أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق سعيد أحمد - أين يذهب الذُباب ليلا؟















المزيد.....

أين يذهب الذُباب ليلا؟


طارق سعيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6169 - 2019 / 3 / 10 - 02:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يلهو الذباب فوق القاذورات، ويدس خرطومه فيها ليقتات منها، بل، وعلى الحلوى أيضا، يبحث عن قوت يومه، تراه مثلي لا يكف عن البحث، يراوغ ويغامر بحياته في أحايين كثيرة، يلتصق على زجاج النوافذ كما يفعل على وجوهك ووجهي ــ وعلى وجه بنت عم صديقك أيضا ــ لا فرق عنده بين سطح وآخر بين منزل أو جامعة أو بين بستان وقبر!، الكل سواء، في حضرته!، عليه أن يحلق ويغني غنوته البائسة تلك ــ ما نسميها نحن البشر "زن" ــ ليدرك قطعة من الآيس كريم تعلو قرطاسا من البسكويت في يد طفل غفلت أمه عنه للحظة، لينقض عليها من احدى الزوايا الخفيه فيها، ويمتص أكبر كمية من السائل المثلج قبل أن تطوله عين الأم، أو صحيفة الأب الجالس بالجوار يقرأ عموده المفضل.

كم هذا برئ؟!، كائن يبحث عن طعام!، هذا كل ما في الأمر.. أليس كذلك؟. ودفاعا عن الذباب، وعن أي حشرة تبحث عن حقها في الحياة، أقول: هذا الكوكب ليس حكرا على أحد، ولا يوجد فضل من كائن على كائن آخر.. نحن شركاء

أعرف جيدا أن الذباب ــ وللأسف الشديد ــ لن يقرأ ما أكتبه دفاعا عنه، وعن حقه في الحياة، الحقيقة أنه لا ولن يهمه كلامي الفارغ هذا عنه، لأنه الأرقى بجهله عن ما يتعلمه الإنسان، فلا ولن تحاول ذبابة أن تسلك سلوك البشر، ولكن البشر الأدنى بعلمهم هم من سلكوا سلوك الذباب، أنت ذبابة.. أنت حشرة. هكذا ينعت وينهر الساسه بعضهم البعض في أكبر المحافل الدولية سرا وعلانية ويلعنهم اللاعنون ــ إلا من رحم ربي ــ ، ورغم وضعهم الحساس بما أنهم من يديروا مصالح البلاد والعباد، هم أكثر البشر قربا من صفات الذباب!.. لماذا الساسه وحدهم هم من يديروا مصالح البلاد والعباد؟.. اترك لك هذا السؤال لتتأمله.

ومع ذلك، يعرف الذباب أنه ملوث وناقل للأمراض، سريعا يبتعد إن طلبت منه بحركة يد الذهاب، وعلى العكس تماما، يلتصق الساسه والحكام على وجه الأوطان بغراء نحسه في البداية أنه أبدي، ولكن بالتجربة العملية تعلمت الشعوب بأنه ينفك، والفارق الجوهري بين الكائنين هو أن الأول يمارس حقه في الحياة، أما الثاني يلتصق سالبا حق الحياة من البشر!.. إذن أيهما أرقى؟.

ولشعب مصر تجارب في التاريخ الحديث في هذا السياق، الأولى ثورة 1919 المجيدة، وما أعقبها من أحداث قيدت استكمالها وتحقيق أهدافها المشروعة، والثانية 25 يناير المجيدة، وما أعقبها من أحداث كبحت نموها بوصول جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية إلى سدة الحكم، ما أدى إلى نزول أكثر الشعب المصري إلى الشارع ــ وأنا منهم ــ محتجا على تحويل مصر إلى دولة دينية راديكالية، وقام بعزل الإخوان من حياته الاجتماعية والسياسية نهائيا في 30 يونيو الموجه الثانية من ثورة 25 يناير، والتي اخفقت هي الأخرى، وفشلت ـ إلى الآن ـ بأن تأخذنا إلى دولة مدنية علمانية تقوم على مبادئ العدل وتفعيل الدستور والقانون وضمان الحرية لكل شعبها دون تمييز.


أن تتذابب هذا شأنك، بينما الإنسان يمتلك من الوسائل التواصلية الكثير، وأنتج عبرها أفكارا نمذجت حاضره وعمقت وجوده فيه عبر تاريخه، متخذا من المفاهيم المتاحة له نوافذ وأبواب للمرور إلى نطاق التحقق الفردي، وللذوبان في مجتمعه المحلي أو الإقليمي أو العالمي، لذلك، اعتبر نفسي متشائما، حينما يصبح التفاؤل ــ في حاضرنا البائس ــ درب من دروب اللامبالاة والسفه والهزل والعبث، ويصبح التشاؤم فعل مقاومة قادرا على كشف قبح التفاؤل المزعوم هذا، ومحو أثاره اللزجة من فوق مسامع وعيون بالأحرى عقول البسطاء الحالمين بلقمة عيش نظيفة ووطن لا يلوثه البشر الذباب.

