أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد إنفي - معضلة التسول في المغرب: تسول الأطفال والتسول بالأطفال















المزيد.....

معضلة التسول في المغرب: تسول الأطفال والتسول بالأطفال


محمد إنفي

الحوار المتمدن-العدد: 6170 - 2019 / 3 / 12 - 21:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظاهرة التسول في بلادنا أصبحت معضلة اجتماعية حقيقية. فهي لا تزداد إلا استفحالا وانتشارا. والأساليب المستعملة في الاستجداء واستدرار عطف المتصدقين المحتملين، لا تزداد إلا تطورا وتنوعا. والممارسون لهذا "النشاط"، هم من كل الفئات العمرية، ومن الجنسين.
وقد زادت الهجرة الأفريقية والأوضاع بسوريا (انظر مقالنا "الهجرة والتسول في المغرب"، تطوان بلوس" بتاريخ 1يناير 2019) من تعقيد الوضعية، بحيث أصبح الأمر مقلقا حقا بسبب احتلال مفترق الطرقات، في المدن، من طرف مجموعات من الشبان الأفارقة ومن بعض الأسر السورية.
لقد أصبحت ظاهرة التسول، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها، تشكل آفة مجتمعية بكل معنى الكلمة. ومن التجليات المؤلمة والخطيرة لهذه الظاهرة، في بلادنا، انخراط الأطفال من كل الأعمار في ممارستها، إما كـ"فاعلين"نشيطين في الميدان أو كـ"أدوات" في يد الكبار يستعملونهم كوسيلة لاستدرار عطف الناس من أجل التكسب.
ولهذا السبب، قررت أن أخصص هذا المقال لتسول الأطفال المغاربة والتسول بهم، لما لهذا الأمر من انعكاسات خطيرة ليس على حاضر ومستقبل ممارسي هذه "المهنة" فقط؛ بل وأيضا على حاضر ومستقبل البلاد.
فإذا كانت ممارسة هذا النشاط، تتيح للأطفال كسب بعض النقود للعيش أو لمساعدة عائلاتهم على البقاء بالحياة، فإنها، بالمقابل، تهدم فيهم، من جهة، أغلى ما لدى الإنسان؛ وهي الكرامة؛ ومن جهة أخرى، تقوض، من الأساس، البناء الذاتي لشخصيتهم وكيانهم.
ويكشف هذا النوع من النشاط هشاشة وضعف نسيجنا الاجتماعي والمجتمعي؛ كما أنه يكرس، من خلال استفحاله، هذا الوضع ويزيده تدهورا وترديا. فممارسة التسول من طرف الأطفال، هو تعبير عن اختلال اجتماعي كبير. ولهذا الاختلال كلفة اجتماعية ومجتمعية باهظة على الحاضر والمستقبل.
لا شك أن تسول الأطفال يشكل، من الناحية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية، وصمة عار في جبين مؤسساتنا الرسمية والمجتمعية؛ وفي طليعتها الدولة بكل مرافقها الاجتماعية. فوجود الأطفال (وأنا، هنا، لا أتحدث عما يسمى "أطفال الشوارع"؛ فهذه كارثة أخرى حيرت حتى بعض المشتغلين عليها) في الأماكن العامة (أسواق، أمام المساجد، مفترق الطرقات، مقاهي، محطات طرقية...)، بحثا عن بعض الدريهمات عن طريق التسول، يسيء لصورة بلادنا ويكشف عن فشل السياسات العمومية في المجال الاجتماعي. فبدل أن يكون هؤلاء الأطفال في المدارس، تجدهم خارجها وخارج بيوتهم، يزاحمون المتسولين من العجزة وذوي العاهات.
إن حرمان هؤلاء الأطفال من حقهم في مقعد دراسي- إما من قبل الدولة (عدم توفير مقعد دراسي لكل طفل في سن التمدرس)، وإما من طرف أسرهم (يدفعون بهم، بسبب الحاجة، إلى الشارع للتسول، بدل إرسالهم إلى المدارس)، وإما بسبب فشل السياسة التعليمية (مطرودون مبكرا من المدارس بعد فشلهم في الدراسة في سنواتهم الأولى)- فيه هضم لحق من حقوقهم الأساسية. وفي تعاطيهم للتسول، هدر لكرامتهم الإنسانية.
وتجدر الإشارة إلى أن تسول الأطفال، اليافعين منهم بالخصوص، غالبا ما يكون مُقَنَّعا؛ بحيث يتسترون خلف خدمات بسيطة، مثل بيعهم لبعض السلع الخفيفة كالمناديل الورقية أمام إشارات المرور، أو أكياس "البلاستيك" (أو ما يشابهها) في أسواق الخضر والفواكه؛ ويعرضون أيضا خدماتهم على المتسوقين لمساعدتهم (بمقابل مادي زهيد، غالبا) على نقل مشترياتهم إلى السيارة أو حتى إلى المنزل، إن اقتضى الحال. ومنهم من يتعاطى مسح زجاج السيارات في مواقفها أو أمام إشارات المرور (أمام الضوء الأحمر بالخصوص)...دون الحديث عن مسح الأحذية أو العمل في ورشات "صناعية" كالحدادة، مثلا، مقابل أجر زهيد جدا.
أما التسول بالأطفال، فذلك أمر أفظع. فهو، من حيث الشكل، تسول تمارسه النساء بالأساس. ومن يمارسه من الرجال، فإما أنه ذو عاهة، حقيقية أو مزعومة، وإما أنه متقدم في السن. والطفل، هنا، يكون، غالبا، مجرد مرافق للمتسول؛ يقوده حيث يريد.
وللتسول بالأطفال، عدة وجوه. فبالإضافة إلى كونه مؤنث بالأساس، فإن الأطفال (ذكورا وإناثا) المستعملين في هذا النوع من التسول، إما يكونون حاضرين فعليا (مصاحبين لأمهاتهم أو من هن في وضعية أمهاتهم)، وإما يكونون حاضرين افتراضيا. فقد تصادف امرأة، أمام باب مسجد، مثلا، تطلب صدقة لإعالة أربعة أيتام، وليس معها أحد منهم ؛ كما قد تصادف امرأة أخرى معها طفل واحد، وتطلب إعانتها على إعالة أربعة أيتام. وهناك نساء أخريات يصطحبن معهن أكثر من طفل.
وقد لاحظت، في المدة الأخيرة، تواتر رقم أربعة (أربعة أيتام) عند بعض النسوة، وهن يستجدين الناس أمام المساجد، أساسا، وأحيانا في المقاهي أو في الأسواق اليومية (أسواق الخضر والفواكه). ومنهن من يلجأن لأصحاب بعض المتاجر، طمعا في كرمهم وإحسانهم.
وهناك حالة من هذا النوع من التسول (التسول بالأطفال) شائعة جدا؛ بحيث يتداولها الناس بكثرة في حديثهم عن ظاهرة التسول. وهي حالة تتقزز منها النفس ويشمئز منها الضمير الإنساني؛ إنها قضية استئجار الأطفال للتسول بهم. فالطفل، هنا، (ذكرا كان أو أنثى) يهان مرتين: يهان من طرف أهله الذين يقبلون استئجارَه للغير كأي شيء قابل للتداول بين طرفين؛ ويهان من قبل المستأجِر (رجلا كان أو امرأة) الذي يستعمله من أجل استدرار عطف الناس طمعا في عطائهم. وبمعنى آخر، فالطفل يعامل، في هذه الحالة، ليس ككيان وإنما كشيء قابل للاستعمال. فهو مجرد وسيلة للكسب، سواء بالنسبة لأهله، أو بالنسبة لمستأجِره.
وقد أصبح التسول بالأطفال مدعاة للشك وانعدام الثقة، نظرا لشيوع الحديث عن استئجار الأطفال. فحين تكون المتسولة (أو المتسول) مصحوبة بطفل واحد، فأول ما يتبادر إلى الذهن، هو أن هذا الطفل (ذكر أو أنثى) قد يكون مُستَأجَرا. بالطبع، في مثل هذه الحالات، يصعب الجزم إن كان الطفل مستأجَرا أو غير مستأجَر؛ ما عدا إن كانت المتسولة (أو المتسول) متقدمة في السن. وحتى في هذه الحالة، قد يتعلق الأمر بالجدة (أو الجد).
إن تسول الأطفال والتسول بهم يسائل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، الرسمية منها على الخصوص؛ ويسائل الهيئات المعنية (أو المهتمة) بحقوق الطفل. فهؤلاء الأطفال معرضون لكل الآفات وكل الأخطار. فهم فريسة سهلة للمنحرفين لاستغلالهم جنسيا؛ كما أن شروط الانحراف موجودة لديهم بالقوة، ويوفر لهم المجتمع الظروف المناسبة لاحتراف الانحراف.
فهل إلى هذا الحد وهنت مؤسساتنا الاجتماعية؟ وهل دولتنا عاجزة عن حماية أطفالها من التشرد؟ وهل بمثل هذه الاستهانة بمستقبل أطفال مغاربة، يمكن أن نبني وطنا قويا بأبنائه المتشبثين بالانتماء إليه؟ أليس هذا العجز الاجتماعي، هو الذي جعل آلاف الأطفال المغاربة يتسكعون ويتسولون في البلدان الأجنبية (إسبانيا كمثال)؟ أليس من واجب كل السلطات (بما في ذلك الأمن) وكل الإدارات الترابية وكل مؤسسات الدولة والمجتمع التي تعنى بالجانب الاجتماعي، أن تعتني بهذا الموضوع، خاصة وأنه يكشف بالملموس مدى الحيف الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي...الذي تعاني منه فئات من أطفال هذا الوطن؟...



