء والقبوع في ذيل الأمم، بل سترمى في مزبلة التاريخ.

5. خواتم وتمهيد للمزيد حول الموضوع:

كانت هذه رؤوس أقلام موجزة من ورقة بحثية شاملة. في الحلقات القادمة من هذه الدراسة، سنواصل سبر أغوار مزج الأهداف الاجتماعية في البرامج الماكرو-اقتصادية، مع التركيز على مُعَايَرَة السياستين المالية والنقدية (Dosage des politiques budgétaires et monétaires) كسياستين ماكرو-اقتصاديتين أساسيتين.

في الحلقات القادمة، سندخل في صلب الموضوع، معتمدين على إطار مفاهيمي ومنهجي أكثر اتساقا، وذلك من أجل فهم أحسن للتجانس بين الاستقرار الماكرو-اقتصادي وتحقيق الأهداف الاجتماعية الاساسية. وفي هذا الإطار، سنستعمل التحليل الاقتصادي العصري بالإضافة إلى استحضار علوم إنسانية واجتماعية أخرى، آملين أن نمحص الإشكالية المطروحة والتي لم توليها الأدبيات الاقتصادية المتوفرة شيئا من الاهتمام إلا في الآونة الأخيرة.



#ابراهيم_منصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عَن الْعَالِمِ الْجَلِيلُ تُومَاس الْكِيوَّر: قِصَّةٌ وَاقِع ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with ...
- الاقتصادي الأمريكي إرفينغ فيشر يتحدى زوجته السكيرة
- الانزلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للرئيس التركي را ...
- مُدَكْتَرُ سيَاحَة وَمَاءُ حَنَفيَة: قصة واقعية
- مقاطعة السلع والجهل الاقتصادي في المغرب
- رابط السروال الأحمر ولويس الرابع عشر
- ربما سيحدث: فوز المغرب بكأس العالم 2018 ونيل شرف تنظيم كأس ا ...
- لاَ تَذْكُرُواْ أَمْوَاتَكُمْ بِالْكُمَيْتِ: قِصةٌ وَاقِعِية ...
- من وحي عبد الواحد حبابو: الإدارة تأكل أبناءها
- أُس صِفْر
- شِعْرٌ فِي اللحميةِ والنبَاتِي
- شعر في النباتي
- النباتي والكهرباء والماء وأنا


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم منصوري - مزج السياسات الماكرو-اقتصادية لتحقيق الاستقرار الماكرو-اقتصادي وخدمة الأهداف الاجتماعية (1)