انظر، الكوب فارغ بالفعل!، ما يراه البعض مجرد سراب، أو انعكاس للصورة الذهنية المسبقة التي تؤكد امتلاء نصف الكوب بالماء، كل ما عليك فعله هو أن تقترب أكثر من هذا الكوب المزعوم، وتمسكه بيدك، وتعيد فحصه بنفسك، أشك في أن تجد الكوب هذا من الأساس، حيث اعتبره في حقيقة الأمر خدعة في الطريق، أو حيلة ذهنية أطلقها أحدهم في عالمنا ليحددنا في اطار صفتين واهيتين لا تليق بالعمل السياسي، فإما أن تكون متفائلا ـ ما يعتبر ايجابيا ـ أو إما أن تكون متشائما ــ وهذا الجانب السلبي ــ فبعيدا عن نية مؤسسها، تلك القاعدة لا تعد حجة عقلية خالصة، أوقادرة على فرز الأمور وتفكيكها، وإن كنت ـ يا صديق ـ قد وجدت الكوب المزعوم هذا، وفحصته بالفعل ووجدت نصفه ممتلئ حقا بالماء، احرضك الآن على التشاؤم بقوة، حتى لا نقف عند حدود النصف تلك، ونملاء هذا الكوب بالماء عن آخره، وتنتهي تلك الحيل الخبيثة من حياتنا، التي لابد لها من أن نتعامل مع واقعيتها بقليل من العقل النقدي في ابسط الأحوال ــ أي التشاؤمي بلغة المتفائلين الجالسين حول كرسي الحاكم ـ، إن كنا لسنا بفاعلين.. الآن.

ومع ذلك، لا يمكن تخيل العالم بدون ذباب، حيث لا مبرر لوجوده سوى أنه موجود!، كما لا يمكن تصوره ـ بالضرورة ـ بدون أشباهه!، ومن سلك سلوكه المتطفل، ومن هذه الرؤية، استطيع أن أصل لنتيجة مفادها ضرورة تفعيل عملية توزيع "الفقد" بتساوي يضمن محو تكرار الرزائل، وصده بقانون ــ لا شك في أنه انساني بحت ــ يحمي كل الأطراف، المتسبب، ومن وقع عليه الرزيلة.


ولعل كثير من المنظرين والفلاسفة مال لفكرة العدل وتوزيع "الأخذ" بتساوي مُرضٍ، وأرى أنها فكرة بالية، وغير منصفة ومضللة وتصل إلى مستوى الجرائم الفكرية، ولابد من مراجعتها على مستوى عالمي، حيث أن العدل لن يتحقق كما ــ حلم الحالمون ــ إلا إذا حققناه أيضا في توزيع "الفقد".


فإذا أمطرت السماء على بركتين احداهما جفت عن آخرها، والأخرى كان الماء فيها عصي على الامتصاص، بعد انقطاع الإنهمار.. ماذا تتوقع؟، مؤكدا أن واحدة سوف تمتلئ وتفيض والأخرى ستظل ناقصة، واحتمال امتلاءها يكاد يكون مستحيلا.

فالذبابة المتطفلة التي اطلقت خرطومها على آيس كريم الطفل وامتصت منه بالفعل، اكتفت من سائله المثلج، ولم يخطر ببالها أن تحوم حول القطعة الأخرى المزروعة في يد اخت الطفل الجالسة بجوار والدها المثقف قارئ الصحيفة، وبفحص هذه الدلالة سنلحظ أن ما يقع من سلب تحدد في اطار زمني مشحون بعوز ما طال الذبابة، ويتكرر كلما احست بالجوع، هنا لا يمكن أن نعاقب احتياج الذبابة، لكن من الممكن، أن نأخذ قليل من آيس كريم الأخت، ونتركه بجوار طابور النمل الزاحف خلف كرسي الحديقة!. ولا يقترب هذا الطرح من قريب أو من بعيد من الفكرة القائلة "المساواة في الظلم عدل"، وإلا كان على الأب الإمتناع عن شراء الآيس كريم لأولاده من الأساس، وكان علي ـ أنا ـ أن أزيح البركتان من تحت السماء الماطره!، أو على أقل تقدير أردمهما. هنا توزيع الفقد يهدف لتحقق العدل الشامل، وليس لتحقق الفقد للفقد.

ومع ذلك، يختفي الذباب من حياتنا مع غروب الشمس يوميا، ويذهب ليلا إلى مخبأه السري، تاركا لنا سلوكه المتطفل السالب يتجدد في عالمنا الإنساني دون توقف.



#طارق_سعيد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أفسر ذلك؟
- -تقيل- نص حديث ل -طارق سعيد أحمد-
- *قلوب خضره
- الشاعر المصري طارق سعيد أحمد في ضيافة - دار العرب - للثقافة ...
- ارتفاع الرصيف لا يناسبني
- سيلفي عمار علي حسن في -مكان وسط الزحام-
- ما القيمة؟
- -منتدى الشعر المصري الجديد-.. لقاء البقاء
- خرافات -البغوي- في تفسير القرآن
- -خروشه- ن
- -نور مُظلم- قصيدة جديدة للشاعر طارق سعيد أحمد
- مقال عمار علي حسن الممنوع من النشر
- عصام حسين يكتب: زيف الوجود وتأزم الحاضر في-تسياليزم.. إخناتو ...
- د.مصطفى الضبع يكتب: المجال الحيوي للقصيدة في ديوان -تسيالزم، ...
- بيان المثقفين العرب بخصوص القدس ..
- في البدء كانت الدولة ج2
- في البدء كانت الدولة ج1
- خبيئة العارف.. لماذا؟
- كيف تصنع جاهلا؟ ج10
- كيف تصنع جاهلا؟ ج9


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق سعيد أحمد - أين يذهب الذُباب ليلا؟