#محمد_إنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -رشيد نيني- وإسقاط الطائرة في حديقة التاريخ
- الحكامة من منظور الوزير ومن منظور مجلس المنافسة
- في الفرق بين النضج والإنضاج في السياسة
- ارحموا عزيز قوم جُن
- بنكيران أكذب من مسيلمة ومن عرقوب
- بنكيران، من-ما دون البغل وما فوق الحمار- إلى ما فوق الحصان ا ...
- التعامل النفعي ل-هبيل- حي الليمون بالربط مع مفهوم الحرية الف ...
- عن العقد الجديدة في مجال علم النفس التحليلي
- الهجرة والتسول في المغرب
- على هامش قرار متابعة السيد عبد العالي حامي الدين: مخاطر تحوي ...
- مهرجان الاتحاد الاشتراكي بوجدة: صناع الأحداث الكبرى وصغار ال ...
- على هامش المهرجان الوطني للاتحاد الاشتراكي بوجدة: قراءة زمكا ...
- الاتحاد الاشتراكي ومسألة الديمقراطية والحكامة
- حرية التعبير بين المفهوم والممارسة
- النباح بين الدارج والفصيح
- في شأن الوضع السياسي بالمغرب، ألسنا في حاجة إلى نوع آخر من ا ...
- إلى السيد رئيس الحكومة المغربية المحترم: ألم يحن الوقت بعد ل ...
- عن الجدل الدائر حول اللغة العربية والدارجة المغربية
- عن بعض مظاهر الاستلاب المشرقي في المغرب
- حديث عن عقدة اسمها ماضي الاتحاد الاشتراكي


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد إنفي - معضلة التسول في المغرب: تسول الأطفال والتسول بالأطفال